الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال الطبري في تفسيره حدثنا ابن بشار، قال:
ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: لما
نزلت هذه الآية (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل: الأمر
إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا
أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
وهذا إسناد صحيح إلى سليمان بن موسى وهو
تابعي شامي صغير ، وقد اشترك في رواية هذا الخبر عن سعيد بن عبد العزيز ابن
المبارك وسفيان الثوري وهو إمامان جليلان
لاحظ هنا أن أبا جهل فهم من آيات المشيئة
ما يفهمه الإباحيون اليوم أنه تخيير مطلق ويسمونه حرية الاعتقاد
والواقع أنه تهديد بدليل وجود العذاب
الأخروي بل ووجود الجهاد في الدنيا والعقوبات كالجزية وغيرها
ولا يمكن لعاقل أن ينكر عقوبة الزنا في
الإسلام بل وكل الملل ولو كان عن تراض ، وإذا كان الأمر في الأعراض لم يترك لأهواء
الناس فكيف في الدين الذي هو أساس كل الفضائل
والأمر نفسه في شأن الزكاة والجزية وغيرها
من الحقوق المالية لا يترك الأمر لأهواء الناس
ففي القرآن ذم مستمر لمن يتبع هواه ولا
أجد آية أشبه بحال الإباحيين المنتسبين للملة وغير المنتسبين من قوله تعالى : ( أفرأيت
من اتخذ إلهه هواه )
ولو ترك الناس لأهوائهم لرأيت ما يحصل
اليوم من البلاء مضاعفاً فكم يموت من إدمان الكحول وإدمان المخدرات وكم من طفل
يجهض لأنه علاقة سفاح عابرة وكم يموت من التدخين ونحن نرى ملايين يموتون في
المجاعات وفي مخيمات اللاجئين ومليارات تنفق على الترفيه في أفلام الإباحة الصريحة
وغير الصريحة وكرة القدم والمغنين والمغنيات وباعة الوهم والكذب من الصحفيين
فما وصل العالم إلى هذه الصورة البشعة
جداً إلا باسم ( الحرية ) والمراد بها في حقيقة الأمر ( الهوى ) لا حرية قول كلمة
الحق كما يظن البعض بل يراد الإباحة والهوى
والفرق بين الدين وأي فلسفة بشرية متأثرة
بشيء من الفطرة ، أن الدين يعطي الوسيلة والغاية معاً ولا يكتفي بالتنظير للصواب
فحسب
فلولا فرض الله عز وجل للجهاد لما حطمت
الأصنام وما توحد العرب وغيرهم تحت راية الإسلام ولما سقطت امبراطوريات الظلم في
فارس والروم ، ولما انتهت حروب الثأر كحرب البسوس وداحس والغبراء ولما انتهى وأد
البنات ولما ذهب الربا ولما انتهى ظلم الرقيق أو ضعف ولبقيت النساء لا تورث وتهجر
ولا تؤاكل إذا حاضت ولبقيت الفتيات تكره على البغاء ولبقي الأزواج يعضلون النساء
ويأكلون مهورهن ولما بقي أحد ينكر الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على
الميت ولبقي القوي يأكل الضعيف ولبقيت جميع أحوال الجاهلية بل لتطورت إلى الأسوأ
ولولا جهد العلماء الصادقين في إحياء جذوة
الجهاد في القلوب لما انتهت ثورة الزنج وحركة الردة التي بنيت على رفض الزكاة
وبابك الخرمي وحكم العبيديين والحملات الصليبية والتتر وغيرهم
فما انتهى شيء من هذا بالحوار !
وحقيقة التدين مبني على اعتقاد الصواب وأن
ما سوى عقيدتك باطل وموالاة من على دينك أكثر من غيره لأنك تحب الله أكثر من نفسك
لذا توالي فيه أكثر مما توالي في نفسك وكذا الأمر في البغض
فالذين يدعون اليوم إلى القول بأن الكفار
سيدخلون الجنة وأننا ينبغي أن نحبهم هذا تدمير للدين من الأساس وتفريغ له من
محتواه وكل ما في الدين بعد ذلك سهل تدميره وبهذا يتم الفتك بالهوية بالكامل وهذا
أمر يسعى له أعداء الدين بقوة لأن زوال الهوية يعني زوال الدين الذي يهابونه وبهذا
ستعود الجاهلية الأولى شيئاً فشيئاً علماً بأننا قد عدنا إلى كثير منها ، وسيصير
الدين مجرد قيم طيبة مستحسنة عند بعض الناس والكلمة الأولى والأخيرة لمن يملك
القوة والسلطة والسيادة وهم بالعادة لا يرون حاجة للالتزام بالأخلاق لأنها تعيق
نهمهم والناس إن لم يعبدوا الله ويوحدوه كانوا عبيداً لرغبات هؤلاء فحتى أهواءهم
لا يمكنهم اتباعها إن خالفت أهواء الفراعنة والقياصرة الجدد
وكأن هذه الآيات اليوم نزلت ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون )
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)
وقال تعالى : ( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
وعلى مذهب عدنان إبراهيم يستوي المسلمون بالكفار بل دارون وجنكيز خان خير معاوية ، ومن أقام بينة على عقيدته وتبع الهدى متطرف والكافر الملحد إنساني ! ، والشاك لا يأتيه عذاب ! وإنما العذاب للمعاند وكأن القضية خفية من دقائق مسائل المواريث مثلاً !
وكأن هذه الآيات اليوم نزلت ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون )
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)
وقال تعالى : ( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
وعلى مذهب عدنان إبراهيم يستوي المسلمون بالكفار بل دارون وجنكيز خان خير معاوية ، ومن أقام بينة على عقيدته وتبع الهدى متطرف والكافر الملحد إنساني ! ، والشاك لا يأتيه عذاب ! وإنما العذاب للمعاند وكأن القضية خفية من دقائق مسائل المواريث مثلاً !
وخذ مثالاً على العقلية الإباحية الضيقة
تحصل حرب من اليهود والمسلمين في حياة النبي سببها غدر اليهود بالنبي صلى الله
عليه وسلم والصحابة وتأليبهم العرب عليهم فينتصر المسلمون ويسبون نساء اليهود كما
كان يريد اليهود أن يفعلوا بالمسلمين فاليهود والمسلمون يؤمنون بالسبي وينسبونه
للأنبياء ، ومن لا دين له أو كان وثنياً إذا حارب وتمكن من النساء اغتصب كما نرى
اليوم في جميع الحروب ، وأما صاحب الدين فيسبي والفرق أن السبي لا تجامع فيه
المرأة أن كانت حاملاً ولا بد من استبراء الرحم ولا ينزو عليها عدة رجال معاً ولا
غيرها من الصور التي فعلها المستعمرون أدعياء الإنسانية على مر التاريخ وأكثروا
منها في حروبهم في هذا القرن ، ثم بعد ذلك هناك أحكام الرق التي تضبط العلاقة
فيأتي النبي إلى سيدة هؤلاء القوم ويحررها من الرق ولا يتركها تتكفف أيدي الناس أو
محلا للافتتان بل يتزوجها وإن كان ذلك قد لا يعجب نساءه وقد شارف على الستين فيأتي
إباحي بهيمة ويصور هذا الفعل النبيل على أنه نقيصة متأثراً بمواقع التنصير وغيرها
وانظر العجب في تقاطع فهم أبي جهل مع فهم
عدنان إبراهيم وطارق السويدان ، لتفهم ما هي الرجعية حقاً !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم