مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تسمية سلمان العودة بعض مسائل العقيدة ب( الأغلوطات )

تسمية سلمان العودة بعض مسائل العقيدة ب( الأغلوطات )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                          
قال سلمان العودة في محاضرة الأمة الواحدة :" الجماعات والأحزاب : سواء كانت جماعات علمانية أو سياسية ، فتجد كثيرين قد يرشحون شخصاً ، وهم يعرفون أنه يطرح مشروعاً علمانياً ، أو منحرفاً ، ويرون أنهم يفصلون بين انتمائه السياسي وبين انتمائه الديني ، المهم أنه من هذا الحزب أو هذه المجموعة ، وهكذا الجماعات ، والأحزاب الإسلامية التي يتربى الكثير من الأفراد فيها أحياناً على الانتماء إلى الجماعة والتشبع بمفاهيمها وأفكارها ، ويكون هذا على حساب الانتماء العام ويقع بسبب ذلك نوع من الجفوة بين المجموعات.
ومما يضعف الانتماء العام المسائل والأغلوطات التي يتشاغل بها كثير من طلبة العلم ؛ كمسألة العذر بالجهل ، فقد أصبح كثير من الجماعات الإسلامية وطلبة العلم يفرزون إلى مجموعات : هؤلاء يعذرون ، وهؤلاء لا يعذرون ، أو مسألة الحاكمية مثلاً وما يتعلق بها ، انقسموا أقساماً كثيرة بسبب اختلافهم في هذه القضية التي فيها مجال للاجتهاد ، أو مسألة دخول العمل في مسمى الإيمان ، هل يدخل أولا يدخل ؟ ولم تتحول هذه القضايا إلى قضايا علمية تبحث بهدوء و بنفس راضية ، وتدارس للأدلة والوجوه ، إذ لو كان الأمر كذلك لكان مطلوباً ، ولكن المسألة تحولت إلى نوع من التجاذبات والتحزبات ، حتى إن كثيرين ربما لا يتقنون هذه المسائل ولا يعرفون أبعادها ولا أدلتها ، ولا درسوها ، لكن هؤلاء تعصبوا لهذا ، وهؤلاء تعصبوا لهذا ، وترتب عليه قبولهم بهذا القول أو ذاك ".انتهى كلامه


أقول في كلامه طوام

الأولى : تسميته هذه المسائل العقدية بالأغلوطات وهذا غلط عظيم فإن مسائل يستدل عليها بالكتاب والسنة والإجماع

ومجرد وجود خلاف فيها أو اشتداد خلاف لا يعني تجويز وصفها بهذا الوصف فمن قبلها مسائل الصفات أحدثت خلافاً كبيراً في الأمة

والمنهج العلمي في التعامل مع الخلاف كما قال الله عز وجل ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)

ومسألة العذر بالجهل يترتب عليها أحكام شرعية كثيرة تتعلق بالحكم على الأعيان والتعامل معهم كحكم الترحم على المتلبس بالشرك وجواز الصلاة عليه ودفنه مع المسلمين والكثير من الفروع التي تتفرع عن هذه المسألة

وأما مسألة الحاكمية فهذه يترتب عليها مشروعية الخروج في حال وجود القدرة إذا ثبت أن الحاكم كافر ، فهذه مسألة يتعلق بها مصائر شعوب كما ترى

وأما دخول العمل في مسمى الإيمان فهذه مسألة ترتب عليها الخلاف والتبديع والتضليل في الأمة في عصورها الذهبية وفي القرون الثلاثة الفاضلة إذ ذر قرن المرجئة والخوارج ورد السلف على كل من الفرقتين بردود علمية من أدلة الوحيين ثم رتبوا على ذلك تضليلهم وتبديعهم

الثانية : قوله عن هذه المسائل أنها كلها اجتهادية وهذه باقعة من البواقع ، وأكتفي بمسألة واحدة وهي مسألة دخول العمل في مسمى الإيمان

فإن من يقول أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان هم المرجئة وهؤلاء بدعهم السلف وضللوهم

وأكتفي هنا بذكر أثر واحد في نقض ضلالهم

قال عبد الله بن أحمد في السنة 732 : قال وجدت في كتاب أبي رحمه الله ، قال :
 أخبرت أن فضيل بن عياض : قرأ أول الأنفال حتى بلغ ( أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ثم قال حين فرغ :
 إن هذه الآية تخبرك أن الإيمان قول وعمل ، وأن المؤمن إذا كان مؤمنا حقا فهو من أهل الجنة ، فمن لم يشهد أن المؤمن حقا من أهل الجنة فهو شاك في كتاب الله عز وجل مكذب به أو جاهل لا يعلم
 فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن حقا مستكمل الإيمان ولا يستكمل الإيمان إلا بالعمل ولن يستكمل عبد الإيمان ولا يكون مؤمنا حقا حتى يؤثر دينه على شهوته
 ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه ، يا سفيه ما أجهلك لا ترضى أن تقول أنا مؤمن حتى تقول أنا مؤمن حقا مستكمل الإيمان
 والله لا تكون مؤمنا حقا مستكمل الإيمان حتى تؤدي ما افترض الله عز وجل عليك وتجتنب ما حرم الله عليك وترضى بما قسم الله لك
 ثم تخاف مع هذا أن لا يقبل الله عز وجل منك . ووصف فضيل الإيمان بأنه قول وعمل وقرأ ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) فقد سمى الله عز وجل دينا قيمة بالقول والعمل
 فالقول : الإقرار بالتوحيد والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ
 والعمل : أداء الفرائض واجتناب المحارم ، وقرأ ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا )
وقال عز وجل ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) فالدين التصديق بالعمل كما وصفه الله عز وجل وكما أمر أنبياءه ورسله بإقامته : والتفرق فيه ترك العمل
 والتفريق بين القول والعمل قال الله عز وجل ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) فالتوبة من الشرك جعلها الله عز وجل قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
 وقال أصحاب الرأي : ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان افتراء على الله عز وجل وخلافا لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
 ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر رضي الله عنه أهل الردة .
 وقال الفضيل رحمه الله :   يقول أهل البدع : الإيمان الإقرار بلا عمل والإيمان واحد ، وإنما يتفاضل الناس بالأعمال ، ولا يتفاضلون بالإيمان ، ومن قال ذلك فقد خالف الأثر ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان .
 وتفسير من يقول الإيمان لا يتفاضل يقول : إن الفرائض ليست من الإيمان ، فميز أهل البدع العمل من الإيمان ، وقالوا : إن فرائض الله ليس من الإيمان ومن قال ذلك فقد أعظم الفرية ، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض ، رادا على الله عز وجل أمره
 ويقول أهل السنة : إن الله عز وجل قرن العمل بالإيمان وأن فرائض الله عز وجل من الإيمان ، قالوا ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فهذا موصول العمل بالإيمان
ويقول أهل الإرجاء : إنه مقطوع غير موصول
 وقال أهل السنة : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) فهذا موصول وأهل الإرجاء يقولون بل هو مقطوع
 وقال أهل السنة ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن  ) فهذا موصول وكل شيء في القرآن من أشباه ذلك
 فأهل السنة يقولون : هو موصول مجتمع ، وأهل الإرجاء يقولون هو مقطوع متفرق ، ولو كان الأمر كما يقولون لكان من عصى وارتكب المعاصي والمحارم لم يكن عليه سبيل وكان إقراره يكفيه من العمل ، فما أسوأ هذا من قول وأقبحه فإنا لله وإنا إليه راجعون .
 وقال فضيل :   أصل الإيمان عندنا وفرعه بعد الشهادة والتوحيد وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ وبعد أداء الفرائض صدق الحديث ، وحفظ الأمانة ، وترك الخيانة ، والوفاء بالعهد ، وصلة الرحم ، والنصيحة لجميع المسلمين ، والرحمة للناس عامة .
 قيل له يعني فضيلا هذا من رأيك تقوله أو سمعته ؟
 قال : بل سمعناه وتعلمناه ، ولو لم آخذه من أهل الفقه والفضل لم أتكلم به .
 وقال فضيل :   يقول أهل الإرجاء : الإيمان قول بلا عمل ويقول الجهمية : الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل ، ويقول أهل السنة : الإيمان المعرفة والقول والعمل ، فمن قال : الإيمان قول وعمل فقد أخذ بالوثيقة
 ومن قال : الإيمان قول بلا عمل فقد خاطر لأنه لا يدري أيقبل إقراره أو يرد عليه بذنوبه .
 وقال يعني فضيلا : قد بينت لك إلا أن تكون أعمى .
 وقال فضيل :   لو قال رجل مؤمن أنت ؟ ما كلمته ما عشت .
 وقال : إذا قلت آمنت بالله فهو يجزيك من أن تقول أنا مؤمن ، وإذا قلت : أنا مؤمن لا يجزيك من أن تقول آمنت بالله ، لأن آمنت بالله أمر ، قال الله عز وجل ( قولوا آمنا بالله ) الآية ، وقولك أنا مؤمن تكلف لا يضرك أن لا تقوله ولا بأس إن قلته على وجه الإقرار وأكرهه على وجه التزكية .
 وقال فضيل : سمعت سفيان الثوري يقول : من صلى إلى هذه القبلة فهو عندنا مؤمن والناس عندنا مؤمنون بالإقرار والمواريث والمناكحة والحدود والذبائح والنسك ولهم ذنوب وخطايا الله حسيبهم إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ، ولا ندري ما هم عند الله عز وجل .
 وقال فضيل سمعت المغيرة الضبي يقول : من شك في دينه فهو كافر وأنا مؤمن إن شاء الله .
 قال فضيل :   الاستثناء ليس بشك .
 وقال فضيل المرجئة كلما سمعوا حديثا فيه تخويف ، قالوا : هذا تهديد وإن المؤمن يخاف تهديد الله وتحذيره وتخويفه ووعيده ويرجو وعده ، وإن المنافق لا يخاف تهديد الله ولا تحذيره ولا تخويفه ولا وعيده ولا يرجو وعده . وقال فضيل :   الأعمال تحبط الأعمال ، والأعمال تحول دون الأعمال .


فاستدل الفضيل على ضلالهم بأدلة من الكتاب والسنة ، وأما من يرمى بالارجاء ظلماً كما يفعل أهل الغلو يرمون أهل السنة بالارجاء ظلماً فهذا الواجب الشرعي الذب عن أهل السنة في ذلك ودفع الظلم عنهم
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( انظر أخاك ظالماً أو مظلوماً )

وأما مسألة الحكم بغير ما أنزل الله
قال أبو المظفر السمعاني في تفسيره [2/ 42]: اعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وأهل السنة لا يكفرون بترك الحكم. اهـ

قال ابن عبد البر في التمهيد [17/ 16]: وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب واحتجوا بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون}.اهـ

قال الشاطبي في الإعتصام [2/ 183 - 184] والآجري في الشريعة [1/ 31] واللفظ له: مما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ويقرؤون معها {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فإذا رأوا الإمام حكم بغير الحق قالوا كفر. اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة [5/ 131]: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم .... } وهذه الآية مما يحتج به الخوارج على تكفير الولاة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله. اهـ



فمن أراد أن ينافر مذهب الخوارج هل يقال فيه متتبع للأغلوطات ؟!

علماً بأن القوانين الموجودة كفرية علمانية ديمقراطية والحاكم بها علماني كافر ولا فرق بين الديمقراطي والعلماني غير أن بعض الناس يلجئه الجدال إلى الأخذ ببعض أقوال الخوارج ليرد على الذين لا يكفرون الديمقراطيين العلمانيين 

وهل مثل هذه المسائل يقال فيها ( اجتهادية )؟

الطامة الثالثة : قوله ( ولم تتحول هذه القضايا إلى قضايا علمية تبحث بهدوء و بنفس راضية)
أقول : يا ليت شعري إذا كنت أعتقد في مخالفي أنه قال بقول الخوارج أو قول المرجئة كيف أبحث المسألة بنفس راضية عنه ؟!

وأنا أراه واقعاً في شر الأمور ( البدعة ) ، نعم تختلف معاملة الجاهل عن معاملة العالم المعاند

غير أن عرض المسائل العقدية لا ينبغي أن يكون كعرض المسائل الفقهية الاجتهادية ، فإن ذلك يذهب هيبتها ويميع الخلاف تماماً وما كان هذا هدي السلف الكرام

والنبي صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الخلق بالخلق يقول ( بئس خطيب القوم أنت )

ويقول صلى الله عليه وسلم ( أجعلتني لله نداً )؟

وهذا عمر وهو من هو يقول ( قاتل الله فلاناً ) لما بلغه أنه باع خمراً على المشركين


وتتبع في ما في كلام سلمان هذا على قصره يطول والمراد هنا التنبيه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي