مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على محمد بازمول في نسبته العلماء إلى التأثر بنفس خارجي

تعقيب على محمد بازمول في نسبته العلماء إلى التأثر بنفس خارجي



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
 
فقد وردني ما يلي :" التحذير من بيتين شهيرين، فيهما نفَس «خارجي»
📌قال الشيخ محمد بازمول -حفظه الله- :
هذا ينبئكم أن البيت الشهير المنسوب الى محمد بن الورّاق الذي يقول :
_ تعصي الإله و أنت تزعم حبّه # هذا لعَمري في القياس شنيع
_ لو كان حبُّك صادقاً لأطعته # إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيعُ
أقول : هذان البيتان فيهما نفَس خارجي ؛ لأنهما ينفيان وجود المحبة الصادقة مع المعصية ، و الحديث {1}يثبت وجود المحبة مع المعصية ؛ و الرسول صلى الله عليه و سلم أثبت المحبة لله و لرسوله مع وجود المعصية ، بل معصية جلد عليها ، بل و تكرر جلده عليها ، فهذه فائدة عظيمة في هذا الحديث .ا.ه
___________________________
{1}حديث عمر : ( لا تلعنوه ، فوالله ما علمت انه يحب الله و رسوله) يقصد عبد الله (يلقب حمارا)، و كان قد جلد في الخمر مرات.
أخرجه البخاري (6780).
📔[شرح أصول و ضوابط في التكفير (ص66)"

أقول : هذان البيتان اللذان ادعى محمد بازمول أن فيهما نفساً خارجياً لم يبق أحد معروف بالعلم والزهد من مشاهير العلماء لم يستشهد بهما وبناءً عليه كل هؤلاء جهلة بعقيدة أهل السنة وفقط بازمول من فقهها

قال البيهقي في الشعب 492 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّبَرِيِّ أَمْلَاهُ مِنْ حِفْظِهِ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونَ الْفَقِيهَ يَقُولُ: سَمِعْتُ السَّخْتِيَانِيَّ يَقُولُ: وَيَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ"
[البحر الكامل]
تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا مُحَالٌ فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صادقاً لَأَطَعْتَهُ ... إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ"

فهنا ينسب الاستشهاد بها لأيوب السختياني

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية :" وَيُنْسَبُ إلَى الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا شِعْرًا: تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا مُحَالٌ فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ ... إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ يُطِيعُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ يَبْتَدِيك بِنِعْمَةٍ ... مِنْهُ وَأَنْتَ لِشُكْرِ ذَاكَ مُضِيعُ"

قال ابن رجب في اختيار الأولى :" ولو قلتَ لي: مُتْ. مُتْ سمعاً وطاعة ... وقلتُ لداعي الموت: أهلاً ومرحبا
وأنشد بعضهم:
تعصى الإلهَ وتزعُمُ حبَّه ... هذا لعمري في القياسِ شنيعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته ... إن المحبَّ لمن يحبُّ مُطيعُ
ومتى أخل العبد ببعض الواجبات، أو ارتكب بعض المحرمات فمحبته لربه غير تامة، فالواجب عليه المبادرة بالتوبة،"

وقال محمود شكري الآلوسي في شرح مسائل الجاهلية :"  وما أحسن قول القائل :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري (3) في القياس بديعُ
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع"

قال ابن تيمية في قاعدة في المحبة :" والمعاصي تنقض المحبة وهذا معنى قول الشبلي لما سئل عن المحبة فقال ما غنت به جارية فلان
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا محال في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن أحب مطيع
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حيث يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع"

وكلام ابن تيمية هنا يبين سخف اعتراض بازمول وأن البيت المقصود به المحبة القوية التي تستلزم ترك المعصية فالمحبة درجات ونفيها هنا من جنس قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) والنفي هنا لرتبة من مراتب الإيمان

واعتراض بازمول لا يستقيم إلا على قول المرجئة بأن المحبة عرض قلبي لا يزيد ولا ينقص ولا يتلازم مع الظاهر

وقال ابن القيم في طريق الهجرتين :" درن العلل وشوائب النفس، وهى التى [تستلزم إيثار المحبوب على غيره ولا بد وكلما كان سلطان هذه المحبة أقوى كان هذا الإيثار أتم] تتزايد، وفى مثل هذا قيل:
تعصى الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمرك فى القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إِن المحب لمن يحب مطيع"

وغيرهم كثير

فالسختياني وابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن مفلح لم يتنبهوا للخارجية في البيتين وتنبه لهما رجل في القرن الخامس عشر الهجري ولا حول ولا قوة إلا بالله

وحتى الألباني الذي يتمسح به هذا المعترض وكذا ابن عثيمين كانا يستشهدان بهذه الأبيات

وهذا يذكرني بصنيع كمال المرزوقي الذي ادعى أن قولهم ( لا صغيرة مع الإصرار ) قول لا دليل عليه مع أنها من العبارات السيارة بين العلماء على مدى أربعة عشر قرنا دون أدنى نكير

قال البيهقي في الشعب  7268 - أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر الفقيه نا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الخلالي أنا المنيعي نا إسحاق بن إبراهيم المروزي نا حماد بن زيد عن سعيد بن أبي صدقة عن قيس بن سعد قال : قال ابن عباس : لا كبيرة بكبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة بصغيرة مع الإصرار

وهذا رجاله ثقات وإنما فيه منقطع يغتفر في الموقوف وأصل التفريق بين الإصرار وعدمه موجود في القرآن ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )

وقال العراقي في تخريج الإحياء :" وروى ابن أبي الدنيا في التوبة عن ابن عباس : كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة ، وفيه الربيع بن صبيح مختلف فيه . وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس عن أنس قوله : لا صغيرة مع الإصرار ، وإسناده جيد"

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم :" وَمَنْ إِذَا أَتَى بِصَغِيرَةٍ كَانَتْ مَغْمُورَةً فِي حَسَنَاتِهِ الْمُكَفِّرَةِ لَهَا، وَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] [آلِ عِمْرَانَ: 135] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ."

نحن في زمن الجرأة والتحاذق ولا حول ولا قوة إلا بالله
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي