الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال البخاري في صحيحه 3606 : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ
سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ :
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ
الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي
وهذا من عظيم فقه حذيفة رضي الله عنه
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/387):" لكن أحمد كان أعلم
بمقالات الناس من غيره "
قال عبد الرحمن السعدي في تيسير اللطيف المنان ص269 :" أن من أكبر نعم
الله على عبده أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب،
وفي الخصومات والمشاحنات كما قال تعالى: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب "
وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (1/432) :" وغرضنا لا
يتوقف على معرفة تفاصيل باطلهم، ولكن يكفينا أن نعرف المنكر معرفة تميز بينه وبين المباح
والمعروف، والمستحب والواجب، حتى نتمكن بهذه المعرفة من اتقائه واجتنابه كما نعرف سائر
المحرمات ؛ إذ الفرض علينا تركها، ومن لم يعرف المنكر - جملة ولا تفصيلا - لم يتمكن
من قصد اجتنابه، والمعرفة الجملية كافية، بخلاف الواجبات : فإن الغرض : لما كان فعلها،
والفعل لا يتأتى إلا مفصلا، وجبت معرفتها على سبيل التفصيل"
فتأمل قول الشيخ ( ومن لم يعرف المنكر - جملة ولا تفصيلا - لم يتمكن من
قصد اجتنابه) وأسلم طريقة للتعرف على المنكر جملةً أو تفصيلاً النظر في ردود أهل السنة
عليهم ، وما أنكر أهل العلم والسنة عليهم
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في مسائل الجاهلية :" هذه
أمور خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية الكتابيين والأميين،
مما لا غنى للمسلم عن معرفتها، فالضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتبين الأشياء.
فأهم ما فيها وأشدها خطراً، عدم إ يمان القلب بما جاء به الرسول صلى الله
عليه وسلم، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه أهل الجاهلية، تمت الخسارة، كما قال
تعالى: {والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون}"
وقال أيضاً في مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد :" قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف
الجاهلية". وهذا لأنه إذا لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره
وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، فتنقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف
منكرا والمنكر معروفا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد،
ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع. ومن له بصيرة
وقلب حي يرى ذلك عيانا، فالله المستعان "
إيه والله قد رأيناه عياناً ، وللفائدة الأثر الذي ذكره الإمام عن عمر
ما وقفت عليه مسنداً بهذا اللفظ ، وكذلك من لا يعرف مقالات أهل البدع ، يقع فيها كما
رأينا كثيراً من المنتسبين إلى السنة يوافقون الأشاعرة في مقالات ظناً منهم أنها الهدى
، وإنما أتوا من قبل تركهم لكتب الردود على هؤلاء القوم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (3/24) :" ويروي
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ
في الإسلام من لا يعرف الجاهلية
وهذا حال كثير ممن نشأ في عافية الإسلام وما عرف ما يعارضه ليتبين له فساده
فإن لا يكون في قلبه من تعظيم الإسلام مثل ما في قلب من عرف الضدين
ومن الكلام السائر : ( الضد يظهر حسنه الضد ) ( وبضدها تتبين الأشياء
) "
وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ كما في الدرر السنية (3/ 288)
:" وقد وقع في هذا كثير ممن ينتسب إلى أبي الحسن الأشعري; وظنه بعض الناس من مذاهب
عقيدة أهل السنة والجماعة ; وسبب ذلك: هو الجهل بالمقالات والمذاهب، وما كان عليه السلف;
قال حذيفة رضي الله عنه: " كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة الوقوع فيه ".
فالواجب على من له نهمة في الخير وطلب العلم، أن يبحث عن مذاهب السلف وأقوالهم
في هذا الأصل العظيم، الذي قد يكفر الإنسان بالغلط فيه، ويعرف مذاهب الناس في مثل ذلك،
وأن يطلب العلم من معدنه ومشكاته، وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب
والحكمة، وما كان عليه سلف الأمة; قال الله تعالى: {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ
فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} ، وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} "
وقال شيخ الإسلام في الفتوى الحموية الكبرى ص250 :" ثم رد عثمان بن
سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما كان عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة
لطريقهم، وضعف حجة من خالفهم"
فحض شيخ الإسلام على النظر في كتاب من كتب الردود للوقوف على حقيقة عقيدة
السلف
وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص141 :" وينبغي لكل طالب
سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه وكان شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدا وفيهما من
تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما "
ويعني بالكتابين ، كتاب الرد على الجهمية والرد على المريسي كلاهما لعثمان
بن سعيد الدارمي
وفي المجموع من آثار حماد الأنصاري يقول ابنه عبد الأول :"
17- أوصى الوالد أحدَ الطلبة أن يقرأ (الشريعة) للآجري، وقال: "هي للمبتدئ"،
وقال له: "اقرأها كلّ يوم"
فهذه وصية طيبة ، لم يقل كما يقول الجهلة ( هذا كتاب أسانيد )
وكأن الأسانيد حيات وعقارب ستلدغ قارءها
وقول البعض ( هذه كتب لا تفهم ) وغيرها من الجهالات البغيضة الصادة عن
كتاب الله وسنة نبيه على فهم السلف الصالح
وقد صرح بعض الأئمة أنهم ما كتبوا ردودهم على أهل البدع إلا من أجل العوام
والجهلة والمبتدئين في الطلب مما يدل على أنهم يريدون لهؤلاء أن يقرأوها
قال عثمان الدارمي في رده على المريسي ص62 :" لَوْلَا مَا بَدَأَكُمْ
هَذَا الْمُعَارِضُ بِإِذَاعَةِ ضَلَالَاتِ الْمَرِيسِيِّ وَبَثِّهَا فِيكُمْ، مَا
اشْتَغَلْنَا بِذِكْرِ كَلَامِهِ، مَخَافَةَ أَنْ يَعْلَقَ بَعْضُ كَلَامِهِ بِقُلُوبِ
بَعْضِ الْجُهَّالِ، فَيُلْقِيهِمْ فِي شَكٍّ مِنْ خَالِقِهِمْ وَفِي ضَلَالٍ، أَوْ
أَنْ يَدعُوهُم إِلَى تَأْوِيله"
قال أبو نصر السجزي في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف
والصوت ص295 :" الفصل التاسع: في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا
عنهم ولا يقعوا في شباكهم"
وفي هذا مخاطبة العوام بمسائل الجرح والتعديل خلافاً لمن منع ذلك من أهل
الجهل والتخذيل
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم