مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تتمة كشف تلبيس الأزهري في تبريره استغاثات القبورية

تتمة كشف تلبيس الأزهري في تبريره استغاثات القبورية




والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :

فقد كتب داعية الشرك محمد الأزهري كتابة ينقل فيها كلاماً عن ابن القيم في شأن موت والأرواح ليبرر الاستغاثات الشركية


وليعلم أولاً كون الميت له روح هذه الروح قد تتصل ببعض الأحياء في المنام ليس معنى هذا أنه يجوز الاستغاثة بها فيما لا يقدر عليه إلا الله


وليس معناه أنها قد صارت روحاً ذات قدرة مطلقة كقدرة الله تسمع القريب والبعيد وتجيب من سألها ولا يختلط عليها صوت بصوت


ففي الحديث يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الأمة ملائكة يبلغونه السلام عن أمته فهذا نص أنه صلوات الله وسلامه عليه يفتقر إلى تبليغ الملائكة وغاية ما في الأرواح أن تصير كالحي العادي في بعض الأحوال والحي نفسه لا يسمع القريب كما يسمع البعيد ولا تختلط عليه الأصوات بل هذا كله من خصائص الله تبارك وتعالى


وقد نص عدد من علماء المذاهب على الحكم بشركية من يقول أن أرواح المشايخ حاضرة تفعل بإرادتها وتغيث


جاء في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي :" وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا مَنْ قَالَ أَرْوَاحُ الْمَشَايِخِ حَاضِرَةٌ تَعْلَمُ يَكْفُرُ"


فليس هذا من خصوصيات علماء الدعوة النجدية وهم هنا يعنون اعتقاد القبورية أنهم بمجرد موتهم يصير لهم علم كعلم الله ما يستغيث بهم مستغيث إلا أجابوه


جاء في المحيط البرهاني في الفقه النعماني من كتب الأحناف (3/29) :" تزوج امرأة بشهادة الله ورسوله لا يجوز؛ لأن هذا نكاح لم يحضره شهود، وعن أبي القاسم الصفار رحمه الله أنه قال: يكفر من فعل هذا؛ لأنه اعتقد أن رسول الله عليه السلام عالم الغيب"


وقد عارضه بعض متأخري الأحناف في التكفير ولم ينسبوه إلى الغلو فتأمل


والآن مع النقولات التي ذكرها عن ابن القيم في الروح وبيان حقيقتها


وَقَالَ شَيخنَا أَحْمد بن عَمْرو الَّذِي يزيح هَذَا الاشكال إِن شَاءَ الله تَعَالَى ان الْمَوْت لَيْسَ بِعَدَمِ مَحْض وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَال من حَال إِلَى حَال وَيدل على ذَلِك أَن الشُّهَدَاء بعد قَتلهمْ وموتهم أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين مستبشرين وَهَذِه صفة الْأَحْيَاء فِي الدُّنْيَا وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الشُّهَدَاء كَانَ الْأَنْبِيَاء بذلك أَحَق وَأولى مَعَ أَنه قد صَحَّ عَن النَّبِي أَن الأَرْض لَا تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء وَأَنه اجْتمع بالأنبياء لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي بَيت الْمُقَدّس وَفِي السَّمَاء وخصوصا بمُوسَى وَقد أخبر بِأَنَّهُ مَا من مُسلم يسلم عَلَيْهِ إِلَّا رد الله عَلَيْهِ روحه حَتَّى يرد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يحصل من جملَته الْقطع بِأَن مُوت الأنبياء إِنَّمَا هُوَ رَاجع إِلَى أَن غَيَّبُوا عَنَّا بِحَيْثُ لَا ندركهم وَإِن كَانُوا موجودين جَاءُوا ذَلِك كالحال فِي الْمَلَائِكَة فَإِنَّهُم أَحيَاء موجودون وَلَا تراهم وَإِذا تقرر أَنهم أَحيَاء فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الصَّعق صعق كل من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله فَأَما صعق غير الْأَنْبِيَاء فموت وَأما صعق الْأَنْبِيَاء فَالْأَظْهر أَنه غشية فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الْبَعْث فَمن مَاتَ حى وَمن غشى عَلَيْهِ أَفَاق وَلذَلِك قَالَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته فَأَكُون أول من يفِيق فنبينا أول من يخرج من قَبره قبل جَمِيع النَّاس إِلَّا مُوسَى فَإِنَّهُ حصل فِيهِ تردد هَل بعث قبله من غَشيته أَو بقى على الْحَالة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قبل نفخة الصَّعق مفيقا لِأَنَّهُ حُوسِبَ بصعقة يَوْم الطّور وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة لمُوسَى وَلَا يلْزم من فَضِيلَة وَاحِدَة أفضليته على نَبينَا مُطلقًا لِأَن الشَّيْء الجزئي لَا يُوجب أمرا كليا انْتهى

قَالَ أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ ان حمل الحَدِيث على صعقة الْخلق يَوْم الْقِيَامَة فَلَا إِشْكَال وَإِن حمل على صعقة الْمَوْت عِنْد النفخ فِي الصُّور فَيكون ذكر يَوْم الْقِيَامَة يُرَاد بِهِ أَوَائِله فَالْمَعْنى إِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الْبَعْث كنت أول من يرفع رَأسه فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أدرى أَفَاق قبلى أم جوزى بصعقة الطّور


هذا هو النقل الأول وهو كلام للقرطبي يزعم فيه أن موت الأنبياء مقتصر على أنهم غيبوا عنا لا أنه موت حقيقي فهم أحياء عند ربهم ويظهر أنه يراها حياة من جنس الحياة الدنيوية لا حياة برزخية لها خصوصياتها فهل ابن القيم موافق على عدم موت الأنبياء الموت الحقيقي والذي يدل عليه ظاهر القرآن ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وأن الحياة البرزخية وإن كان لها خصوصيات إلا أنها تختلف عن الحياة الدنيوية


قال ابن القيم بعد نقله كلام القرطبي وشيخه : وَحمل الحَدِيث على هَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ تردد هَل أَفَاق مُوسَى قبله أم لم يصعق بل جوزي بصعقة الطّور فَالْمَعْنى لَا أدرى أصعق أم لم يصعق وَقد قَالَ فِي الحَدِيث فَأَكُون أول من يفِيق وَهَذَا يدل على أَنه يصعق فِيمَن يصعق وان التَّرَدُّد حصل فِي مُوسَى هَل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ الصعقة الأولى وَهِي صعقة الْمَوْت لَكَانَ قد جزم بِمَوْتِهِ وَتردد هَل مَاتَ مُوسَى أم لم يمت وَهَذَا بَاطِل لوجوه كَثِيرَة فَعلم أَنَّهَا صعقة فزع لا صعقة موت وَحِينَئِذٍ فَلَا تدل الْآيَة على أَن الْأَرْوَاح كلهَا تَمُوت عِنْد النفخة الأولى نعم تدل على أَن موت الْخَلَائق عِنْد النفخة الأولى وكل من لم يذقْ الْمَوْت قبلهَا فَإِنَّهُ يذوقه حِينَئِذٍ وَأما من ذاق الْمَوْت أَو من لم يكْتب عَلَيْهِ الْمَوْت فَلَا تدل الْآيَة على أَنه يَمُوت موتَة ثَانِيَة وَالله أعلم.


فابن القيم اعترض على أصل البحث الذي أورد من أجله الكلام في تفسير حديث الصعقة


بل يرى أن حمل صعقة موسى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدري أصعق موسى أو لم يصعق على صعقة الموت باطل إذ لا يجوز أن يتردد النبي صلى الله عليه وسلم في موت موسى


وعموماً حتى على قول شيخ القرطبي فهو يقول : غيبوا عنا .


وعلى قول القبورية نحن نتصل معهم ونراهم أو يسمعون قولنا فهم لم يغيبوا عنا بل هم كالأحياء تماماً وهذا مناقض لجميع النصوص


قال تعالى عن عيسى ابن مريم :" وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد"


هذا النقل الأول لا علاقة له بأمر الاستغاثة أو علم الغيب أو سماع أصوات المنادين القريب كالبعيد


النقل الثاني : وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن مَا ذكرنَا من شَأْن الرّوح يخْتَلف بِحَسب

حَال الْأَرْوَاح من الْقُوَّة والضعف وَالْكبر والصغر فللروح الْعَظِيمَة الْكَبِيرَة من ذَلِك مَا لَيْسَ لمن هُوَ دونهَا وَأَنت ترى أَحْكَام الْأَرْوَاح فِي الدُّنْيَا كَيفَ تَتَفَاوَت أعظم تفَاوت بِحَسب تفارق الْأَرْوَاح فِي كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لَهَا فللروح الْمُطلقَة من أسر الْبدن وعلائقه وعوائقه من التَّصَرُّف وَالْقُوَّة والنفاذ والهمة وَسُرْعَة الصعُود إِلَى الله والتعلق بِاللَّه مَا لَيْسَ للروح المهينة المحبوسة فِي علائق الْبدن وعوائقه فَذا كَانَ هَذَا وَهِي محبوسة فِي بدنهَا فَكيف إِذا تجردت وفارقته وَاجْتمعت فِيهَا قواها وَكَانَت فِي أصل شَأْنهَا روحا علية زكيه كَبِيرَة ذَات همة عالية فَهَذِهِ لَهَا بعد مُفَارقَة الْبدن شَأْن آخر وَفعل آخر

وَقد تَوَاتَرَتْ الرُّؤْيَا فِي أَصْنَاف بنى آدم على فعل الْأَرْوَاح بعد مَوتهَا مَا لَا تقدر على مثله حَال اتصالها بِالْبدنِ من هزيمَة الجيوش الْكَثِيرَة بِالْوَاحِدِ والاثنين وَالْعدَد الْقَلِيل وَنَحْو ذَلِك وَكم قد رئى النَّبِي وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر فِي النّوم قد هزمت أَرْوَاحهم عَسَاكِر الْكفْر وَالظُّلم فَإِذا بجيوشهم مغلوبة مَكْسُورَة مَعَ كَثْرَة عَددهمْ وعددهم وَضعف الْمُؤمنِينَ وقلتهم

وَمن الْعجب أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ المتحابين المتعارفين تتلاقى وَبَينهَا أعظم مَسَافَة وأبعدها فتتألم وتتعارف فَيعرف بَعْضهَا بَعْضًا كَأَنَّهُ جليسه وعشيرة فَإِذا رَآهُ طابق ذَلِك مَا كَانَ عَرفته روحه قبل رُؤْيَته.


الكلام هنا لا إشكال فيه ابن القيم يتحدث عن الأرواح تتصل ببعضها البعض وتتلاقى بالتآلف كما ورد في الحديث ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )وهذه النقطة بحد ذاتها تدمر استغاثات القبورية فابن القيم يتحدث عن اتصال بين الأرواح المتناسبة فأي تناسب بين روح النبي وأرواح عامة المستغيثين


وأما ما ذكره مما قد يشكل أنه جاءت رؤى تدل على أن أرواح بعض الموتى قد تعين بعض أهل الإيمان في جهادهم فالذي يظهر أنها رؤى لا تدل على حقيقة وإنما هو أمر جاء ترميزياً فكأن الرؤيا أنكم باتباعكم هؤلاء غلبتم هؤلاء مع كثرتهم


وعلى فهم ابن القيم لا يدل ذلك على جواز الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله _ فالأمور المذكورة مقدورة للمخلوق _ ولا سؤالهم ولا حتى جواز أن يكونوا يعلمون بالغيب فالله يطلع عباده على ما يريد والأصل انقطاع العمل


قال ابن تيمية في الرد على البكري :" قد جاء في الآثار عن السلف أن الموتى يدعون للأحياء و أن أعمالهم إذا عرضت دعوا لهم و أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للأمة فهذا كله هو فاعل له بأمر الله و أمره له في غير دار التكليف أمر تكوين لا يتصور مخالفة المأمور كما أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس و ليسوا مكلفين بذلك و كذلك استغفار الملائكة لبني آدم كما أخبر به القرآن وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم و الملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه   ومع هذا فلا يجوز لأحد أن يدعو الملائكة ولا يستغيث بهم ولا يطلب منهم ما أخبر الله به أنهم يفعلونه فإنها ذريعة إلى دعائهم من دون الله و الإشراك بهم   و كذلك دعاء الموتى من الأنبياء و الصالحين ذريعة إلى ذلك بخلاف سؤال أحدهم في حياته و حضوره فإن ذلك لا يفضي إلى عبادته من دون الله لأنه لو رأى أحدا يفعل ذلك نهاه إذ الأنبياء و الصالحون لا يقرون أحدا على الشرك "



وقال أيضاً :" و أيضا فما تفعله الملائكة و الأنبياء بعد الموت هو أمر محدود يفعلون منه ما أمر الله به لا يزداد بسؤال السائلين فليس في سؤالهم إياه "


فليس في سؤالهم إياه منفعة بل مضرة فنهى عنه لأنه شر لا خير فيه فصار بمنزلة أن يطلب الرجل من الشمس أن تصحبه و من الريح أن تهب و نحو ذلك   و كذلك كل ما يؤمر بأمر تكوين لا يحتاج أن يطلب فإنه فاعله طلب أو لم يطلب و ما لم يأذن به الله فهو لا يفعله طلب منه أو لم يطلب بخلاف الشفاعة يوم القيامة فإن الناس يسألونه و سؤال الحي الحاضر يجوز في الدنيا و القيامة و إن كان الميت يسمع الكلام كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل القليب ما أنتم بأسمع لما أقول منهم


وقال أيضاً :" فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع خطاب البعيد والقريب 

قيل ليس في هذا الحديث المعروف ما يدل على التسوية بين    القريب و البعيد في سمع خطابه بل الحديث يدل على نقيض ذلك المعروف في هذا الباب من الأحاديث يبين ذلك ففي السنن حديث أوس بن أوس رضي الله عنه الذي رواه أبو داود و غيره ورواه ابن حيان في صحيحه و الدارقطني في سننه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم و فيه قبض و فيه النفخة و فيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك و قد أرمت قال يقولون بليت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء   و الحديث الذي رواه أحمد و أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا و صلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني   و الحديث الذي رواه النسائي و ابن حيان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام و روى أبو يعلى في مسنده عن موسى بن محمد بن حيان عن أبي بكر الحنفي حدثنا عبيد الله بن نافع حدثنا العلاء بن عبد الرحمن سمعت الحسين بن علي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا في بيوتكم و لا تتخذوها قبورا و لا تتخذوا بيتي عيدا صلوا علي و سلموا فإن صلاتكم و سلامكم يبلغني أينما كنتم   و روى الروياني في مسنده و البزار و غيرهما عن نعيم بن ضمضم عن عمران بن الحميري قال قال لي عمار بن ياسر قال نبي الله صلى الله عليه وسلم يا عمار إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فلا يصلي علي أحد صلاة إلا سماه باسمه و اسم أبيه فقال صلى عليك فلان كذا و كذا فيصلي الرب على ذلك المصلي بكل واحد عشرا   وقال أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال ليس أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يصلي عليه صلاة إلا وهي تبلغه يقول له الملك فلان يصلي عليك كذا و كذا صلاة و قال ابن وهب أخبرني عمرو بن الحراث عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة و إن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ قال قلت و بعد الموت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء   فهذه الأحاديث تدل على أن الصلاة و السلام يعرضان عليه و إن ذلك يصل حيثما كنا   و في سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام   و هذا الحديث هو الذي اعتمد عليه العلماء كأحمد و أبي داود و غيرهما في السلام عليه عند قبره وهو الذي اعتمد في زيارة قبره إذ لم يكن معهم سنة يستندون إليها في زيارة قبره إلا هذا الحديث وبقية الأحاديث التي رويت في زيارة قبره ضعيفة بل موضوعة أكثرها وضعت بعد أحمد و أمثاله   فهذه النصوص تدل على أنه يسمع سلام القريب و يبلغ سلام البعيد و صلاته لا أنه يسمع ذلك من المصلي المسلم و إذا لم يسمع سلام البعيد إلا بواسطة فإنه لا يسمع دعاء الغائب و استغاثته بطريق الأولى و الأحرى و النص إنما دل على أن الملائكة تبلغه الصلاة و السلام   و الحديث الذي فيه ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام فهموا من هذا الحديث السلام عليه عند قبره خاصة فلا يدل على البعيد   ثم نقول لا يخلو إما أن يكون الحديث عاما في سلام البعيد و القريب و إما أن يكون خاصا بالقريب فإن كان الثاني فلا حجة فيه على سماع خطاب البعيد بغير واسطة تبليغ الملائكة و إن كان الأول فالحجة فيه أضعف من وجهين   أحدهما أنه حينئذ لا يبقى السلام عند قبره بخصوصه حديث ولا سنة أصلا بل لا يبقى فرق بين السلام عليه من القريب و البعيد كما لم يفرق بين الصلاة من القريب و البعيد   لكن هذا خلاف ما عرف من السنة و خلاف ما عليه الأئمة من استحباب السلام عليه عند قبره فإنه قد سن إذا زار القبور زائر مطلقا أن يسلم عليهم و كان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى أهل البقيع يسلم عليهم و يدعو لهم فكيف لا يسلم على الميت عند قبره   و قد كان الصحابة يسلمون عليه عند قبره وقد كان ابن عمر يقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت رواه مالك عن نافع عنه و رواه أحمد و غيره   الثاني إن الذي في الحديث أن الله يرد عليه روحه ليرد السلام وهذا قد يكون بتوسط تبليغ الملائكة وقد يكون بمباشرته هو سماع المسلم و إذا احتمل الأمرين فتعيين أحدهما مما يفتقر إلى دليل و الأحاديث المتقدمة تدل على أن صلاة البعيد و سلامه معروض عليه مبلغ إليه بواسطة الملائكة و ذلك ينفي السماع مباشرة من غير تبليغ فإن كان يسمع كلام المخاطب بنفسه لم يحتج إلى واسطة   و المقصود هنا أن هذا المحتج لم يحرر أدلته تحريرا ينفي عنها الإجمال و الالتباس حتى يتبين ما فيها من الضلال و الإضلال لجميع الناس "


فالشيخ يرى أن كل ما يحصل في حال البرزخ أمر تكوين لا أمر تكليف كاستغفار الملائكة الذي لا يزيد بالطلب ولا فائدة من طلبه وأما دعاء غير الله والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله أو ما لا مباشرة حسية للمخلوق له فذلك شرك

 فلو فرضنا أن بعض أرواح المؤمنين يصير لها بعض خصائص الملائكة فهذا لا يدل على جواز الاستغاثة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله ولا اعتقاد أنهم يسمعون كما يسمع الله وأنهم يساوون الله في علمه بل عامة الملائكة موكلين بواحد من البشر وعلمهم قاصر عما سواه إلا ما اتصل به

 واطلاع الله عز وجل لأي إنسان على شيء من الغيب برؤيا منام أو غيره راجع لله وليس لإرادة المخلوق كما يجعله القبورية يريدون إسماع الميت القريب فيسمع ما يريدون بل يجعلون سمعه كسمع الله يسمع القريب والبعيد معاً لا تختلط الأصوات والكرامة أمر يجريه الله وإليك الإرادة التامة ولا يبيح عبادة غير الله



وقد أعان الملائكة الصحابة يوم بدر فما اتخذوها وسيلة في كل غزوة يستغيثون بالملائكة بل يستغيثون بالله وحده فنحن نقول الله يكشف للميت ما يشاء وليس الأمر بيد الميت كما أن الملائكة لا تتنزل إلا بأمر الله فهل تسأل الميت الذي لا حول له ولاقوة إلا بإذن الله وحتى كرامته الله يأذن بها ويخرق العادة له أم تسأل الله القادر على هذا وحده !!



وجاء في تاريخ ابن الوردي :" وَلما جَاءَ السُّلْطَان إِلَى شقحب والخليفة لأقاهما إِلَى قرن الْحرَّة وَجعل يثبتهما فَلَمَّا رأى السُّلْطَان كَثْرَة التتر قَالَ: يَا خَالِد بن الْوَلِيد، قَالَ _ يعني ابن تيمية : قل يَا مَالك يَوْم الدّين إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين، وَقَالَ للسُّلْطَان: اثْبتْ فَأَنت مَنْصُور فَقَالَ لَهُ بعض الْأُمَرَاء: قل إِن شَاءَ الله فَقَالَ: إِن شَاءَ الله تَحْقِيقا لَا تَعْلِيقا، فَكَانَ كَمَا قَالَ، انْتهى مُلَخ
وإليك كلام ابن القيم نفسه في أن الحياة مع القيومية المستلزمة لعلم الخالق بكل أحوال المخلوق وإجابته إياه متى ما سأل من خصائص الخالق التي ليست لمخلوق


قال ابن القيم في البدائع :" قول الداعي يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فإن الرحمة هنا

صفته تبارك وتعالى وهي متعلق الإستغاثة فإنه لا يستغاث بمخلوق ولهذا كان هذا الدعاء من أدعية الكرب لما تضمنه من التوحيد والإستغاثة برحمة أرحم الراحمين متوسلا إليه باسمين عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما مرجع معانيها جميعها وهو اسم الحي القيوم فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفي كمال الحياة وبهذا الطريق العقلي أثبت متكلمو أهل الإثبات له تعالى صفة السمع والبصر والعلم والإرادة والقدرة والكلام وسائر صفات الكمال وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه وهو المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته وهذا من كمال قدرته وعزته فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة فكأن المستغيث بهما مستغيث بكل اسم من أسماء الرب تعالى وبكل صفة من صفاته فما أولى الإستغاثة بهذين الاسمين أن يكونا في مظنة تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإنالة الطلبات والمقصود أن الرحمة المستغاث بها هي صفة الرب تعالى لا شيء من مخلوقاته كما أن المستعيذ بعزته في قوله أعوذ بعزتك مستعيذ بعزته التي هي صفته لا بعزته التي خلقها يعز بها عباده المؤمنين وهذا كله يقرر قول أهل السنة إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات " يدل على أن كلماته تبارك وتعالى غير مخلوقة فإنه لا يستعاذ بمخلوق وأما قوله تعالى حكاية عن ملائكته: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً} فهذه رحمة الصفة التي وسعت كل شيء كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} وسعتها عموم تعلقها بكل شيء كما أن سعة علمه تعالى عموم تعلقه بكل معلوم"


النقل الذي يليه : وَأما من حصل لَهُ الشِّفَاء بإستعمال دَوَاء رأى من وَصفه لَهُ فِي مَنَامه فكثير جدا وَقد حَدَّثَنى غير وَاحِد مِمَّن كَانَ غير مائل إِلَيّ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية أَنه رَآهُ بعد مَوته وَسَأَلَهُ عَن شَيْء كَانَ يشكل عَلَيْهِ من مسَائِل الْفَرَائِض وَغَيرهَا فَأَجَابَهُ بِالصَّوَابِ


وهذا نقل عجيب لا علاقة له بمسألة الاستغاثة أو علم الغيب فمعلوم أن عالم الرؤيا عالم خاص رب العالمين يرسل من الملائكة ما يتشكل بأي شكل ويخبر المخلوق بما أراد لها وصف ذلك بأنه شعبة من النبوة وإذا أذن الله عز وجل لروح أن تلتقي روحاً في المنام فتخبرها بأمر ليس من الغيب المطلق بل هو أمر يعرفه المخلوق في حياته ولو كان حياً وسئل عن هذا لأجاب فأين هذا من الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله من الحي للميت أو مخاطبته له على بعد لا يسمع منه إلا الله تبارك وتعالى ووردت الأخبار في احتياج النبي وروحه اعظم الأرواح إلى من يبلغه الصلاة والسلام عليه


والنقل الأخير قول ابن القيم : علم الأرواح وصفاتها وكيفياتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها عجائب الأرواح وتأثيراتها وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس والمحجوبون منكرون له ولا يعلم تأثير ذلك وارتباطه بالطبيعة وانفعالها.


وهذا النقل في هذا المقام دعابة لأنه إنما يتحدث عن الطب وأن روح الإنسان إذا سرت أو غضبت تأثر بذلك جسده وطبيعته !


ولو فهمنا كلام الأزهري على إطلاقه لجاز للكاهن أو الساحر أن يقول أن أبلغ فعل ما لا يقدر عليه إلا الله وعلم ما لا يعلمه إلا الله بطاقتي الروحية


وقال المرداوي في الإنصاف 2/456

(وقال الإمام أحمد وغيره من العلماء : في قوله عليه أفضل الصلاة والسلام " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " : الاستعاذة لا تكون بمخلوق)



وقال ابن عقيل أيضا فيما نقله ابن مفلح في الفروع 2/273

(وفي الفنون : لا يخلق القبور بالخلوق , والتزويق والتقبيل لها والطواف بها , والتوسل بهم إلى الله , قال : ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا : بالسر الذي بينك وبين الله . وأي شيء من الله يسمى سرا بينه وبين خلقه ؟ قال : ويكره استعمال النيران والتبخير بالعود , والأبنية الشاهقة الباب , سموا ذلك مشهدا . واستشفوا بالتربة من الأسقام , وكتبوا إلى التربة الرقاع , ودسوها في الأثقاب , فهذا يقول : جمالي قد جربت , وهذا يقول : أرضي قد أجدبت , كأنهم يخاطبون حيا ويدعون إلها)).


قال شيخ الإسلام في الاستغاثة في الرد على البكري 1/331

(سؤال الميت و الغائب نبيا كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين أن أحدا منهم ما كان يقول إذا نزلت به ترة أو عرضت له حاجة لميت يا سيدي فلان أنا في حسبك أو اقض حاجتي كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين، ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا بغيره من الأنبياء لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها ، وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال و يشتد البأس بهم و يظنون الظنون ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين، ولا أقسموا بمخلوق على الله أصل، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ولا قبور غير الأنبياء ولا الصلاة عندها).


وقال القرطبي في تفسيره : وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِالْجِنِّ دُونَ الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ كُفْرٌ وَشِرْكٌ.     

بماذا تفسر كلام أحمد والقرطبي وغيرهم إنما تفسره أنه استعاذة فيما لا يقدر عليه إلا الله أو مستلزمة إثبات صفة للمخلوق ليست إلا للخالق وكذلك كلام أئمة الدعوة عن تصرف أرواح المشايخ فهم يتحدثون عما يعتقدته القبورية من تحويلها إلا آلهة بعد الوفاة وجعلها على كل شيء قديرة وتسمع كل من طلبها وتجيب إن شاءت 

قال ابن القيم في الإغاثة :" فإن عباد القبور يقصدونها مع التعظيم والاحترام والخشوع ورقة القلب والعكوف بالهمة على الموتى بما لا يفعلونه فى المساجد. ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريب منه.، ومنها: أن ذلك يتضمن عمارة المشاهد وخراب المساجد. ودين الله الذى بعث به رسوله بضد ذلك. ولهذا لما كانت الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين، عمروا المشاهد، وأخربوا المساجد.
ومنها: أن الذى شرعه الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عند زيارة القبور: إنما هو تذكر الآخرة، والإحسان إلى المزور بالدعاء له، والترحم عليه، والاستغفار له، وسؤال العافية له. فيكون الزائر محسناً إلى نفسه وإلى الميت، فقلب هؤلاء المشركون الأمر، وعكسوا الدين وجعلواً المقصود بالزيارة الشرك بالميت، ودعاءه والدعاء به، وسؤاله حوائجهم، واستنزال البركات منه، ونصره لهم على الأعداء ونحو ذلك. فصاورا مسيئين إلى نفوسهم وإلى الميت"  
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي