مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: وهم لمحمود شاكر استغله الملاحدة ...

وهم لمحمود شاكر استغله الملاحدة ...



أما بعد :
 
فإن حقد الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم لا يوصف في الحقيقة وهم يخترعون حوله الأكاذيب إلى يومنا هذا

ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

قال محمود شاكر في تعليقه على تفسير الطبري :" كان النضر بن الحارث بن كلدة قد أخذ الطب والفلسفة مع أبيه في الحيرة"

هذه المعلومة أخذها محمود شاكر من كتب المستشرقين التي كانت منتشرة في وقته وهو إن كان من أقل أقرانه تأثراً بهم بل كان حرباً عليهم وعلى أذنابهم  إلا أنه لا يسلم من تأثر ليس بالقليل بمنهجهم البحثي وببعض ما يذكرون

هذا الوهم من محمود شاكر أخذه الملاحدة والمنصرين سعداء به ليقولوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ طب مراحل الجنين من جالينوس لأن طبه انتقل إلى بلاد فارس ومن بلاد فارس أخذ الحارث بن كلدة هذا ، ثم انتقل إلى العرب وكان الحارث بن كلدة صديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم وزوجاً لخالته !

هذا منتهى الشبهة والأسطورة

والواقع أن الحارث بن كلدة لا توجد أي رواية أنه ذهب لبلاد فارس وتعلم الطب والفلسفة !

وليس هو والد النضر بن الحارث بن كلدة أصلاً !

وإنما هو تشابه أسماء والنضر هو الذي رحل إلى بلاد فارس وتعلم أساطيرهم وما تعلم شيئاً من الطب أو الفلسفة

ثم إن الحارث بن كلدة لم يكن زوجاً لخالة النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من ثقيف وما التقى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في فتح الطائف والذي كان بعد فتح مكة

وإليك تحقيق هذه المعلومات التي تقضي على الأسطورة نهائياً

أما كون الحارث بن كلدة لا علاقة له بالنضر بن الحارث بن كلدة لا كما ظن محمود شاكر فهذا واضح من نسب الرجلين واسميهما

قال ابن إسحاق في سيرته :" قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي"

وكذا ذكر الطبري أنه من بني عبد الدار وهم بطن من بطون قريش يلتقون مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي

وأما الحارث بن كلدة الثقفي فهو من ثقيف وهي قبيلة أخرى تماماً !

والحارث بن كلدة الثقفي الطبيب  في كل مصادر التراجم هذا اسمه  الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن عبد الغزى بن غرة ابن عوف بن قيس بن ثقيف الثقفي

فهما رجلان مختلفان وهنا تبطل مسألة سفر الحارث بن كلدة للحيرة ولا يوجد لها مرجع سوى أن توهم أن ولده ما دام سافر فهو قد سافر وتعلم هناك ، علماً مسألة تعلم الطب والفلسفة أمر زائد على مجرد السفر ومسألة وصول طب اليونان إلى بلاد فارس مسألة خيالية لا دليل عليها مثبت

قال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا شَيْخٌ، مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَدِمَ مُنْذُ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ص:400] قَالَ: " كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَةَ، تَعَلَّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ فَارِسَ , وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ وَأَسْفَنْدِيَارَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا فَذَكَّرَ بِاللَّهِ , وَحَدَّثَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا قَامَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ، فَهَلُمُّوا , فَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ وَأَسْفَنْدِيَارَ، ثُمَّ يَقُولُ: مَا مُحَمَّدٌ أَحْسَنَ حَدِيثًا مِنِّي قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي النَّضْرِ ثَمَانِيَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [القلم: 15] , وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْأَسَاطِيرُ فِي الْقُرْآنِ " حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدٍ , أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي النَّضْرِ ثَمَانِيَ آيَاتٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

فهذا ما روي من أمر النضر بن الحارث الذي لا علاقة له بالحارث بن كلدة والمروي فيه فقط ذكر أنه تعلم الأساطير الفارسية علماً أن الخبر أسانيده لا يسلم منها إسناد فسند فيهم مبهم وآخر فيه مجهول وآخر فيه كذاب

بعد ذلك زعم الملاحدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صحب الحارث بن كلدة لعقدين من الزمن ولننظر في هذه الدعوى

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكَدَّمٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالُوا: لَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ تَكَلَّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ فِي أُولَئِكَ الْعَبِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ، وَكَانَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمَّى ابْنُ إسْحَاقَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ.

هذه هي الرواية الوحيدة المذكورة في أول لقاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالحارث بن كلدة ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم مكي وثقيف كانت تسكن الطائف فهما بلدان مختلفان

الحارث بن كلدة أسلم في هذه الحادثة فحسب وهو والد الصحابي أبو بكرة الثقفي

وفتح الطائف كما اتفق المؤرخون جاء بعد فتح مكة

يعني بعد نزول آيات تكوين الجنين بمدة طويلة

قال أبو داود في سننه 3875 - حدَّثنا إسحاقُ بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ
عن سَعْدٍ، قال: مرضتُ مرضاً فأتاني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - يَعُودُني، فَوَضَعَ يَدَه بين ثَدْيَىَّ حتى وجدتُ بَرْدَهَا على فؤادي، فقالَ: "إنَّكَ رَجُل مَفْؤودٌ، ائتِ الحَارِثَ بنَ كَلَدَةَ أخا ثَقِيفٍ، فإنَّه رجل يَتَطَبَّبُ، فليأخُذ سَبع تَمَرَاتٍ من عَجْوَةِ المدينةِ، فليَجَأهُنَّ بِنَوَاهُنَّ، ثم لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ"

هذا خبر مرسل فمجاهد لم يسمع سعداً ولا مشكلة فيه كل ما في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعداً أن يذهب للحارث بن كلدة ليعد له الوصفة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه

وهذا طب عربي لا علاقة له بتعمقات اليونان

قال ابن سعد في الطبقات :" 2495 - الحارِثُ بن كَلَدَةَ
ابن عَمرِو بن عِلاَجٍ, واسمُهُ: عُمَيرُ بن أَبي سَلَمَةَ بن عَبد العُزَّى بن غيَرَةَ بن عَوف بن ثَقيفٍ، وكانَ طَبيبَ العَرَبِ، وكانَ النَّبيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَأمُرُ مَن كانَت بِه عِلَّةٌ أَن يَأتيَهُ, فَيَسأَلَهُ عَن عِلَّتِه, وكانَت سُمَيَّةُ أُمُّ زيادٍ لِلحارِث بن كَلَدَةَ"
ولا يوجد في تراجم ابن كلدة ذكر لأي زوجة وإنما يذكرون جاريته سمية ، وهذا الذي ذكره ابن سعد لم يرد إلا في حديث واحد فقط

فتهاوت دعاوى الملحدين والحمد معز الإسلام بنصره

وأما دعوى أخذ مراحل تكوين الجنين من اليونان

فهذه رد عليها غير واحد ولكنني أود إضافة أمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً ولم يتصل العرب باليونان إلا بعد الفتوحات وقد ظهر أثر علومهم بعد ترجمة الكتب وكان ذلك أمراً بين الخاصة فقط فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قارئاً كاتباً لما أمكنه معرفة علوم اليونان والترجيح في خلافاتهم العظيمة في هذا

ثم لماذا يصدق الملحد أخباراً منقطعة تتعلق بموضوع الحارث بن كلدة ويكفر بأحاديث متواترة في آيات النبي صلى الله عليه وسلم

ونقطة أخيرة كلام اليونان في هذا هل وقفتم على نصه اليوناني هل تأكدتم منه يقيناً ؟! أم أنها مجرد ترجمات قد يدخلها ما يدخلها أم أن التحريف خاص بالكتب الدينية فقط ! 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي