أما
بعد :
فمن
المعلوم في هذه الأيام أن الإباضية وبعضهم ضرب من الزيدية يقولون بخلود أصحاب الكبائر
غير التائبين منها في النار وإن لم يسموهم كفاراً
وهذا
أقرب إلى مذاهب المعتزلة ، والمرء بين الفينة والأخرى يرد عليه خواطر في الرد على بعض
الفرق فيحب أن يوثقها بمقالات
معلوم
أن السلف وصفوا المرجئة بيهود القبلة ووجه ذلك والله أعلم أن قول اليهود مع فجورهم
نحن أبناء الله وأحباؤه كقول المرجئة في أصحاب الكبائر مؤمنين كاملي الإيمان
غير
أن الزمخشري المعتزلي الوعيدي نزل هذا على أهل السنة فقال في كشافه وهو يعلق على قوله
تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ
هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ
يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُون ):" والمصر لا غفران له أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ
مِيثاقُ الْكِتابِ يعنى قوله في التوراة: من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر له إلا
بالتوبة وَدَرَسُوا ما فِيهِ في الكتاب من اشتراط التوبة في غفران الذنوب، والذي عليه
المجبرة هو مذهب اليهود بعينه كما ترى"
وهو
هنا افترى على التوراة أيضاً ، والفرق واضح بين مقالة اليهود وبين مقالة أهل السنة
فأهل
السنة يقولون أصحاب الكبائر تحت المشيئة ولا يجزمون أنهم سيغفر لهم ، واليهود جزموا
بالمغفرة ، ثم إنهم جزموا بمثل هذا في حق من حرف الدين مستحلاً
غير
أنني وعلى قاعدة ابن تيمية في قلب الأدلة على المخالفين أرى أن الوعيدية هم أشبه باليهود
من قول أهل السنة ؟
فإن
قيل : كيف هذا ؟
قلت
: اليهود ما تركوا شيئاً يوم القيامة لمشيئة الله فهم داخلون الجنة وحتى وإن كذبوا
الأنبياء وقتلوهم وحرفوا التوراة لن تمسهم النار إلا أياماً معدودات ، ومن سواهم لن
يدخل الجنة ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى )
وكذلك
المعتزلة فجزموا بأن من فعل الصغائر مع اجتناب الكبائر مغفورٌ له ورأوا ذلك واجباً
على الله أوجبوه بالعقل والنص أما العقل فقالوا في ذلك كلاماً وأما النص ( الذين يجتنبون
كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) وقوله تعالى : ( إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) والآية
نزلت في التائبين
فما
تركوا باباً يوم القيامة للمشيئة فكل منزلته معروفة سلفاً ومشيئة الله المذكورة في
قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) معطلة عن دلالتها
بشكل واضح
بل
أصحاب الأعراف وهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم لا وجه لذكرهم في القرآن على مذهب
أهل الاعتزال إذ لو كانوا أصحاب كبائر فالنار محلهم قطعاً وإن كانوا صالحين ما أذنبوا
إلا في اللمم فهؤلاء حقهم المغفرة والجنة ابتداءً وقد صرح الزمخشري أنه لا يرى عصمة
الأنبياء من الصغائر إلا المستقذرة
تأمل
هذا فإنه جيد في الرد عليهم
ومن
عجائب الزمخشري أنه يأبى تسمية تارك الصلاة كافراً لمخالفة ذلك لمذهبه الفقهيء مع قوله
بأن أصحاب الكبائر خالدون في النار !
قال
الزمخشري في الكشاف :" ومنها قوله: (وَمَنْ كَفَرَ) مكان ومن لم يحج تغليظا على
تارك الحج ولذلك قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من مات ولم يحج فليمت إن شاء
يهوديا أو نصرانيا» «3» ونحوه من التغليظ «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» «1» ومنها
ذكر الاستغناء عنه وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان"
وقوله
( على التغليظ ) يعني ليست على ظاهرها
كما
قال أيضاً :" وأن يراد الفساق، لأن الكلام إنما وقع في الزانيين، والإعراض عنهما
إن تابا وأصلحا، ويكون قوله: (وَهُمْ كُفَّارٌ) وارداً على سبيل التغليظ كقوله: (وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وقوله «فليمت إن شاء يهوديا أو
نصرانيا» «1» «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر «2» » لأن من كان مصدقا ومات وهو لم يحدث
نفسه بالتوبة، حاله قريبة من حال الكافر، لأنه لا يجترئ على ذلك إلا قلب مصمت"
وذلك
أن مذهب المعتزلة أن الفاسق لا يسمى كافراً وإن خلدوه في النار وهذا أمر عجب !
ومن عجائبه أيضاً فرحه بالمروي عن ابن عباس أن القاتل لا توبة له ومحاولته تقوية مذهبه بهذا المروي علماً بأنه هو نفسه وحتى الخوارج لا يقولون بهذا فهم يشترطون في تخليد الفاسق في النار ألا يتوب فإذا تاب انحل عنه الوعيد ويستدلون بالآية ( إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) وتوجيه قول ابن عباس أن التوبة توتبتان توبة في حق الخالق فيما فرط من حقه وتوبة في حق المخلوق فيما اعتدي عليه فالأولى حاصلة في كل وقت وأما الثانية فهي متعذرة في حق المقتول لأنه مات بخلاف ما لو كان له عليك مظلمة في مال أو عرض فإنه يمكنك التحلل منه والقتل إنما يترك أمره ليوم القيامة وفيه القصاص ثم إن قول ابن عباس خاص بالقتل والقوم يعممون هذا على كل الذنوب وليس في كلام ابن عباس ان القاتل يخلد خلود الكافر في النار بل صح عنه وصية قاتل نفس بكثرة البر بأمه مما يدل على أنه يرى نجاته
ومن
عجيب أمره _ أعني الزمخشري _ قوله في الشافعي :" وكلام مثله من أعلام العلم
وأئمة
الشرع ورؤس المجتهدين، حقيقى بالحمل على الصحة والسداد، وأن لا يظنّ به تحريف تعيلوا
إلى تعولوا، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك
سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا «1» . وكفى بكتابنا المترجم بكتاب «شافي العىّ،
من كلام الشافعي» شاهداً بأنه كان أعلى كعبا وأطول باعا في علم كلام العرب، من أن يخفى
عليه مثل هذا، ولكن للعلماء طرفا وأساليب"
وقد
صح عن الشافعي بأسانيد أقوى من أسانيد الأخبار التي يكثر منها الزمخشري في كتبه مرفوعة
وغير مرفوعة إثباته للرؤية وقوله بالشفاعة وتكفيره لمن يقول بخلق القرآن
فالشافعي
ينبغي أن يدخل في الذين يسميهم الزمخشري ( الحمر الموكفة )
والزمخشري يؤمن بعذاب القبر ويعظم علياً خلافاً لمتقدمي المعتزلة
ومن
عجيب أمر المعتزلة أنهم يحرفون العشرات من نصوص الصفات ونصوص مشيئة الله وخلق أفعال
العباد ثم يأتون لقوله تعالى ( لن تراني ) فلا يأخذون بظاهره فحسب بل يحملونه أكثر
مما يحتمل فيجعلونه في الدلالة كمثل قول القائل ( لست مرأياً ) أو ( لا أرى البتة
)
وتابعهم
على هذا الخبل الرافضة والإباضية والزيدية المعاصرين كل هؤلاء معاندة لما تواتر في
الأحاديث والآثار من إثبات رؤية الله عز وجل يوم القيامة ، وما ذلك إلا لشبهات
كلامية فلسفية دخلت عليهم حكموها على النصوص واستدلالهم ببعض النصوص إنما هو
منافقة فالآية التي فيها ( لن تراني ) فيها كلام الله لموسى كفاحاً بكلام مسموع
وهذا كلهم ينكرونه
والتي
تأولها بعضهم على زيادة العلم والعلم بالله وليت شعري إن كان كذلك فما ماهية العلم
عندهم هل هو العلم بأسمائه وصفاته التي لا تثبتونها أصلاً ، أم العلم بآثار هذه الأسماء
والصفات من وقوع وحده ووعيده فهذا أمر سيعلمه المسلم والكافر يوم القيامة فالكافر يصير
بصره حديداً ولو كان كذلك لما خص في عرصة من عرصات يوم القيامة ولما خص ببعض حال أهل
الجنة فالأحاديث دالة أن الرؤية تقع بعد دخولهم ببعض الوقت
وأحاديث
الشفاعة والرؤية مع كونها له عواضد في القرآن رواها الثقات الذين يحتج بهم
المعتزلة نفسهم في أمور الفقه من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وبيع وشراء
وأمور الفروج والدماء وغيرها
وليعلم
أن ابن المنير الذي تعقب الكشاف كثير من تعقباته ضعيفة بل كثير منها باطل محض وجبر
على طريقة الأشعرية فالمعتزلة أوفق منهم في الحكمة والتعليل والتحسين والتقبيح وأما
الأشعرية فلهم مذهب أعظم منافرة للفطرة من مذهب المعتزلة وقد نص ابن تيمية على أن قول
المعتزلة في القدر خير من قولهم
وإنني
لأعجب من السبكي صاحب عن الانكفاف عن إقراء الكشاف إذ علل هذا الانكفاف بقول الزمخشري
بتفضيل الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من أهون ما في تفسيره فقد صرح ببلايا
عظيمة قبلها
وقد أطال الزمخشري لسانه القذر في عبد الله بن عمرو بن العاص من أجل أثر فرد عنه ولو كان فيه ذرة عقل لدفع هذا الأثر ونزه عبد الله بن عمرو عنه وهو يكذب الرواة فيما يروونه متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم كالشفاعة والرؤية
ومن أحسن ما في كتابه إيراده لهذا الأثر :" . وعن علىّ رضى الله عنه: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. وعن الحرث الأعور: كنت جالساً عنده إذ جاء ابن طلحة فقال له علىّ: مرحبا بك يا ابن أخى. أما والله إنى لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله تعالى وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ فقال له قائل: كلا، الله أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد، فقال: فلمن هذه الآية لا أمّ لك"
وهذا خلاف مذهب متقدمي المعتزلة ، والعجيب أن الزمخشري مع سوء أدبه مع الصحابة الكرام كعبد الله بن عمرو يصحح حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ويحتج به !
قال الزمخشري :" قال الزمخشري في الكشاف :" فإن قلت: كيف كان القرآن تبيانا لِكُلِّ شَيْءٍ؟
قلت: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين، حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته. وقيل: وما ينطق عن الهوى. وحثاً على الإجماع في قوله وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وقد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله صلى الله عليه وسلم «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» «1» وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد، مستندة إلى تبيان الكتاب، فمن ثمّ كان تبيانا لكل شيء."
وقد أطال الزمخشري لسانه القذر في عبد الله بن عمرو بن العاص من أجل أثر فرد عنه ولو كان فيه ذرة عقل لدفع هذا الأثر ونزه عبد الله بن عمرو عنه وهو يكذب الرواة فيما يروونه متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم كالشفاعة والرؤية
ومن أحسن ما في كتابه إيراده لهذا الأثر :" . وعن علىّ رضى الله عنه: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. وعن الحرث الأعور: كنت جالساً عنده إذ جاء ابن طلحة فقال له علىّ: مرحبا بك يا ابن أخى. أما والله إنى لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله تعالى وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ فقال له قائل: كلا، الله أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد، فقال: فلمن هذه الآية لا أمّ لك"
وهذا خلاف مذهب متقدمي المعتزلة ، والعجيب أن الزمخشري مع سوء أدبه مع الصحابة الكرام كعبد الله بن عمرو يصحح حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ويحتج به !
قال الزمخشري :" قال الزمخشري في الكشاف :" فإن قلت: كيف كان القرآن تبيانا لِكُلِّ شَيْءٍ؟
قلت: المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين، حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته. وقيل: وما ينطق عن الهوى. وحثاً على الإجماع في قوله وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وقد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله صلى الله عليه وسلم «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» «1» وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد، مستندة إلى تبيان الكتاب، فمن ثمّ كان تبيانا لكل شيء."
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم