مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على حاتم العوني فيما ذكره عن المحدثين في أبي حنيفة

تعقيب على حاتم العوني فيما ذكره عن المحدثين في أبي حنيفة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
 
قال حاتم العوني العبدلي : [ ثبت عن الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك أنه ذكر بأنه كان يأتي الإمام أبا حنيفة سرا ، من شدة لوم سفيان الثوري وأصحابه (أصحاب الحديث) عليه ]

[ فبعض المحدثين لما وجدوا ما عند الإمام أبي حنيفة من عميق الفقه ودقيقه ما لا يعرفون مصدره .... مع اعتقادهم أنه ليس يقدر عليه (سوء ظن منهم ، أو حسدا) ، فادعوا أنه مأخوذ من كتب الصادق ].

قول نصف الحقيقة كذب يا حاتم

لنذكر الحقيقة كاملة وهي أن الإمام المجاهد نفسه قد تبرأ من أبي حنيفة ودخل في سلك ذاميه وأن ذلك تواتر عنه

قال عبد الله بن أحمد في السنة 185 - حدثني أبو الفضل الخراساني ، حدثني إبراهيم بن شماس السمرقندي ، قال قال رجل لابن المبارك ونحن عنده « إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف » ، فلم ينكر عليه ذلك ابن المبارك

وقال أيضاً 194 - حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، من أهل مرو قال دخلنا على عبد العزيز بن أبي رزمة نعوده أنا وأحمد بن شبويه وعلي بن يونس فقال لي عبد العزيز : يا أبا سعيد ، عندي سر كنت أطويه عنكم فأخبركم ، وأخرج بيده عن فراشه فقال سمعت ابن المبارك يقول : سمعت الأوزاعي يقول : « احتملنا عن أبي حنيفة كذا وعقد بأصبعه ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثانية ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثالثة العيوب حتى جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلما جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم نقدر أن نحتمله »

وقال أيضاً 292 - حدثني عبدة بن عبد الرحيم مروزي شيخ صالح أنا سلمة بن سليمان ، قال : دخل حمزة البزار على ابن المبارك فقال : يا أبا عبد الرحمن لقد بلغني من بصر أبي حنيفة في الحديث واجتهاده في العبادة حتى لا أدري من كان يدانيه فقال ابن المبارك : أما ما قلت بصر بالحديث فما لذلك بخليق لقد كنت آتيه سرا من سفيان وإن أصحابي كانوا ليلومونني على إتيانه ويقولون أصاب كتب محمد بن جعفر فرواها ، وأما ما قلت من اجتهاده في العبادة فما كان بخليق لذلك لقد كان يصبح نشيطا في المسائل ويكون ذلك دأبه حتى ربما فاتته القائلة (1) ثم يمسي وهو نشيط وصاحب العبادة والسهر يصبح وله فترة

وقال أيضاً 293 - حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، قال : سمعت معاذ بن خالد بن شقيق ابن عم ، علي بن الحسن بن شقيق يقول : قدمت من الحج فأدركت ابن المبارك بالعراق فسألته فقلت : يا أبا عبد الرحمن فضل معي من نفقة الحج شيء ترى إلى أن أكتب برأي أبي حنيفة ؟ فقال : « لا » ، فقلت : لم ؟ قال : « لأنه عقل رجل ليس بذاك »

وقال أيضاً 294 - حدثني أبو الفضل الخراساني ، ثنا إبراهيم بن شماس السمرقندي ، ثنا عبد الله بن المبارك ، بالثغر عن أبي حنيفة ، قال : فقام إليه رجل يكنى أبا خداش ، فقال : يا أبا عبد الرحمن لا ترو لنا عن أبي حنيفة ، فإنه كان مرجئا فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك ، وكان بعد إذا جاء الحديث عن أبي حنيفة ورأيه ضرب عليه ابن المبارك من كتبه وترك الرواية عنه ، وذلك آخر ما قرأ على الناس بالثغر ، ثم انصرف ومات ، قال : وكنت في السفينة معه لما انصرف من الثغر (1) ، وكان يحدثنا فمر على شيء من حديث أبي حنيفة ، فقال لنا : اضربوا على حديث أبي حنيفة فإني قد خرجت على حديثه ورأيه ، قال : ومات ابن المبارك في منصرفه من ذلك الثغر ، قال : وقال رجل لابن المبارك ونحن عنده : إن أبا حنيفة كان مرجئا يرى السيف فلم ينكر ذلك عليه ابن المبارك

وقال أيضاً 295 - حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، سمعت أبا الوزير محمد بن أعين رضي الله عنه وصي ابن المبارك قال : دخل رجل من أصحاب عبد الكريم على ابن المبارك والدار غاصة بأصحاب الحديث ، فقال : يا أبا عبد الرحمن مسألة كذا وكذا ، قال : فروى ابن المبارك فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال الرجل : يا أبا عبد الرحمن قال أبو حنيفة خلاف هذا فغضب ابن المبارك وقال : أروي لك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تأتيني برجل كان يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم

وقال أيضاً 296 - حدثني القاسم بن محمد الخراساني ، ثنا عبدان ، عن ابن المبارك ، قال : « ما كان على ظهر الأرض مجلس أحب إلي من مجلس سفيان الثوري كنت إذا شئت أن تراه مصليا رأيته وإذا شئت أن تراه في ذكر الله عز وجل رأيته ، وكنت إذا شئت أن تراه في الغامض من الفقه رأيته ، وأما مجلس لا أعلم أني شهدته صلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم قط فمجلس » ثم سكت ولم يذكر فقال : يعني مجلس أبي حنيفة

وقال أيضاً 297 - حدثني محمد بن أبي عتاب الأعين ، نا إبراهيم بن شماس ، قال : صحبت ابن المبارك في السفينة ، فقال : « اضربوا على حديث أبي حنيفة قال قبل أن يموت ابن المبارك ببضعة عشر يوما »

أقول : قد نظرت في مسند ابن المبارك والزهد له والجهاد له والبر والصلة له فلم أجد خبراً واحداً من طريق أبي حنيفة إلا خبراً رواه الحسين المروزي في الزوائد ليس ابن المبارك

وقال أيضاً 299 - حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : سمعت عبدان ، يقول : سمعت سفيان بن عبد الملك ، يقول : سمعت عبد الله بن المبارك ، يقول في مسألة لأبي حنيفة : « قطع الطريق أحيانا أحسن من هذا »

فهذه عشرة آثار ثابتة عن ابن المبارك في ثلب أبي حنيفة

وليست هذه الآثار في السنة فقط بل كثير منها في تاريخ بغداد وضعفاء العقيلي

قال العقيلي في الضعفاء 6117- حَدثنا مُحمد بن إبراهيم بن جَنَّاد، قال: حَدثنا أَبو بَكر الأَعيَنُ، قال: حَدثنا إِبراهيم بن شَماس، قال: سمعتُ ابن المُبارك، يقول: اضرِبُوا على حَديث أَبي حَنيفَةَ.

قال ابن عدي في الكامل سمعت بن أبى داود يقول الوقيعة في أبى حنيفة جماعة من العلماء لان امام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه وإمام الكوفة الثوري وقد تكلم فيه وامام الحجاز مالك وقد تكلم فيه وامام مصر الليث بن سعد وقد تكلم فيه وامام الشام الأوزاعي وقد تكلم فيه وامام خراسان عبد الله بن المبارك وقد تكلم فيه فالوقيعة فيه إجماع من العلماء في جميع الأفاق

وهذا صحيح والذي قاله ابن أبي داود هو الحق الذي يبصره كل من نظر في كتب الجرح والتعديل وهل يعقل أن يحسد كل هؤلاء رجلاً واحداً يا ليت شعري ما الذي وجدوه عنده وفقد عندهم وحسدوه

حاتم العوني يعتمد كلام الأئمة سفيان ومالك وشعبة والقطان وابن مهدي وابن حنبل والبخاري في الرواة لأنه صاحب حديث ثم يعرض بهم أنهم حسدة في هذا الرجل بالذات وهذا إسقاط لعدالتهم وسخف في القول

فهذا سفيان الثوري ثقة ثبت وأبو حنيفة ضعيف

وسفيان زاهد عابد له ترجمة في الحلية وغيرها وأبو حنيفة ما ترجم له أبو نعيم في الحلية لقلة أخباره في الباب

وسفيان مناقبه لا تدخل في الحصر ولا يحفظ عنه إلا ثلب أبي حنيفة ولا يحفظ عن أبي حنيفة إلا الثناء عليه_ ولا يسع أبا حنيفة إلا هذا _ وأخبار سفيان موجودة في الكتب الستة وكل كتب الحديث وأبو حنيفة اجتنبوه

فمن يحسد من ؟

فأضف إلى سفيان مالك بن أنس وأيوب وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والأوزاعي والحسن بن صالح وغيرهم

وقد كانت العلاقة بين الأوزاعي إمام اهل الشام ومالك إمام أهل المدينة وسفيان إمام الكوفة في الفقه على منتهى في الصفاء والتآخي مع أنهم متنافسون في الفقه وفقط ضاق صدرهم على ذاك الرجل !

قال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ حَبِيبٍ الصُّورِيُّ، حَدَّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبد اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنا الْخَتْلِيُّ قَال: رأيت شيخا راكبا بمنى وشيخ يَقُودُهُ وَآخَرَ يَسُوقُهُ، وَهُمَا يَقُولانِ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ، فَقُلْتُ مَنِ الرَّاكِبُ؟ فَقِيلَ: الأَوْزاعِيّ، قُلْتُ: مَنِ الْقَائِدُ؟ قَالَ: سُفْيَانُ الثَّوْريّ، قُلْتُ: فَالسَّائِقُ؟ قَال: مالك بن أنس.

قال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبُّوَيْهِ قال: حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: مَنِ الْجَمَاعَةِ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحُسَيْنِ بْنُ وَاقِدٍ، وأبو حمزة السكري.
قال أبو زرعة: قَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبُّوَيْهِ: لَيْسَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنَ الإِرْجَاءِ، ولا رأي أبي حنيفة

وأما دعوى أن أبا حنيفة أخذ من كتب الصادق فهذا كذب مضحك فهذه آثار السلف في ثلب أبي حنيفة تملؤ الكتب ما فيها شيء من هذا ولو قالوا هذا لكانوا مادحين لأبي حنيفة أنه أخذ كلامه من أصل يعتمد عليه

والكل يعلم أن جعفراً الصادق كان له مشاركة في الفقه ولكنه لم يكن متوسعاً فيه

وأبو حنيفة عامة فقهه المأثور أخذه عن شيخه حماد بن أبي سليمان ، وشيخ شيخه إبراهيم النخعي

وحمل عليه الناس بسبب ما زاده من الحيل ورد الأحاديث والتقعيد لذلك وأمور أخرى شرحتها في كتابي الترجيح بين أقوال المعدلين والمجرحين في أبي حنيفة

قال الدارمي في الرد على المريسي :" لِأَنَّ عِظَمَ مَا أَفْتَى وَأَخَذَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِمَّا رَوَاهُ عَن حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ6، وَكَانَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فَقَدْ شَهِدَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِغَيْرِ أَثَرٍ"

والنخعي وحماد ألصق بالفقه من الصادق أصالة

وقد رويت أخبار عن جعفر في سب أبي حنيفة وهي على ضعفها من جنس ما يحتج به في مناقبه فيلزم من يقبل تلك أن يقبل هذه

قال ابن حبان في المجروحين أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الأُبَلِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْأنس عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا وَرِثْنَا هَذِهِ النُّبُوَّةَ عَنْ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ وَوَرِثْنَا هَذَا الْبَيْتَ عَن أَبينَا إِسْمَاعِيل بن خَلِيلِ الرَّحْمَنِ وَوَرِثْنَا هَذَا الْعِلْمَ عَنْ جَدِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْعَلْ لَعْنَتِي وَلَعْنَةَ آبَائِي وَأَجْدَادِي عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ.

وجعفر بن محمد ليس له كتب في الفقه أصلاً

وحاتم يحمل لواء الرجوع لمنهج المتقدمين في الحديث ويبدو أنه يريد هذا في باب دون باب فمنهجهم في الجرح والتعديل بغيض عنده
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي