مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على تعليق عدنان إبراهيم على مؤتمر الشيشان ...

تعقيب على تعليق عدنان إبراهيم على مؤتمر الشيشان ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
 
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي

ما شاء الله لا قوة إلا بالله

اللهم منك نستمد المدد فافتح علينا فتوح العارفين وسدد رمينا وجنبنا نزغات الشياطين

فإن عدنان إبراهيم في خطبته التي علق فيها على مؤتمر الشيشان حاول أن يوصل ما عنده عن طريق لبس عباءة الإنصاف ، غير أنه اضطرب من حيث لا يشعر وجاء بمعطيات متناقضة لو تدبر ووقع منه نوع تدليس وإن كان طرحه في هذه الخطبة لا يقارن بطرحه في خطبه القديمة فهذه أحسن

وقد أغراني جداً التعليق على هذه الخطبة لأن ذلك سيكون مفتاحاً لإيضاح كثير من المسائل التي ربما يستعجم فهمها على العامة والذين يدلي عليهم عدنان بطرحه المتآخي مع الاجتزاء والتهويل ، وهذا وإن كان لا يروع متوسطة المتعلمين إلا أنه له في العامة نصيباً مفروضاً

وبما أنني من قوم ينسبون أنفسهم للسنة علي أن أعرض أولاً بعض خصائص هذه الدعوة

فأولاً : سلامة قلوبهم وألسنتهم تجاه الأولين مطبقين لقوله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )

والتصريح بمحبة جميع الصحابة والقرابة من الصالحين أدعى لائتلاف القلوب وأبعد عن الخوض في التفاصيل التي تفرق الأمة

فإذا كان عدنان يخرج علينا في برنامج صحوة في حلقة ( لماذا نخاف من الفلسفة ) ويريد للعامة تعلم الفلسفة ثم إنه في هذه الخطبة يدعو إلى عدم بحث الخلافات بين المعتزلة والأشاعرة أمام العامة وليس صاحياً لنفسه أنه يتناقض هذا التناقض

ولكن آذانا بكثرة بحثه فيما شجر بين الصحابة واعتمد في ذلك واهيات وبواطيل وبعض صحيح حمله أكثر مما يحتمل وكتم ما لا يروقه

فهل يحصل بهذا وحدة للأمة ؟

وأيهما نحن أقدر على الاستغناء عنه البحث في أسماء الله وصفاته وحكمته وتعليله والفاسق الملي ( وهذه مسائل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة )

أم الخلاف الذي حصل بين الصحابة في الجمل وصفين ؟

هلا شيئاً من وعظك لنفسك

وما أحسن كلمة عمر بن عبد العزيز في الكف عن الفتنة تلك فتنة نزه الله سيوفنا عنها فننزه ألسنتنا عنها

وهذا انفراد لأهل السنة فالإباضية منحرفون عن علي وعثمان والإمامية منحرفون عن عامة الصحابة والزيدية منحرفون عن عثمان ومن قاتل علياً وانحرافهم يصل إلى التكفير

والعجيب أن هذه الفرق تثق بأصحاب رواتها وعلمائها ما لا تثق بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

والسؤال هنا : من لم يصف قلبه على من سبقه بالإيمان هل يمكن أن يصفو قلبه علي أو عليك ؟

الخاصية الثانية : أهل السنة يعتقدون أن السلف من الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء المتبوعين بالفقه من أهل الحديث ورواة الحديث أعلم منا بالله عز وجل

أما مخالفة الزيدية والإباضية والإمامية لهذه النقطة فواضح ولكن ما هي مخالفة الأشعرية والماتردية لهذه النقطة ؟

فيقال قد صرح عدد من أعيان نفاة الصفات أن الصحابة لم يكونوا على عقيدة التنزيه على التحقيق وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرهم على التجسيم تأليفاً لهم

قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام( 1/202 ) : "وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العامي ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا ممن أسلم على البحث عن ذلك بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لا انفكاك لهم عنه , وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه ،وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات والتوارث والصلاة عليهم إذا ماتوا وتغسيلهم وتكفينهم وحملهم ودفنهم في مقابر المسلمين , ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين , ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه".

فهنا العز بن عبد السلام يصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون كانوا يقرون الناس على التجسيم


وللقرطبي ( صاحب المفهم وليس صاحب التفسير ) كلام نحواً من كلام العز وابن الجوزي
 قال ابن حجر في شرح البخاري (20/ 491) :" وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : أَصْل وَضْع الشَّخْص يَعْنِي فِي اللُّغَة لِجِرْمِ الْإِنْسَان وَجِسْمه ، يُقَال شَخْص فُلَان وَجُثْمَانه ، وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلّ شَيْء ظَاهِر ، يُقَال شَخَصَ الشَّيْء إِذَا ظَهَرَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى فَوَجَبَ تَأْوِيله ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا مُرْتَفِع ، وَقِيلَ لَا شَيْء ، وَهُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْأَوَّل ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ لَا مَوْجُود أَوْ لَا أَحَد وَهُوَ أَحْسَنهَا ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ؛ وَكَأَنَّ لَفْظ الشَّخْص أُطْلِقَ مُبَالَغَة فِي إِثْبَات إِيمَان مَنْ يَتَعَذَّر عَلَى فَهْمه مَوْجُود لَا يُشْبِه شَيْئًا مِنْ الْمَوْجُودَات ، لِئَلَّا يُفْضِي بِهِ ذَلِكَ إِلَى النَّفْي وَالتَّعْطِيل ، وَهُوَ نَحْو قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَارِيَةِ " أَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاء " فَحَكَمَ بِإِيمَانِهَا مَخَافَة أَنْ تَقَع فِي التَّعْطِيل لِقُصُورِ فَهْمهَا عَمَّا يَنْبَغِي لَهُ مِنْ تَنْزِيهه مِمَّا يَقْتَضِي التَّشْبِيه ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا".

سبحان الله ! ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( مؤمنة ) وهو يقول ( قاصرة الفهم عن التنزيه )

وما أحسن ما نقله ابن تيمية عن ابن عقيل

قال ابن تيمية في درء التعارض (8/48) :" وسأل رجل ابن عقيل فقال له هل ترى لي أن أقرأ الكلام فإني أحسن من نفسي بذكاء فقال له إن الدين النصيحة فأنت الآن على ما بك مسلم سليم وإن لم تنظر في الجزء يعني الجوهر الفرد وتعرف الطفرة يعني طفرة النظام ولم تخطر ببالك الأحوال ولا عرفت الخلاء والملاء والجوهر والعرض وهل يبقى العرض زمانين وهل القدرة مع الفعل أو قبله وهل الصفات زوائد على الذات وهل الاسم المسمى أو غيره وهل الروح جسم أو عرض فإني أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا ذلك ولا تذاكروه فإن رضيت أن تكون مثلهم بإيمان ليس فيه معرفة هذا فكن وإن رأيت طريقة المتكلمين اليوم أجود من طريقة أبي بكر وعمر والجماعة فبئس الاعتقاد والرأي"


الخاصية الثالثة : أهل السنة أهل اعتدال في الحكم على الفاسق الملي فلا يجعلونه كامل الإيمان كالمرجئة ولا يكفرونه كالخوارج ولا يشهدون عليه بالخلود في النار كالإباضية والمعتزلة

الخاصية الرابعة : أهل السنة أهل اعتدال في الحكم على مخالفيهم فليس كل المخالفين كفار ولا كلهم ليسوا كفاراً

فنجد عامة السلف ما كفروا المرجئة ولهم في الخوارج قولان والأكثر على عدم التكفير وفرقوا بين غلاة القدرية وغير غلاتهم وأحمد لم يكفر الواقفي واللفظي الجاهل وعامة التكفير والتضليل على مخالفة النص

ولننظر الآن في الفرق الأخرى

فلننظر للرافضة وسأنقل كلامهم في الأشاعرة لأن عدنان تباكى على تكفير الأشعرية

قال الباحث عائض الدوسري ( وعلى لغته في الخطاب تحفظ ولكن ننقل كما كتب ) :" لجينيات ـ إذا كانت "التقيَّة" أو" متاهات التلاعب بالألفاظ والمصطلحات" الموجودة لدى الشيعة، من أهم عوائق الوحدة الإسلامية والتقارب أو التعايش السلمي، فإنَّ الأمر لا يقف عند هذين العائقين فحسب، بل هناك عوائق عديدة وخطيرة، يجب على عقلاء وحكماء الشيعة أن ينظروا إليها بجديةٍ وتبصرٍ، ثم يُعيدوا مراجعتها ليزيلوا كل ما يُخالف الوحدة الإسلامية القائمة على الإسلام النقي الصافي.


ومن تلك العوائق: محاولة بعض الشيعة –هداهم الله- استخدام حيل ملتوية وغير أخلاقية للتفريق بين أهل السنة، وذلك كقولهم: "نحن ليس بيننا وبين أهل السنة مشكلة، مشكلتنا فقط مع الوهابية أو مع السلفية". فهذه الحيلة، أي: "حيلة التفريق بين السلفية وبقية أهل السنة"، مع كونها محاولة شيعية غير بريئة للتفريق بين البيت السني الواحد؛ فإنها أيضاً من الكذب المحض، لأنهم -كما قرأتَ سابقاً في الحلقة الثانية - لا يفرقون في تكفيرهم بين أحدٍ من أهل السنة بل من عموم المسلمين.


فموقف الشيعة من الأشاعرة -مثلاًً- لا يختلف عن موقفهم من سائر أهل السنة، من حيث الشدة والغلو في التكفير، والإخراج عن دائرة الإسلام، واللعن وتجويز غيبتهم، والكذب عليهم، وانتهاك أعراضهم.


فهذا العالم الشيعي الكبير "المازندراني" يعتقد أنَّ الأشاعرة هم مجوس الأمة، فقد روى هذا العالم حديثاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قوله: (القدرية مجوس هذه الأمة). ثم علق عليه، فقال: (هم الأشاعرة)[1]. وقال أيضاً: (فالأشاعرة هم أنذل وأنزل من أن يفهموا هذه المعاني) [2].


وأطبق علماء الشيعة على وصف الأشاعرة بالشرك والتجسيم، بسبب إثباتهم بعض الصفات، ووصف الأشاعرة بالشرك والتجسيم يلزم منه وصف كافة أهل السنة والجماعة بالشرك والتجسيم على معتقد الشيعة!


يقول العالم الإمامي الشيعي المازندراني: (الأشاعرة يثبتون له تعالى صفات الجسم ولوازم الجسمية ويتبرؤن من التجسيم.. وهذا تناقض يلتزمون به ولا يبالون، وهذا يدل على عدم تفطنهم لكثير من اللوازم البينة أيضاً، وعندنا هو عين التجسيم) [3].


وقد نسبَ نصير الدين الطوسي، وعلامتهم الحليّ، و محمد حسن ترحيني إلى الأشاعرة الشرك والتعدد في ذات الله، حيث زعموا أنه يلزم الأشعرية من مذهبهم في الصفات وجود قدماء مع الله في الأزل، وهذا شرك وتعدد[4].


وهذا حافظهم "رجب البرسي" -أحد علماء الإمامية- يقول: (وأما الإمامية الإثناعشرية، فإنهم أثبتوا لله الوحدانية، ونفوا عنه الاثنينية، ونهوا عنه المثل والمثيل، والشبه والتشبيه، وقالوا للأشعرية: إن ربنا الذي نعبده ونؤمن به ليس هو ربكم الذي تشيرون إليه، لأن الرب مبرأ عن المثلات، منـزه عن الشبهات، متعال عن المقولات) [5].


وذهب الشيخ مصطفى الخميني إلى أنَّ الأشاعرة من المشركين بالله، حيث قال: (ولعمري إن هذه الشبهة ربما أوقعت الأشاعرة في الهلكة السوداء، والبئر الظلماء، حتى أصبحوا مشركين) [6].


وذهب العالم الشيعي "نعمة الله الجزائري" -بناءً على ما تقدم- إلى الحكم على الأشعرية بالكفر، وأنهم مخلدون في النار، بل وجعلهم في درجة أسوء من المشركين الأصليـين،!


يقول: (الأشاعرة لم يعرفوا ربهم بوجه صحيح، بل عرفوه بوجه غير صحيح، فلا فرق بين معرفتهم هذه وبين معرفة باقي الكفار) [7].


وقال: (الأشاعرة ومتابعوهم أسوء حالاً في باب معرفة الصانع من المشركين والنصارى.. فمعرفتهم له سبحانه على هذا الوجه الباطل من جملة الأسباب التي أورثت خلودهم في النار مع إخوانهم من الكفار) [7].


وإذا كان هذا هو موقف الشيعة من الأشاعرة، فإنه لم يكن موقِفُهم من الصوفيةِ أحسنَ حالاً من موقفهم من سائر المخالفين، فالصوفية عندهم مثل الأشاعرة، والذين هم من عامة المسلمين من غير الشيعة، فقد اعتبروهم زنادقة وأعداء لأهل البيت، ولم يكن هذا الحكم على القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود من الصوفية، بل كان حكمًا بالزندقة على خير الزهاد من أهل السنة كالحسن البصري وسفيان الثوري.


يقول شيخ الشيعة ومحدثهم وفقيههم "الحر العاملي": (لا يوجد للتصوف وأهله في كتب الشيعة وكلام الأئمة عليهم السلام ذكر إلا بالذم، وقد صنفوا في الرد عليهم كتباً متعددة ذكروا بعضها في فهرست كتب الشيعة. قال بعض المحققين من مشايخنا المعاصرين: اعلم أن هذا الاسم وهو اسم التصوف كان مستعملا في فرقة من الحكماء الزايغين عن الصواب، ثم بعدها في جماعة من الزنادقة وأهل الخلاف من أعداء آل محمد كالحسن البصري وسفيان الثوري ونحوهما، ثم جاء فيمن جاء بعدهم وسلك سبيلهم كالغزالي رأس الناصبين لأهل البيت) [8].


وقال أيضاً: (روى شيخنا الجليل الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في كتاب الكشكول، قال: قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم من أمتي اسمهم صوفية ليسوا مني، وإنهم يهود أمتي وهم أضل من الكفار، وهم أهل النار") [9].


ثم عقد فصلاً كاملاً تحت عنوان: (ذكر بعض مطاعن مشايخ الصوفية وجواز لعن المبتدعين والمخالفين والبراءة منهم) [10].
ثم سرد الروايات والأقوال في مطاعن الصوفية ولعنهم والافتراء عليهم!


إذن، مقالة الشيعة: "نحن ليس بيننا وبين الأشاعرة والصوفية وبقية أهل السنة أي خلافٍ، وإنما الخلاف بيننا وبين السلفيَّة أو الوهابية"، ليس له أي أساسٍ من الصحة، إذ مع كون ذلك من الكذب المحض، فإنه مجرد حيلة وإستراتيجية للتفريق بين أهل السنة، وتفتيت البيت السني الداخلي، لاستدراج بعضهم لحرب البعض الآخر، أو مجرد الصمت على ما يتعرض له إخوانهم من أهل السنة على يد الشيعة، وهذا الأمر لا يخفى على عقلاء أهل السنة.


إنني أُناشد من هذا المنبر المبارك عقلاء الشيعة إلى مقاومة هذه الموانع المنيعة التي تقف في وجه التعايش السلمي والوحدة الإسلامية، فالأساليب الملتوية والمخاتلة والمخادعة لم تعد تنطوي على العقلاء والحكماء من أهل السنة.


لأن العالم في يومنا المعاصر أُدرك الحقائق، واطلع على بواطن كتب ومراجع الشيعة، فعرف تلك الأساليب، وكشف تلك الحيل، ولا بد من وقفة صادقة من عقلاء الشيعة لنبذ تلك العقائد الفاسدة التي كُفر وفُسق ولُعن وهُتك من أجلها خيار الأمة وأفراد أهل السنة وجماعاتهم.


أن نبدأ اليوم خير من أن نتقاعس إلى الغد، فإن الأمة لم تعد تحتمل وتطيق المؤتمرات البراقة، والخطابات اللامعة، والكلمات الرنانة، والندوات الجذابة، التي لم تستفد منها الأمة مقدار ذرة واحدة على الأرض الواقع، ولذا؛ فإنه بدون الصدق والصراحة والشجاعة والوضوح في نقد تلك الموانع الفاسدة، فإن الأمة لن تستفيد شيئًا البتة.



كتبه: عايض بن سعد الدوسري.
Ayedhi_d@hotmail.com



المراجع والمصادر:


(1) شرح أصول الكافي – محمد صالح المازندراني (5/11).
(2) شرح أصول الكافي (3/102).
(3) شرح أصول الكافي (3/202).
(4) انظر: شرح الإشارات والتنبيهات- الطوسي، تحقيق: سليمان دنيا (3/ 70) الطبعة الثالثة، دار المعارف. والرسالة السعديّة- الحلي، عناية: محمود المرعشي، عبدالحسين محمد علي بقال (ص 50 - 51). والإحكام في علم الكلام- السيد محمد حسن (ص25) دار الأمير للثقافة والعلوم.
(5) مشارق أنوار اليقين-البرسي، تحقيق: علي عاشور، (ص337) الطبعة الأولى 1419هـ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
(6) تفسير القرآن الكريم مفتاح أحسن الخزائن الإلهية- السيد مصطفى الخميني، تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، (1/103). مؤسسة العروج، الطبعة الأولى 1418هـ.
(7) الأنوار النعمانية (2/ 278).
(8) رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية – الحر العاملي (ص 13–16).
(9) رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية – الحر العاملي (ص 13–16).
(10) انظر كامل: رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية – الحر العاملي."

عن محمد بن الحسن عن أبي علي عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عمن حدثه قال سألت محمد بن علي الرضا ع عن هذه الآية وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ قال نزلت في النصاب و الزيدية و الواقفة من النصاب
أقول كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية و أمثالهم من الفطحية و الواقفة و غيرهم من الفرق المضلة المبتدعة و سيأتي الرد عليهم في أبواب أحوال الأئمة ع و ما ذكرناه في تضاعيف كتابنا من الأخبار و البراهين الدالة على عدد الأئمة و عصمتهم و سائر صفاتهم كافية في الرد عليهم و إبطال مذاهبهم السخيفة الضعيفة وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .( بحار الأنوار / المجلسي /باب 49 نادر في ذكر مذاهب الذين خالفوا الفرقة المحقة في القول بالأئمة الاثنى عشرية)

فإذا كان هذا موقفهم من الزيدية مع قربهم منهم مذهباً فما عسى أن يقولوا في غيرهم

والزيدية أنفسهم صرح الهادي بتكفير الرافضة الإمامية

وأما الإباضية فخذ هذه النصوص المستفادة من الشابكة :" قال السالمي في منظومته " أنوار لعقول في التوحيد " في الفصل الرابع في الرؤية :

ورؤية الباري من المحال *** دنيا وأخرى احكم بكل حال

إلى أن قال :

ومن يدن بها بكفرالنعم *** فاحكم له والشرك أن يجسم


وقال في شرحه لهذا البيت من هذه المنظومة في كتابه " بهجة الأنوار " ( ص84 ) :

" أي: واحكم على من قال بجواز الرؤيةفي حقه تعالى ، وعلى من قال بوقوعها في الآخرة بكفر النعمة وهو النفاق،فإن مجوز ذلك والقائل به لا شك أنه فاسق لمخالفته العقل والنقل " .



وقال في الفصل الثالث من الباب الرابع من منظومته " أنوار العقول " :شفاعة الرسول للتقي ** من الورى وليس للشقي
ومن يقل بغير ذا فقد كفر *** كفر نعيم إن تأولٌ ظهر
وقال السالمي في الباب الرابع / الفصل الخامس من منظومته " أنوار العقول " :
ومن عصى ولم يتب يخلد **** في النار دائماً بهذا نشهد
وكافر بنعمة من فرقـــــــا **** ما بين ذي شرك ومن قد فسقا



وقال أبو بكر بن عبد الله الكندي في (الجوهر المقتصر) ، في " باب بيان الدرجة الثالثة والكفر في أهل القبلة " (ص121) :

" وأما الدرجة الثالثة من درجات أهل الكفر فهي درجة الخارجين من الحق بعدولهم عن الصواب وسوء تأويلهم للسنة والكتاب مع إقرارهم بالدين وتصديقهم بنبوة نبينا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أجمعين. وهؤلاء هم فرق أهل القبلة الجاري عليهم حكم الملة ، وهم اثنان وسبعون فرقة ، إلا من كاد منهم أن يلحق بأهل الدرجة الثانية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ). قال أصحابنا: ونحن تلك الفرقة، والحق عندنا غير دارس ولا مجهول ، ولأهل هذه الدرجة مقالات معروفة ومذاهب موصوفة يطول بذكرها الكتاب ويتسع باستيعاب شرحها الخطاب. ونحن نشهد لمن مات من هؤلاءمصرا على خلاف ما دانت به الإباضية بالخزي والصغار والخلود في النار " .



وقال أطفيش في كتابه "شرح النيل وشفاء العليل " في " باب في الشك والإرتياب" :
" ومن شك في الحق بتأويل نافق ، فمن شك في صحة عدم الرؤية نافق " .


وقال في " فصل نواقض الصلاة :
" ..الخطأ في صفات الله بالتأويل نفاق كاعتقاد الرؤية ؛ وبلا تأويل شرك " .



وجاء في كتاب " لباب الآثار الورادة على الأولين والمتأخرين الأخيار" لمهنا بن خلفان ( 1/278- 275 ) :
" مسألة : سئل الشيخ جاعد بن خميس بن مبارك الخروصي - رحمه الله - عن : ناشئ نشأ في طاعة الله تعالى ، وهو من أهل الخلاف، إلا أنه لم يرتكب حرمة من محارم الله قط ،وكان طول عمره زاهدا ناسكا ، وفي ثواب الله راغبا ،ولم يدع شيئا من أوامر الله تعالى إلا ائتمر به ،ولا محجورا في دين الله إلا انتهى عنه ، إلا أنه يدين بخلاف دين الإباضية قولا ، وعملا ،ونية ، واعتقادا ، ما حاله يكون إن مات على ذلك ؟

قال : لا يكون على طاعة رب العالمين ، من كان على خلاف الحق المبين ، ضالا عن سبيل المؤمنين المحسنين .

وأهل الخلاف لدين المسلمين المحقين على ضروب متفرقة ،وأحزاب غير متفقة ،كل فرقة تدعي أنها على الصواب ، وتزعم أن في يدها فصل الخطاب ، وتشهد على الأخرى بأنها على مخالفة السنة والكتاب ،وصار كل حزببما لديهم فرحون ، يغدون على ذلك ويروحون ،ويحسبون أنهم المؤمنون حقا ،والمحسنون صدقا ،وليس الأمر كما يقولون ، وعلى مايظنون ،بل القول الحق: إن الحق في واحدة لا في الجميع .." .

إلى أن قال :

" فإني لأقسم بالله قسم من بر في يمينه فلا حنث :إن [من] مات على الدين الإباضي الصحيح غير ناكث بما عاهد الله عليه من قبل ولا مغير حقيقته ، كلا ، ولا مبدل طريقته أنه من السعداء ، ومن أهل الجنة مع الأنبياء والأولياء .وإن من مات على خلافه فليس له في الآخرة إلا النار وبئس المصير ، لأنه الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ، فأنى تصرفون .على هذا إن شاء الله أحيا وأموت ،وعليه ألقى الله رب العالمين. والله أعلم " .



وجاء في كتاب " قاموس الشريعة " (5/371-372 ) :

" فصل : ومن سيرة الشيخ العالم ناصر بن أبي نبهان الخروصي إلى من سأله مترجما عن لسان النصارى ومن أعظم ما خالفناهم فيه ، وبيان ذلك في كتبهم أنهم دانوا في اعتقادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذات ربه بنظر العين في الدنيا ، وأنه أسري به إليه حتى صار قريبا منه ، وأن تلك كرامة خص بها في الدين ، وأما في يوم القيامة فكلهم ينظرون ذات الله تعالى ، وكذلك في الجنة ، وأنه ينزل أو يتجلى لهم فيكل جمعة تدور في الجنة ، فيذهب جميع من في الجنة إلى النظر إليه ، ولا أدري أنهم أرادوا في موضع معين منها ، أو كل يراه وهو في موضعه ، كالشمس للناس في الأرض ، وهي في السماء .

وليت شعري ؛ هل معهم إنهم يرون جمالا وحسنا أحسن من الزوجة التي لهم في الجنة أم ذلك الحسن أحسن ؟ وهل يبقى المرء متشوقا إلى أن تأتي الجمعة الأخرى أم إذا اشتغل بالنظر إلى زوجته أنسته تصور ذلك الحسن في نفسه ، أم يبقى تصوره دائما لله أكبر ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وهذا عندنا من أعظم الكفر بالله الرحمن ، وعلى النبي من أعظم البهتان، ولو قال كذلك نبي من الأنبياء ، لشهدنا أنه قد كفر بالله المنان ، وصار ملعونا من إخوان الشيطان، ولكن حاشا أنبياء الله أن يضلوا ،وقد قال الله تعالى : ))الله أعلم حيث يجعل رسالته(( ، ونحن نشهد أن الله هوشيء ، وحق ، وأن ذاته لا ترى ولا يراها مخلوق ، إذ ليس هو شيئا مما يرى ، ولا يمكن تكوين شيء يراه ، كما لا يمكن تكوين شيء يكون كمثله..".


وقال الورجلاني في كتابه " الدليل والبرهان " :
فإن قال قائل : هذه أمة أحمد ( صلى الله عليه وسلم ) قد قضيتم عليها بالهلاك والبدعة والضلال ، وحكمتم عليهم بدخول النار ، ما خلا أهل مذهبكم .

قلنا : إنما قضاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا نحن ، بقوله حين يقول : (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن إلى النار ماخلا واحده ناجية وكلهم يدعي تلك الواحدة )) "

وأما الأشاعرة قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي امام الأشاعرة في وقته وصاحب كتاب المهذب الذي عليه وعلى شرحه للإمام النووي رحمه الله ما نصه : (فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر . ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما . .) . انظر شرح اللمع له (1 / 111)

نعم ليس كلهم يقولون بهذا ولكنه رجل كبير عندهم ومعظم لهذا عدنان إبراهيم حين تباكى على الأشعرية ذكر هذا الرجل باسمه

وعدنان نفسه ذكر أن الأشاعرة مختلفون في كفر من يثبت تأثير الأسباب مع قوله أن عامة بني آدم يخالفونهم في هذا ( بما فيهم كثير من الماتردية )

وهذا غلو ظاهر إذ يأتون لاعتقادات غامضة ويختلفون في تكفير المتكلم فيها مع أن عقيدتهم في هذه المسألة مخالفة للفطرة والنص

قال الباجوري في شرح جوهرة التوحيد :" عليه فمن اعتقد أن شيئاً من الأسباب العادية يؤثر بطبعه فلا نزاع في كفره، وإن كان يعتقد حدوث الأسباب العادية، وأنها ليست مؤثرة بطبعها، وإنما الله تعالى خلق فيها قوة، هي التي تؤثر، فهو فاسق مبتدع، ومن اعتقد حدوث الأسباب وأنها لا تؤثر بطبعها ولا بقوة جعلها الله فيها، وإنما المؤثر هو الله تعالى، لكن التلازم بينها وبين ما قارنها عقلي لا يمكن تخلفه، فهذا جاهل بحقيقة الحكم العادي وربما جره ذلك إلى الكفر، بأن يجحد بعث الأجساد لأنه خلاف المعتاد، وكذلك المعجزات"

قال الباجوري في شرح جوهرة التوحيد :" أما من عرفها بالتقليد فقد اختلف فيه، والصحيح أنه مؤمن عاص، إن قدر على النظر، وغير عاص إنّ لم يقدر على النظر. وقيل: إنه كافر، وجرى على هذا السنوسي في شرح الكبرى وشنع على القول بكفاية التقليد، لكن حكي عنه أنه رجع إلى القول بكفايته"

فهذا يكفر المقلدة وإن صلوا وصاموا

قال ابن حجر في فتح الباري (1/31) :" وَقَدْ نَقَلَ الْقُدْوَة أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة عَنْ أَبِي الْوَلِيد الْبَاجِيّ عَنْ أَبِي جَعْفَر السِّمْنَانِيّ - وَهُوَ مِنْ كِبَار الْأَشَاعِرَة - أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول : إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْ مَسَائِل الْمُعْتَزِلَة بَقِيَتْ فِي الْمَذْهَب ، وَاَللَّه الْمُسْتَعَان "

وقال الهروي في ذم الكلام 1273 - سمعت أحمد بن الحسن أبا الأشعث يقول:
((قال رجل لبشر بن أحمد أبي سهل الإسفراييني: إنما أتعلم الكلام لأعرف به الدين. فغضب وسمعته قال: أوكان السلف من علمائنا كفاراً؟!)).

أقول : على قول السنوسي نعم !


وغلو الأشاعرة في التكفير كثير كتكفير ابن العربي لمن يقول أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار مع أن الأمر فيه وكتكفير القرافي لمن يقول بأن هاروت وماروت ملكين ( مع أن الأمر فيه آثار ) وكتكفير ابن فورك لمن يقول أن تفسير الصمد الذي لا جوف له ( مع أنه تفسير عامة السلف ) وهذا كثير في كلامهم يبتدعون البدعة ثم يكفرون المخالف

وأما المعتزلة فهؤلاء غلوهم في التكفير منقطع النظير حتى أن الجاحظ له رسالة كفر فيها معاوية ومن لا يكفر معاوية !

والمعتزلة بل من ألهج الفرق بالتكفير حتى أنهم ليكفر بعضهم بعضاً ، فجمهور المعتزلة على تكفير النظام كما ذكر صاحب الفرق بين الفرق

والفاسق عند عامة المعتزلة خالد في النار ، هذا مع تكفيرهم بالقول بالرؤية ( وقد مال عبد الجبار إلى عذر هذا لأنه جاهل بالله )!

وليس الحل والحال هذه إغلاق باب التكفير أو التضليل بالكلية فإن في هذا تفريغاً للدين من محتواه ومباحث الإلهيات والنبوات والمعاد هذه تنازع فيها البشر قديماً وحديثاً وجعلوها محور المعارف لأن بها يتحدد هوية الإنسان وبدونها يصير المرء تائهاً تماماً بل كومة غبار في مهب الريح والتمييع الشديد في هذه الأمور ينتهي إلى المادية الصرفة وجعل دعوة الأنبياء لا تختلف عن أي فلسفة إصلاحية فأحد أكبر المعارف التي بعث بها الأنبياء إصلاح عقائد الناس في هذه الأبواب

وليس من العقل أن نغلق المحاكم لوجود قضاة ظلمة فكذلك لا يجوز إغلاق باب التكفير أو التبديع لمجرد خوض أهل الأهواء فيه بالباطل
فالصحابة كفروا وخاضوا حروب الردة ولكن ذلك التكفير بالحق والبينة لا شماطيط أهل الأهواء

واعلم أن التكفير بالباطل أضرب

أولها : التكفير بمعصية وهذا صنيع الخوارج حين كفروا بالكبائر

ثانيها : التكفير بالغلط الذي هو اجتهاد خطأ من جنس أخطاء الفقهاء التي لا تقدح في العدالة ولا الدين كصنيع من كفر الفريقين من أهل الجمل أو أحدهما

ثالثها : التكفير بالصواب أو اجتهاد السياسة كتكفير الخوارج لعلي في التحكيم وتكفيرهم لمن يوالي عثمان وعلياً

رابعها : التكفير بالافتراء كما تفعل الرافضة وكما عدنان إبراهيم مع بعض الصحابة

خامسها : التكفير بالأخذ بظواهر النصوص وهذا أشدها وأخبثها

وقد سلم أهل السنة منها كلها فلا يكفرون إلا بمخالفة النص الظاهر أو الاتفاق السلفي المعصوم

وليعلم أن مسائل التكفير ليست كلها على درجة واحدة من الوضوح بل فيها ما هو نزاع بين علماء أهل السنة وفيها ما هو نزاع بين أهل السنة وأهل البدعة وفيها وما هو نزاع بين المسلمين والكفار

الخاصية الخامسة : أنهم متصالحون مع سلفهم

فالإباضية المتأخرون يكثر كلامهم في نفي الرؤية وتفسيق مثبتها ( والفاسق خالد في النار عندهم ) وقد كان عدد من متقدميهم يثبتها كما شرحه علي ناصر فقيهي في الرد القويم البالغ

والزيدية مخالفاتهم لمتقدميهم كبيرة شرحها ابن الوزير في العواصم والروض الباسم

وأما الأشاعرة فمتأخروهم الذين يعتبرون إثبات اليد والوجه تجسيم مخالفون لمتقدميهم الذين أثبتوا هذا

قال ابن حجر في فتح الباري :" لَكِنْ قَالَ حُذَّاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا عَرَفَ اللَّهَ مَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْيَدَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَد فَمَعْبُودُهُمُ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ"

قال الباقلاني الأشعري الجهمي في كتابه تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ص212 :" بَاب فِي بَيَان آراء الْمُعْتَزلَة

وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي قدمْنَاهُ على الْمُعْتَزلَة لأَنهم جَمِيعًا يَزْعمُونَ أَنه لَا حَيَاة لله وَلَا علم وَلَا قدرَة وَلَا سمع وَلَا بصر  وَزعم البغداديون مِنْهُم أَنه لَا إِرَادَة لَهُ تَعَالَى
وَجحد معمر شيخ من شيوخهم أَن يكون لله سُبْحَانَهُ كَلَام
وَزعم أَن الْكَلَام الَّذِي سَمعه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلَام للشجرة الَّتِي وجد بهَا لم يَأْمر قطّ وَلم ينْه عَن شَيْء وَلَا رغب فِي شَيْء وَلَا زجر عَنهُ وَلَا كلم أحدا وَلَا أخبر بِخَبَر بتة
وَزَعَمُوا جَمِيعًا أَنه لَا وَجه لله تَعَالَى مَعَ قَوْله عز وَجل {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} وَأَنه لَا يَد لَهُ مَعَ قَوْله عز وَجل {بل يَدَاهُ مبسوطتان} وَقَوله تَعَالَى {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي}"

تأمل كيف أنه عند ذكر مخازي المعتزلة ذكر نفيهم للوجه واليد

فانظر المفارقة العجيبة

وقد يقع من بعض المنتسبين للسنة بل كثير منهم مخالفة في بعض الخفيات للسلف ولكن المخالفة في أصول كبار يقع فيها التكفير فهذا أمر عجب

وليعلم أن رواة الكتب الستة ما فيهم واحد يقول بخلق القرآن صراحة أو ينفي الرؤية ومن ذكر منهم بتجهم فلشيء أيسر من هذا

فكل حديث تعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم اعلم أن رواته ليس عقيدة الأشعرية أو الإمامية أو الإباضية أو الزيدية المعاصرة وإن كان وقع من بعضهم تشيع أو إرجاء ولكن لم يصلوا إلى مستوى هؤلاء

وهذه ميزة أخرى

الخاصية السادسة : أن عقيدتهم مفهومة مستمدة من ظواهر نصوص في عامتها

قال الغزالي  في الإحياء (4 / 434) : " أن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الاقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل به ولا هو منفصل عنه ، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته " .

هذا نقل مفيد يبين عامة الناس ليسوا على عقيدة الأشعرية بل لا يفهمون هذه العقيدة ولا يحبونها

وقال العز بن عبد السلام في قواعده :" (( أن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا  داخل العالم ولا خارجه ولا منفصل عن العالم ولا متصل به "

فلا هي عقيدة الصحابة ولا يفهمها العامة ويتوقف التوحيد عليها أي تدمير للدين هذا ؟

واعلم أن أهل السنة ليسوا قائلين بأنه لا مدخل للعقل في العقيدة بل هم يقولون أن خلاصة الأدلة العقلية واختلاف النظار خلاصته الصائبة في النصوص وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لينهي خلاف الناس في هذه المطالب والمتكلمون تصرفوا وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث أصلاً وابتدأوا البحث بمنأى عنه وعن سنته صلى الله عليه وسلم

والآن إلى عدة نقاط نناقشها في خطبة عدنان

النقطة الأولى : ذكر بعض أخبار المتعصبين من أهل المذاهب الفقهية وهؤلاء أهل الحديث منهم إنما وقع اختلاف بين الأتباع من جهة التعصب للرجال مع كون أحمد ومالك وسفيان والشافعي على وئام

وهذا من جنس ما وقع من تعصب بعض الناس لعلي بن أبي طالب حتى حطوا على عثمان بل على أبي بكر وعمر والعكس بالعكس

فالمتبوعون براء من هذه التبعة وكما أن هناك أهل تعصب هناك أهل إنصاف

قال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ حَبِيبٍ الصُّورِيُّ، حَدَّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبد اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنا الْخَتْلِيُّ قَال: رأيت شيخا راكبا بمنى وشيخ يَقُودُهُ وَآخَرَ يَسُوقُهُ، وَهُمَا يَقُولانِ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ، فَقُلْتُ مَنِ الرَّاكِبُ؟ فَقِيلَ: الأَوْزاعِيّ، قُلْتُ: مَنِ الْقَائِدُ؟ قَالَ: سُفْيَانُ الثَّوْريّ، قُلْتُ: فَالسَّائِقُ؟ قَال: مالك بن أنس.

سفيان فقيه الكوفة ومالك فقيه المدينة والأوزاعي فقيه أهل الشام وهم أقران ولكل منهم مذهب وأتباع وهذا أدبهم مع بعضهم وكذا كان أحمد وإسحاق

النقطة الثانية : تباكى عدنان على موضوع تكفير الأشعرية

وشتم من مال إلى هذا القول واختاره

وقد قدمت لك آنفاً أن مذهب الزيدية والإباضية والإمامية والمعتزلة تكفيرهم أو قل على الأقل هذا قول أكثرهم

وعدنان إذا تكلم في مسألة نفي الرؤية يقول ( وهذا قول الإمامية والزيدية والإباضية ) ويعد على إصبعه لكي يكثرهم ويبين لك أنه قول معتبر فهذه كتلك

ولكن دعنا من هذا ولننظر إلى رجل ذكره عدنان في خطبته وهو ابن حزم هو الآخر تكفير الأشعرية

بل ادعى إجماع مخالفيهم على هذا !

قال ابن حزم الظاهري في كتابه الفصل في الملل والنحل :" وَقَالَت أَيْضا هَذِه الطَّائِفَة المنتمية إِلَى الأشعرية أَن كَلَام الله تَعَالَى عز وَجل لم ينزل بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على قلب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا نزل عَلَيْهِ بِشَيْء آخر هُوَ عبارَة عَن كَلَام الله تَعَالَى وَأَن الَّذِي نَقْرَأ فِي الْمَصَاحِف وَيكْتب فِيهَا لَيْسَ شَيْء مِنْهَا كَلَام الله وَأَن كَلَام الله تَعَالَى الَّذِي لم يكن ثمَّ كَانَ وَلَا يحل لأحد أَن يَقُول إِنَّمَا قُلْنَا إِن الله تَعَالَى لَا يزايل الْبَارِي وَلَا يقوم بِغَيْرِهِ وَلَا يحل فِي الْأَمَاكِن وَلَا ينْتَقل وَلَا هُوَ حُرُوف موصلة وَلَا بعضه خير من بعض وَلَا أفضل وَلَا أعظم من بعض وَقَالُوا لم يزل الله تَعَالَى قَائِلا لِجَهَنَّم {هَل امْتَلَأت} وقائلاً للْكفَّار {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} وَلم يزل تَعَالَى قَائِلا لكل مَا أَرَادَ تكوينه كن
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كفر مُجَرّد بِلَا تَأْوِيل وَذَلِكَ أننا نسألهم عَن الْقُرْآن أهوَ كَلَام الله أم لَا فَإِن قَالَ لَيْسَ هُوَ كَلَام الله كفرُوا بِإِجْمَاع الْأمة وَإِن قَالُوا بل هُوَ كَلَام الله سألناهم عَن الْقُرْآن أهوَ الَّذِي يُتْلَى فِي الْمَسَاجِد وَيكْتب فِي الْمَصَاحِف ويحفظ فِي الصُّدُور أم لَا فَإِن قَالُوا لَا كفرُوا بِإِجْمَاع الْأمة وَإِن قَالُوا نعم تركُوا قَوْلهم الْفَاسِد وقروا أَن كَلَام الله تَعَالَى فِي الْمَصَاحِف ومسموع من الْقُرَّاء ومحفوظ فِي الصُّدُور كَمَا يَقُول جَمِيع أهل الْإِسْلَام"


وله كلام آخر وخوض حتى في بعض أعيانهم تجريحاً وتكفيراً كالباقلاني وابن فورك

أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الذي أثنى عليه عدنان إبراهيم ووصفه بالحافظ واستعان به في أمر معاوية وفي أمر الصحيحين

هو الآخر كان يختار تكفير الأشعرية بل وتكفير من يسميهم أهل سنة

حيث يقول في كتابه الإقليد :" والآية صريحة في أن الأشعرية مبتدعة ، زائغون ومن زعم أنهم من أهل السنة والجماعة فهو كافر مكذب بخبر الله تعالى "

وقد ذكر عدنان في خطبته الهروي أبا إسماعيل وهذا الرجل كان الجويني الأشعري يترضى عليه لجلالته مع شدته على الأشاعرة وراوي صحيح البخاري أبي الوقت السجزي يعرف نفسه بخادم أبي إسماعيل

قال ابن تيمية في الاستقامة :" وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْمَشَايِخ المعروفين الَّذين جمع الشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن أَسْمَاءَهُم فِي كتاب طَبَقَات الصُّوفِيَّة وَجمع أخبارهم وأقوالهم دع من قبلهم من أَئِمَّة الزهاد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذين جمع ابو عبد الرَّحْمَن وَغَيره كَلَامهم فِي كتب مَعْرُوفَة وهم الَّذين يتَضَمَّن أخبارهم كتاب الزّهْد للْإِمَام أَحْمد وَغَيره لم يَكُونُوا مَذْهَب الْكلابِيَّة الأشعرية إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لما كَانَ أَبُو عبد الرَّحْمَن يلعن الْكلابِيَّة
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ سَمِعت أَحْمد بن حَمْزَة وَأَبا عَليّ الْحداد يَقُولَانِ وجدنَا أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد النهاوندي على الانكار على أهل الْكَلَام وتكفير الاشعرية وذكرا عظم شَأْنه فِي الْإِنْكَار على ابي الفوارس القرمسيني وهجر ابْنه إِيَّاه لحرف وَاحِد قَالَ شيخ الْإِسْلَام سَمِعت أَحْمد بن حَمْزَة يَقُول لما اشْتَدَّ الهجران بَين النهاوندي وَأبي الفوارس سَأَلُوا ابا عبد الله الدينَوَرِي فَقَالَ لقِيت ألف شيخ على مَا عَلَيْهِ النهاوندي "

فهذا ينقل عن أكثر من ألف نفس هذا القول

ولكن دعنا من هذا كله

عدنان نفسه أقام حجة مكفريهم

حيث قال أن الأشاعرة يقولون بخلق القرآن ونفي الرؤية والخلاف بينهم وبين المعتزلة لفظي

وقال قبلها أو بعدها أن الإمام أحمد يكفر القائلين بخلق القرآن وأن الأشعري نفسه ينتسب لأحمد في السنة من تبجيله له

وأزيد على عدنان أن تكفير القائلين بخلق القرآن هو مذهب الشافعي إمام عدنان في الفقه وحادثته مع حفص الفرد معروفة

وهذا مذهب مالك أيضاً ونقل الإجماع على تكفير القائلين بخلق القرآن العشرات منهم قتيبة بن سعيد وسويد بن سعيد وعبد الله بن أحمد وابن بطة والآجري واللالكائي وأبو حاتم وأبو زرعة وحرب الكرماني وغيرهم كثير

نقلوا إجماع علماء الحديث الذين نعرف صحة الحديث وضعفه من خلالهم وإجماع الفقهاء الذين نتدين بأقوالهم ومذاهبهم

وقد حاول عدنان تسخيف هذا البحث تلبيساً على العامة وهل كان أحمد والشافعي ومالك وغيرهم سفهاء ليكفروا المسلمين في مسألة محتملة

البحث حقيقته  القول بخلق القرآن من عدمه والذي سخر من البحث فيه

هو حقيقته هل الله يتكلم أم لا فالمعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن هم ينفون أن يقوم بالله صفة اسمها الكلام

ويفسرون الكلام بأنه خلق يخلقه الله عز وجل في المخلوقات

ولو قلت لك أن معنى سمع الله وبصره أنه يخلق السمع والبصر في المخلوقات هل تشك أنني لا أثبت لله سمعاً ولا بصراً حقيقة

وكل من يرى في كلام المعتزلة وصفهم لمن يثبت لله عز وجل الكلام ويقول أن كلامه غير مخلوق بالتشبيه يعلم حقيقة أنهم يريدون أن وصف الله بأنه متكلم بصفة تقوم به تشبيه كقولك في المخلوق متكلم سميع بصير فهم يفهمون من هذا التشبيه

وتأويلهم للنصوص اعتقاد منهم أن ظاهرها تشبيه وهذا اتهام منهم للنصوص والأنبياء

ولهذا حين وجدوا مجالاً لإنكار أحاديث الصفات أنكروها بكل وضوح وقالوا أخبار الآحاد لا تقبل مع أن الصفات التي في السنة لها نظائر في القرآن

فالقوم عندهم معركة مع الأنبياء في الواقع

ولهذا لما طرد الفلاسفة هذا الأصل وصاروا ينكرون نصوص المعاد الجسماني كما أنكروا هم نصوص الصفات ضاقوا ذرعاً ورأوا بذلك هدما للشريعة

وإذا كنا لن نغضب ممن يناقض النصوص في صفات الله فما وجه غضبنا من النصارى في قولهم أن لله ولد !

وأما مسألة اللفظ فالذين قالوا لفظي بالقرآن مخلوق إنما أرادوا ما أراد جهم لأنهم خصوا القرآن بالذكر وقد قال تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) فسمى تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم كلام الله فلو أطلقنا إطلاق اللفظية لقلنا كلام الله مخلوق

وتحرير المسألة أن اللفظ يدخل فيه الملفوظ فلا ينبغي إطلاق هذا وقد صرحوا فيما بعد أنه في الأرض قرآن هو كلام الله بل هو حكاية عن كلام وليس بين دفتي المصحف قرآن فعلم حذق الأئمة معهم وأحمد ليس وحده بل أجمع الناس جميعاً على إنكار هذا معه

قال الخطيب في تاريخه وأخبرنا عبيد الله قال أخبرنا أحمد بن كامل قال حدثني أبو عبد الله الوراق جواز قال: كنت أورق على داود الأصبهاني فكنت عنده يوماً في دهليز مع جماعة من الغرباء فسئل عن القرآن؟ فقال: القرآن الذي قال الله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (1) وقال: {في كِتَابٍ مَكْنُونٍ}  غير مخلوق. وأما ما بين أظهرنا يمسه الجنب والحائض فهو مخلوق. قال القاضي أحمد بن كامل: وهذا مذهب الناشئ وهو كفر بالله العظيم. صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو"  فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كتب في الصحف والمصاحف قرآناً. فالقرآن على أي وجه تلي وقرئ فهو واحد وهو غير مخلوق

وهذا سبب إنكار الأئمة على داود الأصبهاني وقد ذكر ابن تيمية هذا وقد استبعدته قد وقفت على هذا الكلام

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (6/161) :" وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: اسْتَأْذَنَ " دَاوُد " عَلَى أَبِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا. دَاوُد؟ لَا جَبَرَ وُدُّ اللَّهِ قَلْبَهُ وَدَوَّدَ اللَّهُ قَبْرَهُ فَمَاتَ مُدَوَّدًا"

وهذه من كرامات الإمام رحمه الله

وإنكار أن يكون القرآن الذي بين أيدينا كلام الله قول خبيث كفري نقضه السجزي في رسالته إلى أهل زبيد واستدلال ابن كامل قوي وقد استدل الإمام أحمد بقوله تعالى ( حتى يسمع كلام الله ) في نقض هذا القول وهناك التسعينية لابن تيمية عظيمة في هذا الباب

وقد كان داود لفظياً

قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى :" قَالَ المروزى حَدَّثَنى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم النيسابورى أَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لما سمع كَلَام دَاوُد فى بَيته وثب عَلَيْهِ إِسْحَاق فَضَربهُ وَأنكر عَلَيْهِ
قَالَ الْخلال سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَدَقَة سَمِعت مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن صبيح سَمِعت دَاوُد الأصبهانى يَقُول الْقُرْآن مُحدث ولفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق"

فهذا يدل على أنه تكرر مراراً بالتكلم بهذه البدع وأنه مصر عليها

وهذا يبين لك أن اللفظية إنما يريدون أن يقولون أن القرآن الذي بين أيدينا مخلوق وأن مقالتهم كمقالة الكلابية والأشعرية

بدليل قولهم ( لفظي بالقرآن ) فيخصصون القرآن بالذكر ولو كانوا صادقين لقالوا ( أفعال مخلوقة والقرآن كلام الله غير مخلوق ) وهذا ما لم يفهمه جماعة ما بعد السلفية فتكلموا بهجر من القول في كتابهم الآنف وتحجج بعض مناصيرهم ببحث لابن عبد البر وبحثه مليء بالأغاليط ونقضها الشيخ حمود التويجري في رده على أبي غدة وابن عبد البر متأثر بالكلابية
ويظهر ذلك من عدة مواطن في التمهيد

قال الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة :" قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَالِدي، أَنا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، نَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ: من كَلَام جهم بن صَفْوَان، وحسين الْكَرَابِيسِي، وَدَاوُد ابْن عَليّ أَن لَفظهمْ الْقُرْآن مَخْلُوق، وَأَن الْقُرْآن الْمنزل على نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِمَّا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل الْأمين حِكَايَة الْقُرْآن فجهمهم أَبُو عبد الله أَحْمَد بن مُحَمَّد ابْن حَنْبَل، وَتَابعه عَلَى تجهيمهم عُلَمَاء الْأَمْصَار طرا أَجْمَعُونَ، لَا خلاف بَين أهل الْأَثر فِي ذَلِكَ."

فهذا نقل إجماع من رجل شافعي وقد نقل الإجماع على هذا اللالكائي الشافعي وحرب الإمام وغيرهم كثير جداً ليظهر تهاويل عدنان

وإليك نصوص المذاهب الفقهية في تكفير القائلين بخلق القرآن

وفي تبيين الحقائق للزيلعي 1/134 :

( قال المرغيناني : تجوز الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة ولا تجوز خلف الرافضي والجهمي والقدري والمشبه ومن يقول بخلق القرآن, حاصله: إن كان هوى لا يكفر به صاحبه يجوز مع الكراهة , وإلا فلا ) اهـ

وفي الفتاوى الهندية 2/257 :

( ومن قال بخلق القرآن فهو كافر, وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر ومن اعتقد أن الإيمان والكفر واحد فهو كافر ومن لا يرضى بالإيمان فهو كافر كذا في الذخيرة. ) اهـ

وفي البحر الرائق ج5/ص134 :

( وفي البزارية : قال علماؤنا : من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر ومن قال بخلق القرآن فهو كافر ومن قال إن الإيمان مخلوق فهو كافر , كذا في كثير من الفتاوى وهو محمول على أنه [ أي الإيمان ] بمعنى هداية الرب وأما فعل العبد فهو مخلوق )اهـ

وفي سنن البيهقي الكبرى ج10/ص206 :

( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا يحيى بن خلف المقرئ قال : كنت عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق ؟ قال : عندي كافر فاقتلوه ) اهـ

وعدنان يدمغ القوم ويقول لا فرق بين قولكم وقول المعتزلة والخلاف لفظي

فتنطبق عليهم الإجماعات القديمة وهنا مكفر الأشاعرة يشكر عدنان على هذه اللفتة والتي استفادها أصلاً من أبحاث سلفية

وإنكار العلو أشد وأشد

فإذا كان تكفيرهم قول الإمامية والزيدية والإباضية والمعتزلة وابن حزم وعدد من متقدمي الصوفية وبعض المعاصرين وعقد فيه الهروي فصلاً وهو حقيقة قول الإمام أحمد والشافعي فما المزعج في الأمر ؟

هذا مع اعتراف بعض أعيانهم أن عقيدتهم غير عقيدة عامة الصحابة وأن العوام لا يفهمون عقيدتهم مع غلوهم في التكفير كما شهد بذلك عدنان فالأمر جزاء وفاقاً

وإنني لأعجب ممن يكفر بعض الصحابة ثم يتباكى على الجهمية

وقد كفر الغزالي ابن سينا لقوله أن الله لا يعلم بالجزئيات فألزمه ابن رشد بأنهم يقولون ما هو أشد من إنكار العلو والعديد من الصفات وهذا الإلزام أخذه من ابن سينا نفسه وهذا إلزام قوي فنصوص العلو أظهر من نصوص المعاد الجسماني والعلم الجزئيات التي اعتمدها الأشاعرة في تكفير الفلاسفة

وإذا تم تأويل هذه النصوص انفتح الباب لتأويل أي شيء غيرها

النقطة التالية : ادعى في أول خطبته أن مشكلة الناس أنهم لا يقرأون في التاريخ

وفي هذه الخطبة فقط جاء بكلام لابن قدامة المقدسي وجعله لعبد الغني

وسمى أبا إسماعيل الهروي أبا عبد الله وإنما كنيته أبو إسماعيل واسمه عبد الله

وقال أن المالكية والحنابلة لا يقولون برفع اليدين قبل الركوع وبعده

وهذا كذب على الحنابلة بشكل فج وأما المالكية فالأمر عندهم روايتان وغيرها من الأخطاء التاريخية
النقطة التالية : تكلم عن الاقتران السياسي بالدين

وأخفى أمراً عظيماً أن أهل الحديث لم يكونوا على وئام مع الولاة في معظم تاريخهم فسعيد بن المسيب جلد في زمن عبد الملك بن مروان وحلقت لحيته وكذا أبو الزناد ومالك جلد في زمن المنصور وسفيان كان مختفيا من المنصور وما حصل في محنة القول بخلق القرآن معروف والعبيديون حكموا المسلمين مدة طويلة في مصر والمغرب وكانوا يمنعون حتى من مجالس الحديث

جاء في السير :" قَالَ ابْنُ طَاهِر: لَمَّا عزم سَعْدٌ عَلَى المجَاورَة عزمَ عَلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ عزِيمَة أَنْ يُلزمهَا نَفْسَه مِنَ المُجَاهِدَات وَالعِبَادَات فَبقِي بِهِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يُخلَّ بعزِيمَةٍ مِنْهَا. وَكَانَ يُمْلِي بِمَكَّةَ فِي بَيْته يَعْنِي خوَفاً مِنْ دَوْلَة العُبَيْدِيَّة"

وفي وقت التتر حصل ما حصل والحروب الصليبية وغيرها فمحاولة تصوير العلماء على أنهم كرهبان النصارى محاولة ضعيفة وفاشلة

ولكن تنبه لنقطة لم يزل أهل السنة والأشعرية والمعتزلة يبين كل منهم حجته في مختلف الظروف السياسية فما سبب ذلك ؟

السبب أن هذه أبحاث لا غناء للبشر عنها تحت أي ظرف معرفة الله وأسمائه وصفاته والكلام عن حكمته سبحانه ( وهذا بحث مهم ) وعن حكم الفاسق الملي وعن منهج الاستدلال فهذا لب الدين ولا يصفو القلب إلا بتحقيق السنة في هذا

وبينهم خلافات في مسائل هامة كمسائل الإمامة ومن تنعقد له الإمامة وحكم إمامة الفاسق

فالذي يتباكى على الأشاعرة بحجة أن هناك من يكفرهم أو يتباكى على تنازع الأمة هو يرمي الأشاعرة وغيرهم بعظيمة أكبر أنهم أشغلوا الأمة وضيعوها بما لا طائل تحته

وقد قال الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )

ومن أعلم الناس بما جاء به الرسول إلا أهل الحديث فليس هذا ميدان أهل الكلام ولا الفرق التي تجرأت على الصحابة

ونفث نفثة استشراقية حيث ادعى أن القادر بالله حين فرض الاعتقاد القادري كان ذلك لغرض سياسي وهو إضعاف الشيعة !

ويا ليت شعري المأمون حين فرض القول بخلق القرآن من كان يريد أن يضعف ؟

اختزل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في بعض أصعب المسائل ليخدع الناس

وأهمل أنهم اختلفوا في الفاسق الملي هل يخلد في النار أم ؟

وأن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه ينجو أم لا وهذه مسائل كبار تهم كل مسلم

وخلافهم في مسائل القدر متعلق بإثبات الحكمة ونفيها وهذا بحث خطير

فإن قيل : ادعى بعض الدكاترة المشتغلين بمقارنة الأديان أن إحياء البحث مع الأشاعرة يخدم العلمانيين الذين يطرحون العلمانية كبديل للخلافات الدينية

فيقال : العلمانيون يعتبرون كل المناقشات في الدين خادمة لطرحهم فهل يترك هذا الباحث ردوده على اليهود والنصارى والملاحدة لهذا الغرض ؟

ثم إن طرح العلمانيين من أسخف ما يكون فإنهم يأتون لأناس مختلفين في مسائل خبرية فيكون الحل عندهم السماح بما يتفق المختلفون على حرمته من الخمر والتهتك والعري محاكاة للغرب فما علاقة هذا بحل الخلافات العقائدية بل هم فقط يطرحون فلسفة إباحية مناقضة لكل الأديان فلا داعي أن نلتفت لتهاويلهم والخلاف مع الأشاعرة وغيرهم من الفرق لم يزل حياً وهذه مواقعهم تملأ الدنيا شبهات وتلبيسات

ولماذا نخدع أنفسنا عامة الأشاعرة المعاصرين دخلوا في التصوف الخرافي والآن توجد حركة تهاجم السنة وتستهين بها استفادت من تهوين المتكلمين من شأن السنة

وكان بودي أن أكتب أكثر ولكنني بالكاد كتبت هذا والله يطرح البركة



هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي