مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بين رواية مسح القفا ورواية مس القبر ...

بين رواية مسح القفا ورواية مس القبر ...



أما بعد :


فإن من خصائص الإمام أحمد من بين الفقهاء أنه مع زهده في التصنيف في الفقه إلا أن جمعاً من أصحابه سألوه عن الفقه من أوله إلى آخره

ينفرد بعضهم بمسائل ويتقاطعون في معظم المسائل

وهم حنبل بن إسحاق وابنه عبد الله وابنه صالح وأبو داود وإسحاق الكوسج والأثرم والميموني وغيرهم كثير

لهذا معظم الفقه متواتر عن أحمد فالمسألة الواحدة تجد خمسة أو ستة أو أكثر من مشاهير أصحابه يروون عنه في المسألة

ولأنه لا بد للبشر من وهم فقد يهم بعض أصحاب أحمد الثقات وينسبون له قولاً غلطاً أو قد يهم الراوي عنهم وإن كانوا ثقات

فكيف يمكن تمييز هذا الغلط ؟

التمييز يكون بسهولة إذا توفر في الرواية ثلاثة أمور

الأول : أن تكون رواية غريبة انفرد بها واحد فقط

الثاني : أن تخالف المشهور عنه

الثالث : أن تكون غير جارية على أصول الإمام نفسه

فإن اختل أحد هذه الشروط اعتبرت رواية معتبرة في المذهب

وسأضرب لك مثالين على ما اجتمع فيه هذه الثلاثة

مسح القفا

قال ابن أبي يعلى في الروايتين والوجهين :"  مسألة: واختلفت هل يستحب مسح العنق بعد مسح رأسه .. ؟
فنقل عبد الله قال: رأيت أبي إذا مسح رأسه وأذنيه في الوضوء مسح قفاه.
ونقل جعفر بن محمد عنه، وقد سئل عن مسح القفا فقال: لا أدري يعني حديث ليث عن طلحة عن أبيه عن جده في مسح القفا فلم يذهب إليه، قال أبو بكر الخلال: توهم عبد الله عنه ولم يضبط، لأنه ينكر الحديث في رواية الجماعة ووجه الرواية الأولى، ما روى عبد الوارث بن سعيد عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى النبي، مسح برأسه وأذنيه وأمرّ يده على القفا"

عبد الله بن أحمد من أوثق الناس في أبيه ومسائله عامتها يتابع عليها وعليها نور في هذه المسألة حكم الخلال على روايته بالوهم لعدة أسباب

الأولى : أنها رواية فرد من عبد الله

الثانية : أنها تخالف رواية الجماعة

الثالثة : أنها خلاف أصول الإمام إذ لا يعتد بالخبر المنكر نهائياً في مثل هذا

وهذا نظير ما وقع من ابن عبد الحكم حيث نسب للشافعي جواز إتيان المرأة في الدبر ، فوهموه

قال ابن كثير في تفسيره :" وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَكَى لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْلِيلِهِ وَلَا تَحْرِيمِهِ شَيْءٌ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ ... فَذَكَرَ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّبَّاغُ: كَانَ الرَّبِيعُ يَحْلِفُ بِالْلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: لَقَدْ كَذَبَ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ -عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي سِتَّةِ  كُتُبٍ مِنْ كُتُبِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"

وهذا يبين لنا دقة الأئمة في المروي عن بعض الفقهاء فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد وهم عبد الله بن عمر فظن أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فقومته عائشة ، وهذا يدل على حفظ السنة فالصحابي الذي كان يحدث كان يسمعه بقية الصحابة فلو وهم ولو جزئية بسيطة يقومه البقية

قال عبد الله بن أحمد في العلل 3243 - سَأَلته عَن الرجل يمس مِنْبَر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتبرك بمسه ويقبله وَيفْعل بالقبر مثل ذَلِك أَو نَحْو هَذَا يُرِيد بذلك التَّقَرُّب إِلَى الله جلّ وَعز فَقَالَ لَا بَأْس بذلك

والآن لنطبق المنهجية السابقة على هذه الرواية

قال ابن أبي يعلى في الروايتين والوجهين :" ونقل الأثرم: قلت لأبي عبد الله: قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. قلت له: فالمنبر قال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه. قيل لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر. وقيل له رأيت من أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون ويقومون ناحية فيسلمون. قال أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ نعم، وهكذا كان ابن عمر يفعل. وهذه الرواية تدل على أنه ليس بسنة وضع اليد على القبر"

جاء في كشاف القناع :"  قَالَ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى (وَلَا يَتَمَسَّحُ وَلَا يَمَسُّ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حَائِطَهُ وَلَا يُلْصِقُ بِهِ صَدْرَهُ وَلَا يُقَبِّلَهُ) أَيْ: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَالِابْتِدَاعِ قَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ وَأَمَّا الْمِنْبَرُ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ.

(قَالَ الشَّيْخُ: وَيَحْرُمُ طَوَافُهُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ اتِّفَاقًا) وَقَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الشِّرْكِ وَقَالَ وَالشِّرْكُ لَا يَغْفِرَهُ اللَّهُ، وَلَوْ كَانَ أَصْغَر"

فأولاً هذه الرواية المبيحة غريبة

ثانياً مخالفة للمشهور

ثالثاً : مخالفة لأصول الإمام لأن فعل الصحابة وعلماء المدينة على خلافها لهذا لا يمكن أن تعتبر رواية وتكون المسألة روايتين عن الإمام

وقال محمد بن يوسف التونسي وهو صوفي في كتابه الأجوبة الشامية :" وفي الإحياء للعلامة الغزالي: مس الشاهد وتقبيلها عادة اليهود والنصارى، وقال الزعفراني: وضع اليد على القبر ومسه وتقبيله من البدع التي تنكر شرعا، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأى رجلا وضع يده على القبر المكرم فنهاه، وقال: ما كنا نعرف هذا ولا يلتفت إلى بعض من يترخص في مثل هذا لما علمت من كلام من يوثق بعلمهم ودينهم والله الهادي إلى سواء السبيل، وفي الدر المنظم أيضا يكره الانحناء للقبر الشريف وأقبح منه تقبيل الأرض، ذكره ابن جماعة ولفظه: قال العلماء: إن ذلك من البدع أي القبيحة، ويظن من لا علم له أنه من شعار التعظيم وأقبح منه تقبيل الأرض له؛ لأنه لم يفعله السلف الصالح والخير كله في اتباعهم، ومن خطر بباله أن تقبيل الأرض أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال السلف وعملهم، وليس عجبي ممن جهل ذلك فارتكبه، بل عجبي ممن أفتى بتحسينه مع علمه أي لو تأمل قبحه ومخالفته لعمل السلف، واستشهد لذلك بالشعر قال السيد ولقد شاهدت بعض جهال القضاة فعل ذلك بحضرة المنلا وزاد بوضع الجبهة كهيئة الساجد فتبعه العوام ا. هـ.
وقال العلامة خليل المالكي في مناسكه وليحذر مما يفعله بعضهم من طوافه بقبره عليه الصلاة والسلام وكذلك تمسحهم بالبناء ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له عليه السلام، وما كانت عبادة الأصنام إلا من هذا الباب ولأجل ذلك كره علماؤنا التمسح بجدار الكعبة أو بجدار المسجد والتقبيل للمصحف وتعظيم المصحف قراءته والعمل بما فيه لا تقبيله ولا القيام له كما يفعله بعضهم في زماننا، والمسجد تعظيمه الصلاة فيه واحترامه لا التمسح بجدرانه، وكذلك الورقة يجدها الإنسان مطروحة فيها اسم من أسمائه تعالى أو نبي أو غير ذلك ترفيعها إزالتها من موضع المهنة لا تقبيلها، وكذلك الولي تعظيمه اتباعه لا تقبيل يده ا. هـ.
وقال العلامة سيدي علي النووي صاحب غيث النفع بعد أن ذكر أشياء مخالفة للشرع تفعل في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن هذا المعنى التمسح بجدار الكعبة وتقبيلها وبالمصحف الشريف ويبالغ بعض العوام حتى يفعل ذلك بالمساجد وقبور الأولياء، وليس هذا كله بتعظيم شرعي، بل التعظيم الشرعي للكعبة الطواف بها والصلاة إليها والنظر إليها، وتعظيم المصحف قراءته والعمل بما فيه، وتعظيم المسجد تعميره بالصلاة وأنواع العبادات، وتعظيم الولي الاقتداء بما كان عليه والتضرع إلى الله تعالى في الترحم عليه ورفع درجته ا. هـ.

ولهذا نجد أن السبكي والغزالي مع تصوفهم ينقلان الاتفاق على المنع من مس القبر

فيكفي في غرابة الرواية مخالفتها للاتفاق ومن تناقض الصوفية أن كثيراً منهم متمذهب فيترك ما ينص عليه مذهبه ويذهب يتتبع رواية غريبة عن أحمد لا يقول بها أصحابه

وأما المنبر الذي رخص أحمد بمسه للآثار فلا يوجد المنبر الذي باشره النبي صلى الله عليه وسلم بل أحرقه القرامطة

وهم أنفسهم لا يقبلون ما ينقله عبد الله وغير عبد الله عن أحمد من ذم أهل الرأي

ولا يقبلون ما ينقله عبد الله وغير عبد الله عن أحمد من إثبات الصفات

قال النجاد في الرد من يقول بخلق القرآن  ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ قَالَ أَبِي تَكَلَّمَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِصَوْتٍ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَتْ وَقَالَ أَبِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يسمع لَهُ صَوت كمر سلسلة عَلَى الصَّفْوَانِ قَالَ أَبِي فَهَذَا الْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ وَقَالَ أَبِي وَهَؤُلاءِ كُفَّارٌ يُرِيدُونَ أَنْ يُمَوِّهُوا عَلَى النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ كَافِرٌ إِلا أَنَّا نَرْوِي هَذِهِ الأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَت

فهذه رواية صحيحة وهي في السنة وعلى أصول أحمد المعروفة وأصحابه متفقون على تثبيتها

والعجيب أنهم حاولوا الطعن في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد لمجرد ورود بعض الروايات في ثلب أبي حنيفة وأهل الرأي والروايات هي نفسها موجودة في كتاب العلل وفي عشرات المصادر وهذا هو الأصل في ذلك الزمان

ثم هم يتثبون بهذه

وكان داعي كتابة هذه المقال كتابة كتبها صبي في الفيس بوك يقول لماذا لا تعتبر هذه رواية عن أحمد

ومشكلة هذا الكاتب وغيره أن طريقتهم في البحث سيئة جداً لاستسهال العلوم الشرعية بالنسبة لهم واليوم نحن نعاني ممن رصيده في البحث مسائل الجدل أو القراءة في فتاوى بعض المعاصرين ممن هو فاقد للاتزان المنهجي تجاه فتاوى الصحابة والآثار فتارة يحتج بها وتارة يخالفها ويرفض التقليد في الفقه ويقلد في التصحيح والتضعيف وهكذا

والواقع أن العلم يجب أن يتلقى واحدة واحدة ولا يحل لأحد الكلام في مسألة فقهية حتى يكون دارساً لعموم الفقه مستوعباً لأصوله وتكوين الملكة الفقهية وأدوات الترجيح باب طويل جداً يحتاج إلى نظر ونفس وكثرة قراءة وتركيز ثم توفيق من الله وهذه الأخيرة تحتاج لأحوال قلبية من نوع خاص لكي يحصلها المرء

وإلا فالزم التقليد خيراً لك

وأخيراً سأنقل تأصيلاً لابن القيم يشرح فيه ما ذكرته في هذا المقال

قال ابن القيم في الفروسية ص284 :" وكذلك أصحاب أحمد إذا انفرد راو عنه برواية تكلموا فيها وقالوا تفرد بها فلان ولا يكادون يجعلونها رواية إلا على إغماض ولا يجعلونها معارضة لرواية الأكثرين عنه وهذا موجود في كتبهم يقولون انفرد بهذه الرواية أبو طالب أو فلان لم يروها غيره
فإذا جاءت الرواية عنه عن غير صالح وعبد الله وحنبل وأبي طالب والميموني والكوسج وابن هانئ والمروزي والأثرم وابن القاسم ومحمد بن مشيش ومثنى بن جامع وأحمد بن أصرم وبشر بن موسى وأمثالهم من أعيان أصحابه استغربوها جدا ولو كان الناقل لها إماما ثبتا
ولكنهم أعلى توقيا في نقل مذهبه وقبول رواية من روى عنه من الحفاظ الثقات ولا يتقيدون في ضبط مذهبه بناقل معين كما يفعل غيرهم من الطوائف
 بل إذا صحت لهم عنه رواية حكوها عنه وإن عدوها شاذة إذا خالفت ما رواه أصحابه عودة إلى زيادة الثقة
 فإذا كان هذا في نقل مذاهب العلماء مع أنه يجوز بل يقع منهم الفتوى بالقول ثم يفتون بغيره لتغير اجتهادهم وليس في رواية من انفرد عنهم بما رواه ما يوجب غلطه إذ قد يوجد عنهم اختلاف الجواب في كثير من المسائل فكيف بأئمة الحديث مع رسول الله الذي لا يتناقض ولا يختلف كلامه "

وقال الخلال في أحكام الملل  377 - أَخْبَرَنِي محمد، قَالَ: حَدَّثَنَا وكيع، عن سفيان، عن عيسى بن أبي عزة، عن عامر، أنه أجاز شهادة يهودي على نصراني، ونصراني على يهودي قَالَ أبو بكر الخلال: فقد اختلفوا عن الشعبي؛ فأما ما قَالَ أبو عبد الله فما اختلف عنه البتة إلا ما غلط حنبل بلا شك؛ لأن أبا عبد الله مذهبه في أهل الكتاب: ألا يجيزها البتة إلا للمسلمين، ولا عليهم، ولا بعضهم على بعض، ولا ملة على ملة إلا المسلمين.
ويحتج بقوله، جل وعز: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وأنهم ليسوا بعدول؛ لقول الله، تبارك وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] واحتج بأنه يكون بينهم أحكام وأموال، فكيف يحكم بشهادة غير عدل، وليس هم مسلمون؟ وقد قَالَ الله، تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 64] وإنما أخرجت هذه الأحاديث عن هؤلاء النفر كلهم؛ لأبين مذهب أبي عبد الله وغلط حنبل، ولأن بعض من يظن أنه يقلد مذهب أبي عبد الله ربما كنا معهم في مؤنة عظيمة من توهمهم للشيء من مذهب أبي عبد الله، أو تعلقهم بقول واحد.
ولا يعلمون قول أبي عبد الله من قبل غير ذلك الواحد، وأبو عبد الله يحتاج من يقلد مذهبه أن يعرفه من رواية جماعة؛ لأنه ربما روى عنه المسألة الواحدة جماعة، حتى يصبح قوله فيها العشرة ونحوهم؛ لأنه ربما يسأله عن المسألة الواحدة جماعة حتى يقول: لا أدري.
وإنما يعني: لا أدري ما اختار، ويسأل عن تلك بعينها، فيجيب بالاختلاف لمن قَالَ: لا ونعم، ولا ينفذ له قول.
ويسأل عن تلك المسألة أيضا في وقت آخر، فيحتج لمن قَالَ: لا ولا ينفذ قوله، ويسأل عن تلك المسألة أيضا، فيحتج للجميع ويعلق مذهبه.
ويسأل عن تلك أيضا في وقت، فيجيب بمذهبه من غير احتجاج للمسألة إذا كان قد تبين له الأمر فيها، ويسأل عن تلك أيضا ويحتج عليه.
ويسأل عن مذهبه وعن الشيء ذهب إليه، فيجيبهم فيصبح مذهبه في تلك المسألة في ذلك الوقت وفي مسائله، رحمه الله، مسائل يحتاج الرجل أن يتفهمها ولا يعجل.
وهو قد قَالَ: ربما بقيت في المسألة، ذكر بعضهم عنه عشرين سنة، يعني: حتى يصح له ما يختار فيها، وذكر بعضهم عنه العشر سنين إلى الثلاث سنين، وإنما بينت هذا كله في هذا الموضوع، أعني: لمن يقلد من مذهب أبي عبد الله شيئا، أن لا يعجل وأن يستثبت.
ونفعنا الله وإياكم، ونسأله التوفيق فإنه لطيف.
فقد كان أبو عبد الله رجلا لا يذهب إلا في الكتاب، والسنة، وقول الصحابة والتابعين.
وكان يحب السلامة والتثبت فيما يقول، ويدفع الجواب، فإذا أجاب لم يجب إلا بما قد صح وثبت عنده.
وقد بين، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الاحتجاج في قبول شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر، وأن تأويل أبي موسى، عنده، هو الذي يعمل عليه مع تأويل ابن عباس وغيره: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قالوا: من أهل الكتاب.
وقد احتج عليه محتج بقول: إن هذا الآية منسوخة.
فقال: هل يحكى ذلك إلا عن إبراهيم؟ وأنكر ذلك، وقال: هو جائز، وقد بينت ذلك كله.


فهنا الخلال غلط حنبلاً لما كانت روايته مخالفة لرواية الجماعة ولأصول أحمد وهذا يوافق ما نحن فيه ، وأيضاً يحمل هذا على رواية تأويل المجيء عن أحمد

تنبيه : جاء في كتاب زاد المسافر لغلام الخلال :" 1664 _ وقال في رواية الفضل بن زياد : ولا يمس المقام بيده ولا يقبله ويكره ذلك "

فإذا كان هذا قوله في المقام فكيف القبر  

تنبيه : رأيت كلاماً لمحمد الأزهري الحنبلي ينقل فيه كلاماً للذهبي يصف فيه المنع من مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من قول الخوارج ويا ليت شعري معتمد مذهب الشافعي ومعتمد مذهب الحنابلة هذا المنع فأين ذهب التعويل على المذهب وعلى المعتمد وفجأة صار التشبث بالروايات الشاذة على حساب مشهور المذهب بل والذي ينقل عليه الإجماع !!  
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي