مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: التنبيه على التواريخ قبل الإسلام ...

التنبيه على التواريخ قبل الإسلام ...



أما بعد :
 
فكثير من الباحثين يغلط فيجعل التواريخ التي كتبت قبل الإسلام حكماً على الآثار وبعض الزنادقة يجعلها حكماً على القرآن

وقد لاحظت أن بعض الناس لما ذكرت آثاراً في وجود النصارى عند فعل بختنصر في اليهود ما فعل استبعدوا هذا ودفعوا الآثار محتجين بالمشهور في التواريخ

والواقع أن هذه التواريخ لا يشك مسلم ولا كافر أنها منقولة إلينا ناقصة جداً بل هي مغفلة لأمور كثيرة كإغفال المشهور منها ذكر قارون حتى وجد له ذكر في بعض الأحافير القديمة

وإذا كانت التوراة وهي كتاب مقدس وكذا العهد القديم ككل قد حصل فيه نزاع شهير في بعض أسفاره كسفر استير مثلاً مما يدل على أنه لم ينقل بتواتر وله روايتان مطولة ومختصرة

فما سواه من باب أولى

وهنا أضرب مثلاً يتضح فيه الأمر للناس

جالينوس فيلسوف وعيسى ابن مريم النبي صلى الله عليه وسلم الذي يؤرخ الغربيون وعموم الناس بتاريخ مولده المزعوم ، اختلف الناس في إدراك جالينوس لعيسى ابن مريم

قال ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء :" وَمن جملَة من ذكر أَن جالينوس كَانَ معاصرا للمسيح الْبَيْهَقِيّ وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي كتاب مسارب التجارب وغوارب الغرائب
أَنه لَو لم يكن فِي الحواريين إِلَّا بولص بن أُخْت جولينوس لَكَانَ كَافِيا
وَإِنَّمَا بَعثه إِلَى عِيسَى جالينوس وَأظْهر عَجزه عَن الْهِجْرَة إِلَيْهِ لضَعْفه وَكبر سنه وآمن بِعِيسَى وَأمر ابْن أُخْته بولص بمبايعة عِيسَى
قَالَ جالينوس فِي الْمقَالة الأولى من كِتَابه فِي الْأَخْلَاق وَذكر الْوَفَاء وَاسْتَحْسنهُ وأتى فِيهِ بِذكر الْقَوْم الَّذين نكبوا بِأخذ صَاحبهمْ وابتلوا بالمكاره
يلْتَمس مِنْهُم أَن يبوحوا بمساوئ أَصْحَابهم وَذكر معايبهم فامتنعوا من ذَلِك وصبروا على غليظ المكاره
وَأَن ذَلِك كَانَ فِي سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة
للإسكندر
وَهَذَا أصح مَا ذكره من أَمر جالينوس وَوَقته وموضعه من الزَّمَان
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن الْحُسَيْن المَسْعُودِيّ كَانَ جالينوس بعد الْمَسِيح بِنَحْوِ مِائَتي سنة وَبعد أبقراط بِنَحْوِ سِتّمائَة سنة وَبعد الْإِسْكَنْدَر بِنَحْوِ خَمْسمِائَة سنة ونيف
أَقُول وَوجدت عبيد الله بن جِبْرَائِيل بن عبيد الله بن بختيشوع قد استقصى النّظر فِي هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد سُئِلَ عَن زمَان جالينوس وَهل كَانَ معاصرا الْمَسِيح أَو كَانَ قبله أَو بعده فَأجَاب عَن ذَلِك بِمَا هَذَا نَصه
قَالَ
إِن أَصْحَاب التواريخ اخْتلفُوا اخْتِلَافا بَينا فِيمَا وضعوه وكل مِنْهُم أثبت جملا إِذا فصلت خرج مِنْهَا زيادات ونقصان
وَمن هَذَا يتَبَيَّن لَك مَتى تصفحت كتب التواريخ لَا سِيمَا مَتى وقفت على كتاب الْأَزْمِنَة الَّذِي عمله ماراليا مطران نَصِيبين فَإِنَّهُ قد كشف الْخلف الَّذِي بَين التواريخ العتيقة والحديثة وأوضح وكشف وَأَبَان ذَلِك أحسن بَيَان بجمعه لجملها فِي صدر كِتَابه وإيراد تفاصليها وتنبيهه على مَوَاضِع الْخلاف فِيهَا والزيادات والنقصانات وَذكر أَسبَابهَا وعللها
وَوجدت تَارِيخا مُخْتَصرا لهارون بن عزور الراهب ذكر فِيهِ أَنه اعْتبر التواريخ وعول على صِحَّتهَا ورأيته قد كشف بعض اختلافها وَعلل ذَلِك بعلل مقنعة وَأورد شَوَاهِد من صِحَّتهَا
وَذكر هَذَا الراهب فِي تَارِيخه أَن جَمِيع السنين من آدم إِلَى ملك دَارا بن سَام وَهُوَ أول ظُهُور الْإِسْكَنْدَر ذِي القرنين خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَثَمَانُونَ سنة وَعشرَة أشهر على مُوجب التَّارِيخ الَّذِي عِنْد اليونانيين وَهُوَ تَارِيخ التَّوْرَاة المنقولة إِلَى اليونانيين قبل ظُهُور الْمَسِيح بِمِائَتي سنة وثمان وَسبعين سنة وَذَلِكَ فِي زمَان فيلدلفوس الْملك لِأَنَّهُ كَانَ حمل إِلَى الْيَهُود هَدَايَا حَسَنَة لما سمع أَن عِنْدهم كتبا منزلَة من عِنْد الله تَعَالَى على أَلْسِنَة الْأَنْبِيَاء
وَكَانَ من جملَة مَا حمل مائدتان من ذهب مرصعتان بالجواهر لم ير أحسن مِنْهُمَا
وسألهم عَن الْكتب الَّتِي فِي أَيْديهم وأعلمهم أَنه يخْتَار أَن يكون عِنْده نسختها
فَكَتَبُوا جَمِيع الْكتب الَّتِي كَانَت عِنْدهم للْيَهُود من التَّوْرَاة والأنبياء وَمَا جرى مجْراهَا فِي أوراق من فضَّة بأحرف من ذهب على مَا نسبه الراهب إِلَى أوسابيس القيسراني
فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ استحسنها وَلم يفهم مَا فِيهَا فأنفذ إِلَيْهِم يَقُول أَي فَائِدَة من كنز مَسْتُور لَا يظْهر مَا فِيهِ وَعين مسدودة لَا ينضح مَاؤُهَا فأنفذوا إِلَيْهِ اثْنَيْنِ وَسبعين رجلا من جَمِيع الأسباط من كل سبط سِتَّة رجال"

فتأمل أن المؤرخين مختلفون اختلافاً عظيماً فأناس قالوا عاصر المسيح وناس قالوا جاء بعده بمائتي عام وهذا اختلاف شديد

فأنت تجد المؤرخين المسلمين يختلفون في وفاة رجل هل توفي عام 58 أو 59 أو 60 والخلاف في هذا يسير أما مائتي عام فهذا شديد جداً وتأمل ما ذكره من شدة اختلاف المؤرخين وهناك أمم بادت وحضارات مفقودة بل الكتاب المقدس كل يوم توجد له مخطوطات جديدة هنا وهناك

وهناك أحداث تاريخية عظيمة تم توثيقها تجريبياً كالوقوف على جثة فرعون ولا ذكر له إلا في القرآن ولا وجود لهذا الحدث العظيم حتى في الكتاب المقدس  ، والاضطراب في نسب المسيح معلوم 

وعجيب أمر من ينكر الأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في آيات النبي صلى الله عليه وسلم أو نزول المسيح أو الرجم ثم يصدق هذه المعضلات المضطربة ويجعلها حاكمة على وحي السماء أو آثار السلف المرضيين 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي