مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: حلمي القمص يعقوب يثبت النبوة من حيث لا يشعر ...

حلمي القمص يعقوب يثبت النبوة من حيث لا يشعر ...



أما بعد :
 
فعادة الملاحدة والمنصرين دعوى أن القصة الفلانية في القرآن مأخوذة من الحضارة الفلانية أو من التوراة

ويغفلون عن أمر مهم وهي أن قصص القرآن تحكي حال عدة من مشاهير الأنبياء منذ بدء الخليقة وهؤلاء الأنبياء لا بد أن تكون لقصصهم بقايا في الحضارات

ولكن يدخل عليها التحريف كما دخل على أصل الدين نفسه فتحول الناس إلى عبادة الأوثان

وكثير من دعاواهم ينقضها بعض التأمل لأن نجد خلافات ظاهرة بين السياق القرآني ومعطياته وما في التوراة وكتب اليهود أو الحضارات

وقد عرضت لهذا في مقالي ( أرادوا أن يطعنوا بنبوته فأثبتوها ) فذكرت قائمة من الكتب التي ادعوا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت مجلدات كثيرة مكتوبة بالعبرية والآرامية وكثير منها لم يترجم إلا قبل وقت وجيز فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كل هذا وهو أمي وعربي لا يحسن هذه اللغات ولا الدراسات المدققة في أديان الأولين وحضاراتهم وإذا زدنا على هذا ما يذكرونه في شأن البابليين والسومريين والصابئة والفراعنة والصينيين تبدو الشبهة منتهى في السخافة بل هي في الحقيقة شرح لآية باهرة

ولكنني هنا سأعرض لدفاع قس نصراني عن كتابه المقدس أمام اعتراضات مماثلة وقد أجاد في الحقيقة ولكن ما من حجة يذكرها إلا وهي في صفنا من باب أولى

وهذا القس هو حلمي القمص يعقوب في كتابه مدارس التشكيك

قال حلمي أمام اعتراضات أخذ قصة الخلق من الحضارات السومرية والبابلية :" بنى النقاد إفتراضاتهم على أن سفر التكوين أخذ شكله النهائي في القرن الخامس قبل الميلاد بعد العودة من السبي البابلي، وبذلك أتيح للكاتب التعرف على الحضارات السومرية والمصرية والبابلية الفارسية، وقد أخذ منها بعد تنقيتها من جو الشرك وصراع الآلهة(58). ويقول الأب سهيل فاشا "أن السبي البابلي قد قدم لليهود فرصة الإطلاع على آداب وديانة وأساطير ثقافة وادي الرافدين، وعندما عادوا إلى أورشليم وقاموا بتدوين نصوص التوراة المتفرقة في كتاب جامع شامل، دخلت خبراتهم أيام السبي بشكل تلقائي وطبيعي فيما دونوه من نصوص(11) ، كما يقول "أما التوراة العبرانية فقد دونت أقدم أسفارها وهي أسفار موسى الخمسة بعد العودة من الأسر الابابلى في القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد، ولم يقر النص النهائي للتوراة إلا في القرن الأول قبل الميلاد"(59).
وهذا مجاف للحقيقة لأن كاتب سفر التكوين هو موسى النبي بشهادة نصوص التوراة، ورجال العهد القديم، ورجال العهد الجديد، وفوق الكل شهادة السيد المسيح الإله المتأنس(12) فسفر التكوين ليس مجهول الهوية، بل كتبه موسى النبي في صحراء سيناء في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهي منطقة بعيدة عن بلاد الرافدين.
وإن قال أحد النقاد أن أساطير بلاد الرافدين قد وصلت إلى مصر مثل أسطورة "أدبا" التي عثر عليها في تل العمارنة، وأسطورة ملكة العالم الأسفل، نقول إن كان المصريون القدماء لم يقبلوا هذه الأساطير ولم يعتقدوا بها، لأنه كان لهم معتقداتهم الخاصة، فكيف نتوقع أن موسى عبد الله يؤمن بهذه الأساطير، بل ويدونها للأجيال ككلمة الله الموحى بها؟!!... ألا يعتبر هذا طعن في أمانة موسى النبي الذي شهد لأمانته الله ذاته... يقول "جوردون وينهام "... "يبين كاتب (تك 1) إنه كان على علم بالقصص الأخرى، ولكنه لم يعتمد عليها في كتاباته، بل بالحري هو يرفضها رفضا باتا"

أقول : ومكة والمدينة بعيدتان عن اليونان واللغة مختلفة وقد ادعى الجهلة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض المعلومات عن الأجنة من اليونان

وادعوا أنه أخذ عدد عظام الإنسان من الصينيين والصين بعيدة جداً عن مكة والمدينة والشام ولسان أهلها مختلف

زيادة على كل هذا هذه معلومات متخصصة والنبي صلى الله عليه وسلم بقي أربعين عاماً لا يعرف بطلب هذا ولا الكلام فيه

ولا يعرف عن أحد من العرب هذا ، بيد أن أرض بابل هي أرض مقاربة جداً لأرض إبراهيم التي هاجر منها وهو جد إسرائيل

ثم قال حلمي :" ما وجد من تشابهات بين الأساطير وسفر التكوين له مبرره، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهو أن أصل القصة واحد، سواء خلقة الكون أو الإنسان أو السقوط أو الطوفان... إلخ. لقد علمها آدم لأبنائه وأحفاده، ونشرها نوح وأبنائه بين ذرياتهم، ولكن بمرور الأيام والأزمان أخذتها الأجيال شفاهة وأضافت إليها تصوراتها، فكانت الأساطير. أما ما دونه سفر التكوين فهو يعبر عن أصل القصة الصحيح الذي وصل لموسى عن طريق التقليد، كما أن روح الله القدوس عصمه من أدنى خطأ ممكن، ولذلك فالحدث التوراتي تجده نقيا يطابق الحقيقة تماما، ويقول "إيدرشيم ".. "إن هذه (الأساطير) في الحقيقة ما هي إلا بقايا الأعمدة المحطمة لذاك الذي كان مرة هيكلا للحق بعد أن تناثرت واستحالت إلى تقاليد بشرية منذ أقدم العصور... فهي (الأساطير) إذا بقايا الحق بين الناس في التقاليد القديمة خلال الأجيال الغابرة، على أن مرور الزمن قد زاد من فساد تلك التقاليد وجعلها خليطا من الحقائق والخرافات وذلك بسبب تباعد البشر تدريجيا عن الله بمقدار ما تباعدوا عن الإعلان الإلهي الأول التام الصفاء والنقاء والذي هو مصدر الديانة الحقيقية التي آمنت بالله وحفظت عبادته منذ البداءة... وشتان بين هذا الموقف الذي يعلن الإيمان الخالص بإله واحد خالق سام حاكم فريد للكون، وبين تعدد الآلهة الفظيع الذي ارتبطت له النجاسة والانحطاط حسبما هو وارد في أساطير الديانات القديمة بأسرها"

أقول : ومثل هذا يقال في القرآن ، وشتان بين الله الذي لم يلد ولم يولد والذي ما مسه من لغوب ( تعب ) وبين الإله الذي يتعب ويبكي ويندم ويصلب على خشبة ( كما في الكتاب المقدس واعتقادات النصارى )

قال حلمي :" وفي مقارنتنا لقصة التوراة وقصة الخلق البابلية، نستطيع -كما يقول الدكتور جون الدر- أن نكتشف فروقا ومتشابهات، أما المتشابهات فكل من القضيتين متفق على وقت كان كل شيء فيه خرابا وخاليا، في قصة التوراة ترى كيف حل النور محل الظلام، والعمار محل الخراب والدمار، وفي قصة بابل نجد الإله "مردوخ " ملك النور يقتل الإلهة "تيامات " ملكة الظلام والغمر، وفي القصتين كذلك نرى أن الماء كان هو أصل الأشياء، وإن كانت الروايتان قد اختلفتا في أن القصة البابلية جعلت الماء أزليا بينما جعلت الكتب السماوية الله هو الأزلي وإنه هو الذي خلق الماء، وأما الاختلافات، فالتوراة تجعل الله يخلق الشمس والقمر والنجوم في السماء، بينما قصة البابليين تجعل الله يخلق السدم والكواكب لتكون محطات للآلهة الكبار، وفي التوراة يخلق الله الإنسان من تراب، وفي قصة بابل يخلقه مردوخ من لحم وعظام. وفي قصة التوراة يخلق الله الأشياء جميعا في ستة أيام، ويستريح في اليوم السابع، بينما لا تذكر القصة البابلية ذلك"

ومثل هذه الاختلافات موجودة بين قصص القرآن وقصص التوراة ، وبين قصص القرآن وأساطير الأولين

كما أن هناك قصصاً في القرآن لا وجود لها في كتب القوم نهائياً كقصة هود وصالح

وقال حلمي أيضاً :" القاعدة العامة التي جرى عليها أدب الشرق الأدنى القديم هي التطويل والإضافات، وليس الاختصار، أي أن القصة البسيطة تمثل الأصل، وعندما يضاف إليها بعض الأمور غير المنطقية تصبح أسطورة، وليس من المعتاد في أدب الشرق الأدنى القديم اختصار الأسطورة لتصل إلى قصة بسيطة، ولذلك فالأقرب للعقل والمنطق أن قصة الخليقة البسيطة التي جاءت في سفر التكوين هي التي أضافت إليها الشعوب تصوراتها فصارت أساطير، ومن المستبعد جدا أن يكون موسى قد إستخرج من الأساطير هذه القصة البسيطة، وتأكيدا لهذه النظرية أنظر إلى قصيدة الأينوما إيليش التي تحتوى 1100 سطر بينما جاءت قصة الخلق في الإصحاحين الأول والثاني من سفر التكوين في 56 عدد لا غير"

هذه حجة جيدة والقصص في القرآن أخصر بكثير من قصص التوراة التي فيها توسع بذكر أعداد الجيوش وأنساب وقبائل بيد أننا نجد في القرآن المفيد فحسب

قال حلمي :" في الأساطير تجد الآلهة محدودة، ومتعددة، تأكل وتشرب وتنام، وتتزاوج وتتناسل وتتصارع وتذبح... وبعض هذه الآلهة لم يعرف الخبز ولا الثياب من قبل، فيقول الأب سهيل فاشا نقلا عن أسطورة سومرية "لم يعرف الأنوناكى أكل الخبز... لا ولم يعرفوا لبس الثياب... بل أكلوا النباتات بأفواههم... وشربوا الماء من الينابيع والجداول... في تلك الأيام وفي حجرة الخلق.. أكل الأنوناكى ولم يكتفوا... ومن حظائرها المقدسة شربوا اللبن.. شربوا ولكنهم لم يرتووا... لذا، ومن أجل العناية بطيبات حظائرها... ثم خلق الإنسان"(17).
بل أكثر من هذا قد نجد في الأساطير الآلهة تغتصب الأمهات وتكذب فيقول الأب سهيل فاشا عن الأساطير السومرية أن الإلهة "نيبور العجوز " حدثت ابنتها "ننليل " عن كيفية إغراء "إنليل "... "في تلك الأيام قامت الأم بإرشاد ابنتها.. قامت نينار شيكونو بنصح ابنتها.. عند النهر الصافي يا فتاتي، عند النهر الصافي اغتسلي.. الجبل العظيم، إنيل الأب، ذو العينين البراقتين سيراك.. الراعي، سيد المصائر، ذو العينين البراقتين سيراك... حيث يقبلك.. نفذت ننليل مشورة أمها، وأبصرها إنيلي فحاول غوايتها، ولكنها تمنعت، فتحايل عليها وحملها بمعونة وزيره نسكو إلى قارب، وهناك اغتصبها، وتركها حبلى بالإله القمر. إلا أن الآلهة تغضب لفعلة إنليل، ويقرر المجمع نفيه إلى العالم الأسفل. يرضخ إنليل لمشيئة الآلهة، ويبدأ رحلته نحو العالم الأسفل. ولكن ننليل التي تمكن منها حب الإله الشاب تلحق به وتدركه عند بوابة الجحيم، ولكن إنليل يطلب من حارس البوابة، ولسبب لا ندريه تضليل ننليل، ويتخذ هو نفسه هيئة الحارس ويقبع في انتظارها.. وعندما تصل وتسأله عن حبيبها، يجيبها وهو في هيئة الحارس مضللا، ثم يجامعها ويتركها حبلى بنرجال إله العالم الأسفل"(18).
ومثل هذه الأمور لا يمكن أن نجد لها أثر في كتابنا المقدس الذين يدين النجاسة والكذب وإثارة القلاقل (مثلما فعل الإله "كنجو " الذي تعرض للذبح) بل بالعكس الكتاب المقدَّس يعرفنا بالله الواحد الخالق غير المحدود، الذي يسمو عن كل نقيصة، بل هو كامل في كل شيء ويقول "جوش مكدويل " فالروايات البابلية والسومرية تصف الخلق باعتباره ناتجا للصراعات التي نشأت بين الآلهة المحدودين، فعندما دحر أحد الآلهة (تيمات) وأنشطر إلى نصفين، أصبح نهر الفرات ينبع من إحدى عينيه ونهر دجلة ينبع من العين الأخرى، والبشرية مخلوقة من دم إله شرير مخلوط بالطين، تبين هذه القصص التكلف والتشوية المتوقع في الرواية التاريخية عند صياغتها في هيئة أساطير... فالافتراض الشائع بين الرواية العبرية في الكتاب المقدَّس ليس إلا صورة مبسطة وأكثر نقاء من الأساطير البابلية هو افتراض غير صحيح.."(19).
لقد نظر اليهود لعبادات الأمم على أنها عبادات شيطانية، فكيف يمكن لإنسان يهودي يؤمن بالوحدانية المطلقة أن يتقبل ولو جزئيا أساطير الأمم المبنية على تعدد الآلهة، بل أكثر من هذا يقتبس بها، بل وأكثر من هذا يظهرها على أنها كلمة الله الموحى بها؟"

هنا نجده نافراً من كون الإله يأكل ويشرب مع أن المسيح عنده إله وقد كان كذلك

وإذا كان نافراً من نسبة هذه الأمور لله ( وصدق هداه الله للإسلام ) فماذا عن نسبة الندم لله عز وجل والحزن

" وقال الرب لموسى .. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم "، فكان من جواب موسى أن قال: " ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. اذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم: أكثر نسلكم كنجوم السماء، وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد، فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه " (الخروج 32/ 9 - 14).
وفي مرة أخرى " كان الرب مع القاضي، وخلصهم من يد أعدائهم، كل أيام القاضي، لأن الرب ندم من أجل أنينهم " (القضاة 2/ 18).
ومثله ندم الرب بعد أن قتل مقتلة كبيرة في بني إسرائيل، فقد "جعل الرب وبأ في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد، فمات من الشعب - من دان إلى بئر سبع - سبعون ألف رجل، وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها، فندم الرب عن الشر، وقال للملاك المهلِك الشعب: كفى، الآن رد يدك" (صموئيل (2) 24/ 15 - 16).
وكانت التوراة قد نسبت قبلُ الندم والحزن إلى الله في زمن نوح، وذلك حين رأى شرور الإنسان، فقد: "رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه، فقال الرب: ... لأني حزنت أني عملتهم" (التكوين 6/ 5 - 7) ومثل هذا الندم في الأسفار كثير (انظر إرميا 26/ 19، 42/ 11، عاموس 7/ 6، التكوين 18/ 20).

وأما نسبة الاغتصاب للآلهة فجد قبيح ولكن في التوراة نسبة داود النبي ويهوذا إلى الزنا وبعض الأنبياء للشرك

وقد برأهم الله عز وجل من هذا واتفق المسلمون على كفر من نسب هذا للأنبياء

قال حلمي :" وإن قال البعض أن البشرية تطورت من عبادة الآلهة إلى الوحدانية (تطبيقًا لنظرية داروين) فالحقيقة أن الآثار قد أثبتت العكس، فالإنسان في فجر الحضارة كان يعرف الوحدانية، ثم عندما تدنت أخلاقه سقط في تعدد الآلهة، ويقول "د. ستيفن هربرت " أحد علماء الحفريات وأستاذ العلوم الآشورية بجامعة أوكسسفورد "إنني أؤكد بثقة أن عقيدة الوحدانية في الديانات السامية والسومرية قد سبقت الإيمان بعديد من الآلهة، والاعتقاد بالأرواح الخيرة والشريرة، فكل الديانات السامية قد بدأت بالإيمان بإله واحد للقبيلة، قام بخلق أفرادها، ويسهر على حفظهم ورعايتهم، وتاريخ الديانات في المجتمع الإنساني، ليس سوى تاريخ سقوط الإنسان وارتداده"(20).
وقال سير "بيتر ريتو " مترجم الكتاب المصري القديم "الموتى ".. "منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، ارتفعت على ربوع وادي النيل، أصوات التسابيح للإله الواحد، وخلود النفس. لأن الاعتقاد بوحدانية الإله العظيم، وصفاته القدسية كالخالق الأوحد، ومصدر الناموس الأدبي، تبدو مجموعة لامعة متألقة، وسط أكداس المعتقدات الفرعونية الكثيرة التي تراكمت خلال العصور الطويلة، لذلك فإننا لا يمكن أن نقول أن الفكر الديني في مصر القديمة قد تطور من الدرجات السفلى وتسامى إلى أعلى، حتى وصل إلى عقيدة الوحدانية والخلود"(21).
ويقول العالم النمساوى "شميث " في كتابه "تطور الديانات "... "وإن الذي يدرس الآثار القديمة في مختلف أنحاء العالم، يستطيع أن يدرك أنه بين القبائل البدائية كانت تسود المعتقدات بإله واحد، وبأن حياة خالدة قادمة لا محالة"


هذا تنبيه جيد جداً ويضاف عليه أن الصابئة المندائيين وآثارهم تعد أقدم معبد وجد بحسب المقاييس التشككية الحديثة ديانتهم توحيدية

ثم إن الأنبياء وأتباعهم لا يبقون الأحجار لئلا تعبد ويكرهون ذلك أشد الكراهية لهذا السبب لم توجد لهم مسلات أو أعمدة

ولكن لهم بعض المساجد كمحراب داود الذي في بيت المقدس كما أن عدداً من أقوام الأنبياء عذبوا بالاستئصال إلا ندرة كقوم إبراهيم الذين هاجر عنهم لكي لا يعذبوا ولاحظ كون أقدم الحضارات ظهرت فيهم

قال حلمي :" قال البعض أن الأينوما إيليش أظهرت شمولية الإله مردوخ حيث خلعوا عليه الأسماء الخمسين "فظهر مردوخ، رغم وجود بقية الآلهة، إلها أوحدا مطلقا"
والواضح أننا في أسطورة الأينوما إيليش تقف أمام عدد ضخم من الآلهة التي تقف في مستويات مختلفة، فمنها الآلهة العليا "الأيجيجى " والآلهة الصغرى "الأنوناكى " والآلهة هم الذين منحوا السلطة لمردوخ ليصير رئيسهم الأعلى، وهم الذين بنوا له مسكنه ومعبده.. فكيف نتجاوز هذه التعددية؟! بينما في سفر التكوين لا نجد أثرا على الإطلاق يشيب وحدانية الله الكاملة المطلقة، فلا إله إلا هو، وهو فقط. أما كل الكائنات فهي مخلوقاته، التي خلقها بكلمته الفعالة.. حقا إننا في سفر التكوين نقف في خشوع شديدا أمام الإله الواحد الخالق ضابط الكل محب البشر صانع الخيرات الذي له كل الكمالات الإلهية. أما في الأساطير فنتوه وسط زحام الآلهة وإن كان مردوخ يتميز عنهم، وفي الحقيقة والواقع لا وجود لهؤلاء الآلهة ولا لمردوخ إلا في الخيال الإنساني"

ومثل هذا يقال في القرآن نجد في سفر التكوين ( كشبهي ) وهذا مرفوض في القرآن ( ليس كمثله شيء )

والذي يظهر أن الملائكة في الحضارات القديمة يتم ترجمتها على أنها آلهة وهذا ما أحدث اللبس العظيم

وقال حلمي :" قالوا أن المبدأ الأول في الأساطير، وسفر التكوين، هو الحياة الأولى، وانطلاقًا من هذه المياه البدئية تمت كل عمليات الخلق، فيقول د. كارم محمود عزيز "والمبدأ الأول في كلا الروايتين البابلية والعبرية هو المياه، وانطلاقًا من هذه المياه البدئية تتم كل عمليات الخلق، وهو مياه آزلية غير مخلوقة، يجسدها في النص البابلي آلهة ثلاثة "أبسو " و"تيامات " و"ممو " بينما نجد هذه المياه في النص العبري جنبا إلى جنب مع الإله. دون أن يوضح النص أيهما أقدم.. ويعتقد أن اسم اللجة الأزلية في الرواية البابلية "تيامات " هو الذي أوحى بالاسم العبري للجة "تهوم " والذي يعنى الهيولي المائي الذي كان موجودا قبل الخليقة. ومن ثم فإن اللفظة العبرية تعتبر شكلا آخر للاسم البابلي "تيامات".."(24).
والحقيقة أن هناك فرق جوهري وهام جدا بين وضع المياه في الأساطير ووضعها في سفر التكوين، فقد أظهرت الأساطير المياه على أنها أزلية، غير مخلوقة، تحمل عنصر الألوهية. أما في سفر التكوين فالمياه مخلوقة وليست أزلية، وإن قال أحد أن النص التوراتي لم يوضح متى خلقت المياه، نقول له: لقد خلقت في البدء، فعندما قال الكتاب "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك 1: 1) فإنه جمع وأجمل كل شيء فالسموات وكل ما فيها من طغمات ملائكية وأجرام سمائية، والأرض وكل ما عليها من مياه وكائنات حية، وما في باطنها من معادن... إلخ كل هذا يدخل في دائرة الخلق الإلهي، وقد سبق لنا مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل في الكتاب الثالث من هذا البحث"

يلاحظ أن حلمي أيضاً افترى على القرآن القول بأزلية الماء وليست كذلك وإنما غاية ما في الأمر ذكر تقدم خلق العرش والماء على هذا العالم

وإلا عن ابن عباس أثر في السؤال عما كان قبل الماء فقال : الريح

قال حلمي :" في سفر التكوين يتم الخلق بكلمة الله الواحد الخالق. أما في الأساطير فالخلق يتم عبر التزاوج والإنجاب والعراك والصراع بين الأجيال الإلهية، وفي الرواية السومرية تشارك الآلهة في الخلق، فإنكى يتابع ما بدأه "إنليل " و"ننحور ساج " تخلق الإنسان، ويوقل الأب سهيل قاشا "لم يكن الخلق مهمة تولاها إله واحد في سومر، فها هو الإله "إنكى " يتابع ما بدأه "إنليل " ويضع اللمسات الأخيرة على صورة الكون، فتخرج حية نضرة، و"إنكى " هو إله الماء العذب عند السومريين وإله الحكمة أيضًا، ومن غير إله الماء العذب يستطيع أن يبعث الحياة في كون جامد لا حركة فيه؟ ومن غير إله الحكمة يستطيع أن يدفع الحياة نحو غايتها، ويحدد أغراضها ومراميها؟"

هذه نقطة قوية ، وتزاوج الآلهة صار متاحاً في النصرانية بعد تجسد الإله مع الأسف وأما عندنا فالله عز وجل لم يلد ولم يولد

قال حلمي :" قالوا أن سفر التكوين اتفق مع الأساطير في خلق الأجرام المضيئة، ولا سيما القمر والشمس.
والحقيقة أن الهدف من خلقة الأجرام السمائية في الأساطير أن تكون محطات ومساكن للآلهة. أما في سفر التكوين فكانت بهدف تحديد الأوقات وإنارة وجه الأرض. وفي الأساطير ولد "نانا" (القمر) "أتو" (الشمس) وهذا صدى لظهور عبادة القمر في الشعوب البدائية أولا، فالقمر يعبر عن المجتمع الأمومي، أما الشمس فإنها تعبر عن المجتمع الذكوري. وفي الأساطير نجد النجوم قد أتت من تناسل الآلهة، فجاء في إحدى الأساطير "إيل هو والد الآلهة، يلتقي على شاطئ البحر بالهتين أشيرة وبديلتها... (وينجب) منهما شخصين هما نجمة الصبح ونجمة المساء، وهذا يعنى خلق الزمن أو خلق عالم النجوم. ثم ضاجع إيل المرأتين فولدتا الآلهة المشهورين بالشراهة"(32) أما في سفر التكوين فنرى الشمس والقمر والنجوم من خلائق الله الواحد، وقال المرنم "ما أعظم أعمالك يا رب. كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك" (مز 104: 24) فبينما كانت الشعوب تعبد الشمس والقمر والكواكب والريح والنار والأشجار والحيوانات، فإن التوراة أوضحت جليا أن كل هذه الكائنات هي مخلوقات الله"

هذا كلام حسن ولينظر في قومه إذ يعظمون يوم الأحد ( يوم الشمس ) ومن أين دخلت عليهم هذه البلية

قال حلمي :" الوا أن الأساطير وسفر التكوين يتفقان في خلق الإنسان، وظهر في الأينوما إيليش أن هذا العمل كان رائعا، فمردوخ عظيم الآلهة حدثته نفسه بخلق أشياء مبدعة، ففكر في خلق الإنسان، ووصف هذا العمل بأنه يسمو على الأفهام، وفي سفر التكوين خلق الإنسان على صورة الله، ويقول د. كارم محمود عزيز "أما فيما يتعلق بخلق الإنسان، فهناك تشابه واضح أيضًا في الروايتين: البابلية والعبرية في الكثير من عناصر قصة هذا الخلق، فقبل خلق الإنسان حدثت في القصة البابلية استشارة بين الآلهة وبعضها بشأن اتخاذ قرار بخلقه، وذلك كما في حديث "مردوك " مع "آيا " الوارد في بداية اللوح السادس. وكذلك الحال في القصة العبرية، حيث يدل النص الوارد في الرواية الأولى (1: 26) على حدوث مثل تلك الاستشارة... كذلك كان الإنسان في القصتين هو آخر أعمال الخلق. كما تم خلقه في القصتين من الطين، ممزوجا بالمبدأ الإلهي للحياة "الدم " في القصة البابلية، و"نسمة الحياة " في القصة العبرية.. وشبه الإنسان بالرب ورد ذكره في القصتين أيضًا حيث إن الآلهة البابلية علقت صورتها على الإنسان بعد خلقه، فآتى على شبهها، كما إنه في القصة العبرية صنع الإنسان على صورة الرب بصريح النص..."(33).
والحقيقة أن هناك خلافات جمة بين سفر التكوين والأساطير في خلقة الإنسان، نذكر بعضًا منها فيما يلي:
أ- الهدف: ففي الأساطير خلق الإنسان ليحمل عبء العمل عن الآلهة. أما في سفر التكوين فإن الله خلق الإنسان حبا فيه، فالإنسان هو نتاج المحبة الإلهية، ولهذا ميزه الله عن جميع المخلوقات الأرضية، بل والسماوية، إذ هو الوحيد الذي خلق على صورة الله، وباركه الله وجعله ملكا على الخليقة "وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك 1: 27) ولم يتحمل الإنسان مشقة العمل إلا بعد المعصية والسقوط، وبهذا يتضح أن إنسان الأساطير هو عبد لا يتمتع بأي مركز أدبي، بينما إنسان التكوين له كرامته ومركزه الأدبي الرفيع، حتى بعد السقوط لم يرفضه الله ولم يهمله، ولكن تعهده بالمراحم والرآفات.
ب- مادة الخلقة: صنع الإنسان في الأساطير من طين الأرض الممتزج بدم الإله الخبيث مثير الفتنة، ومن المفروض أن يكون الإله روحا لا جسد له، أما آلهة الأساطير فلها أجساد تأكل وتشرب وتنام وتتزاوج... إلخ وقد علل "جان بوتيرو " اختيار السومريين لمادة الطين لخلقة الإنسان فقال "إن هذا التمثيل والصنع من الطين لأجسام البشر الأوائل يعتبر صورة طبيعية جدا، في بلد يلعب فيه الفخار دورا كبيرا، حيث نجد صنع التماثيل من الطين الفخاري بشكل إنسان، عملا منتشرا بصورة واسعة"(34)(35). ويؤكد الخوري بولس الفغالي نفس المعنى فيقول "من أين يأتي الإنسان؟ هل هو حيوانا تطور فصار إنسانا، أم أنه جبل من تراب الأرض؟ لا شك في أن الكتاب أخذ أسلوب القدماء (صورة الإله الخالق أشتوم في قصر الأقصر وهو يكون أجسادا بشرية كما يفعل الفخاري) فتصور الله فخاريا، ولكنه جعل النفس (نسمة الحياة) تخرج من الله وتدخل هذا المركب الترابي الذي هو الإنسان"(36).
ويؤيد السيد سلامة غنمى رأى جيمس فريزر فيقول "يبدو أن المؤلف اليهودي قد تصور أن الإله قد شكل الرجل الأول من الطين، على نحو ما يفعل صانع الفخار تماما، أو كما يفعل الطفل حين يشكل دمية من الطين، فبعد أن عجن الإله الطين وسواه على الصورة المعلومة بث فيه الروح، بأن نفخ في فم التمثال ومنخاريه... إن فكرة العبريين في أن الجنس البشرى يرجع في أصله إلى التراب تتضح لنا على نحو طبيعي للغاية، إذ أننا نجد كلمة (أدمة) في لغتهم ومعناها الأرض هي الصيغة المؤنثة لكلمة (آدم) ومعناها الرجل، ويبدو من نصوص مختلفة من الأدب البابلي أن البابليين كذلك كانوا يرون أن الإنسان قد خلق من طين"(37)(38) ويعتقد بهذه الفكرة كثير من شعوب العالم مثل سكان أستراليا السود، وشعب بولينيزيا، والدياكيون، وسومطرة والباجويش(39) وبالمثل يحكى في الأسطورة الإغريقية أن (بروميثوس) قد خلق الإنسان الأول من الطين. كما يحكى... سكان نيوزيلندة أن الإله (تو- تيكى- تانى) قد صنع رجلا من الطين الأحمر شديد الشبه به وسماه (تيكى أهوا) أي شبيه تيكى. وفي تاهيتى يزعمون إن الإله (تاروا) الإله الأكبر خلق أول زوجين من الطين الأحمر. وعلى كل فإن قصة خلق أول امرأة من ضلع أول رجل تصادفنا في أماكن أخرى في شكل روايات شديدة الشبه بحكايات الكتاب المقدَّس إلى درجة أننا لا يمكن أن نعدها مستقلة عنها"(40)(41).
أما د. سيد القمني فيقول "أما نحن فنعتقد ببساطة، إنه كان يكفى للسومري أن يلاحظ الطين وما ينشأ فيه من حياة (فطر) نبات، ديدان.. إلخ حتى تنشأ لديه قناعة أن هذا هو مصدر ومنشأ الحياة عمومًا"(42).
أما في سفر التكوين فقد "جبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض. ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية" (تك 2: 7) وشتان بين الله الذي يهب الإنسان نسمة الحياة، وهو لم ينقض شيئا قط. وبين إله خبيث يذبح فيفقد حياته تماما، ويخلط دمه مع طين الأرض لصنع الإنسان.
وقد أورد د. سيد القمني قول "جان بوتيرو"، وأورد السيد سلامة غنمي قول "جيمس فريزر " وينصب القولان على أن ما ذكره سفر التكوين من خلقة الإنسان من التراب يرجع للأساطير التي جاءت رؤية الشعوب البدائية للفخاري الذي يشكل الآنية الفخارية من الطين، أو الطفل الذي يلهو فيصنع دمية من الطين، من أن القرآن ذكر صراحة ومرارا وتكرارا خلقة الإنسان من الطين:
 "خلق الإنسان من صلصال كالفخار" (سورة الرحمن 13)
 "هو الذي خلقكم من طين" (سورة الأنعام 2)
 "إنا خلقناكم من تراب" (سورة الحج 5)
 "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشر من صلصال من حما سنون" (سورة الحجر 28)
 "قال (إبليس) أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (سورة الأعراف 12)
عجبًا لهؤلاء الكتاب الذين ينقلون الهجوم على الكتاب المقدَّس ويتغافلون أن مثل هذه الأقوال تعد طعنا في القرآن الذي يؤمنون به.
جـ- مدة الخلق: بينما يذكر سفر التكوين أن الله خلق كل من آدم وحواء في زمن وجيز من اليوم السادس، فإن هناك أسطورة إفريقية تقول "إن الإله الخالق قد أخذ حفنة من طين شكلها على هيئة إنسان، ثم تركها في بركة مليئة بماء البحر مدة سبعة أيام، وفي اليوم الثامن رفعها فكانت بشرا سويا"(43).
د- الإنسان الأول: واضح في سفر التكوين أن الله خلق آدم واحد وحواء واحدة، أما الأساطير فهي تحكى غير هذا في الأسطورة الفيليبينية أن الله وضع أول حفنة طين في الفرن وأخرجها قبل الأوان فكان الإنسان الأبيض، وفي الحفنة الثانية تركها فخرج الإنسان الأسود، وفي الثالثة كان الوقت مظبوطًا فخرج الإنسان الفيلبينى، وفي أسطورة أخرى صنعت الإلهة ننخرساج سيدة النسل ستة أشخاص لكل منهم عيبه، ثم خلق إنكى شخصين أحدهما بائسا والآخر مريضا، وفي أسطورة ثالثة أخذت الإلهة "تنتو " أو "مامى " 14 قطعة من الطين فخلقت سبع ذكور وسبع إناث، ويقول بولس الفغالي "إن الإنسان جبل ترابا من الأرض، وهذه الفكرة شائعة في النصوص الأشورية والبابلية، كما عند المصريين واليونان، فإليك مثلا عن الإلهة "مامى " التي أرادت أن تخلق سبعة رجال وسبع نساء، فاقتطعت أربع عشرة قطعة من التراب المبلل. أخذ أعوانها هذه القطع وبنوا منها أجساما، فأعادوها إليها فوضعت اللمسات الأخيرة (كالفخاري على فخاره) ثم رسمت قسمات الوجه البشرى بحسب صورتها. لا حاجة إلى القول كم يتقارب نص الكتاب المقدَّس من هذه الأسطورة"(44) لقد نظر بولس الفغالى فقط للمادة التي جبل منها الإنسان، بينما تغافل عن الفروق الهائلة في طريقة الخلق، فهل نجد في سفر التكوين آدم وحواء أم 14 شخصا..؟.. وهل نجد في سفر التكوين خالق واحد أم آلهة عديدة تتعاون معا لخلقة الإنسان..؟! وهل خلق الإنسان دفعة واحدة أم إنه خلق على دفعات..؟! إلخ
هـ- في بعض الأساطير الفارسية خلق الإنسان ذكرا وأنثى متصلين من الخلف، ثم رأى الخالق أن يفصل أحدهما عن الآخر، وهذا لا نجد له أثرًا في سفر التكوين لأن الله خلق آدم أولًا، ثم أوقع عليه ثباتًا وأخذ منه ضلعًا، بناه لحمًا وخلق منه حواء.
و- في الأساطير خلق الإنسان ثم طبعت الآلهة عليه صورتها. أما في سفر التكوين فقد جبل الإنسان على صورة الله في الخلود والقداسة والتفكير والابتكار...إلخ"

ذكرت هذا لأبين سخافة الملحدين وسيد القمني هذا ملحد وليس مسلماً ، وحجته سخيفة لأن السومري يرى نفسه أقرب للحيوان منه للنبات فكيف يقيس نفسه على النبات ولا يقيسها على الحيوان !

وقال حلمي :" من يهيئ الطعام لمن؟ في سفر التكوين نجد الله يهيئ الطعام للإنسان والحيوان وطيور السماء "وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الأرض وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية أعطيت كل عشب أخضر طعاما. وكان كذلك" (تك 1: 29، 30) أما في الأساطير فنرى العكس إذ أن الإنسان ملزم بتوفير الطعام والشراب والخدمات للآلهة، ويقول الأ سهيل قاشا "ماذا خلق الإنسان؟ فإن الأسطورة السومرية لا تتردد في الإجابة على هذا السؤال ولا توارب، فالإنسان خلق عبدا للآلهة، يقدم لها طعامها وشرابها أو يزرع أرضها، ويرعى قطعانها. خلق الإنسان لحمل عبء العكل ورفعه عن كاهل الآلهة، فمنذ البدء كان الآلهة يقومون بكل الأعمال التي تقيم أودهم وتحفظ حياتهم، ولكنهم تعبوا من ذلك فراحوا يشتكون لإنكى الحكيم ليجد لهم مخرجا"(47) وكانت الأسطورة تعتبر صدى للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في بابل حينئذاك، فعلى كل الشعب خدمة الملك والوزراء"

أما أن المسيح كانت أمه مريم تهيء له الطعام وجاء يحمل خطيئة البشر فنفرتك مما ورد في أساطير الأولين ينبغي أن تجعلك نافراً من عقيدتك

قال تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)

سبحان من أنزل كتاباً فيه الدامغة على كل مبطل

قال حلمي :" قالوا أن سفر التكوين اتفق مع الأساطير في خلقة حواء، فاسم حواء في السومرية "السيدة التي تحيى " أو "سيدة الضلع "... " فحسب الأسطورة السومرية عانى الإله "إنكا " من مرض في ضلعه، ومعنى كلمة ضلع باللغة السومرية هو "تى " أما الإلهة التي دعيت لتعالج ضلع "إنكا " كان اسمها "نينتى " أي (امرأة من الضلع) وكانت كلمة "نينتى " تعنى أيضًا إعطاء الحياة، وهكذا تكون كلمة "نينتى " ذات معنيين:
امرأة من الضلع، وامرأة مانحة الحياة...
فقد إستبدلت القبائل العبرية القديمة "نينتى " بحواء، ذلك لأنها، أي حواء كانت بالنسبة لهم أم الإنسانية أي المرأة المانحة الحياة"(48).
والحقيقة إنه عندما إلتقى أبونا آدم بأمنا حواء أول مرة أسماها امرأة، "فقال آدم هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى. هذه تدعى امرأة لأنها من أمرء أخذت" (تك 1: 23) وبعد السقوط والطرد من الفردوس "دعا آدم اسم إمرأته حواء لأنها أم كل حى" (تك 3: 20) فليس معنى حواء كما قالت الأساطير "امرأة مانحة الحياة " لأن مانح الحياة هو الله وحده، ولكن معناها بحسب سفر التكوين أنه أم كل إنسان حى. كما أن "نينتى " في الأساطير هي إلهة أما حواء فإنها إنسانة، وليس من المعقول أن يأخذ موسى اسم إلهة من الإلهات الوثنيات ويطلقها على اسم أمنا حواء"

هذا يؤكد أن الأساطير استفادت من الأصل الذي كان عند الأنبياء وحرفته ولم تحسن تفسير بعضه وكلمة ( آلهة ) هذه كلمة ناشئة عن ثقافة وثنية تؤله كل عظيم

قال حلمي :" يقولون إن سفر التكوين إتفق مع الأساطير في إستراحة الخالق بعد عناء الخلق، فجاء في الأسطورة السومرية "بعد الانتهاء من عناء الخلق، يخلد إنكى للراحة والسكينة، ويشرع في بناء بيت له في الأعماق المائية... بعد أن تفرقت مياه التكوين... وعمت البركة أقطار السماء... وغطى الزرع والعشب وجه الأرض.. إنكى إله القمر، إنكى الملك.. إنكى الرب الذي يقرر المصائر.. بنى بيته من فضة ولازورد.. فضة ولازورد كأنها النور الخاطف... حيث استقر هناك في الأعماق... وبعد أن إنتهى من بناء بيته، كان لا بُد له، ككل الآلهة العظام، من مدينة أيضًا فرفع من أعمال البحر مدينة أريدو (ويعتبرها علماء الآثار من أقدم مدن سومر، ومازال معظمها مطمورا تحت الأرض) وغطاها شجرا وخضرة ونباتا، وملأ مياهها سمكا، ثم قرر السفر إلى أبيه "إنليل " ليحصل على بركته.."(60) وفي الأسطورة البابلية "فهذا إله بابل، يبنى له الآلهة بيتا يناطح برجه المدرج عنان السماء، بعد انتهائه من فعل الخلق. وحول الهيكل المقدس يبنى الآلهة أيضًا مدينة بابل. وها هو إله اليهود يقلده إذ يطالب ببناء بيت له بعد أن تعب من التجوال في خيمة بني إسرائيل"(49) وجاء في سفر التكوين "وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا" (تك 2: 3).
والحقيقة أن المقصود مما ورد في الأسطورة المعنى الحرفي، فالآلهة التي تأكل وتشرب وتتزاوج وتنسل، فلابد أنها تتعب وتنام كما حدث مع "أبسو " أبو الآلهة إذ أزعجته الآلهة الصغار بضجيجها فلم يعرف أن ينام ليلا ولا يستريح نهارا. أما الله في سفر التكوين فهو منزه عن كل هذه الأمور المادية، وبالتالي فإنه منزه عن التعب "إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا" (أش 40: 28) فقط أراد الوحي أن يعبر عن ارتياح الله للعمل الذي عمله وانتهى بخلق الإنسان، ورأى الله أن ذلك حسن جدا، ولم يطلب الله في سفر التكوين بناء بيت له كما حدث مع "إنكى " أو "مردوخ " لأنه هو الله غير المحدود مالئ السماء والأرض. إذا شتان بين ما ذكره سفر التكوين عن راحة الخالق المعنوية، وما ذكرته الأساطير من خرافات لا يصدقها عقل الإنسان المعاصر"

هنا يحاول الخروج بتأويلات جهمية من ظاهر كتابه الذي يصف الله عز وجل بالتعب ومع تجهمه الحاد يعتقد أن عيسى تجسد به الله وكان يأكل ويشرب ويتعب فسبحان الله عما يصفون

قال حلمي :" لو أخذ سفر التكوين من أساطير الأولين فلماذا قاوم السحر والسحرة؟
فيقول أ. م. هودجكن "قالت مسز موندر Mrs. Maunder -وهي حجة في العادات البابلية- في أحد اجتماعات معهد فيكتوريا، أم من يقول بأن كاتب سفر التكوين قد تأثر بالأفكار البابلية يحكم على نفسه بالجهل بتلك الأفكار، فالكتاب المقدَّس لا يوجد به أي أثر لفكرة السحر الشائعة في المعتقدات البابلية، فهو لهذا لم يستق أي معلومات من الأفكار البابلية"


هذه حجة جيدة ، وأيضاً القرآن حارب السحر والتنجيم والنبي صلى الله عليه وسلم ذم الغناء وهذه عادات عند القوم ، وكذلك ذم الشياطين والجن _ إلا صالحيهم مع بيان أنهم لا يعلمون الغيب _ والشعراء

ولكن لنقف وقفة : أيضاً في القرآن تبرئة مريم من فرية اليهود مع عدم اعتقاد التثليث أو ألوهية المسيح ، وفي القرآن تبرئة هارون من عبادة العجل وفي القرآن تبرئة سليمان من السحر فلو كان مأخوذا من اليهود والنصارى لكان شأنه شأنهم في هذا ولكان متأثراً بأقاويلهم ودفاع النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء لو كان الأمر من عند نفسه غير مبرر نهائياً لعدم وجود قرابة في النسب أو دافع لمثل هذا

وأين ذكر أسماء الله الحسنى بالصفة الموجودة في القرآن في التوراة والإنجيل ؟

ولو قارنا بين تعدد الزوجات المباح في الإسلام وشريعة موسى ، ثم ننظر في حال النصارى اليوم لوجدنا أن حالهم أقرب لشريعة حمورابي

والاختلافات بين القرآن والتوراة الحالية المحرفة كثيرة فحجتهم في نفي وحدة المصدر تنقلب عليهم


وكل ما قاله هذا القس في الدفاع عن كتابه يسقط افتراءات المنصرين على كتابنا من باب أولى كصاحب برنامج سؤال جريء

وقد بين القس أن أخناتون الذي دعا للتوحيد في زمن الفراعنة ما كان يؤمن بالبعث بعد الموت وبهذه النقطة أسقط دعواهم أن موسى تأثر به وهذا استدلال جيد بل موسى جاء بآيات وكان يذكر أنبياء قبله وهذه الحجة نفسها ترد على أوهام القوم فيما يتعلق بالإسلام

خصوصاً الأوهام المضحكة فيما يتعلق بدعوى استفادة الإسلام من الزرادشتية مع التنافر العظيم بينهما عقيدة وشريعة

وأود هنا التنبيه على أن دعوى ( هذه القصة مأخوذة من المصدر الفلاني أو الأسطورة الفلاني ) هذه الدعوى انتشرت بين المنتسبين للإسلام تقليداً للادينين وحمقى النصارى وعامتها دعاوى لا تصمد أمام النقد وهي أيضاً تفترض افتراضاً واحداً فقط أن المتأخر أخذ من المتقدم على أن هناك احتمالاً ثانياً وهو أن كليهما أخذ من أصل متقدم وأحدهما محرف والآخر صحيح ، والأسطورة أصلاً لا توجد من فراغ في كثير من الأحيان بل تكون شخصية موجودة ثم ينسج حولها ما ينسج وأحيان كثيرة تكون هناك حادثة معروفة ويزاد عليها ويهول كما تفعل الرافضة اليوم مثلاً فيما يتعلق بمقتل الحسين وحوادث أخرى

وأما محاولة بعض الملاحدة العرب تقليد المتشككين الغربيين والطعن في بعض الشخصيات الإسلامية فمحاولة بائسة بحق ، لأن أقدم مصدر هو التوراة والمصادر قبلها مهلهلة والمدة بين المسيح وبين هؤلاء كبيرة فهؤلاء الباحثون انطلقوا في تشكيكاتهم من هذه المضامين ومع ذلك رد عليهم النصارى ردوداً قوية في عدد من الأحيان

ولكن الأمة الإسلامية الحالية عمرها قصير تاريخياً لم تبلغ الألفي عام وهي أمة متصلة بالسند والتأليف ظهر فيها مبكراً وكان يترجم لشخصيات كل بلد وكل طبقة وتؤرخ الأحداث بطريقة دقيقة ثم إن ذلك كله خاضع للنقد والمقارنة

فمثلاً لو نظرنا إلى جعفر الصادق وأردنا أن نتأكد من وجوده على المقاييس التشكيكية لوجدنا أن مالكاً وسفيان الثوري وغيره من الأئمة المؤلفين يذكرون روايات مباشرة عنه ، ونجد كل من كتب في التراجم يذكره وكل كتاب حديث _ في الغالب _ يسند أخباراً من طريقه ثم إن له نسلاً موجودين إلى يومنا هذا ومكان ولادته ووفاته وتاريخهما معروف

هذا الذي قلناه في جعفر ينطبق على عامة الشخصيات الإسلامية التاريخية

قال الله تعالى : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا * قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
وقال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي