مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: قاعدة في أن إظهار الشريعة في بلاد الكفر أقوى في الدلالة على إسلام المظهر ...

قاعدة في أن إظهار الشريعة في بلاد الكفر أقوى في الدلالة على إسلام المظهر ...



أما بعد :



قال ابن قدامة في المغني :" (7114) فَصْلٌ: وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى رِيَاءً وَتَقِيَّةً. وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ. وَاحْتِمَالُ التَّقِيَّةِ وَالرِّيَاءِ، يَبْطُلُ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَرْكَانِ، مِنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَنَعَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ.» وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ، وَهُمْ يَتَصَدَّقُونَ"

هذا كلام نفيس غاية وتأمل كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في أن من صلى في دار الحرب فإنه يحكم بإسلامه لانتفاء شبهة الرياء والسمعة

ففي هذا الكلام رد على من يجعل الأصل في المقيمين في ديار الكفر من مظهري شعائر الإسلام أنهم كفار !

محادة لله ولرسوله وللقياس الصحيح ولكلام العلماء

فإن قيل : الشرك فاش هذه الأيام

فيقال : وقد انتشرت بدع وشركيات في الأزمنة المتأخرة ولا زالوا يذكرون كلام العلماء هذا ويعتمدونه حتى أن البربهاري يقول : الناس اليوم كأنهم في ردة . والأصل في الأفعال العدم فكيف نترك الحكم لشيء متقين أمامنا وهو فعل شعائر الإسلام لشيء متوهم لا دليل عندنا قطعي أنه وقع

وكما يقال الصلاة يفعلها المسلم والمشرك يقال أيضاً المقام في ديار الشرك يفعله المسلم والكافر ، والمقام في ديار الإسلام يفعله المسلم والكافر فكيف تجعلون هذا الأمر فاصلاً

فإن قيل : الحكم للأغلب

فيقال : هذه القاعدة إنما تتبع عند عدم وجود قرينة دالة على العكس وهي هنا إظهار شعائر الإسلام

حتى بلغ ببعضهم جعل الأصل في المحجبة والمنتقبة حيث يحارب النقاب والحجاب الكفر

وهذه مقالة موغلة في الجهل

ثم إن هناك شيء اسمه مجهول الحال

قال ابن قدامة في المغني :" (1125) فَصْلٌ: وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الِائْتِمَامَ بِهِ، فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ السَّلَامَةُ. وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشُكُّ فِي إسْلَامِهِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ لِلْإِمَامَةِ إلَّا مُسْلِمٌ"

وقد نقل اتفاق الأئمة على ذلك في موطن آخر

فإن قيل : فما نقول في رواية ( لا تصلي إلا خلف من تعرف )

فيقال : هذا من أحمد على الاستحباب إذ لا يصح عنه إيجاب الإعادة خلف مجهول الحال فمعنى هذا أنه لا يحمله على الكفر أو البدعة بل الإمام نفسه لما سئل في مسائل حرب عن الصلاة خلف أهل البدع قال : لا يستوون . وأما رواية المروذي فقوله أحمد ( أما اليوم ) فواضح أنه يعني بعد انتشار بدع الجهمية المكفرة عنده وإلا فبقية البدع موجودة قبل أحمد وهذا محمول عند علماء المذهب على الاستحباب لا على الحكم على الناس بأن الأصل فيهم الكفر وإلا لأمر بالإعادة خلف من لا تعرف حاله

قال ابن تيمية كما في الفتاوى (3/281) :" كَانَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا كَثُرَتْ الْأَهْوَاءُ يُحِبُّ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَهُ. وَلَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ إنَّهُ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ مَنْ أَعْرِفُ حَالَهُ. وَلَمَّا قَدِمَ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مَرْزُوقٍ إلَى دِيَارِ مِصْرَ وَكَانَ مُلُوكُهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُظْهِرِينَ لِلتَّشَيُّعِ وَكَانُوا بَاطِنِيَّةً مَلَاحِدَةً وَكَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ قَدْ كَثُرَتْ الْبِدَعُ وَظَهَرَتْ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يُصَلُّوا إلَّا خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُونَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَحَهَا مُلُوكُ السُّنَّة مِثْلُ صَلَاحِ الدِّينِ وَظَهَرَتْ فِيهَا كَلِمَةُ السُّنَّةِ الْمُخَالِفَةُ لِلرَّافِضَةِ ثُمَّ صَارَ الْعِلْمُ وَالسُّنَّةُ يَكْثُرُ بِهَا وَيَظْهَرُ. فَالصَّلَاةُ خَلْفَ الْمَسْتُورِ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ"

وقد تعقب بعض الجهلة كلام ابن تيمية برواية صالح التي أمر أحمد فيها بإعادة الصلاة خلف أهل البدع _ وواضح أنه يقصد نوع خاص منهم بدليل بقية الروايات _ وأهل البدع لا يقال عنهم مجهول حال وكلام الشيخ عن مجهول الحال

ومن عجائب الاستدلالات الاستدلال بفرع فقهي في كتب الشافعية في الطفل اللقيط إذا وجدناه ورعيناه ثم جاء ذمي وادعاه ببينة

فإذا أثبت أنه ولده ببينة فإنه يكون ولده قولاً واحداً في مذهب الشافعي

فإن لم يأتِ ببينة فاختلفوا على قولين فقوم قالوا يعطى هذا الطفل

وقسم قال ما دام وجدناه في بلد إسلام فلا يسلم هذا الطفل فالحكم بالبلد مقدم على دعوى لا بينة عليها

فالكلام هنا على طفل لم يقم به أي فعل يدل على إسلام أو كفر ، ثم إن ذلك أمام دعوى لا بينة عليها

فأين هذا من إنسان يقول أنا مسلم ويشهد الشهادتين ويظهر شعائر الإسلام من صلاة وغيرها

وكلام الشافعي السابق عن رجل كافر لم نسمع منه الشهادتين وإنما رأيناه يصلي فقط

ومن عجائب الاستدلالات الاستدلال بما ورد في بعض كتب التفسير أنه قيل أن أخوة يوسف ظنوه ملكاً كافراً

وب ( قيل ) و (ظنوه ) نجعل الأصل في المصلين الكفر !

وهل أخوة يوسف كانوا محل اقتداء في تلك اللحظة وهل أصابوا في ظنهم أم غلطوا وهل رأوه يصلي ويقول أنا مسلم وظنوه كافراً بعدها !

وهل هذا الظن جعلوه حكماً عاماً ؟

ثم الانفراد بالاستدلال ببعض قصص السيرة وقياس أهل الردة الذين ارتدوا وبقوا مع المرتدين على قوم يعيشون في بلاد كفر ومع ذلك هم مسلمون ويظهرون شعائر الإسلام بل صاحب هذه المقالة نفسه يعيش في بلاد كفر

وإنما جاء البلاء من عدة نقاط

الأولى : الإقبال الكلي على بحث دقائق مسائل التكفير دون نظر في العلم الشرعي ككل وتوسع فيه وإلف للنصوص مع شهوة جامحة للإنفراد والتميز عن الخلق

حتى تجدهم يدعون أنهم أهل نصوص وتوحيد ولا ينظرون إلا للنصوص ثم في هذا البحث تجدهم يكثرون الاستدلال بكلام الجهمية ! ولا يفهمون كلام هؤلاء الجهمية

الثانية : عدم التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية وإلغاء العذر مطلقاً لمجرد وجود أناس يتوسعون في العذر

ولو نظروا لوجدوا أن علياً رضي الله عنه لم يكفر الخوارج مع أنهم كفروه

وابن عمر كان يصلي خلف النجدات والخشبية _ والنجدات فرقة مارقة من الخوارج _ بل دفع إليهم زكاته

وابن عباس كان يفتي نجدة الحروري

فعذروهم العذر الذي يخرجهم من الكفر ولكنه يبقيهم في البدعة

والإمام أحمد فرق في الواقفة واللفظية بين العامي وغيره ونقل أبو حاتم وأبو زرعة الاتفاق على ذلك في الواقفي

ولم ينقل ذلك في الجهمي المخلوقي

ولا زال الفقهاء يعذرون حديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة في بعض الأمور الظاهرة التي لا يعذر فيها غيرهم

وأثر حذيفة في الذين لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا زكاة في آخر الزمان ثم ينجون محمول على هذه الحال

فهل يجوز في عقل عاقل أن يكون الحروري المارق _ الذي يكفر علياً وعثمان ويكفر بالكبيرة _ مسلماً والمرجيء مسلماً والقدري غير الغالي مسلماً ، والمرء الذي يدرس كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية ووقع في إرجائيات أو خارجيات الأصل فيه الكفر ؟!

والجهل العظيم عند الطرف الثاني أن يقاس الجهمية نفاة العلو على هؤلاء

حتى صار من المألوف جداً أن نأتي لزلة ابن خزيمة في حديث الصورة _ مع أن ابن خزيمة يثبت الوجه والصورة والسمع والبصر ولكن أنكر مسألة خلق آدم على صورة الرحمن _ وتقاس هذه الزلة على إنكار العلو الذي ابن خزيمة نفسه يكفر به

بل كان قول غلاة الجهمية

قال البخاري في خلق أفعال العباد وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُوسَى الْأَشْيَبَ، وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَنَالَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " أُدْخِلَ رَأْسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الزَّنَادِقَةِ يُقَالُ لَهُ شَمْغَلَةُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى أَصْحَابِكَ " فَقَالَ: أَصْحَابِي أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «دُلَّنِي عَلَيْهِمْ» فَقَالَ: صِنْفَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْقِبْلَةَ، وَالْقَدَرِيَّةُ، الْجَهْمِيُّ إِذَا غَلَا، قَالَ لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ وَأَشَارَ الْأَشْيَبُ إِلَى السَّمَاءِ.

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية :" ولا يقدر أحد أن ينقل عن أحد من سلف الأمة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفًا واحدًا يخالف ذلك لم يقولوا شيئًا من عبارات النافية إن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا أنه داخل العالم ولا خارجه ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ولا أنه في كل مكان أو أنه ليس في مكان أو أنه لا تجوز الإشارة غليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة بأن يكون فوق العرش لا نصًّا ولا ظاهرًا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم وإذا كان كذلك فليعلم أن الرازي ونحوه من الجاحدين لأن يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الأمة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين"

وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل وهو يعلق على نفي متأخري الأشعرية للعلو :" ولهذا كان السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع"

ويا ليت شعري هل يجوز لعاقل أن يقيس عذر بعض الأئمة للقدرية غير الغلاة وينزله على القدرية نفاة العلم ؟

وهل يجوز أن نقيس من ينكر مشروعية الوتر مطلقاً على من أنكر مشروعية صلاتها بركعة واحدة وأثبت المشروعية بثلاث ؟

هذا حال من يقيس زلة ابن خزيمة أو قتادة على إنكار متأخري الأشعرية للعلو وعامة الصفات مع قولهم بالجبر والإرجاء

فأين ظهور مسألة العلو التي قال ابن تيمية أنها أظهر من مسألة الرؤية والقول بعدم خلق القرآن على زلة في حديث الصورة ؟

والقدرية نفاة العلم خير من الجهمية نفاة العلو لأنهم يثبتون لله العلم ولكنهم ينفون عنه علمه بالأشياء قبل وقوعها ولكن بعد وقوعها فهو عندهم بكل شيء عليم ، وأما نفاة العلو فينفون أصل الصفة 

وأين من يثبت الوجه والسمع والبصر والكلام بحرف وصوت بل والصورة ثم ينكر أن يكون خلق الله آدم على صورته ؟ كابن خزيمة _ وكلامه فاسد _

ممن ينكر الوجه أصلاً والكلام بحرف وصوت وينكر الصورة كلها ثم يتوج هذا كله بإنكار عموم الصفات إلا عدد قليل يثبته بطريقة كلامية فاسدة

تناقضات الناس بين الغلو والجفاء مزعجة وعماد الأمر العجلة المفرطة والقياس الفاسد مع دخائل في النفوس

بدعة الجهمية تختلف عن غيرها بأنها معترفة بمحادة النصوص وأن عامة ظواهر النصوص على خلاف قولهم بل يقدمون كلام الفلاسفة على ما في الكتاب والسنة وعموم ما عند أهل الأديان

وهذه البدعة تلبس بها كل من المعتزلة والأشعرية والماتردية

وكل زاد ألواناً من البدع الغليظة في الأبواب الأخرى من الدين

والمقام يتسع لأكثر من هذا واللبيب تكفيه الإشارة 



من عجائب استدلالات الجهلة استدلالهم بقول محمد بن الحسن الشيباني أن اليهودي أو النصراني إذا قال أنا مسلم لا يحكم بإسلامه لأن اليهود والنصارى يدعون أنهم مسلمون مؤمنون

وهذا الفرع مع كونه خاص باليهود والنصارى في وقته لأنهم اليوم لا يعرفون الإسلام إلا دين محمد صلى الله عليه وسلم

فهذا الفرع متعلق بكافر أصلي ثبت كفره عندنا بيقين نعرف يقيناً أنه يهودي أو نصراني ولا يوجد دليل على أنه دخل في الإسلام سوى هذه الكلمة المحتملة

فكيف ينزل هذا على مجهول حال لا نعلم يقيناً أنه دخل في الكفر أو على شخص منتسب للإسلام أصلاً لا ملة أخرى ولا نعلم يقيناً أنه ارتد

والأحناف أنفسهم يجعلون الكافر الأصلي مسلماً بقوله ( دخلت في دين محمد )

ولو تلفظ بالشهادتين صار مسلماً عند عامة العلماء

قال الكاساني في البدائع :" وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَيَّ شَيْءٍ أَرَدْتَ بِهِ إنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِهِ تَرْكَ الْيَهُودِيَّةِ، أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَوْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مُرْتَدًّا وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي: أَسْلَمْتُ أَنِّي عَلَى الْحَقِّ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ عَنْ دِينِي لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ قَالَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَتَبَرَّأُ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ، أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالتَّبَرُّؤِ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة، لَا يَكُونُ دَلِيلَ الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَبَرَّأَ عَنْ ذَلِكَ، وَدَخَلَ فِي دِينٍ آخَرَ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَصْلُحُ التَّبَرُّؤُ دَلِيلَ الْإِيمَانِ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ مَعَ ذَلِكَ فَقَالَ: دَخَلْتُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكِمَ بِالْإِسْلَامِ؛ لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ."

وقال النووي في روضة الطالبين :" أَنَّهُ لَوْ قَالَ: الْإِسْلَامُ حَقٌّ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ; لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ بِالْحَقِّ وَلَا يَنْقَادُ لَهُ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا حَكَيْنَا عَنِ الْبَغَوِيِّ فِي قَوْلِهِ: دِينُكُمْ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِمُعْتَقِدِ مِلَّةٍ: أَسْلِمْ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ، أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمِّي دِينَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِسْلَامًا، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهِ: أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ، كَانَ مُقِرًّا بِالْإِسْلَامِ، وَلَوْ قِيلَ لِمُعَطِّلٍ: أَسْلِمْ، فَقَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ، أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَانَ مُقِرًّا بِالْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ يُسَمِّيهِ إِسْلَامًا"

والذين نحكم بإسلامهم اليوم ليسوا كفاراً أصليين منتسبين لملة غير الإسلام ويظهر من علامات إسلامهم ما هو أعظم من هذا الذي ذكره النووي فهم ينتسبون للإسلام ويصلون ويصومون ويتسمون بالأسماء الإسلامية 

 تنبيه: ذكر الموصلي أن أبا حنيفة رجع عن هذا القول. فقال في كتابه: الاختيار لتعليل المختار: ولو قال: أنا مسلم. كان أبو حنيفة يقول: لا يكون مسلماً حتى يتبرأ، ثم رجع وقال: ذلك إسلام منه. الاختيار:4/237.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي