مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هل كان أئمة السلف علماء سلاطين ؟

هل كان أئمة السلف علماء سلاطين ؟



أما بعد :
 
فإن من المسائل التي يشير إليها بعضهم أن من يسميهم بالتقليديين كانوا علماء سلطان ويقيس شيئاً يراه اليوم على أمر قد مضى

والواقع أن الحكم على علماء الأمة يستدعي سبراً للأحوال بعيداً عن هذه الإطلاقات الظالمة

فإن أئمة السلف وإن كان لهم مذهب دقيق في الابتعاد عن الفتنة وعن سفك الدماء ولكنهم أيضاً لهم مواقف صارمة مع الظلمة وأعوانهم

ولنبدأ بإيضاح الفكرة شيئاً فشيئاً

أولاً : مما لا يختلف فيه علماء المسلمين أنه لا يجوز طاعة الأمير في معصية الله وقد ورد في ذلك الوعيد الشديد

قال أحمد في مسنده  18151 - ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبو حصين عن الشعبي عن عاصم العدوي عن كعب بن عجرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من آدم فقال انها ستكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ويعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض.

وقال أيضاً  23308 - ثنا إسماعيل عن يونس عن حميد بن هلال أو عن غيره عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إنها ستكون أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منا ولست منهم ولا يرد على الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض.

فحتى تصديقهم بكذبهم لا يجوز وهذا يعني أنه لا يجوز نشر هذه الأكاذيب

قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/ 386) :" و قد كره احمد رضي الله عنه لبس السواد في الوقت الذي كان شعار الولاة و الجند و استعفى الخليفة المتوكل من لبسه لما اراد الاجتماع به فاعفاه بعد مراجعة و كان هذا الزي اذ ذاك شعار اهل طاعة السلطان في امارة ولد العباس رضي الله عنه
و كان من لم يلبسه ربما اتهم بمعصية السلطان و الخروج عليه .
و القصة في ذلك مشهورة لما اظهر المتوكل احياء السنة و اطفاء ما كان الناس فيه من المحنة و اجاز ابا عبد الله و اهل بيته بالجوائز المعروفة و طلب اجتماعه به و كان يرسل اليه يستفتيه و يستشيره فاحب أبو عبد الله ان لا يدخل في شيء من امر السلطان و لم يقبل الجوائز و نهى اهل بيته عن قبولها ففي تلك المرة استعفى من لبس السواد .
و سأله رجل عن خياطة الخز الاسود فقال إذا علمت أنه لجندي فلا تخطه .
و سأله رجل أخيط السواد قال لا .
و سئل عن المراة تامر زوجها ان يشتري لها ثوب خز اسود فقال هو للمراة اسهل .
قيل له فاي شيء ترى للرجل قال لا يروع به قيل فترى للخياط ان يخيط له قال إذا خاطه فايش قد بقي قد اعانه .
و قال في رجل مات و ترك سوادا و اوصى إلى رجل فقال يحرق حتى لا يروع به مسلم قيل له لصبيان ترى ان يحرق قال يحرقه الوصي و كان يعذر في لبسه من يعلم منه الخير و أنه كالمكره عليه و هذا لانه كان لباس الولاة و الامراء و اعوانهم مع ما كانوا فيه من الظلم و الكبرياء و اخافة الناس و ترويعهم و لم يكن يلبسه الا اعوان السلطان .
و كان الرجل المسودي إذا رؤي خيف و رعب منه لانه مظنة الترويع حتى قال بعض اهل العلم يضرب المثل بذلك ترى الرجل مطمئنا ثابت القلب ساكن الاركان فاذا عاين صاحب سواد رعب من سلطانه و دخله من الرعب ما غير لونه و رجف قلبه و استرخت قدماه و ذهب فؤاده .
فلما كان معونة على الظلم و الشر و ايذاء المسلمين صارت خياطته و بيعه بمنزلة بيع السلاح في الفتنة و كره ان يلبسه الرجل اذ ذاك لانه من تشبه بقوم فهو منهم و لانه يصير بذلك من اعوان الظلمة أو يخاف عليه ان يدخل في اعوانهم
و في معنى هذا كل شعار و علامة يدخل بها المرء في زمرة من تكره طريقته بحيث يبقى كالسيما عليه فإنه ينبغي اجتنابها و ابعادها و كل لباس يغلب على الظن ان يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه و خياطته لمن يستعين به على المعصية و الظلم .
و لهذا كره بيع الخبز و اللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه و بيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين به على الخمر و الفاحشة .
و كذلك كل مباح في الاصل علم أنه يستعان به على معصية و هذا يختلف باختلاف الامكنة و الاوقات و الاحوال فهذه كراهة لسبب عارض
فاما لبس الجند أو غيرهم له في دار الحرب أو غيرها إذا لم يكن مظنة الظلم و لا سيما الظلمة فلا يكره البتة
و كذلك ايضا لو لبست المراة السواد تحد به على ميت أو لبسه الرجل لم يجز لبسه حدادا على الميت لانه لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الاخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ايام فهذه كراهة للاحداد حتى لو فرض ان الاحداد كان بلبس القطن أو تغيير الهيئة و نحو ذلك دخل في النهي كما يذكر ان شاء الله تعالى في موضعه "

وقال أيضاً :" كما في مجموع الفتاوى (7/64) :" وقد قال غير واحد من السلف أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنهم لاق لهم دواة أو برى لهم قلما ومنهم من كان يقول بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين فى الآية فان المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الاثم والعدوان من أهل ذلك"

فإذا كان من يخيط ثيابهم أو يغسلها يصير من أعوانهم فكيف بمن يباشر الظلم بنفسه أو يعينهم أو يزينه لهم

وهذه الأحاديث خرجها النسائي وابن أبي عاصم في السنة وغيره ولا أعرف عالماً تخلف عن القول بظاهرها

جاء في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي :"  قال أبو بكر المُّروذى: لما سُجن أحمد بن حنبل, جاءَ السجُان, فقال له: يا أبا عبد الله, الحديثُ الذى رُوى فى الظَّلَمة وأعوانهم صَحيحٌ؟ قال: نعم, قال السُجان: فأنا من أعوانِ الظَّلَمة؟ قال أحمد: فأعوان الظَّلَمة من يأخذ شَعرك, ويغسل ثَوبك, ويُصلح طعامك, ويَبيع ويشترى منك, فأما أنتَ فمِن أنفُسِهم"


الثاني : تحذيرهم الشديد من القرب من الظلمة

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: ثنا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «لَا تَمْلَئُوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إِلَّا بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِكَيْ لَا تُحْبَطَ أَعْمَالُكُمُ الصَّالِحَةُ»

قال المروذي في أخبار الشيوخ 54 - سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ جَاءَ إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا طَاوُسٌ، قَالَ: فَمَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: عَلَى عَمْدٍ عَمِلْتُ بِهِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي الْخَلْقِ مَنْ لا يُبَالِي بِدُنْيَاهُ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا.

55 - حُدِّثْتُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: إِنْ دَعَاكَ الأَمِيرُ أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلا تَأْتِهِ.

56 - وَحُدِّثْتُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَلامِ بْنِ مِسْكِينٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: إِنْ دَعَاكَ الْوَالِي أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَلا تَأْتِهِ.

57 - سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُكْرَمٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: ثَلاثَةٌ مَا أُحِبُّ مُجَالَسَتَهُمْ: أَمِيرٌ مَا أُحِبُّ أَنْ أُجَالِسَهُ، وَإِنْ قَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، وَلا أُحِبُّ مُجَالَسَةَ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ لِي بِمَحْرَمٍ، وَلا صَاحِبُ بِدْعَةٍ.

58 - سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عَوْنٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، عَنْ مُحْرِزِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْقَضَاءِ فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ: ائْتِنِي أُشَاوِرْكَ، فَذَهَبَ سَلامٌ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: فَوَافَقَهُ قَدْ قَرَأَ وَهُوَ يَشْرَحُ الْمُصْحَفَ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: إِنَّ سَوَّارَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَيَّ: ائْتِنِي أُشَاوِرْكَ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: فَقَالَ إِنْ سَأَلَكَ أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ فَلا تُجِبْهُ.

59 - وَحُدِّثْتُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: إِنْ دَعَاكَ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِمْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} } [الإخلاص: 1-2] فَلا تَأْتِهِمْ، قُلْتُ لأَبِي شِهَابٍ: مَنْ يَعْنِي؟ قَالَ: السُّلْطَانَ.

60 - وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: إِنْ دَعَاكَ الأَمِيرُ تَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلا تَأْتِهِ.

61 - وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: لَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيَّ، فَذَكَرَ سُفْيَانَ، فَقَالَ: وَلا الْحَسَنَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَدْرِي مَا قَالَ لِي سُفْيَانُ؟ قَالَ: إِنْ دَعَاكَ هَؤُلاءِ أَنْ تَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ فَلا تَأْتِهِمْ.
قَالَ أَبُو هَمَّامٍ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَلَقِيتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: لا تُعَامِلْ مَنْ يُعَامِلُ السُّلْطَانَ.

وهذا لما يعرف من ظلم السلاطين آنذاك

وكان أحمد يثني بشدة على ابن أبي ذئب وسفيان في هذا وكان الرجل كلما كان مجانباً للسلطان شديداً عليه في الحق إذا لقيه كان أحب إليهم

قال ابن أبي الدنيا في كتاب العلم ( 73 ) حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المرزوي قال سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول :
 لا تملاوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالانكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة .

( 74 ) حدثني محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا كثير بن هشام قال :
 كان سفيان الثوري قاعد بالبصرة فقيل له هذا مساور بن سوار يمر وكان على شرطة محمد بن سليمان فوثب فدخل داره وقال أكره أن أرى من يعصي الله ولا أستطيع أن أغير عليه .

( 75 ) حدثني علي بن الحسن قال قال فضيل بن عياض :
 لا تنظروا إلى مراكبهم فإن النظر إليها يطفئ نور الانكار عليهم.

( 76 ) حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا الحسن بن الربيع عن يحيى بن يمان قال :
 كنت مع سفيان الثوري فرأى دارا فرفعت رأسي أنظر إليها فقال سفيان لا تنظر إليها فإنما بنيت لكي ينظر إليها مثلك


ولكنهم مع ذلك ما كانوا طلاب ملك ولا طلاب فتن ولو أطاعهم الناس لاضطر الأمير إلى أن يصلح نفسه إذا وجد عامة الناس لا يعينونه على ما يريد وينفرون منه

وكتاب أخبار الشيوخ مليء بهذه الأخبار

قال الخطيب في تاريخ بغداد  أَخْبَرَنَا ابن الفضل القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، قَالَ: حَدَّثَنِي الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قَالَ: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث البيعين بالخيار، قَالَ: يستتاب وإلا ضربت عنقه، ومالك لم يرد الحديث، ولكن تأوله على غير ذلك، فقال شامي: من أعلم، مالك أو ابن أبي ذئب؟ فقال: ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك، وابن أبي ذئب أصلح في دينه، وأورع ورعا، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين، وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يهله أن قَالَ له الحق، قَالَ: الظلم فاش ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر

وهذا إسناد صحيح لأحمد

وقال الخطيب في تاريخه أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن يَعْقُوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَعْقُوب الْحَافِظُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي طالب، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن سَعِيد الرباطي، يَقُولُ: قدمت على أَحْمَد بْن حنبل فجعل لا يرفع رأسه إلي، فقلت: يا أَبَا عَبْد اللَّه، إنه يكتب عنى بخراسان، وإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي، فَقَالَ لي: يا أَحْمَد، هل بد يوم القيامة من أن يقال: أين عَبْد اللَّه بْن طَاهِر وأتباعه؟ انظر أين تكون أنت منه؟ قَالَ: قلت يا أَبَا عَبْد اللَّه، إنما ولاني أمر الرباط، لذلك دخلت فيه، قَالَ: فجعل يكرر عَلِيّ: يا أَحْمَد، هل بد يوم القيامة من أن يقال: أين عَبْد اللَّه بْن طَاهِر وأتباعه؟ فانظر أين تكون أنت منه

وهذا صحيح لأحمد فهنا أحمد هجر رجلاً من أهل الحديث لأنه ولي عند ظالم وهذا كانوا يفعلونه باستمرار

وفي الباب حديث ( ومن أتى أبواب السلاطين افتتن ) وهو حديث محتمل على ضعفه لتخريج الأئمة له وسلطان عن سلطان يختلف

الأمر الثالث : إظهارهم الغضب من منكرات الولاة

قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ص53 : نا صالح بن أحمد نا علي بن المديني قال سمعت عبد الرحمن يعني بن مهدي قال ما سمعت سفيان يسب أحداً من السلطان قط في شدته عليهم

وجاء في مسند علي بن الجعد  1901 - قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَدْعُو لِلسُّلْطَانِ، وَأَدْعُو لِأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ إِلَّا مَا فِيهِمْ»

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/135) :" وَسَمِعْت عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ _ القائل أبو جعفر _ يَقُولُ: سَاءَنِي أَنَّ خَلَفًا الْبَزَّارَ عَلَى جَلَالَتِهِ وَمَحَلَّهُ تَرَكَ الْكِسَائِيَّ، وَهُوَ أُسْتَاذُهُ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ حَرْفًا وَاحِدًا، مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي تَصْنِيفِهِ كِتَابَ الْقِرَاءَاتِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ عَرَّفَنِي غَيْرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ لِي سَيِّدِي الرَّشِيدُ، فَتَرَكَهُ وَقَالَ: إنَّ إنْسَانًا مِقْدَارُ الدُّنْيَا عِنْدَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ أَجْلِهَا هَذَا الْإِجْلَالَ، لَحَرِيٌّ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ"

فهذه نقمة على خلف البزار على شيخه الكسائي أن تذلل للرشيد فكيف لو رأى من يتذلل ويطري من يحكم بالقانون الوضعي ويبيح الدعارة والخمور أو من يقيم مؤتمرات وحدة الأديان أو يصرح ببناء الكنائس والحسينيات

وقد روي عن غير واحد من السلف أنه لا غيبة لأئمة الجور وهنا وقفة

فكيف يجمع بين هذا وما ورد في أمر النصيحة السرية

فيقال أن هناك خلطاً بين التشهير بذنوب ولاة سرية أو الطعن عليهم في أمر من تخصصهم لا يظهر فيه خلل شرعي واضح وبين ذكر ذنوبهم التي يجاهرون بها صراحة أو بدعهم وضلالاتهم التي يدعون الناس إليها

قال عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد 1666 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا غِيبَةَ لَهُمُ: الْإِمَامُ الْخَائِنُ، وَصَاحِبُ الْهَوَى الَّذِي يَدْعُو إِلَى هَوَاهُ، وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ فِسْقَهُ "


وقال البيهقي في الشعب 6374 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ الْعَدْلُ، نا زَكَرِيَّا بْنُ دَلَّوَيْهِ، نا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ اللبقيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: " ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ لَهُمْ غِيبَةٌ: الْإِمَامُ الْجَائِرُ، وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ، وَالْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ إِلَى بِدْعَتِهِ "

وجاء في الجعديات 1901 - قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَدْعُو لِلسُّلْطَانِ، وَأَدْعُو لِأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ إِلَّا مَا فِيهِمْ»

وفي الحديث ( شرار أئمتكم الذين تلعوننهم ويلعوننكم )

فهذه آثار تدل على ذم أئمة الجور وهناك أحاديث وآثار أخرى في الباب قد يتوهم معارضتها لهذا

قال ابن أبي عاصم في السنة 1096 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ»

ولا فائدة من محاولة تضعيف الخبر بعد ذكر العلماء له في كتب السنة وعلته ليست الموجبة للضعف الشديد ومعناه لا يعارض مقاصد الشريعة العامة وفي الآثار ما يعضده

وقال ابن أبي شيبة في المصنف [38462 ] حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ :قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : آمُرُ أَمِيرِي بِالْمَعْرُوفِ ، قَالَ : إِنْ خِفْت أَنْ يَقْتُلَك فَلاَ تُؤَنِّبَ الإِمَامَ ، فَإِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.

وقال أيضاً[38461] حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :قُلْتُ : لاِبْنِ عَبَّاسٍ : أَنْهَى أَمِيرِي عَنْ مَعْصِيَةٍ ، قَالَ : لاَ تَكُونُ فِتْنَةٌ ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةٍ ، قَالَ : فَحِينَئِذٍ.
وقال الإمام أحمد في مسنده [19434] : ثنا أبو النضر ثنا الحشرج بن نباته العبسي كوفي حدثني سعيد بن جمهان قال :

أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه قال لي من أنت فقلت أنا سعيد بن جمهان قال فما فعل والدك قال قلت قتلته الأزارقة قال لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم كلاب النار قال قلت الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها قال بلى الخوارج كلها قال قلت فان السلطان يظلم الناس ويفعل بهم قال فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه
وقال البخاري [3267 ] حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِأُسَامَةَ :

لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ .

وقال حميد بن زنجويه في الأموال [38 ]:

أنا عبد الله بن يوسف ، أنا عبد الله بن سالم الحمصي ، أنا سعيد الطائي ، قال : سمعت أبا إدريس الخولاني ، وهو يقص في زمان عبد الملك ، يقول :إياكم والطعن على الأئمة ؛ فإن الطعن عليهم هي الحالقة ، حالقة الدين ليس حالقة الشعر ، إلا أن الطعانين هم الخائبون ، وشرار الأشرار .

أقول : إسناده صحيح ، وأبو إدريس تابعي كبير فقيه ، وتأمل إيراد ابن زنجويه لهذا الأثر ، في كتاب الأموال ، لعلمه أن عامة ما ينقمه العامة على ولاتهم يتعلق بباب الأثرة
وكل فريق من الفرقاء المتنازعين يورد الآثار التي في جانبه والحق أن الآثار ليست متعارضة بل لكل مقام مقال

فالإنكار يختلف في سببه وفي الطرف المنكر عليه وفرق بين الإنكار وذكر المعصية

فليعلم أن ما يطعن فيه الناس على الولاة ينقسم إلى قسمين

قسم لا شك أنه معاص كإظهار الخمور أو المكوس أو استباحة البلد الحرام وغيرها

فمثل هذا إذا كان ظاهراً لا يخفى على أحد فذكره لمناسبة شرعية لا تشفياً  لا بأس به لأن هذا مجاهر

وقسم فيه اشتباه وخفاء كتولية بعض الناس دون بعض أو إعطاء بعض الناس دون بعض أو إخراج حكم ما عن سمته لقرائن  فمثل هذا طعن به ذو الخويصرة على رسول الله والسبئية على عثمان والخوارج على علي بن أبي طالب

فهذا أول باب الشر وهو المعني بكثير من الآثار

ثم إن إنكار العلماء يختلف عن إنكار العامة فكثير من العوام إنما يذمون الحكام حسداً لهم ولما يفوت من دنياهم فحسب وأما العلماء فيخافون على أديان الناس ، وأكثر طعن العوام اليوم من هذا الباب فهذا لا يجوز بحال بل تجد بعض الناس يأتي لعلماني ديمقراطي ولا ينقد عليه إلا هذا الأمر ويترك إفساده للأديان

فهذا الضرب من الناس ينبغي أن يخاطب في حرمة الغيبة لأن فعلهم عامته حسد وغيرة وتجد عندهم من الأحوال ما يشبه أحوال هؤلاء الولاة وإذا أعطاهم هؤلاء الولاة رضوا ومجدوا هؤلاء الولاة فلهم حظ من هذا الحديث

قال البخاري في صحيحه 2358 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ  مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ " ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77].

وتنبه لقول أبي بكرة ( إن كان يقبل منك ) وقيد ابن عباس ( إن خفت أن يقتلك ) وما فيه من فقه الصحابة الدقيق

وإذا كان إنكار بعض الأمور يهيج الغوغاء درئت المفسدة الأعظم بترك هذه المصلحة ، وأما إن كان أمراً ظاهراً وتطلب إنكاره لئلا يفشو أو يعتقد الناس جوازه قام بذلك الخاصة من أهل العلم والتقى

فهذه القيود تضبط الباب وكل مسلم عرضه محترم وحتى العلماني لا يجوز الكذب عليه ولا الافتراء

ولا يجوز إشغال عوام لا يعرفون عقيدتهم الصحيحة بعيوب الولاة بل لا بد من مخاطبة العوام بعيوبهم قبل كل شيء

قال أبو نعيم في الحلية (2/377) : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ خَلَفٍ، قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:

" قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْحِكْمَةِ:  إِنِّي أَنَا اللهُ، مَالِكُ الْمُلُوكِ قُلُوبُ الْعِبَادِ بِيَدِي فَمَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ نِقْمَةً لَا تَشَاغَلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَيَّ أَعْطِفُهُمْ عَلَيْكُمْ.


وهذا إسناد قوي إلى مالك بن دينار وتأمل قوله ( لَا تَشَاغَلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ

وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَيَّ أَعْطِفُهُمْ عَلَيْكُمْ) وما فيه من النفاسة ، وهو ما يحتاجه الناس اليوم إذ أن أئمة الجور عقوبة من الله تزول بالتوبة


قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/529) :

" وكان الحسن البصري يقول إن الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع فإن الله تعالى يقول ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون وكان طلق بن حبيب يقول اتقوا الفتنة بالتقوى فقيل له أجمل لنا التقوى فقال أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله رواه أحمد وابن أبي الدنيا "

الأمر الأخير : استقامتهم في أمر الخوارج

فإنهم مع بغضهم لنهج الخوارج لم يجوزوا الظلم لهم أو تجاوز الحد في عقوبتهم

وقال ابن قدامة في المغني :" فَمَنْ خَرَجَ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَاغِيًا، وَجَبَ قِتَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يَسْأَلُهُمْ، وَيَكْشِفُ لَهُمْ الصَّوَابَ، إلَّا أَنْ يَخَافَ كَلَبَهُمْ؛ فَلَا يُمْكِنَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ.
فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُمْ، عَرَّفَهُمْ ذَلِكَ، وَأَزَالَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَأَزَالَ حُجَجَهُمْ، فَإِنْ لَجُّوا، قَاتَلَهُمْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالْأَمْرِ بِالْإِصْلَاحِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] . وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ فَلَجَ فِيهِ فَلَجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَكِبَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ لِوَجْهِهِمْ.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي، أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ، بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ" وذكر الخبر

وتابع ابن قدامة البهوتي والحجاوي وذكره ابن تيمية أيضاً

وقد وافق ابن قدامة ابن تيمية أيضاً ونقله عن الفقهاء فقال كما في مجموع الفتاوى :" وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبُغَاةِ إنَّ الْإِمَامَ يُرَاسِلُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنَهَا وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَزَالَهَا كَمَا أَرْسَلَ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَكَمَا طَلَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دُعَاةَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى ظَهَرَ لَهُمْ الْحَقُّ وَأَقَرُّوا بِهِ"

فكلام ابن قدامة واضح في أنه إذا خرجت جماعة عن طاعة الإمام المسلم فإنه لا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يناظرهم وإذا كان هناك مظالم يزيلها ولا يحل قتالهم إلا أن يفعل هذا أولاً كما نص عليه ابن قدامة إلا أن يكونوا يعتدون على المسلمين

فأحاديث شق العصا وغيرها مقيدة عند الفقهاء بهذا نظراً للشريعة العامة

قال الشافعي في كتاب الأم :" وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا جَمَاعَاتِ النَّاسِ وَكَفَّرُوهُمْ لَمْ يَحْلِلْ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ عَلَى حُرْمَةِ الْإِيمَانِ لَمْ يَصِيرُوا إلَى الْحَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِهِمْ فِيهَا بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إذْ سَمِعَ تَحْكِيمًا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ لاَ حَكَمَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلاَثٌ لاَ نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ وَلاَ نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا وَلاَ نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَدِيًّا كَتَبَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْخَوَارِجَ عِنْدَنَا يَسُبُّونَك فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ أَوْ اُعْفُوَا عَنْهُمْ وَإِنْ أَشْهَرُوا السِّلاَحَ فَأَشْهِرُوا عَلَيْهِمْ وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوهُمْ "

فالخوارج الذين يكفرون المسلمين لا يحل دمهم عند الشافعي حتى يبدأوا بل لا يحرمون من الفيء ويستدل بفعل علي بن أبي طالب الذي احتملهم مع تكفيرهم له ويستدل بعمر بن عبد العزيز

بل ذهب جماعة من الفقهاء أن الخوارج لا يجوز قتالهم إلا مع إمام عدل وأما الظالم فيترك الظالمون يهلك بعضهم بعضاً

قال ابن حجر في شرح البخاري (12/301) :" وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَضْرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ إِنْ خَالَفُوا إِمَامًا عَدْلًا فَقَاتِلُوهُمْ وَإِنْ خَالَفُوا إِمَامًا جَائِرًا فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ مَقَالًا قُلْتُ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْحَرَّةِ ثُمَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ لِلْقُرَّاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْحَجَّاجِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"

جاء في المدونة (1/530) :" قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْحَرُورِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ: إنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا لَمْ يَتُوبُوا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا"

وجاء في منح الجليل من كتب المالكية :" مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَلَوْ كَانُوا ذَوِي بَصَائِرَ وَتَأْوِيلٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوا لِلْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرُدُّوهُمْ إلَى الْحَقِّ، وَحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ فَلَيْسَ لَهُ قِتَالُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ خُرُوجَهُمْ لِجَوْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ

قال ابن تيمية في منهاج السنة معلقاً على هذه المسألة :" فَالظَّالِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاوَنَ عَلَى الظُّلْمِ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 2] .

وَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 17] .

وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [سُورَةُ هُودٍ: 113] .

وَقَالَ - تَعَالَى -: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 85""

ومن الفروع المغيبة ما ذهب إليه الإمام أحمد وعامة الفقهاء أنه لا يجوز تبليغ السلطان على شخص سيظلمه السلطان ويعذبه عذاباً فوق جنايته إن أمكن احتمال الجناية إن كانت في حق الشخص

قال الخلال في الأمر بالمعروف أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يُسْتَعَانُ عَلَى مَنْ يَعْمَلُ بِالْمُنْكَرِ بِالسُّلْطَانِ؟ قَالَ: " لَا، يَأْخُذُونَ مِنْهُ الشَّيْءَ وَيَسْتَتِيبُونَهُ. ثُمَّ قَالَ: جَارٌ لَنَا حَبَسَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَمَاتَ فِي السِّجْنِ. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ قِصَّةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ "

وقال أيضاً أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَلِيلِ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ نَصْرٍ أَبَا حَامِدٍ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ، يُرَى مِنْهُ الْفِسْقُ وَالدَّعَارَةُ، وَيُنْهَى فَلَا يَنْتَهِي، يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ: «إِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَارْفَعْهُ»

وقد قال الإمام أحمد هذه الكلمات دفاعاً عن رجل كان يسبه وأراد ابنه صالح أن يبلغ عنه السلطان

والخلاصة : أن منهج أئمة السلف الذي لا يتخلف

1_ عدم جواز إعانة الظالم وإن كان مسلماً على أي ظلم والذي ينبغي أن تقول له ( دمي دون ديني ) كما أرشد إليه عمر كما أنه لا ينبغي الخروج على إمام جائر لم يكفر لظلم وقع على واحد أو جماعة لأن ذلك يؤدي إلى شر أعظم

الثاني : مجانبة الظلمة وإظهار الموالاة لهم وأن من أعانهم على ظلمهم يهجر ويبتعد عنه حتى ينتهي

الثالث : أن الفئة الخارجة عن طاعة الإمام إذا لم تقتل وتعتدي يجب أن يرسل إليهم من يدعوهم ويرى مظالمهم ولا يجوز قتالهم حتى ترفع هذه المظالم

فإذا قاتل إمام جائر فئة باغية وكان هو أيضاً باغياً عليهم اعتزل هذا وعدوه من قتال الفتنة ، فإن كانت الفئة الباغية حتى صاروا إلى نهج الخوارج فهذا فيه نزاع

وأنه لا يجوز أن يسلم مسلم إلى سلطة لا تطبق شرع الله وتظلم هذا المرء وقد صبر علي على الخوارج وكذا عمر بن عبد العزيز حتى اعتدوا وهم أعلم الناس بالسنة

قد كتبت هذا الكلام لأبين أن أئمة السلف براء مما يدعيه عليهم السفلة والعجيب أن التنويريين أدعياء التمرد على السلطة هم أحذية السلطة اليوم

بل تراهم يحتذون ابن رشد ويتغنون بمحنته علماً أن محنته كان مدتها يسيرة جداً وإلا هو قضى معظم حياته قاضياً وقد ذكرت بعض تراجمه القديمة أنه أعيد للكرامة قبل وفاته وأما حرق كتبه فهذا أمر لم أجد له أثراً في تراجمه القديمة

فقارن هذا مع محنة ابن تيمية وسجنه عدة مرات ونفيه والإفتاء بقتله وصدور المراسيم بأنه من كان على اعتقاد ابن تيمية فقد حل دمه وإتلاف كتبه في عدد من البلدان حتى كان ابن أبي العز ينقل عنه ولا يسميه وما حصل لعدد من أصحابه كابن القيم وغيره من التعزير والضرب ومع كل هذا صمد نهجهم إلى يومنا هذا، ولا يقارن مع حصل له أبداً مع ما حصل لسعيد بن المسيب أو أحمد ابن حنبل أو البخاري أو البربهاري وغيرهم من الأئمة الذين امتحنوا وسجنوا وعذبوا ولأبي العرب القيرواني كتاب اسمه المحن جمع فيه محن العلماء فيه شيء كثير من هذا

لتعلم أن أدعياء التنوير مجرد مهرجين لا يدرون ولا يعون وفقط يخادعون الناس من الجهلة 

والواقع أن التنويريين هم علماء السلاطين حقاً ولكن ليس سلاطيننا المباشرين بل سلاطين الأمم المتحدة فهم يقدسون الأجانب ويبررون مواقفهم ويريدون منا أن نترك ديننا لكي نتبعهم في كل دقيق وجليل 

ومن الحقائق التاريخية التي لا ينبغي نهائياً إغفالها أن القضاء لمدة طويلة منذ زمن هارون الرشيد تسلط عليه أهل الرأي الذين ذم السلف فقههم واعتقادهم فهذه هي الفئة التي تصالحت تماماً مع السلطة مع كونهم كانوا ينكرون الكثير من الظلم أيضاً الذي لا يقره منتسب للملة 

ومن أدعياء التنوير من هو بعيد عن السلاطين نوعاً ما ولكن بمجرد أن يدعوه سلطان أو شخصية ثرية وإن كان مشهوراً بالفسق إلا وجدته يذهب إليه مهرولاً ومثنياً عليه كما حصل مع عدنان إبراهيم وغيره، وأما الفرق المتنازعة من غير التنويريين فكل يأخذ من آثار السلف ما يروقه ويترك ما سواه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي