الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فإن الأمور المنتشرة في عصرنا ما يجعله بعض الأئمة من تحديد بين الأذان
والإقامة لكل صلاة
فبين أذان العصر وإقامته عشرون
دقيقة وبين أذان المغرب وإقامته خمس دقائق أو عشرة
ولا يراعى اجتماع أو حضور الإمام وإنما لا يتجاوز هذا الوقت إلا بقدر يسير
وقد رأيت بعض الباحثين ينص على أنه لا يوجد على هذا التحديد
أقول : بل ورد في السنة ما يدل على خلاف هذا
قال البخاري في صحيحه 570: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ يَعْنِي ابْنَ غَيْلَانَ
قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي
نَافِعٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا
لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ
رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ
غَيْرُكُمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا إِذَا
كَانَ لَا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا
وإنما أجازه بعض أهل العلم لئلا يحصل نزاع
والسؤال : ألم توجد هذه العلة في عصر السلف فلم لم يحددوا هذا التحديد
؟
والسؤال الثاني : بالنسبة للمساجد المتقاربة لماذا لا يجعل فرق بين أوقات
إقامة الصلاة فيها بحيث من لم يدرك الصلاة في هذا المسجد يدركها في المسجد الأخير والمستعجل
يذهب إلى المسجد الذي يقيم أولاً
وكثيراً ما نقرأ في أخبار السلف أنه فاتته الصلاة في مسجد قومه ثم أدركها
مع قوم آخرين
ومعاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب إلى قومه يصلي
به مما يدل على أن هناك فرقاً في أوقات الإقامة مع كونهم كلهم في المدينة
والمعاصرون اليوم يدركون أنه لا بد أحياناً من تغيير هذه الأوقات مراعاة
لظروف المصلين ففي شهر رمضان تطول الفترة بين أذان المغرب وإقامته وتقصر بين أذان الفجر
وإقامته ، فهل يوجد ظرف آخر يوجب علينا تغيير هذه الأوقات في بعض الظروف ولو لبعض المساجد
دون بعض
كتبت إحدى أخواتنا :" الدليل على تحديد وقت يفصل بين الأذان والإقامة
جاء في الحديث:
((بين كلِّ أذانين صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ . ثم قال في الثالثةِ
: لمن شاءَ )).صحيح البخاري
((إذا أقيمتِ الصَّلاةُ فلا تَقوموا حتَّى تَرَوني . وقالَ ابنُ حاتِمٍ
: إذا أقيمَتِ أو نوديَ . وزادَ إسحاقُ في روايتِهِ حديثَ مَعمرٍ وشَيبانَ : حتَّى
تَروني قَد خَرجْتُ))صحيح مسلم
((اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا ، حتى يقضي المتوضئ حاجته في مهل ، ويفرغ
الآكل من طعامه في مهل ))
((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلي الظّهرَ بالهاجِرَةِ، والعصرَ
والشمسُ حَيَّةٌ، والمغرِبَ إذا وجَبَتْ، والعِشاءَ إذا كثُرَ الناسُ عَجَّلَ، وإذا
قَلُّوا أخَّرَ، والصُّبحَ بِغَلَسٍ .))صحيح البخاري
قال ابن رجب في فتح الباري(2/191) ـــ كان رسول الله ــ صلى الله عليه
وسلم ـــ يستحب تأخير العشاء ، ويكره ما يشق على أمته من طول انتظارها ، لأنّه كان
رءوفًا بالمؤمنين ، فلذلك كان يعجلها إذا اجتمعوا .
((صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة : لمن شاء ، خاف أن يحسبها
الناس سنة ))
قال ابن خواز بنداذ : إنّ الأمصار كلها بأسرها لم يزل المسلمون على تعجيل
المغرب فيها ، ولا نعلم أحدًا أخَّرَإقامتها في مسجد جماعة عن غروب الشمس ، وفي هذا
ما يكفي مع العمل بالمدينة على تعجيلها ،ولو كان وقتها واسعًا لعمل المسلمون فيها كسائر
الصلوات ، من أذان المؤذنين واحدًا بعد واحد ، والركوع بين الأذان والإقامة لها ، فتركها
دليل على المبادرة بها ، وكان عمر بن عبد العزيز يكتب لعماله : لا تنتظروا بصلاتكم
اشتباك النجوم وصلوها والفجاج مسفرة.
وصلاها ابن مسعود حين غربت الشمس ، وقال : هذا والذي لا إله إلا هو وقت
هذه الصلاة . ولم يُرو عن واحدًا من الصحابة تأخيرها عن هذا الوقت ،فتح الباري لابن
رجب (2/187).
فتوى ابن عثيمين مجموع الفتاوى المجلد الثاني
عشر باب الأذان والإقامة الصفحة (190)
110سئل ابن عثيمين : هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم
يحدد وقتاً بين الأذان والإقامة؟
فأجاب : "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة
في أول الوقت إلا العشاء الآخرة فإنه كان ينظر إلى اجتماع الناس إذا رأهم اجتمعوا عجَّل،
وإذا رأهم أبطؤوا أخَّر (1)، وكان يبقى في البيت حتى يأتيه المؤذن فيعلمه بحضور الصلاة،
وربما خرج إليها بدون إعلام.
فالسنة تعجيل جميع الصلوات إلا العشاء، والظهر عند اشتداد الحر، ولكن الصلوات
التي لها نوافل راتبة كالفجر والظهر ينبغي للإنسان أن يراعي حال الناس بحيث يتمكنون
من الوضوء بعد الأذان، ومن صلاة هذه الراتبة"انتهى كلامها
وهذا كله لا تعلق له بالمسألة ليس نصاً في مسألتنا وإنما غاية ما فيه جعل حد أدنى للفترة
بين الأذان والإقامة هذا كل ما في هذه الأخبار وإلا فتحديد فترة معينة تقاس بالدقائق
فليس كذلك
ففترة الغلس مثلاً يصلي فيها من يجعل بين الأذان والإقامة عشر دقائق ومن
يجعل عشرين ومن يجعل ثلاثين
وقوله في حديث بلال (اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا ، حتى يقضي المتوضئ حاجته
في مهل ، ويفرغ الآكل من طعامه في مهل) فهذا غاية ما فيه أنه لا يجوز التقليل عن هذا
القدر ولكن لا يدل تحديد أو عدم جواز زيادة عليه
وقول ابن عثيمين : ( كان ينظر إلى اجتماع الناس إذا رأهم اجتمعوا
عجَّل، وإذا رأهم أبطؤوا أخَّر) يستدعي التأمل والله أعلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم