مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: كانوا يتبادحون بالبطيخ ...

كانوا يتبادحون بالبطيخ ...



أما بعد :
 
فمن أسوأ الأحوال التي يمر بها الناس اليوم ، مرض تصحيح الأحوال حيث يأتي المرء إلى عادة سيئة فيه أو مرض فيذهب محاولاً تبريرها

ويبحث في أحوال الصالحين لأقرب ما يكون إلى حاله ولو كان شيئاً شاذاً ونادراً ليبرر حاله بالنظر إلى وجه الشبه دون النظر إلى أوجه الاختلاف

وصار مجموعة من أدعياء طلب العلم يوفرون هذه المواد المطلوبة للعوام لكي يخف عنهم وخز الضمير وتنتشر في الناس انتشار النار في الهشيم لا حباً بنشر آثار السلف وإنما بتصحيح الأحوال ورمي المنكر عليهم بالتشدد

فمن ذلك أثر يتبادحون بالبطيخ

قال البخاري في الأدب المفرد 266- حَدثنا صَدَقَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ حَبِيبٍ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالَ.

هذا الأثر فيه أن الصحابة الكرام كان يصل بهم المزاح أن يرمي الرجل منهم قشر البطيخ على صاحبه

وللأثر تتمة هامة ( فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال )

وتعليقي على الأثر من وجهين

الأول : مقارنة هذا بأحوالنا اليوم

الثاني : ذكر بقية أحوال الصحابة

من المعلوم أن اللعب وثقافة الترفيه من أكثر الأمور التي غزت عقول الشباب المسلمين

حتى أن جلوس أحدهم أمام ألعاب الفيديو لمدة ساعات أمر مألوف جداً وفي كل مكان في العالم هذه الألعاب تدر أرباحاً عظيمة إلى صانعيها

وأيضاً المزاح السمج وكثرة الضحك والتهريج زاد إلى حد ممجوج في الفطرة السليمة حتى صار وظيفة تدر المال العظيم وصار وسيلة لطرح الأفكار الشاذة والغريبة أو مناقشة الأفكار الأخرى ولكن لكي يسمعك المخالف أو يسمعك العامة عليك أن تضحكهم

ولا تسأل عما يتخلل هذه الأمور من الفحش والبذاء وما يسمى بالإيحاءات الجنسية والتعدي أحياناً على الثوابت الدينية

حتى صار المرء يحاكيهم في حياته وهو لا يشعر

وأنا شخصياً مزاح جداً إلى درجة أنا نفسي لا تعجبني ولكنه أمر اعتدت وألفته من محيطي والواقع أنه ينبغي أن يصلح المرء نفسه ويقومها قدر المستطاع بدلاً من أن يشغل نفسه بالتبرير فالفكر الذي نستخدمه في التبرير أولى أن نستخدمه في الإصلاح

( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )

فهل يليق والحال وكثير من شبابنا تم اغتياله من خلال هذا السرف الشديد في الترفيه ونأتيهم بهذا الأثر دون بيان أو توضيح ؟

الأمر الثاني : لننظر إلى بقية أحوال الصحابة الذين كانوا يتبادحون بالبطيخ فيما بينهم بمزاح أخوي يعلمون أنه لا يوقر الصدور وليس مسقطة للهيبة إذا كان بينك وبين إخوانك

أولاً : قد كان الصحابة يتحسسون جداً من أمر التشبه بالكفار

قال ابن المبارك في الزهد [578]:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى الطَّوِيلُ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ:
بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَأْكُلُ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ يَرْفَأُ:
إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَ عَشَاؤُهُ فَأَعْلِمْنِي، فَلَمَّا حَضَرَ عَشَاؤُهُ أَعْلَمَهُ، فَأَتَى عُمَرُ، فَسَلَّمَ، وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَرَّبَ عَشَاءَهُ، فَجَاءَ بِثَرِيدَةِ لَحْمٍ، فَأَكَلَ عُمَرُ مَعَهُ مِنْهَا، ثُمَّ قَرَّبَ شِوَاءً، فَبَسَطَ يَزِيدُ يَدَهُ، فَكَفَّ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ يَا يَزِيدُ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، أَطْعَامٌ بَعْدَ طَعَامٍ؟ وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ، لَئِنْ خَالَفْتُمْ عَنْ سُنَّتِهِمْ لَيُخَالِفَنَّ بِكُمْ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ.
أقول: فيه أن ترك التشبه بالكفار في الأمور التي يستصغرها الناس، ذريعة إلى ترك التشبه بما هو أكبر، والعكس بالعكس

وقال أحمد في المسند [96]:
ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق كما حدثني عنه نافع مولاه قال كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول إذا لم يكن للرجل إلا ثوب واحد فليأتزر به ثم ليصل.
فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ذلك ويقول لا تلتحفوا بالثوب إذا كان وحده كما تفعل اليهود قال نافع: ولو قلت لك أنه أسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجوت أن لا أكون كذبت

قال ابن أبي شيبة في المصنف [6542]:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ عَلِيًّا رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ وَقَدْ سَدَلُوا، فَقَالَ: كَأَنَّهُمَ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فِهْرِهِمْ.
أقول: السدل في الصلاة وهو أن يطرح على كتفيه ثوبا ولا يرد أحد طرفيه إلى كتفه الآخر

قال عبد الرزاق في المصنف 1134 - عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ غَيْرِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: بَلَغَنِي «أَنَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَمَعَهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَازْجُرْ عَنْ ذَلِكَ وَحُلْ دُونَهُ»، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ غَضْبَانُ: وَلَمْ يَكُنْ غَضُوبًا وَلَا فَاحِشًا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَيُّمَا امْرَأَةٍ دَخَلَتِ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، وَلَا سَقَمٍ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تُبَيِّضَ وَجْهَهَا فَسَوِّدْ وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ»

قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ [2/ 155]:
حدثنا أبو اليمان حدثنا حريز عن سليم عن الحارث بن معاوية:
أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَرَكْتَ أَهْلَ الشَّامِ؟ فَأَخْبَرَهُ عَنْ حَالِهِمْ , فَحَمِدَ اللهَ.
ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَجَالِسُونَ أَهْلَ الشِّرْكِ؟ فَقَالَ: لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: إِنَّكُمْ إِنْ جَالَسْتُمُوهُمْ أَكَلْتُمْ وَشَرِبْتُمْ مَعَهُمْ وَلَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ.

هذه الآثار كلها من هذا الباب باب مخالفة المشركين وكراهية الاقتداء بهم

فأين نحن من هذا اليوم ونحن نبغ عندنا أناس يصلح أن يقال فيهم ( العرب المستغربة )

الثاني : أنهم كانوا أهل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر

قال ابن أبي شيبة في المصنف [25312]:
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
دَخَلَ شَابٌّ عَلَى عُمَرَ، فَجَعَلَ الشَّابُّ يُثْنِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَرَآهُ عُمَرُ يَجُرُّ إِزَارَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ إِزَارَك، فَإِنَّهُ أَتْقَى لِرَبِّكَ وَأَنْقَى لِثَوْبِكَ.
قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَقُولُ: يَا عَجَبًا لِعُمَرَ أَنْ رَأَى حَقَّ اللهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مَا هُوَ فِيهِ أَنْ تَكَلَّمَ بِهِ.
أقول: ذلك أن عمر قال هذه الكلمة وهو يحتضر بسبب طعنة المجوسي , وهو في صحيح البخاري [3700] بسياق أطول.

فعمر وهو يحتضر مهتم لمسألة الإزار والحمد لله أن الشاب لم يكن من أهل هذا العصر فيرد عليه ( فيها خلاف ) أو ( ليس بخيلاء )

قال ابن أبي الدنيا في التواضع [240]:
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا سفيان قال: سمعناه من، زيد بن أسلم قال:
دخلت على عبد الله بن عمر فمر به عبد الله بن واقد وعليه ثوب جديد فسمعته يقول: أي بني ارفع إزارك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينظر الله عز وجل إلى من جر إزاره خيلاء.
أقول: فيه تنزيل الحديث على من لم تعلم منه خيلاء، وذلك أن الاسبال ذريعة الخيلاء
والخبر في مسند الحميدي عن سفيان به

قال البغوي في معجم الصحابة [1417]:
حدثني زياد بن أيوب نا هشيم أخبرنا سيار عن أبي وائل:
أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَأَى رَجُلاً قَدْ أَسْبَلَ فقال: ارفع إزارك.
فقال: وأنْتَ يابن مَسْعُوْدٍ فَارْفَعْ إِزَارَكَ.
فقال عبد الله: إني لست مثلك: إِنّ بِسَاقَيَّ حُمُوْشَةً وَأَنَا أَؤُمُّ النَّاسَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَجَعَلَ يَضْرِبُ الرَّجُلَ وَيَقُوْلُ: أَتَرُدُّ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ؟
أقول: و حموشة الساقين هي دقتهما، وفي الخبر الإنكار على المسبل، وفي الخبر توقير العالم ومعرفة قدره،
والظاهر أن الرجل قال لابن مسعود [ارفع إزارك] مع كون ابن مسعود ليس مسبلاً أصلاً فليس من شرط غير المسبل أن يظهر ساقيه، أن يكون الخبر في الرخصة [في فقه ابن مسعود] لمن كان في ساقيه دقة دون غيره.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الحض لمن كان في ساقيه عيب على رفع الإزار

وهذا الذي فعله كل هؤلاء الصحابة منتهى التشدد عند الناس اليوم بما فيهم كثير من أدعياء العلم

والآثار في الباب كثيرة ولكنني أريد التنبيه فحسب

الثالث : أنهم كانوا تقلل في الطعام

تقدم معنا أثر عمر في إنكاره على يزيد بن أبي سفيان إدخاله طعام على طعام

قال أبو داود في الزهد 311 - نا زياد بن أيوب ، قال : نا هشيم ، عن منصور ، عن ابن سيرين : أن رجلا قال لابن عمر : ألا نجعل لك جوارش ؟ قال : وأي شيء جوارش . قال : شيء إذا كظك الطعام فأخذت منه شيئا يذهب عنك ما تجد . فقال ابن عمر : ما شبعت منذ أربعة أشهر ، وما ذاك أن لا أكون له واجدا ، ولكني عهدت أقواما يشبعون مرة ويجوعون مرة .

قال هناد في الزهد 614 - حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن محمد بن المنكدر ، عن أم ذرة ، وكانت تغشى عائشة قالت : بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين. قالت : أراه ثمانين ومائة ألف ، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة ، فجعلت تقسمه بين الناس ، فأمست وما عندها من ذلك درهم ، فلما أمست قالت : « يا جارية  هلمي  فطري ، فجاءتها بخبز وزيت ، فقالت لها أم ذرة : أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه ؟ قالت : » لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلت «

وقد كان عمر يأكل الخبز والزيت

قال أبو داود في الزهد 33 - نا أبو كامل ، قال : نا أبو عوانة ، عن طارق ، عن قيس يعني ابن أبي حازم ، عن أبي بكر الصديق ، قال : إني لأرجو لكم أن يتم الله لكم هذا الأمر معشر العريب ، حتى إن الرجل ليدعو بخبزته من الحنطة (1) ، فإن شاء قال لأهله : ائدموه بسمن ، وإن شاء قال : ائدموه بزيت .

فهذا أقصى ما يتصور أبو بكر من أمر التوسع في المأكل

الرابع : أنهم كانوا يحثون على الزهد في الدنيا وحتى من جمع منهم المال يلوم نفسه مع أنهم كانوا مقتصدين

قال ابن أبي شيبة [35579]:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ:
وَاللهِ لَئِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ تَرَكَا هَذَا الْمَالَ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْهُ، لَقَدْ غُبِنَا وَنَقَصَ رَأْيُهُمَا، وَايْمُ اللهِ مَا كَانَا بِمَغْبُونَيْنِ، وَلاَ نَاقِصِي الرَّأْي، وَلَئِنْ كَانَا امْرَأَيْنِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي أَصَبْنَا بَعْدَهُمَا لَقَدْ هَلَكْنَا، وَايْمُ اللهِ مَا الْوَهْمُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِنَا.

فهنا عمرو بن العاص يقارن نفسه بأبي بكر وعمر فيقول لو كان هذا المال الذي جمعته خيراً لجمعه أبو بكر وعمر فلو كان خيراً لا شبهة فيه وتركاه لكان نقصاً في رأيهما وهذا في نظره ممتنع فقال يبدو أن هذا المال شر أو فيه شبهة

نعم عوام الناس يقبلون على المال ولا يقومهم إلا أن تعطيهم شيئاً من هذا الفتات ولكن الكلام على أحوال الخاصة

قال أحمد في مسنده   17808 - ثنا عبد الله بن يزيد قال ثنا موسى قال سمعت أبي يقول سمعت عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر يقول : ما ابعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه و سلم أما هو فكان ازهد الناس في الدنيا واما أنتم فارغب الناس فيه

وقال أيضاً  17807 - ثنا عبد الله بن يزيد قال ثنا موسى قال سمعت أبي يقول كنت عند عمرو بن العاص بالإسكندرية فذكروا ما هم فيه من العيش فقال رجل من الصحابة : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وما شبع أهله من الخبز الغليث قال موسى يعني الشعير والسلت إذا خلطا.

وهذه أخبار صحيحة

وكانوا أهل صيام وقيام ليل وتقلل من الدنيا وجهاد في سبيل الله

قال أبو داود في الزهد [113]:
قال: نا سليمان بن داود، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف:
أنه قدم وافدا على معاوية في خلافته قال: فدخلت المقصورة، فسلمت على مجلس من أهل الشام ثم جلست بين أظهرهم، فقال رجل منهم: من أنت يا فتى؟
قلت: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
فقال: رحم الله أباك، حدثني فلان لرجل سماه قال: قدمت المدينة في خلافة عثمان فلقيتهم يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عبد الرحمن بن عوف، أخبرت أنه بأرض له بالجرف.
فركبت إليه حتى جئته، فإذا هو واضع رداءه يحول الماء بمسحاة في يده، فلما رآني استحيا مني.
فألقى المسحاة وأخذ رداءه.
فسلمت عليه وقلت: جئت لأمر رأيت أعجب منه.
فقلت: ما لنا نزهد في الدنيا وترغبون ونخف في الجهاد و تتثاقلون، وأنتم خيارنا وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم؟
قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما جاءكم ولم نعلم إلا ما علمتم، ولكنا بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر.
أقول: هذا من تواضع عبد الرحمن، وإلا فقد كبر به السن آنذاك وقد جاهدوا جهاداً لا يدرك ذلك العاتب مده ولا نصيفه.

وكانوا يحبون إخفاء الأعمال الصالحة ويتواضعون في اللباس

قال مالك في الموطأ  1638 - عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه قال قال أنس بن مالك :رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المدينة وقد رقع بين كتفيه برقع ثلاث لبد بعضها فوق بعض.

قال عبد الله في زوائد المسند لأبيه [703]: ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الأَوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلِيٌّ، عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنَ الْخَوَارِجِ، فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْجَعْدُ بْنُ بَعْجَةَ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ مَقْتُولٌ، ضَرْبَةٌ عَلَى هَذَا تَخْضِبُ هَذِهِ - يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ - عَهْدٌ مَعْهُودٌ، وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى.
وَعَاتَبَهُ فِي لِبَاسِهِ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ وَلِلِّبَاسِ هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْكِبْرِ، وَأَجْدَرُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِيَ الْمُسْلِمُ.

فحين نترك كل هذه الآثار التي هي أبعد ما يكون عن واقعنا اليوم ونتمسك بأثر يتبادحون بالبطيخ وقد كثر في زمننا الضحك والتهريج جداً وقل البكاء من خشية الله فكونوا عشر ما كان عليه الصحابة ثم تبادحوا بالبطيخ وما شئتم وكأن هناك من يحرم ممازحة لأخ لأخيه حتى أن ممازحة المرء لكل من هب ودب وكونه بشوشاً في وجوه الفجرة المعاندين هذه السماجة بعينها

هناك فارق بين تألف الخلق فهذا أمر مطلوب ولا ينازع فيه عاقل وبين خلع جلباب الحياء أو خلط الجد بالهزل حتى يطغى الهزل على الجد

ولا داعي أن نمارس عهراً انتقائياً ونقول للناس أنكم كالصحابة أو بعض أحوالكم تشبه أحوالهم ونحن جيداً نعلم أن هذا خداع لهؤلاء الناس قبل كل شيء

وأولى بنا أن نجد حلاً لأمر الكلف باللعب والهزل والترفيه بشكل متجاوز للحد زيادة على الافتتان بقصص العشق والغرام والأغاني والأشعار مع جهل عظيم بدين الله عز وجل في ملايين الشباب المنتسبين للملة بدلاً من ممارسة الانتقائية المزعجة وسلق الشباب المتحمسين للدين بألسنة حداد مع لين ظاهر مع أهل الفسق والفجور
فنحن اليوم لا نتكلم عن عاصٍ إذا أنكرت عليه قال لك جزاك الله خيراً ويغفر الله لي بل نحن نتكلم عن بلدان تخرج المرأة المتزوجة على التلفاز في دور زوجة أو عشيقة لرجل غير زوجها في تمثيلية من التمثيليات وتفعل معه مقدمات الجماع ويسمونه فناً ويقدمون لأهله الجوائز والشباب والبنات يغبطونها على محلها والشابة المسلمة إذا أرادت أن تنتقب تفكر ألف مرة وتحسب ألف حساب ، نحن نتكلم عن عاص إذا أنكرت عليه قال لك هذه حرية شخصية وينكر عليك تقصير إزارك ويرى شاباً يلبس تباناً أجنبياً فوق الركبة فلا يهيجه بكلمة بلوغ الكثير من الشباب المتدين لحال من الاحتقان تدفعهم للغلو حالة طبيعية جداً في ضوء هذه المعطيات وتعالج بالعلم لا الانتقاء الفج الذي يقوي الطرف الجافي 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي