مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الزواج بنية الطلاق السياحي ( نظرة فقهية مغيبة )

الزواج بنية الطلاق السياحي ( نظرة فقهية مغيبة )



أما بعد :

فإن المسائل المطروحة بقوة منذ زمن مسألة ( الزواج بنية الطلاق السياحي ) وهو ما يفعله بعض المتدينين من ذهابه إلى بعض البلدان للسياحة ويتزوج هناك بنية الطلاق نظير ما يفعل الفساق من الزنا !

وبعضهم يفعله عند الدراسة

وكثرت الاستفتاءات والفتاوى في هذا الشأن ولا يختلف الناس أن هذا الشرط إذا ذكر فهو نكاح متعة محرم

وكثير من الباحثين ينزل الخلاف الفقهي القديم في الزواج بنية الطلاق ( من غير إعلان أو اتفاق ) على هذه الصورة ، والذي جوزه بعض الفقهاء محتجين بأن الرجل قد تتغير نيته وخالفهم غيرهم

غير أن البحث أعمق من هذا وكثير من الفتاوى فيه مختزلة فالصورة الموجودة لا يمكن أن يبيحها فقيه

فإن هذا الزوج الذي يطلق الذي يفعله ترك ورقة أو إجراء اتصال هاتفي يخبرهم به أنه طلق الفتاة ثم يرحل

وهذا الفعل غير شرعي باتفاق فإن المطلقة المدخول بها لها نفقة واجبة بنص كتاب الله عز وجل ينبغي أن تصرف لها طوال عدتها ما لم تكن ناشزاً  ، وإذا مات الرجل في عدتها أو هي ماتت ورثها وورثته بعقد الزواج وإذا كانت حاملاً فالنفقة لها طوال مدة الحمل فإذا أنجبت فيعطيها أجرة على الرضاع وينفق على ولدها ، وينبغي عليه إخبار ورثته بشأنها وأن له امرأة في عدتها حتى إذا أصابه شيء أخذت حقها

وهذا مما لا يتنازع فيه الفقهاء

بل لها نفقة وسكنى

قال ابن قدامة في المغني :" فَصْلٌ: وَيَجِبُ لَهَا مَسْكَنٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] . فَإِذَا وَجَبَتْ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ، فَلِلَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ أَوْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] . وَمِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَسْكَنٍ، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَسْكَنِ لِلِاسْتِتَارِ عَنْ الْعُيُونِ، وَفِي التَّصَرُّفِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، وَيَكُونُ الْمَسْكَنُ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] . وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَهَا لِمَصْلَحَتِهَا فِي الدَّوَامِ، فَجَرَى مَجْرَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ"

وهذا الجانب من المسألة رأيته مهملاً في عموم الفتاوى في الباب

فإن قيل : ماذا لو طلقها ثلاثاً أليس يسقط ذلك النفقة والسكنى ما لم تكن حاملاً ؟

فيقال : إن هذا احتيال وتشهي فالواحد من هؤلاء لو طلق زوجته في بلده ثلاثاً في مجلس واحد لعمل بفتيا ابن تيمية أن الثلاث في مجلس واحد واحدة وهنا يصير يميل لقول العامة من الفقهاء المتقدمين

ثم إن القاعدة عند الفقهاء أن المحتال يغلق عليه باب حيلته بمعنى يجازى بعكس مقصوده فينبغي للمفتي والقاضي إلزام من هذا حاله بالنفقة وببيونة زوجته منه أيضاً

فإن قيل : وكيف لنا أن نعرف أنه محتال ؟

فيقال : كل قرائن الحال تدل على هذا ، فهروب هذا الرجل وزواجه المؤقت دون أدنى ما يدعو لذلك وتكرر هذا الفعل من عدة أفراد يدل على هذا المعنى

ما سبق كله لو افترضنا صحة الزواج بنية الطلاق وأنه ليس غشاً وتغريراً

وأخيراً أقول : قد جعل الله كل المسلم على المسلم حرام ، وارتبطنا بكلمة التوحيد بأخوة إيمانية تتجاوز الحدود والأعراق فما لا يرضاه المرء لأخته من النسب فلا يرضاه لأخته في الإيمان ، وإن المسلمين من غير العرب ينظرون للعرب نظرة إجلال وغبطة على ما رزقوه من فهم لسان العرب الذي نزل به القرآن ( فيما يظنون ) فبدلاً من أن تذهبوا إليهم وتعينوهم على تعلم بعض الأمور التي يجهلونها بسبب الحكومات الشيوعية أو بسبب الضعف في العربية ، وبدلاً من أن تعينوهم بأموالكم التي من الله بها عليكم تستخدمون هذه الأموال وهذه السمعة الطيبة عندهم عن العرب في اللعب على بناتهم وفتنتهن في دينهن ودنياهن

قال ابن تيمية في القواعد النورانية :" فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ تَكُونُ فِي صُحْبَةِ زَوْجِهَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ مَتَاعُهُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ، إِنْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا أَعْجَبَتْكَ، وَإِنْ أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ» "، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ: " «أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ؟ فَقَالَ: أَفْضَلُهُ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ وَقَلْبٌ شَاكِرٌ وَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى إِيمَانِهِ» "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ. وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مَا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] [الرُّومِ: 21] ، فَيَكُونُ أَلَمُ الْفِرَاقِ أَشَدَّ عَلَيْهِمَا مِنَ الْمَوْتِ أَحْيَانًا، وَأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ الْمَالِ، وَأَشَدَّ مِنْ فِرَاقِ الْأَوْطَانِ، خُصُوصًا إِنْ كَانَ بِقَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُبٌّ وَعَلَاقَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَطْفَالٌ يَضِيعُونَ بِالْفِرَاقِ وَيَفْسُدُ حَالُهُمْ، ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إِلَى الْقَطِيعَةِ بَيْنَ أَقَارِبِهِمَا، وَوُقُوعِ الشَّرِّ لَمَّا زَالَتْ نِعْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] [الْفُرْقَانِ: 54] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنَ الْحَرَجِ الدَّاخِلِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجِّ: 78] ، وَمِنَ الْعُسْرِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] [الْبَقَرَةِ: 185]"

واعلموا أن الله أقدر عليكم منكم عليهم وأنه كما تدين تدان وأن الأيام دول فلا عز يدوم ولا ذل يدوم وأن شر خصيم عليك من لا ناصر له إلا الله وقد حرج النبي صلى الله عليه وسلم حق الضعيفين الخادم والمرأة ، وإذا كان نخاطب بهذا أصحاب الزواج بنية الطلاق فمن باب أولى نخاطب المعربدين الذين لم يقدروا نعمة الله حق قدرها وإننا لنراهم رأي العين يقتص منهم في نسائهم عن طريق حيل شيطانية ليس هذا محل بسطها 

لو لم يكن فعل الزناء كبيرة *** ولا يخشى من عقباه ذو اللب في غد 

لكان حرياً أن يصون حريمه *** بترك الزنا خوف القصاص بما ابتدي 

واعجب من زان يترك حريمه للأوساط الاختلاطية ولمشاهدة التلفاز الذي يهيج ليل نهار الغرائز عند الشباب والشيب حتى ، فلا هو عامل بالسبب الشرعي ولا بالسبب الطبعي ثم يغضب إذا ما خانته امرأته أو تدنست بالرذيلة ابنته أو قريبته وليس هذا تبريراً لصنيع الساقطات وإنما تنبيه للغافل من هؤلاء .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي