مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: حكاية الخلاف في تعيين أولي العزم من الرسل

حكاية الخلاف في تعيين أولي العزم من الرسل



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
قال الله تعالى : ( فاصبر  كما صبر أولو العزم من الرسل) واشتهر عند الناس أن أولى العزم هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا صلوات عليهم وسلامه

غير أن هذا هو أحد أقوال أهل العلم في المسألة والأقوال فيها كثيرة أذكرها لطلاب العلم

القول الأول : أن الرسل كلهم أولو عزم وهذا هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم

قال الطبري في تفسيره (22/ 145) : حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) قال: كلّ الرسل كانوا أولي عزم لم يتخذ الله رسولا إلا كان ذا عزم، فاصبر كما صبروا.


القول الثاني : أنهم الخمسة ( نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد )


وهذا يروى عن الخراساني


قال الطبري في تفسيره (22/ 145) : حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنى ثوابة بن مسعود، عن عطاء الخُراسانيّ، أنه قال( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

ثوابة منكر الحديث
 وقد قال بهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ورأوا أنهم الذين جمعوا في قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)


وقال البغوي في تفسيره (7/271) :" وقال ابن عباس وقتادة: هم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، أصحاب الشرائع، فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة.
قلت: ذكرهم الله على التخصيص في قوله: "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم"( الأحزاب-7 ) ، وفي قوله تعالى: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا"


لم أجد هذا القول عن ابن عباس ولا عن قتادة بل المحفوظ عن قتادة قوله :( كنا نحدث أن إبراهيم كان منهم) رواه الطبري بسند قوي عنه ، وظاهره أنه لا يرى جميع الرسل أولى عزم كما اختار عبد الرحمن بن زيد بن أسلم

بل ذكر الفراء عنه في معاني القرآن (6/ 454) أنهم أربعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم

وقد نسب الفراء القول بأنهم خمسة لمجاهد

وقال ابن الأعرابي في معجمه 88 - نا ابن الجنيد ، نا إسماعيل بن عمر ، نا حمزة الزيات ، عن عدي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : « خير بني آدم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد وخيرهم محمد عليهم السلام »

وهذا إسناد قوي وليس نصاً في مسألتنا فكونهم الأخير لا ينفي عن غيرهم صفة العزم وزيادة ( وهم أولو العزم ) في خبر أبي هريرة غير محفوظة وإنما زادها بعض المفسرين من فهمه
واختار هذا القول محمد بن عزيز السجستاني في غريب القرآن (1/95)

القول الثالث : الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى

قال البغوي في تفسيره (7/271) :" وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى، لعجلة كانت منه، ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تكن كصاحب الحوت"؟

وإليه مال الواحدي في الوجيز

القول الرابع : أهل الصبر من الأنبياء وهم اثني عشر نبياً ، وهو قول سهل التستري


قال التستري في تفسيره (2/21) :" أولو العزم من الرسل إبراهيم صلوات الله عليه ، ابتلي بالنار وذبح الولد فرضي وسلم؛ وأيوب عليه السلام بالبلاء؛ وإسماعيل بالذبح فرضي؛ ونوح بالتكذيب فصبر؛ ويونس ببطن الحوت فدعا والتجأ؛ ويوسف صلوات الله عليه بالسجن والجب فلم يتغير؛ ويعقوب بذهاب البصر وفقدان الولد ، فشكا بثه إلى الله ، ولم يشك إلى غيره ، وهم اثنا عشر نبياً صلوات الله عليهم ، صبروا على ما أصابهم ، فهم أولو العزم من الرسل ، والله سبحانه وتعالى أعلم "

القول الخامس : هم ستة وهو قول مقاتل


قال في المحرر الوجيز (6/126) :" وقال مقاتل هم ستة : نوح صبر على أذى قومه طويلاً ، وإبراهيم صبر للناس ، وإسحاق صبر نفسه للذبح ، ويعقوب صبر على الفقد لولده وعمي بصره وقال : { فصبر جميل } [ يوسف : 83 ] ، ويوسف على السجن وفي البئر ، وأيوب صبر على البلاء .
قال القاضي أبو محمد : وانظر أن النبي عليه السلام قال في موسى : « يرحم الله موسى ، أوذي بأكثر من هذا فصبر » ولا محالة أن لكل نبي ورسول عزماً وصبراً "

القول السادس : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام، وهم ثمانية عشر، لقوله تعالى بعد ذكرهم: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"

نقله البغوي عن قوم

قال الله تعالى : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ )

القول السابع : أنهم أهل الجهاد والمكاشفة مع الأعداء من الأنبياء

وهذا نقله البغوي عن الكلبي

هذا ما استطعت جمعه والمسألة اجتهادية وأقرب الأقوال ما اختار شيخ الإسلام وبعض الأقوال غير مدفوع من جهة النظر

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي