مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: فرية إباحة الفقهاء لنكاح الموتى

فرية إباحة الفقهاء لنكاح الموتى



أما بعد :
 
ليعلم أن الفقهاء كغيرهم من أهل التخصصات لهم مصطلحات خاصة وطريقة معينة في البحث

هم يبحثون في الحكم الدنيوي والحكم الأخروي معاً

فإذا نفوا وجود لازم دنيوي من كفارة أو غيرها فهم لا يعنون حل هذا الفعل

فمثلاً تجدهم يبحثون في سفر المعصية هل يجوز الترخص فيه برخص السفر ومن أجاز الترخص لا يعني أنه يجيز سفر المعصية وإنما الكلام على أمر تقصير الصلاة

ومثل في بحثهم في حكم الصلاة في الأرض المغصوبة هل هي صحيحة أم لا فمن صححها لا يعني أنه يجيز غصب الأرض وإنما الكلام على صحة الصلاة من عدمها لا الفعل الآخر

وحين يقول بعضهم أن يمين المعصية لا كفارة فيه ليس معناه أنه يجوز

أو يقولون أن من سرق دون النصاب لا تقطع يده ليس معناه أن هذا الفعل يجوز

وحين يتكلمون عن صحة صلاة من صلى وعليه عمامة من حرير فلا يعني هذا أنه يجيزون للرجل لبسها بل هم يحرمون ولكن ينظرون إلى المحرمية هل تصل لدرجة إبطال الصلاة أم لا

وأيضاً حين يتكلمون عن كسر العظم الميت ويقول عامتهم لا قصاص فيه فليس معناه أن هذا الفعل جائز بل هو محرم ولكن الحرمة لا تصل إلى درجة القصاص

إذا فهمت هذا تفهم ما يروجه بعض النصارى والملاحدة أن فقهاء المسلمين يجوزون وطء الزوجة الميتة

وهذا فرية منهم لأنهم رأوا أن بعض الفقهاء يقول أنه لا حد على من وطء الميتة وقولهم ( لا حد ) دليل على أن الأمر معصية عندهم أصلاً ولكن لما كان وطء الميتة أمر تأباه الطباع وليس فيه تدنيس أنساب رأوا أن مثله لا حاجة فيه إلى ترهيب الحد

جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية :" . (وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا) وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَوَطْءِ الْمَيِّتَةِ (أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) بِالنِّسْبَةِ لِلْحَدِّ أَوْ التَّعْزِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]"

فهذا ظاهر أنهم يرون حرمته

وجاء في الإقناع لأبي شجاع :" وبالثامن وَطْء الْميتَة والبهيمة فَلَا حد فِيهِ"

ووطء البهيمة محرم عند الشافعية بلا خلاف ولكن كلامهم هنا على وجود الحد من عدمه

جاء في تحفة المحتاج :" (قَوْلُهُ وَمَيِّتٍ) وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِ وَلَا حَصَلَ إنْزَالٌ وَلَا قَصْدٌ وَلَا انْتِشَارٌ وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ إذَا أُولِجَ فِيهِ أَوْ اسْتُولِجَ ذَكَرُهُ لِسُقُوطِ تَكْلِيفِهِ كَالْبَهِيمَةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُهُ بِالْمَوْتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا لَهُ وَلَا يَجِبُ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ حَدٌّ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا مَهْرٌ نَعَمْ تَفْسُدُ بِهِ الْعِبَادَةُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَكَمَا يُنَاطُ الْغُسْلُ بِالْحَشَفَةِ يَحْصُلُ بِهَا التَّحْلِيلُ وَيَجِبُ الْحَدُّ بِإِيلَاجِهَا وَيَحْرُمُ بِهِ الرَّبِيبَةُ وَيَلْزَمُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ"

فخلاصة الكلام أنه لا يلزم بهذا الفعل المعصية مهر ولا حد ( والشافعية يوجبون على المغتصب مهر مثلها )

وجاء في مطالب أولي النهى :" (وَيَجِبُ) مَهْرٌ (بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ) كَالْحَيَّةِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي وَطْءِ مَيِّتَةٍ إذَا كَانَتْ (غَيْرَ زَوْجَتِهِ) أَمَّا زَوْجَتُهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ لَهُ تَغْسِيلُهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ عُلَقِ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا مَيِّتَةً مَعَ مَا يَجِبُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا"

وهذا ككلام الشافعية فهم يوجبون المهر في وطء الميتة غير الزوجة وأما الزوجة فلا لأن المحرمية باقية

ثم نقل صاحب المطالب قول أبي يعلى :" قَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ مَسْأَلَةٍ: وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ مُحَرَّمٌ وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ انْتَهَى، وَهُوَ مُتَّجَهٌ."

قال ابن قدامة في المغني :" [فَصْلٌ وَطِئَ مَيِّتَة]
(7157) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ مَيِّتَةً، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَطِىءَ فِي فَرْجِ آدَمِيَّةٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْحَيَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ ذَنْبًا، وَأَكْثَرُ إثْمًا؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى فَاحِشَةِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ. وَالثَّانِي: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهَذَا أَقُولُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَيِّتَةِ كَلَا وَطْءٍ، لِأَنَّهُ عُضْوٌ مُسْتَهْلَكٌ، وَلِأَنَّهَا لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا، وَتَعَافُهَا النَّفْسُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْع الزَّجْرِ عَنْهَا، وَالْحَدُّ إنَّمَا وَجَبَ زَجْرًا"

وقال أيضاً :" قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا، وَلَمْ يُثْبِتْ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي ذَلِكَ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِحَدِيثٍ فِيهِ هَذِهِ الشُّبْهَةُ وَالضَّعْفُ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: أُدِّبَ، وَأُحْسِنَ أَدَبُهُ. يَعْنِي يُعَزَّرُ، وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ، فَأَوْجَبَ التَّعْزِيرَ، كَوَطْءِ الْمَيِّتَةِ"

فالفقهاء يرون التعزير في هذا دون الحد للأسباب الآنف ذكرها

وقال ابن مفلح في الفروع :" كَمَا أن كسر عظم الميت مُحَرَّمٌ وَلَا ضَمَانَ، وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ مُحَرَّمٌ وَلَا مَهْرَ وَلَا حَدَّ"

وقال العمراني في البيان :" وهل يجب الحد على المولج فيها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجب؛ لأنه فرج محرم، فوجب بالإيلاج فيه الحد، كالمرأة الأجنبية الحية.
والثاني: لا يجب؛ لأنه فرج غير مقصود.
والثالث: إن كانت زوجته أو جاريته فلا حد عليه؛ للشبهة. وإن كانت أجنبية منه وجب عليه الحد؛ لأنه لا شبهة له فيه"

وقوله ( فيه شبهة ) دليل على التحريم ولكن الحدود تدرأ بالشبهات وكلمة ( شبهة ) لا تقال في الأمر الحلال

وعامة كلام الفقهاء يدور على ما ذكرت لك

فتأمل حقد الجهلة على الإسلام كيف دفعهم إلى الكذب الرخيص علماً أن قاعدتهم ما دمت لا تؤذي أحداً فافعل ما شئت والميت لا يتأذى أصلاً فعلى أصولهم يجب أن يبيحوا هذا الفعل ويباركوه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي