الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فهذا جمع في مسألة الإعلال بالتصحيف
وأبدأ أولاً بالإعلال بالتصحيف في المتن
جاء في العلل للدارقطني :" س 2197 : وسُئِل عَن حَدِيثِ هَمّامِ بنِ
مُنَبِهٍ ، عَن أَبِي هُرَيرة ، قال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم : النّارُ
جُبارٌ.
فَقال : يَروِيهِ عَبد الرَّزّاقِ ، عَن مَعمَرٍ ، عَن هَمّامٍ ، عَن أَبِي
هُرَيرة ، قال إِسحاقُ بنُ إِبراهِيم بنِ هانِي : عَن أَحمد بنِ حَنبَلٍ ، إِنَّما
هُو البِئرُ جُبارٌ ، وأَهلُ صَنعاء يَكتُبُون النّار بِالباءِ عَلَى الإِمالَةِ لَفظُهُم
، فَصَحَّفُوا عَلَى عَبدِ الرَّزّاقِ البِئر بِالنّارِ.
والصَّحِيحُ البِئرُ.
قال الشَّيخُ : إِسحاقُ هَذا لَهُ عَن أَحمد مَسائِلُ ، وكان أَلزَم لأَحمَد
مِن أَبِيهِ"
أقول : فخلاصة هذا الكلام أن كلمة ( النار ) أصلها ( البئر ) ولكنها تصحفت
، وهذا مثال على الإعلال بالتصحيف وهذا نادر ولا يوجد إلا في كلام الجهابذة الكبار
وقال البيهقي في السنن الصغير:" 2777 : وأما الذي في صحيفة همام بن
منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « النار جبار » فقد قال معمر
: « لا أراه إلا وهما » ، وقال أحمد بن حنبل : هذا ليس بشيء لم يكن في الكتب باطل وليس
بصحيح . وقال أحمد بن حنبل : « أهل اليمن يكتبون النار النير ، ويكتبون البير » يعني
مثل ذلك ، فهو تصحيف"
والآن مع مثال للإعلال بالتصحيف في السند
قال الدارمي751: أخبرنا محمد بن الفضل ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب
عن زاذان عن علي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:من ترك موضع شعرهمن جنابة لم
يصبها الماء فعل بها كذا وكذا من النار قال علي فمن ثم عاديت رأسي وكان يجز شعره
قلت: تكلم الداراني محقق مسند الدارمي على هذاالحديث كلاماً طويلاً وأجاب
على إعلاله باختلاط عطاء بن السائب بجوابين
الجواب الأول : هو أن حماد روى عنه قبل الإختلاط
الثاني : أن الدارقطني ذكر أن حماداً توبع من قبل شعبة وذلك في العلل
(3/207)
والجواب الأول غير مستقيم لأن حماداً روى عن عطاء بعدالإختلاط أيضاً
قال الحسن بن علي الحلواني _ كما في التهذيب_ عن علي بن المديني قال: قال
وهيب: (( قدم علينا عطاء بن السائب فقلت كم حملت عن عبيدة يعني السلماني قال أربعين
حديثا قال علي وليس عنده عن عبيدة حرف واحد فقلت علام يحمل ذلك قال على الاختلاط قال
علي وكان أبو عوانة حمل عنه قبل أن يختلط ثم حمل عنه بعد فكان لا يعقل ذا من ذا وكان
حماد بن سلمة ))
قال ابن حجر :" فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحماد وأبي عوانة
عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط"
وأما الجواب الثاني فلا يستقيم أيضاً فقد ذكر الدارقطني نفسه أن ذكر شعبة
إنما هو من تصحيف الراوي ولا حقيقة له
قال الدارقطني:"وكذلك قال الأسود بن عامر عن حماد بن سلمة ورفعه عفان
عن حماد بن سلمة وشعبة عن عطاء وعطاء تغير حفظه والمحفوظ عن عفان عن حماد قال سمعته
يذكر عن عطاء بن السائب فصحفه الراوي
فقال شعبة"
وعليه فإن إعلال الحديث باختلاط عطاء مستقيم وبناءً عليه نقول :"
بأن هذا الإسناد ضعيف"
وفي كلام الدارقطني إعلال بالتصحيف في السند والله أعلم
والآن مع مثال على الإعلال بالتصحيف استفدته من بعض المعاصرين
قال الطبراني 11810 : حدثنا الحسين بن العباس الرازي ثنا أحمد بن أبي سريج
الرازي ثنا علي بن حفص المدائني ثنا عبيد المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس
:" عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة
بعد الفينة أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا
إذا ذكر ذكر"
أقول : عبيد المكتب غير معروف بالرواية عن عكرمة وإذا نظرت في تلاميذ عكرمة
في تهذيب الكمال فلن تجد لعبيد المكتب ذكراً ، ولو ذهبت إلى ترجمة عبيد بن مهران المكتب
في تهذيب الكمال فلن تجد لعكرمة ذكراً في شيوخه ، ولا لعلي بن حفص ذكراً في تلاميذه
فلعل معلاً سيعله بالانقطاع بين بين عبيد وعكرمة ، ولكن في السند تصحيفاً
فالصواب في اسم الراوي عن عكرمة ( عتبة بن عمرو المكتب ) وليس عبيد
قال البخاري في التاريخ الكبير :" [ 3190 ] عتبة بن عمرو المكتب الكوفي
عن عكرمة عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أنت
لعبادة العتبة بعد العتبة قاله أحمد بن الصباح سمع علي بن جعفر سمع عتبة"
أقول : كذا في نسخة التاريخ ( العتبة بعد العتبة ) وصوابه ( الفينة بعد
الفينة ) والله أعلم
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل :" عتبة بن عمرو المكتب الكوفى
روى عن عكرمة وقتادة روى عنه محاضر والوليد بن مسلم سمعت ابى يقول ذلك، نا عبد الرحمن
قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول وقلت له من عتبة المكتب
؟ فقال شيخ لعبدالله بن ادريس، نا عبد الرحمن قال سألت ابى عن عتبة الكوفى فقال لا
اعرفه"
وقال ابن حبان في «الثقات» ( 7/269 ) : « عتبة بن عمرو المكتب ، من أهل
الكوفة ، يروي عن الشعبي وعكرمة ، روى عنه أبو صَيْفِيّ والكوفيون ، وليس هذا بعبيد
بن عمرو المكتب »
وقول ابن حبان ( وليس هذا بعبيد بن عمرو المكتب ) تنبه منه إلى أنهما قد
يختلطان على المرء كما حصل هنا
وقال البرقاني في «سؤالاته للدارقطني» ( 396 ) عنه : « عُتبة أبو عمر كوفي
شيخ لا بأس به ، يحدث عن ابن نهشل مجهول يترك حديثه »
وأعيد وأكرر أن البحث في حديث ( الفينة بعد الفينة ) ليس لي وإنما استفدته
من بعض المعاصرين مع مراجعة المعلومات التي ذكرها
فائدة :
قال ابن القيم في زاد المعاد [ 1 /425 ] :
وَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : أَنّهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ فَيُصَلّي بِالنّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ يُسَلّمُ فَيَقِفُ
عَلَى رَاحِلَتِهِ مُسْتَقْبِلَ النّاسِ وَهُمْ صُفُوفٌ جُلُوسٌ فَيَقُولُ " تَصَدّقُوا
" فَأَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدّقُ النّسَاءُ بِالْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ وَالشّيْءِ
.
فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ بَعْثًا يَذْكُرُهُ
لَهُمْ وَإِلّا انْصَرَفَ .
وَقَدْ كَانَ يَقَعُ لِي أَنّ هَذَا وَهْمٌ
فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا كَانَ يَخْرُجُ
إلَى الْعِيدِ خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النّحْرِ بِمَنًى .
إلَى أَنْ رَأَيْتُ بَقِيّ بْنَ مَخْلَدٍ الْحَافِظَ قَدْ ذَكَرَ هَذَا
الْحَدِيثَ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا
عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدّثَنَا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ حَدّثَنَا عِيَاضُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ
كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ
يَوْمِ الْفِطْرِ فَيُصَلّي بِالنّاسِ تَيْنِكَ الرّكْعَتَيْنِ ثُمّ يُسَلّمُ فَيَسْتَقْبِلُ
النّاسُ فَيَقُولُ تَصَدّقُوا وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدّقُ النّسَاءَ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ .
ثُمّ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلّادٍ حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ
حَدّثَنَا دَاوُد عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَخْرُجُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ فَيُصَلّي بِالنّاسِ فَيَبْدَأُ بِالرّكْعَتَيْنِ
ثُمّ يَسْتَقْبِلُهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ فَيَقُولُ تَصَدّقُوا فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَهَذَا
إسْنَادُ ابْنِ مَاجَهْ إلّا أَنّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْب عَنْ أَبِي أُسَامَةَ
عَنْ دَاوُد . وَلَعَلّهُ ثُمّ يَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ قَامَ
مُتَوَكّئًا عَلَى بِلَالٍ
فَتَصَحّفَ عَلَى الْكَاتِبِ بِرَاحِلَتِهِ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ .اهـ
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم