الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال العلامة سليمان بن سحمان في كتابه إقامة الدليل ص20 :
" وأما تفاصيل أسرار المأمورات والمنهيات فلا سبيل إلى علم البشر
به، ولكن يطلع الله من شاء من خلقه على ما شاء منه، فاعتصم بهذا الأصل، انتهى.
فتبين من كلام شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى أنه لا يجب على
الإنسان أن يعلم الحكمة في جميع ما شرع الله ورسوله، فإن ذلك ليس في قوى البشر، ولا
في وسعهم وطاقتهم، وإنما يجب هذا على الأعيان الذين أَهَّلَهُم الله لمعرفة ما أنزله
الله، وأطلعهم عليه.
وأما من كان عاجزا عن ذلك، وليس في طاقته ووسعه معرفة ذلك والاطلاع عليه،
فالواجب عليه أن يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إيماناً عاماً مجملاً،
وأن يعمل بما أمر الله به ورسوله، سواء عرف الحكمة في ذلك أو لم يعرفها.
إذا تبين هذا، فاعلم أن الحكمة ـ والله أعلم ـ في اجتماع الناس على تقبيل
الحجر الأسود هو ما ثبت عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
حيث قال: ـ "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه أو استلمه فكأنما صافح
الله".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونوَّر ضريحه في الجواب على هذا
الحديث: ـ
أما الحديث الأول فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت،
والمشهور إنما هو عن ابن عباس قال: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه
أو استلمه فكأنما صافح الله وقبَّل يمينه".
ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه، وإنما يشكل على من لا
يتدبره ، فإنه قال: ـ "يمين الله في الأرض" فقيده بقوله: "في الأرض"
ولم يطلق، فيقول: "يمين الله" وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم اللفظ المطلق.
ثم قال: ـ "من استلمه وصافحه فكأنما صافح الله، وقبل يمينه"،
ومعلوم أن المشَبَّهَ غيرُ المشبه به.
وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلاً، ولكن شُبَّه بمن يصافح
الله.
فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر الأسود ليس من صفات الله كما هو معلوم
عند كل عاقل، ولكن بين أن الله كما جعل للناس بيتاً يطوفون به، جعل لهم ما يستلمونه،
ليكون ذلك بمنزلة تقبيل يد العظماء، فإن ذلك تقريب للمقبّل، وتكريم له، كما جرت العادة.
والله ورسوله لا يتكلمون بما فيه ضلال الناس، [بل لا بد] من أن يبين لهم
ما يتقون، فقد بَيَّن في الحديث ما يتقى من التمثيل. انتهى"
وأثر ابن عباس ثابت
قال ابن حجر في المطالب العالية 1267 :
وقال محمد بن أبي عمر ، حدثنا يحيى بن سليم ، سمعت ابن جريج ، سمعت محمد بن عباد بن جعفر ، سمعت ابن عباس ، يقول :
إن هذا الركن يمين الله في الأرض يصافح بها عباده مصافحة الرجل أخاه
هذا موقوف جيد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم