مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: كيف تدخل البدع على الأذكياء ؟

كيف تدخل البدع على الأذكياء ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فمن المعلوم أن أهل الكلام قد استقلوا بعقولهم وأرادوا الرد على أهل الكفر والإلحاد بهذه العقول
 فأثبتوا وجود الله عز وجل بأدلة عقلية كدليل الحدوث الذي جعلهم بعد ذلك يلتزمون تعطيل الصفات
 فهم يحتجون على أن هذا العالم غير قديم أن فيه سمات الحدوث من الحركة والتغير وما حلت فيه الحوادث لم يخل منها ، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث لهذا اتفقت كلمتهم على نفي الصفات الفعلية.

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (9/ 67) :" قد ذكرنا ما تيسر من طرق الناس في المعرفة بالله ليعرف أن الأمر في ذلك واسع وأن ما يحتاج الناس إلى معرفته مثل الإيمان بالله ورسوله فإن الله يوسع طرقه وييسرها وإن كان الناس متفاضلين في ذلك تفاضلا عظيما وليس الأمر كما يظنه كثير من أهل الكلام من أن الإيمان بالله ورسوله لا يحصل إلا بطريق يعينونها وقد يكون الخطأ الحاصل بها يناقض حقيقة الإيمان كما أن كثيرا منهم يذكر أقوالا متعددة والقول الذي جاءت به الرسل وكان عليه سلف الأمة لا يذكره ولا يعرفه، وهذا موجود في عامة الكتب المصنفة في المقالات والملل والنحل مثل كتاب أبي عيسى الوراق والنوبختي وأبي الحسن الأشعري والشهرستاني تجدهم يذكرون من أقوال اليهود والنصارى والفلاسفة وغيرهم من الكفار ومن أقوال الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والكلابية والكرامية والمجسمة والحشوية أنواعا من المقالات، والقول الذي جاء به الرسول وكان عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين لا يعرفونه ولا يذكرونه بل وكذلك في كتب الأدلة والحجج التي يحتج بها المصنف للقول الذي يقول إنه الحق تجدهم يذكرون في الأصل العظيم قولين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك وينصرون أحدها ويكون كل ما ذكروه أقوالا فاسدة مخالفة للشرع والعقل والقول الذي جاء به الرسول وهو الموافق لصحيح المنقول وصريح العقول لا يعرفونه ولايذكرونه فيبقى الناظر في كتبهم حائرا ليس فيما ذكروه ما يهديه ويشفيه ولكن قد يستفيد من رد بعضهم على بعض علمه ببطلان تلك المقالات كلها، وهذا موجود في عامة كتب أهل الكلام والفلسفة متقدميهم".

هنا يبين شيخ الإسلام عظيم غلطهم في اعتمادهم على دليل لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام السلف على إثبات وجود الله
ثم يلتزمون اللوازم الباطلة لأجل هذا الدليل المنتقض أصلاً المستغنى عنه بالأدلة الواضحة
 وما حصل هذا إلا لاحتقارهم للسلف واعتقادهم أنهم أعلم منهم ورددوا عبارتهم الآثمة ( منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم ) ، ما علموا أن سكوت السلف عما خاضوا فيه كان عن سعة علم وفهم ولن يضل من اتبع الأثر.

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (8/335) :"وهذا مما يبين للفاضل المعتبر كيف تدخل الشبهات والبدع على كثير من الناس وان كانوا من أعقل الناس واذكاهم وافضلهم وان كانوا لم يعتمدوا التلبيس على أنفسهم ولا على من يعلمونه ويخاطبونه لكن اشتبه الأمر عليهم فوقعوا في شبهات ظنوها بينات، وهذا مما يعتبر به المسلم فلا يعدل عن كلام الله وكلام رسوله المعصوم الذي عرف انه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلى كلام من يروج عليهم مثل هذه الشبهات ويغرقون في مثل هذه المجملات ولا يتبين لهم ما فيها من فصل الخطاب والتقسيم المميز للصحيح من السقيم، ويعرف بهذا حذق السلف والائمة الذين ذموا مثل هذا الكلام وجعلوه من الجهل الذي يستحق اهله العقوبة والانتقام".

وقال شيخ الإسلام في درء التعارض (7/ 287) :" قلت هو كما قال أبو سليمان فإن السلف كانوا أعظم عقولا وأكثر فهوما وأحد أذهانا وألطف إدراكا كما قال عبد الله بن مسعود من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم .

وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن خير قرون هذه الأمة القرن الذي بعث فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
وأعظم الفضائل فضيلة العلم والإيمان فهم أعلم الأمة باتفاق علماء الأمة ولم يدعوا الطرق المبتدعة المذمومة عجزا عنها بل كانوا كما قال عمر بن عبد العزيز على كشف الأمور أقوى وبالخير لو كان في تلك الأمور أحرى".

وهذا ليس خاصاً بما أدخله علماء الكلام بل في كل علم من علوم الإسلام لا بد من اتباع طريق الماضين ولا يضل المرء ما اتبع الأثر.
                     
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي