الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال البخاري في صحيحه 7453 :
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا قَضَى
اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي
قد رأيت بعض الناس يطلق في هذا الكتاب أنه مخلوق وفي هذا الإطلاق نظرٌ
شديد
أولاً : لأن السلف ما أطلقوا هذا الإطلاق فيما أعلم
ثانياً : لأن قوله ( إن رحمتي سبقت غضبي ) كلام الله عز وجل وكلامه سبحانه
غير مخلوق وكونه مكتوباً لا يجوز إضفاء وصف المخلوقية عليه فإن الله عز وجل سمى القرآن
كتاباً في مواطن عديدة منه ومع ذلك هو غير مخلوق
والله عز وجل كتب التوراة بيده لموسى_ صلى الله عليه وسلم _ ومع ذلك هي
غير مخلوقة
فالمكتوب كلام الله عز وجل وهو غير مخلوق ، والكتابة فعل الله عز وجل وأفعاله
غير مخلوقة
وبقي النظر في المكتوب عليه
وقد جاء الخبر في مسند أحمد أنه مكتوب على العرش
قال أحمد في مسنده 10014 :
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْخَلْقِ،
كَتَبَ عَلَى عَرْشِهِ: رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي "
والعرش مخلوق ولا شك ومع هذا لا يجوز إطلاق الخلق على الكتاب المذكور فالقرآن
يكتب على ورق ومع ذلك هو كلام الله غير مخلوق ، والتوراة كان يحملها موسى في ألواح
وهي كلام الله عز وجل غير مخلوق وإن كان الورق مخلوقاً
قال قوام السنة الأصبهاني في الحجة (1/400) :" فِي أَن الْقُرْآن
الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف هُوَ حَقِيقَة كَلَام اللَّه
قَالَ أَصْحَاب الحَدِيث وَأهل السّنة: إِن الْقُرْآن الْمَكْتُوب الْمَوْجُود
فِي الْمَصَاحِف، وَالْمَحْفُوظ الْمَوْجُود فِي الْقُلُوب، وَهُوَ حَقِيقَة كَلَام
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِخِلَاف مَا زعم قوم أَنه عبارَة عَن حَقِيقَة الْكَلَام الْقَائِم
بِذَات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَدلَالَة عَلَيْهِ، وَالَّذِي هُوَ فِي الْمَصَاحِف مُحدث
وحروف مخلوقة"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/ 56) :" وكلمات
الله غير مخلوقة والمداد الذى يكتب به كلمات الله مخلوق والقرآن المكتوب فى المصاحف
غير مخلوق وكذلك المكتوب فى اللوح المحفوظ وغيره قال تعالى بل هو قرآن مجيد فى لوح
محفوظ وقال كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره فى صحف مكرمة مرفوعة مطهرة وقال تعالى يتلو
صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وقال انه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون
"
أقول : هذا والقرآن المكتوب في المصاحف إنما يكتبه بشر فكيف بما كتبه الله
عز وجل سبحانه وتعالى ، والجامع بين القرآن والكتاب الذي فوق العرش أن كلاهما كلام
الله عز وجل
وعليه فلا ينبغي إطلاق أن الكتاب الذي فوق العرش مخلوق لما فيه من الإيهام
أن كلام الله عز وجل مخلوق كما أنه لا يجوز أن تقول ( المصحف مخلوق ) ثم تقول إنما
أردت الورق أو المداد فإن هذا إطلاق غير جائز لما فيه ن التطريق إلى مذهب الجهمية وقول
السلف في اللفظية معروف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم