مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الدفاع عن كتاب السنة للإمام ابن الإمام عبد الله بن أحمد ...

الدفاع عن كتاب السنة للإمام ابن الإمام عبد الله بن أحمد ...



أما بعد :
 
فمنذ عدة أشهر وأنا أعلق على الكتاب العظيم المبارك السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد وبالأمس تفاجأت برجل يعلق على أحد دروسي بهجر من القول ثم نقل هذه الباقعة


قال صهيب السقار : والذي يبدو لي أن هذا الكتاب من مؤلفات من يسمُّونه شيخ الإسلام أبا إسماعيل الهروي صاحب المؤلفات المعروفة في ما يسمونه العقيدة السلفية ، وهذا الهروي شديد التعصب ربما ركب له إسناداً فرواه عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب الهروي عن مجهول عن مجهول عن المؤلف. وأبو إسماعيل الهروي لا يستبعد منه صدور ما في هذا الكتاب منه ، أما ابن الإمام أحمد فلا نظن به أن يتعدى على الله وعلى رسوله وعلى الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة النعمان ، وقد ذكر المحقق في توثيق الكتاب وصحة نسبته إلى المؤلف نقل الحنابلة عنه وأخذهم منه وكل من ذكر نقَلهم عنه من بعد عصر الهروي المذكور ، فلا تدفع هذه النقول الشك في نسبة الكتاب إليه ولا الشك في صحة نسبة صحته إلى المؤلف ، واشتمل هذا الكتاب على أكثر من مئة وثمانين نصاً في الطعن في الإمام أبي حنيفة ، بل في بعضها تكفيره ، وأنه أخذ من لحيته كأنه تيس يدار به على الحلق يستتاب من الكفر أكثر من مرة ، وأنه أفتى بأكل لحم الخنزير ، وفيه نقل عن الإمام مالك أنه ذكره بسوء ، وقال : "كاد الدين ومن كاد الدين فليس من الدين" ، ووثق المحقق رجال سند هذه الرواية وغير ذلك من المثالب التي تقشعر منها الأبدان ، عامل الله بعدله واضعها وغفر لمحققها وناشرها) التجسيم في الفكر الإسلامي ص108 – 109)

أقول : لا يستغرب صدور مثل هذا الكلام من رجل جهمي أشعري فهم كالحمر المستنفرة

وعقولهم خرقاء

هذا الجهمي يدعي أن كتاب السنة لعبد الله بن أحمد من وضع أبي إسماعيل الهروي الأنصاري وهو هنا يتجرأ على الطعن في رجل ما تجرأ أحد من المنتسبين للملة على الطعن في صدق روايته

ويجعل عاضده في هذا الاتهام ما ورد في كتاب السنة من الطعن في أبي حنيفة وكأنه ممتنع من الممتنعات

والرد عليه من وجوه كثيرة جداً أقتصر منها على عدة

الأول : أبو إسماعيل الهروي الأنصاري متفق على ثقته حتى عند من خالفه في المذهب

قال أبو الوقت عبد الأول: دخلت نيسابور وحضرت على الأستاذ أبي المعالي الجويني فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري فقال: رضي الله عنه، قلت: اسمع ترضي هذا الإمام عن هذا الإمام, وإياك وسماع سب هذا الإمام من الإنعام" أبو الوقت هذا عامة روايات صحيح البخاري من طريقه ويعرف نفسه أنه خادم أبي إسماعيل الذي له ذم الكلام

وهذا الجويني يترضى عليه

وقال ابن أبي يعلى طبقات الحنابلة :" أَبُو إسماعيل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ علي الهروي الأنصاري:
كَانَ يدعى شيخ الإسلام وَكَانَ إمام أهل السنة بهراة ويسمى خطيب أعجم لتبحر علمه وفصاحته ونبله.
وَكَانَ شديدا عَلَى الأشعرية وَكَانَ بينه وبين عبد الرحمن بْن منده مكاتبة.
سمع من أَبِي الفضل الجارودي الحافظ الهروي وأخذ مِنْهُ علم الحديث وأبي زكريا يحيى بْن عمار السجزي المفسر الحنبلي وأخذ مِنْهُ علم التفسير.
ورحل إلى نيسابور وسمع من أصحاب أَبِي العباس الأصم وغيره"

وقال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة :" وكان سيدا عظيما، وإماما عالما عارفا، وعابدا زاهدا، ذا أحوال ومقامات وكرامات ومجاهدات، كثير السهر بالليل، شديد القيام في نصر السنة والذب عنها والقمع لمن خالفها. وجرى له بسبب ذلك محن عظيمةْ. وكان شديد الانتصار والتعظيم لمذهب الإمام أحمد"

وكان ابن طاهر المقدسي الظاهري يسميه شيخ الإسلام مع أنه حنبلي وابن طاهر ظاهري

وكان أبو عثمان الصابوني الذي لا يذكره البيهقي إلا ويقول عنه الإمام يحب الهروي ويعظمه

قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة :" فلما وردوا نيسابور أخرج الإمام أَبُو عثمان الصابوني لخاله الإمام أبي الفضل بن أبي سعد الزاهد مجلسا في الحديث ليمليه بنيسابور، فنظر فيه الأنصاري ونبَّه على خلل في رجال الحديث وقع فيه. فقبل الصابوني قوله، وعاد إلى ما قَالَ، وأحسن الثناء عليه، وأظهر السرور به  وهنأ أهل العصر بمكانه، وقال: لنا جمال، ولأهل السنة مكانة، وانتفاع المسلمين بعلمه ووعظه. وكان ذلك بمشهد من مشايخ فيهم كثرة، وشهرة وبصيرة"

وقال ابن رجب :" وأما قبوله عند الخاص والعام، واستحسان كلامه، وانتشاره في جميع بلاد الإسلام، فأظهر من أن يقام عليه حجة وبرهان، أو يختلف في سَبقه وتَقَدمه فيها من الأئمة اثنان. ولقد هذَب أحوال هذه الناحية عن البدع بأسرها، ونقح أمورهم عما اعتادوه منها في أمرها، وحَمَلهُم على الاعتقاد الذي لا مطعن لمسلمٍ بشيء عليه، ولا سبيل لمبتدع إلى القَدح إليه.
ومنها: تصانيفه التي حاز فيها قصب السبق بين الأضراب، وذكرها في باب المصنفين من الكتاب"

وكذا أثنى عليه البغوي صاحب التفسير

وقال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة :" قال الشيخ أَبُو الحسن الكرجي، شيخ الشافعية في بلاده، في كتابه " الفصول في الأصول ": أنشدني غير واحدٍ من الفضلاء للإمام عبد الله بن محمد الأنصاري، أنه أنشد في معرض النصيحة لأهل السنة:
كُنْ إذا ما حَادَ عَن حدِّ الهُدى ... أشْعرِيّ الرأي شيطان البَشَرْ
شافعي الشَرع، سني الحُلى ... حنبلي العقد، صوفيَّ السِّيَرْ
ومن شعر شيخ الإسلام مما أنشده الرهاوي بأسناده عنه:
سُبحان من أجْملَ الحُسنى لطالبها ... حتى إذا ظهرتْ في عبده مُدِحَا
ليس الكريمُ الذي يُعطى لتمدَحه ... إنَّ الكريمَ الَذي يُثنى بما منحا
وأنشد له:
نهواك نحن ونحن منك نهابُ ... أهَوّى وخوفا إنَ ذاك عُجابُ!
شخص العقول إليك ثم استحسرتْ ... وتحيرتْ في كنهك الألبابُ
قلتُ: ولشيخ الإسلام شعر كثير حَسَنٌ جدا"

ولا يمكن لأشعري أن يثبت صدق أئمته ووثاقتهم إلا بطريق قد حاز الأنصاري قصب السبق فيه

الثاني : أن كتاب السنة لعبد الله بن أحمد له أسانيد عديدة وسماعات كثيرة بسطها المحقق عادل آل حمدان ونسخة محمد بن سعيد نسخة بدائية

وقد أثبت الخطيب البغدادي نسبة هذا الكتاب لعبد الله بن أحمد في تاريخه بغير سند الهروي

قال الخطيب في تاريخه : حدثت عَنْ دعلج بْن أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بن هارون حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن بْن الْعَطَّار- شيخ لنا ثقة- حَدَّثَنَا علي بن محمد الدَّقَّاق قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بْن هارون عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن سَعِيد قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حنبل وسألته قلت: شيخ كتبت عنه بالكوفة حاجّا، ومحمد بن محمد بن العطار؟ فقال: كان ثقة أمينا.
وَحَدَّثَنَا عنه عبد الله بن أحمد في كتاب «الرد على الجهمية» .

وكتاب الرد على الجهمية هو كتاب السنة واسمه الكامل كتاب السنة والرد على الجهمية

وقال الذهبي في كتاب العرش 162- أخبرنا الحافظ عبد القادر الرُّهاوي، أنبأنا محمد بن أبي نصر بأصبهان، أنبأنا الحسين بن عبد الملك الخلال، أنبأنا عبد الله بن شعيب4، أنبأنا أبو عمر السلمي أنبأنا أبو الحسين اللنباني، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا علي بن الحسين بن شقيق، سألت ابن المبارك: " كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟. قال: على السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض"

وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله وفيه إثبات نسبة الكتاب له والذهبي هذا إسناده ليس فيه الهروي ودائماً ينقل من هذا الكتاب أخبار الصفات التي تغيض الجهمية

الوجه الثالث : ما ذكره من وجود أخبار في ثلب أبي حنيفة فهذا مما يصحح نسبة الكتاب لا مما يدفعه

لأن عبد الله بن أحمد في العلل له وله إسناد آخر غير كتاب السنة أورد الكثير من الأخبار في ثلب أبي حنيفة

وهي موجودة في كتاب السنة بنفس المتن والإسناد

وإليك سردها

قال عبد الله في العلل 760 - سَمِعت أبي يَقُول مر رجل بِرَقَبَة فَقَالَ لَهُ رَقَبَة من أَيْن جِئْت قَالَ من عِنْد أبي حنيفَة قَالَ كَلَام مَا مضغت وَترجع إِلَى أهلك بِغَيْر ثِقَة

وقال أيضاً 1118 - حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس قَالَ قلت لمَالِك بن أنس كَانَ عندنَا عَلْقَمَة وَالْأسود فَقَالَ قد كَانَ عنْدكُمْ من قلب الْأَمر هَكَذَا وقلب أبي كَفه على ظهرهَا يَعْنِي أَبَا حنيفَة

وقال أيضاً 1568 - قَالَ أبي بَلغنِي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَنه قَالَ آخر علم الرجل أَن ينظر فِي رَأْي أبي حنيفَة يَقُول عجز عَن الْعلم

وقال أيضاً 2456 - حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع عَن بن عُيَيْنَة قَالَ قلت لِسُفْيَان الثَّوْريّ لَعَلَّه يحملك على أَن تُفْتِي إِنَّك ترى من لَيْسَ بِأَهْل للْفَتْوَى يُفْتى فتفتي قَالَ أَبِي يَعْنِي أَبَا حنيفَة

وقال أيضاً 3586 - حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا مُؤَمل بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ سَمِعْتُ حَمَّادَ بن سَلمَة يَقُول وَذكر أَبَا حنيفَة فَقَالَ إِن أَبَا حنيفَة اسْتقْبل الْآثَار وَالسّنَن يردهَا بِرَأْيهِ
3587 - حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا مُؤَمل قَالَ سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ استتيب أَبُو حنيفَة مرَّتَيْنِ
3588 - حَدثنِي أبي قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول استتيب أَبُو حنيفَة مرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَبُو زيد يَعْنِي حَمَّاد بن دَلِيل رجل من أَصْحَاب سُفْيَان لِسُفْيَان فِي مَاذَا فَقَالَ سُفْيَان تكلم بِكَلَام فَرَأى أَصْحَابه أَن يستتيبوه فَتَابَ

وقال أيضاً 3589 - حَدثنِي الْحسن بن عبد الْعَزِيز الجروي الجذامي قَالَ سَمِعت أَبَا حَفْص عَمْرو بن أبي سَلمَة التنيسِي قَالَ سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول مَا ولد فِي الْإِسْلَام مَوْلُود أضرّ على الْإِسْلَام من أبي حنيفَة وَأبي مُسلم صَاحب

وغيرها من الروايات

ثم إنك ستجد أبا نعيم في الحلية والعقيلي في الضعفاء رووا مثالب لأبي حنيفة من طريق عبد الله بن أحمد وهي في السنة مما يؤكد صحة نسبة الكتاب إليه وأن الأنصاري بريء من فرية الجهمي

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْعُذْرِيَّ، يَقُولُ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَنَسَ بَطْنَ الْأَرْضِ بِهِ

وهذه الرواية في السنة

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، - وَذُكِرَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: كَادَ الدِّينَ وَمَنْ كَادَ الدِّينَ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ

وهذه الرواية التي تضايق منها الجهمي وستجدها في كتاب السنة لعبد الله وفي تاريخ بغداد وإسنادها صحيح وذم مالك لأبي حنيفة متواتر لا يدفع وهذه مسألة إجماع ولا داعي للمكابرة

وقال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُذْكَرُ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَلِدِكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ؟ قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِبَلَدِكُمْ أَنْ تُسْكَنَ

وأكتفي بهذا القدر

وقال العقيلي في الضعفاء الكبير حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا مالك بن أنس ، يقول : إن أبا حنيفة كاد الدين ، كاد الدين ، . حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا الوليد بن مسلم قال : قال لي مالك بن أنس : يذكر أبو حنيفة ببلدكم ؟ قال : قلت : نعم ، قال : ما ينبغي لبلدكم أن تسكن

فهذه الرواية رواها عن عبد الله بن أحمد حافظان كبيران العقيلي والطبراني إضافة إلى أسانيد كتاب السنة

وليس عبد الله بن أحمد منفرداً بذم أبي حنيفة فأنت لو رجعت إلى سؤالات البرذعي لوجدت أبا زرعة يتهمه برد الأحاديث والقول بخلق القرآن والحيل _ وكلها تهم ثابتة _ ويكفره لذلك والساجي في العلل ينقل الخلاف في إسلامه ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ يسرد أخباراً كثيرة في ثلبه وكذا فعل أبو رزعة الدمشقي في تاريخ دمشق وابن أبي حاتم في آداب ومناقب الشافعي والجرح والتعديل وكذا فعل العقيلي وابن حبان وابن عدي ، ونقل حرب الإجماع على تبديع أهل الرأي ولهذا نجد أن أصحاب الكتب الستة لم يخرجوا لهم شيئاً ونقل ابن أبي داود اتفاق أئمة الأمصار على القدح في أبي حنيفة مالك والأوزاعي وابن المبارك وسفيان _ وأزيد عليهم أيوب وابن عون وابن عيينة وابن حنبل وبقية الأئمة _

ولا يكاد يثبت شيء في مدحه بل الثابت عن الأئمة ذمه الشديد وجعله إماماً في الفقه هذا أمر حدث بسبب تسلط أهل الرأي على القضاء وله قصة طويلة

المهم عبد الله بن أحمد لم ينفرد بشيء ولم يأت بجديد بل هذا هو اتفاق طبقته والطبقة التي فوقها والتي فوقها والتي فوقها وراجع ما كتبته في كتابه الترجيح بين أقوال المعدلين والمجرحين في أبي حنيفة

فليس الأمر بأمانيكم ولا أماني أهل الرأي ، ولينظر أصحاب المواقف المتخاذلة تجاه أهل الرأي إلى تسلط الزنادقة على أئمة الإسلام بسبب تنكبهم عن السبيل السلفي عن الموقف من أهل الرأي

الوجه الأخير : سأناقش فيه بعض الأخبار التي يستنكرها الجهلة في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد

فأولها حديث الجلوس

وليعلم أن هذه أحاديث مروية فكون إمام يصححها ويقول بها فلا تثريب عليه والواقع أن كل أهل السنة يقولون بها

ومن الطريف أن أصحاب كتاب ما بعد السلفية أنكرا هذه الصفة وادعيا أن الصحابة لم يعرفاها ثم بعد ذلك نكص عمرو بسيوني منهما وأثبتها بأخبار هو صححها بمنهجه النقدي الفذ

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ، يَقُولُ: " الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ بَلِّغُوا نِسَاءَهُمْ أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ، وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لِأَزْوَاجِهِنّ َ لَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، ثُمَّ تَلَا {طه} [طه: 1] {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ إِلَّا بِجُلُوسٍ "

هذا الخبر موجود في السنة للخلال من طريق عبد الله مما يدل على أنه محفوظ عن عبد الله وهذا تفسير لرجل لم ينكره عليه أحد وتضعيفه لا يؤثر شيئاً في الخبر فهذا تفسير

ومعلوم أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جداً في الحديث ولكنه مفسر كبير

قال الخلال: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبدالوهاب يقول: {الرحمن على العرش استوى} قال: «قعد»
    
وقيل للإمام أحمد بن حنبل: من نسأل بعدك؟ فقال: سل عبد الوهاب.وقال الإمام أحمد: عبدالوهاب أهل يُقْتَدَى به، عافا الله عبدَالوهاب، عبدُالوهابِ إمامٌ، وهو موضعٌ للفتيا


وفي الباب حديث عبد الله بن خليفة الموقوف على عمر وهذا خرجه الدارمي في رد على المريسي وذكره أبو يعلى في إبطال التأويلات وخرجه الضياء المقدسي في المختارة

قال الأخ أبو موسى الروسي :" أما ما أعلوا به الحديث فنجيب عليه علة علة

العلة الأولىقولهم عبد الله بن خليفة مجهول وقد تفرد به

والجواب من عدة أوجه

الأول أن من الناس من وثقه

قال ابن حبان في الثقات: " 3683 - عبد الله بن خليفه الهمداني يروى عن عمر عداده في أهل الكوفة روى عنه أبو إسحاق السبيعي"

قال السيوطي في أسماء المخضرمين: " وترجمته مشهورة وهو ثقة"

قال الهيثمي وهو يتكلم على هذا الحديث: " ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن خليفة الهمذانى وهو ثقة"

الثاني قد صحح قوم من كبار أئمة الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل وكيع بن الجراح والدارمي والطبري وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم هذا الحديث فلو لم يكن ابن خليفة عندهم في حيز القبول لما استساغوا ذلك

كما صحح أسانيد فيها ابن خليفة الحاكم في مستدركه وابن حجر العسقلاني في نتائج الأفكار وغيرهم من المشتغلين بالحديث

الثالث أن عبد الله بن خليفة شيخ من أكابر التابعين بل ومخضرم بل وذُكرت له صحبة ولا تصح

قال الذهبي في الميزان: " عبدالله بن خليفة الهمداني، تابعي مخضرم" وذكره السيوطي في المخضرمين أيضا

ومثل هذه الطبقة من الأئمة من قال لا تضر فيها الجهالة

قال الذهبي (( ديوان الضعفاء ))(ص374): " أما المجهولون من الرواة ؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ"

ثم هناك شاهد لهذا الحديث من حديث جبير بن مطعم بسند قوي وفي ألفاظ الحديثين تطابق حتى ذكر البزار وابن القيم وغيرهما بعضها كشاهد لبعض وهو يدل على أن عبد الله بن خليفة ضبط هذا الحديث

ثم فإن عبد الله بن خليفة يظهر على مروياته أنه يضبط

قال ابن أبي شيبة: " حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ انْقَطَعَ شِسْعُهُ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: كُلُّ مَا سَاءَك: مُصِيبَةٌ
حَدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: انْقَطَعَ قِبَالُ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفي قِبَالِ نَعْلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ أَصَابَ الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُهُ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ"

فقد وافقت روايته هنا رواية الثقات

الرابع: قال الدارقطني في سننه: " أهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر يتفرد بروايته رجل غير معروف ، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلاً مشهوراً ، أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه ، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعداً"

وابن خليفة روى عنه اثنان أبو إسحاق السبيعي ويونس بن أبي إسحاق

العلة الثانية قول بعضهم: "وفي سماعه عن عمر نظر"

وهذه العلة ليست بشيء والجواب عنها من وجهين

الأول كيف يكون فيه نظر وهو رجل مخضرم قد كان يمكنه أن يسمع عن النبي لو أدركه فكيف بعمر؟

الثاني قال هناد في الزهد: " حدثنا أبو الأحوص عن أبي اسحاق عن عبدالله بن خليفة قال كنت مع عمر في جنازة فانقطع شسعه فاسترجع ثم قال كل ما ساءك مصيبة " فهذا تصريح باللقاء

العلة الثالثة قولهم إنه مضطرب

فالجواب أن يقال إن الاضطراب لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان الترجيح فكيف والترجيح ممكن أعمله أهل العلم بالحديث؟

والذين رووا هذا الحديث وموقوفا شعبة وسفيان الثوري وكل واحد منهما يُرجح على إسرائيل الذي اختلف عليه في روايته

قال البزار مشيرا إلى هذا: " ولم يسنده إلا إسرائيل وقد رواه الثوري عن أبي إسحاق عن خليفة عن عمر موقوفا "

وإن لشيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه مؤلفا مستقلا في بيان المحفوظ من هذا الحديث

قال ابن عبد الهادي في العقود الدرية ساردا مؤلفات الشيخ: " والكلام على حديث عبدالله بن خليفة عن عمر وهل هو ثابت أم لا وأي ألفاظه هو المحفوظ"

والموقوف في مثله حجة فهل يظن أحد أن الفاروق يتكلم في مثله برأيه وهواه؟!

العلة الرابعة زعمهم أن أبا إسحاق مدلس وقد عنعن

وهذا ليس بشيء فإنه رجل مقل في التدليس والأصل قبول روايته أمثاله

قال يعقوب بن سفيان: "حديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة"

هذا وقد قال شعبة: " كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبو إسحاق وقتادة"

وشعبة نفسه راوي هذا الحديث!

قال المزي: " روى له بن ماجة في كتاب التفسير في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى من رواية شعبة عن أبي إسحاق عنه عن عمر موقوفا "

فكيف وقد صحح هذا الحديث بعينه أئمة الحديث الكبار الذين عليهم الاعتماد في التمييز بين الصحيح والسقيم؟

فبهذا يتم الجواب عما أعلوا به الحديث ولله الحمد والمنة"

وأزيد من باب الإلزام قد كان عبد الفتاح أبو غدة يوثق الراوي بمجرد سكوت ابن أبي حاتم والبخاري عليه وقد سكتا على عبد الله بن خليفة ، وقد رأيت في تصانيف السقاف ومحمود سعيد ممدوح في ردودهما على الألباني الاعتداد بتوثيق الضياء المقدسي لرفع الجهالة وقد صحح الضياء هذا الحديث

وهذا خبر واحد من أخبار الجلوس فما بالك بالأخبار الأخرى



قال الطبراني في الكبير 1364- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بن مَسْلَمَةَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الطَّالْقَانِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سُفْيَانَ بن حَرْبٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بن الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِذَا قَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِقَضَاءِ عِبَادِهِ : إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي ، وحُكْمِي فِيكُمْ ، إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ ، عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ ، وَلا أُبَالِي.

وقد قوى السيوطي هذا الخبر في اللآليء المصنوعة (1/281) :" له طريق لا بأس به قال الطبراني حدثنا أحمد بن زهير التستري حدثنا العلاء بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم" فذكره
 قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 3 / 141 ) : "إسناده جيد".
 وقد ضعفه الألباني ، وأنتم لا تعتدون بالألباني فخذوا بقول الحفاظ واتركوا الألباني الوهابي الذي ليس بحافظ، وهناك حديث عمر بن الخطاب الذي ادعى الذهبي الاتفاق على تلقيه بالقبول بين السلف.

قال الذهبي في كتاب العرش ص155 :" ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث] ولا ينكرونها.

قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان فلا أدري أخرجه أم لا؟
 فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.

فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري و الأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.

قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع".

فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث" ، فإذا كان كل هؤلاء مجسمة ، فمن الموحدون ؟

وحديث عبد الله بن خليفة احتج به الطبري في تفسيره واحتج ابن خزيمة في كتاب التوحيد بحديث آخر في الجلوس وهو حديث جعفر بن أبي طالب في التوحيد

قال ابن وهب في تفسيره 187 - قال: وحدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظللٍ من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في القرآن ﴿سلامٌ قولا من ربٍ رحيمٍ﴾، فيقول: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب، قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أدخلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب، وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا من ذلك شيئا؛ قال: إن لدي مزيدا؛ قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه؛ قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحمله إليهم الملائكة، قال: وليس في الآخرة ليل ولا نصف نهارٍ، إنما هو بكرة وعشيا، وذلك في القرآن، في آل فرعون: ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا﴾، وكذلك قال لأهل الجنة: ﴿لهم زرقهم فيها بكرة وعشيا﴾، قال: وقال: والله، الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من حور العين أطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها الشمس والقمر، فكيف المسورة وإن خلق الله شيئاً يلبسه إلا عليه مثلما عليها من ثياب أو حلي.

الشاهد قوله رحمه الله : "فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه" ، والسند رجاله ثقات إلا سليمان بن حميد المزني وثقه ابن حبان، قال الذهبي في تاريخ الإسلام :" سليمان بن حميد المزني. عن أبيه عن أبي هريرة وعن محمد بن كعب القظي وعامر بن سعد، وعنه الليث بن سعد وضمام بن إسماعيل وجماعة، مات بمصر سنة خمس وعشرين ومائة"
 فرواية جماعة من الثقات عنه ، مع توثيق ابن حبان يجعل خبره مقبولاً في خبر مقطوع.

ومحمد بن كعب تابعي كبير مشهور بالتفسير تتلمذ على علي وابن مسعود ولا شيوخ له إلا الصحابة ومن الناس من يعده أعلم الطبقة بالتفسير

وأما توهم التشبيه فالميت جلوسه غير جلوس الحي وكلاهما مخلوق فكيف بجلوس الخالق فالصفة تثبت من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل

قال شيخ الإسلام في شرح حديث النزول ص149 :
" وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ " القعود والجلوس " في حق الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد"

الخبر الثاني : الحديث الطويل للقيط بن عامر والذي فيه (ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّيْحَةُ فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ  فَأَصْبَحَ رَبُّكَ يَطُوفُ فِي الْأَرْضِ)

وقد استقبح الجهلة هذه اللفظة

وليعلم أن المعترض إذا كان جهمياً فلا وجه للاعتراض عنده على هذا الحديث دون الأحاديث الأخرى فإن نسبة الصفات الفعلية لله عز وجل محل اعتراض مطلقاً عند الجهمي لهذا هو لا يثبت النزول ولا المجيء ولا الاستواء ، ولفظ المجيء والاستواء والنزول كله ثابت في أخبار صحيحة فينبغي أن يؤول هذا الخبر كما أولها بدلاً من الاعتراض بالدفع الذي يلزمه منه دفع آيات قرآنية أيضاً ظاهرها التجسيم والتشبيه عنده

وأما الجواب السني فهذا الحديث موجود في زوائد عبد الله على المسند فليس هو من خصائص كتاب السنة بل هو من مؤكدات صحة نسبة هذا الكتاب للمصنف

وأصبح ربك يطوف في الأرض هذا واضح أنه يوم القيامة من سياق الحديث وذكر الملائكة وهذا كقوله تعالى : ( وجاء ربك والملك صفاً صفاً ) والذي ينزل للسماء الدنيا لا يمتنع أن ينزل للأرض

وقد صح عن ابن عباس أن الله عز وجل يوم القيامة ينزل

قال ابن أبي الدنيا في الأهوال 170 - قَالَ: عَمَّارُ بْنُ نَصْرٍ، دثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، دثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، دَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيُّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " يُحْشَرُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ إِلَى صِقْعٍ مِنَ الْأَرْضِ فَيَأْخُذُونَ مَقَامَهُمْ مِنْهَا، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ سِبْطًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيُطِيفُونَ بِالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، أَيْ يُحْدِقُونَ بِهِمْ، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ سِبْطًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يُطِيفُونَ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ثُمَّ يُنْزِلُ سِبْطًا ثَالِثًا، وَرَابِعًا، وَخَامِسًا، وَسَادِسًا، وَيَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّبْطِ السَّابِعِ مُجْتَنَبَاهُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا رَأَوْهُ الْخَلَائِقُ. . . فَيَقُولُ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لُكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 25] . {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} "

والحديث أورده عبد الله بن أحمد مطولاً وعامة فقراته لها شواهد

الخبر الثالث : خبر نور الذراعين والصدر

ليعلم أن الجهمي لا فرق عنده بين اليدين والوجه والساق الواردة في النصوص الثابتة وخبر الذراعين والصدر فكان الواجب عليه تحريف هذا الخبر على عادته بدلاً من إنكاره

وأما من ليس جهمياً فلا ينبغي أن ترتعد فرائسه لإرهاب الجهمية

وهذا الخبر خبر ( خلق الملائكة من نور الذراعين والصدر ) يؤكد نسبة الكتاب للإمام عبد الله بن أحمد لأن ابن مندة روى هذا الخبر من طريقه وكذا رواه غلام الخلال في جزء السنة وأثبت هذه الصفة

قال غلام الخلال 22- حدثنا أحمد حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا أبو أسامة هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال :
خلق الله عز وجل الملائكة من نور الذراعين والصدر
علق سعود العثمان تعليقاً سيئاً مفاده أن زيادة (الذراعين والصدر) منكرة لأن البزار روى هذا الخبر من إبراهيم بن سعيد عن أبي أسامة بدون هذه الزيادة.

والجواب على هذا أن يقال: أن هذه الزيادة رواها عن أبي أسامة إضافة إلى عبد الرحمن الإمام أحمد ابن حنبل جبل الحفظ فكيف تكون شاذة.


قال عبد الله بن أحمد في السنة 987 - حدثني أبي ، نا أبو أسامة ، نا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : «خلق الله عز وجل الملائكة من نور الذراعين والصدر».

ورواه من طريق عبد الله ابن مندة في الرد على الجهمية (84) ، وقد رأى سعود هذه الرواية ولم يشر إلى متابعة أحمد لعبد الرحمن وهذا تدليس منه والسبب في ذلك أنه استنكر المتن فتكلف التدليس.

ثم حاول سعود الزعم أن هذه الزيادة زادها بعض الرواة
 واحتج بما روى عبد الله بن أحمد في السنة 1085 - حدثني سريج بن يونس ، نا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : « ليس شيء أكثر من الملائكة ، إن الله عز وجل خلق الملائكة من نور
 فذكره وأشار سريج بن يونس بيده إلى صدره ، قال : وأشار أبو خالد إلى صدره ، فيقول : كن ألف ألف ألفين فيكونون.

وهذه الرواية حجة عليه فكل ما فيها أنه روى بالإشارة الحسية المفهمة ما رواه غيره لفظاً ، وأبو خالد الأحمر صدوق يخطيء فلو فرضنا أنه خالف أبا أسامة فالقول قول أبي أسامة.

ثم أخذ يشير إلى أنها إسرائيلية بل صرح بذلك وقل (وسياقه يوحي بذلك) ولا أدري أين دل السياق على ذلك

والجواب على هذا من وجوه:
أولها : هذا الخبر أورده عبد الله بن أحمد في كتاب السنة وابن مندة في الرد على الجهمية وبوب عليه غلام الخلال وذكره ابن المحب في الصفات وبوب عليه وما أعلم أحداً من أهل العلم أنكره قبل البيهقي الأشعري فهو متلقى بالقبول

ثانيها : قد أوردت أنت نفسك عن وكيع ما روى الدارمي في رده على المريسي (2/728) : كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَّ وَكِيعًا سُئل عَنْ حَدِيثِ عبد الله ابْن عَمْرٍو: "الْجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الشَّمْس" فَقَالَ وَكِيع: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، قَدْ رُوِيَ فَهُوَ يُرْوَى، فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ لَمْ نُفَسِّرْ لَهُمْ، وَنَتَّهِمُ مَنْ يُنكره وينازع فِيهِ، والْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ.

فهذا وكيع سلم لأثر موقوف روي عن عبد الله بن عمرو بل واتهم من ينكره ، ولم يقل إسرائيلية مما يدل على أن هذا ليس مسلكاً سلفياً.

ثالثها : أننا لو زعمنا أن الصحابة كانوا يحدثون عن بني إسرائيل جازمين بما نقلوا عنهم ولم يعلموا صدق ذلك ، لكنا قد اتهمناهم بتضليل الأمة، نبه على هذا المعنى القاضي أبو يعلى
حيث قال في إبطال التأويلات (1/221) : "قيل: عبد الله بن عمرو لم يرفعه إلى النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو موقوف عليه فلا يلزم الأخذ به
قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفا لأن لا مجال للعقل والقياس فيها، فإذا روي عن بعض الصحابة فيه قول علم أنهم قالوه توقيفا
 فإن قيل: فقد قيل إن عبد الله بن عمرو وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل دانيال وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حَدَّثَنَا ما سمعت من رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك، فيحتمل أن يكون هَذَا القول من جملة تِلْكَ الكتب فلا يجب قبوله
 وكذلك كان وهب بن منبه يَقُول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون فِي كتب دانيال أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصا ذا وفرة فتأول أهل التشبيه عَلَى أن ذَلِكَ ربهم وإنما ذَلِكَ إبراهيم
قيل: هَذَا غلط لوجوه: أحدهما أنه لا يجوز أن يظن به ذَلِكَ لأن فيه إلباس فِي شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعا لنا، ويكون شرعا لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة".

رابعاً : قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (3/268) : "وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله ((من ثقل الجبار فوقهن))، فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه" . ا.هـ

ومثل هذا يقال في أثر عبد الله بن عمرو الذي رواه من الأئمة الإمام أحمد وابنه عبد الله وعروة وابنه هشام وقبل هؤلاء الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو

فإن قيل : كيف خلقت من نور الذراعين ونور الله غير مخلوق

فيقال : هذا كقوله تعالى : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) فالنور المخلوق في الدنيا من آثار النور غير المخلوق كما في الحديث يقول الله عز وجل للجنة ( أنت رحمتي) وهي مخلوقة وهذا من أثار رحمته غير المخلوقة
الخبر الرابع : خبر صفة الثقل

وصفة الثقل ثابتة عن السلف لا اختصاص لعبد الله بن أحمد بذكرها

 قال الطبري في تفسيره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) : أي من عظمة الله وجلاله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

وهذه سلسلة العوفيين ضعيفة ولكن رواية الطبري له وإقراره يدل على عدم وجود نكارة في المتن عنده ، بل إن الطبري لم يرَ فرقاً بين قول ابن عباس في الثقل وقول غيره في العظمة وهذا هو الظاهر وكلا القولين فيه إثبات العلو الذي ينكره الجهمية

قال ابن أبي الدنيا في الأهوال [  9 ]:
 دثنا فضيل بن عبد الوهاب ، دثنا يزيد بن زريع ، عن أبي رجاء ، عن الحسن :
 في قوله : { السماء منفطر به } قال : مثقلة

وهذا إسناد قوي للحسن البصري

وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (3/266) :" وأصحاب هذا القول فيستشهدون بما روي عن طائفة في تفسير قوله تعالى تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ [الشورى 5] قال عثمان بن سعيد في رده على الجهمية ثنا عبد الله ابن صالح المصري حدثني الليث وهو ابن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال أتى رجل كعبًا وهو في نفر فقال يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله فقال كعب دعوا الرجل فإن كان جاهلاً تعلم وإن كان عالمًا ازداد علمًا ثم قال كعب أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك وجعل بين كل أرضين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرّحل العُلا في أول ما يرتحل من ثُقل الجبار فوقهن وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه وقد ذكر ذلك القاضي أبو يعلى الأزجي فيما خرجه من أحاديث الصفات وقد ذكره عن طريق السنة عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو المغيرة حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد بن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش قال القاضي وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة فيتاريخه بإسناده حدثنا عن ابن مسعود وذكر فيه فإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين  يحملون العرش"

ثم ذكر كلام أبي يعلى الذي أثبت فيه هذا الخبر ولكن على طريقة الكلابية

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ لَيْثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: مِمَّنْ فَوْقَهُنَّ، يَعْنِي: «الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»

وقال أيضاً حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: «مِنَ الثِّقَلِ»

وخصيف ضعيف ولكن هذا الخبر لو كان منكراً أو مستبشعاً لأنكر الناس روايته عليه ، وقد يحتمل في الموقوف والمعطلة يحتجون بما هو أقل من هذا إن احتاجوا

على أن خصيفاً قد اختلفوا فيه من الأئمة من يوثقه

وقد قال ابن حبان :" تركه جماعة من أئمتنا ، و احتج به آخرون ، و كان شيخا صالحا فقيها عابدا إلا أنه كان يخطىء كثيرا فيما يروى ، و ينفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه ، و هو صدوق فى روايته إلا أن الإنصاف فيه قبول ما وافق الثقات فى الروايات و ترك ما لم يتابع عليه ، و هو ممن استخير الله تعالى فيه ، و قد حدث عبد العزيز عنه عن أنس بحديث منكر ، و لا يعرف له سماع من أنس"

وأكثر النكير عليه في رواية عتاب وهنا هو يروي عن مجاهد في خبر موقوف قد اعتضد فلعله يحتمل هنا

بل إن الذهبي قال في السير :" حَدِيْثُه يَرتَقِي إِلَى الحَسَنِ" وهذا تسامح في الحقيقة ولكنه يجعلنا نطمئن لاعتماده في الموقوف ، ولخصيف رواية كثيرة عن مجاهد في التفسير عامتها مستقيمة

الخبر الخامس : خبر تقريب داود حتى يمس بعضه

قال الخلال في السنة 320 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} [ص: 25] قَالَ: «ذَكَرَ الدُّنُوَّ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضَهُ»

321- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ , قَالَ : سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ , وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ : {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} قَالَ : ذَكَرَ الدُّنُوَّ مِنْهُ.

وهذا الخبر خرجه ابن عساكر الأشعري في تاريخه وقبله

وتأول كلمة ( بعضه ) على أنها عائدة على داود على أنها لا يمتنع بل الظاهر أنها عائدة على الله عز وجل وهو منزه سبحانه أن يكون من أبعاض يفتقر بعضها إلى بعض فهذه صفة المخلوق الحادث ولكنه سبحانه له صفات كلها كمال وصفاته الذاتية أزلية

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق أخبرنا أبو طاهر محمد بن أبي بكر بن عبد الله السنجي وأبو محمد بختيار بن عبد الله الهندي قالا أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن إسماعيل التككي أنا أبو علي بن شاذان أنا عثمان بن أحمد نا أحمد بن عبد الجبار نا وكيع بن الجراح عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير " وإن له عندنا لزلفى " قال ذكر الدنو منه يوم القيامة حتى ذكر أنه يمس بعضه هذا في حق داود عليه السلام لأنه يوافي القيامة خائفا من ذنبه فيؤمنه الله بإكرامه بقربه

وذكر الدنو بحد ذاته دليل على صفة العلو فلو كان في كل مكان لما كان يدنو ولو كان في غير مكان لما استطاع أحد الدنو منه غير أنه لا يحيط به مكان مخلوق كالمخلوق

الخبر السادس : قال عبد الله بن أحمد في السنة 552 - (568) حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَطَّافٍ، قَالَ: «كَتَبَ اللَّهُ عز وجل التَّوْرَاةَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِهِ وَهُو مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ فِي أَلْوَاحٍ مِنْ دُرٍّ فَسَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِلَّا الْحِجَابُ».

وقد ظن الجهلة أن مسنده ظهره تعود على الله وإنما هي عائدة على موسى

قال السيوطي في الدر المنثور :" وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: كتب الله التَّوْرَاة لمُوسَى بِيَدِهِ وَهُوَ مُسْند ظَهره إِلَى الصَّخْرَة يسمع صريف الْقَلَم فِي أَلْوَاح من زمرد لَيْسَ بَينه وَبَينه إِلَّا الْحجاب"

وهذه رواية مفسرة واضحة


الخبر السابع : خبر إذا تكلم سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان

فهذا خبر مشهور لم ينفرد به عبد الله

قال المروزي في تعظيم قدر الصلاة 217 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَقُولُونَ: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23] ؟ فَيُقَالُ: قَالَ {الْحَقُّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] "

وهذا إسناد صحيح وكذا رواه الطبري والبخاري في خلق أفعال العباد وابن خزيمة في التوحيد وابن مندة وحتى البيهقي وغيرهم وغيرهم

وقوله كجر السلسلة على الصفوان ليس تشبيها لصوت الله بالخلق بل يمكن تخريجه على أنه تشبيه للأثر بالأثر لا المؤثر بالمؤثر كما في حديث ( سترون ربكم كما ترون القمر ) تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرأي بالمرأي

وقال النجاد في كتابه الرد من يقول بخلق القرآن  3 -  قَالَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ قَالَ أَبِي تَكَلَّمَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِصَوْتٍ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَت
وَقَالَ أَبِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يسمع لَهُ صَوت كمر سلسلة عَلَى الصَّفْوَانِ قَالَ أَبِي فَهَذَا الْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ وَقَالَ أَبِي وَهَؤُلاءِ كُفَّارٌ يُرِيدُونَ أَنْ يُمَوِّهُوا عَلَى النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ كَافِرٌ إِلا أَنَّا نَرْوِي هَذِهِ الأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَت

وهذا يؤكد صحة نسبة كتاب السنة لعبد الله بن أحمد فهذا الخبر موجود في كتاب السنة له بل كثير من الأخبار التي أوردها النجاد في كتابه هذا وأوردها الخلال في السنة نجدها بنصها في كتاب السنة لعبد الله وهذا يبطل تهمة الجهمي الفاجرة لأبي إسماعيل الأنصاري

الخبر الثامن : قال عبد الله في السنة 1059 - (1081) حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، بِمَكَّةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَرْشَ لَمُطَوَّقٌ بِحَيَّةٍ، وَإِنَّ الْوَحْيَ لِيَنْزِلُ فِي السَّلَاسِلِ».

هذا الخبر لم ينفرد به عبد الله بل رواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ في العظمة وقال الهيثمي :" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير كثير ابن أبي كثير وهو ثقة" ولست أعتمد الهيثمي ولكن ألزم

وقد صححه السيوطي في رسالته الهيئة السنية وهو أشعري ويفخرون به دائماً

ولا أدري ما وجه نكارته فليس فيه الكلام عن أي صفة لله عز وجل وهناك أخبار يصححها بعضهم في أمر الديك عند العرش وهناك الخبر الذي توارد الناس على قبوله في صفة حملة العرش وهذا عالم غيبي لا يدفع شيء مما روي فيه بمجرد الهوى

وبقي التنبيه على أن المنهج الذي يسير عليه القحطاني والرياشي في تحقيق كتب العقيدة منهج فاسد في الحكم على الأخبار

فأولاً : ليس كل حديث ضعيف مطرح بل هناك أحاديث ضعيفة السند ولكنها في معنى الأحاديث الصحيحة يوردها الأئمة ليدللوا على أن الخبر لو كان متنه منكر وكفر كما تقول الجهمية لما وراه الأئمة فهذا وكيع لما روى حديثاً فيه انتفاخ بطن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كاد يقتل فكيف يسمح الناس لأحد أن يروي ما لا يليق في حق الله عز وجل

وقال الشاطبي في الاعتصام :"  وَلْيَعْلَمِ الْمُوَفَّقُ أَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنَ الأحاديث تقصر  عن  رتبة الصحيح، وإنما أوتي  بِهَا عَمَلًا بِمَا أَصَّلَهُ الْمُحَدِّثُونَ فِي أَحَادِيثِ الترغيب والترهيب، إذ قَدْ ثَبَتَ ذَمُّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ الْقُرْآنِيِّ وَالدَّلِيلِ السُّنِّيِّ الصَّحِيحِ، فَمَا زِيدَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَرَجَ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ إِنْ شاء الله"

والشاطبي أشعري ونصه هنا قوي في الحجة على أصحابه وعلى من يقلدهم ممن يخالفهم في الاعتقاد

وهناك كلام لابن تيمية في الباب اكتفيت بنقل كلام الشاطبي إلزاماً والمتأمل لتصانيف الأئمة يجدها في هذا السياق

نعم هناك من يورد المنكرات ولكن بحثنا فيما تتابع عليه الأئمة

فمثلاً حديث عبد الله بن خليفة مجرد رواية سفيان وشعبة له وهما أجل الطبقة مطلقاً في باب الرواية فهذا يدل على أن الخبر سليم المتن تماماً وإن قصر إسناده عن الصحة فيما نظن

ثم إن من منهج هؤلاء المعاصرين العجلة والسير على قواعد محدثة ثم تضعيف الأخبار بذلك

فمن ذلك أنهم يعلون بعنعنة مثل أبي إسحاق السبيعي تقليداً لابن حجر الذي ذكره في الطبقة الثالثة وذكر الحسن البصري في الثانية !

وأبو إسحاق لا يختلف عن الأعمش الذي قال فيه أحمد ( يضيق ذلك ) يعني تتبع عنعنته يعني أن الأصل الاحتجاج به وأبو إسحاق أخباره مخرجه في الصحيح بالعنعنة بل لا يعلم التدليس عن ضعيف كما وقع من الأعمش مثلاً

وهو رجل كبير حاجته للتدليس قليلة وإنما كان يرسل إرسالاً خفياً

ومن ذلك عجلتهم في تضعيف بعض الرواة بحجة الجهالة ثم استفراغ الجهد في البحث عن تراجمه وتعديل له كمثل تضعيفهم لوكيع بن عدس بحجة الجهالة  الذي صحح له الترمذي وأبو عبيد القاسم والطبري وقال ابن حبان من الأثبات وقال الجوزقاني صدوق صالح الحديث

التنبيه الثاني : الآثار الموقوفة لا تعامل كالمرفوع بل يتسامح بها لأن الراوي كلما قصر السند كان ذلك أكثر مخالفة للجادة وأدعى للحفظ وقد شرحت ذلك في مقال مستقل وفي دروس السنة

وكثير ممن يدعو لمنهج المتقدمين في العلل يغفل عن هاتين الحقيقتين العلميتين فيكون ذا جرأة على تصانيف السلف

وفي النهاية نحب أن نخبر الأشعري أن إمامه أبا الحسن في كتاب الإبانة أورد أثراً في ذم أبي حنيفة

وأن إماميه الغزالي والجويني لهما طعن شديد في أبي حنيفة وتجريد له عن وصف الاجتهاد


وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد فيه مئات الأحاديث والآثار في الرد على أهل البدع في جميع أبواب الدين وتأصيل عقيدة أهل السنة يأتي الجهلة فيعترضون على بضعة آثار لا تبلغ العشرة يريدون تنفير الناس من هذا الكتاب العظيم

وباب الرد على هذا الشخص أطول من هذا بكثير ولكن حسبي هذا ففيه كفاية للمنصف
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي