مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: براءة عبد الله بن عباس من معارضة السنة بالرأي

براءة عبد الله بن عباس من معارضة السنة بالرأي



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

 
قال حسن البنا في رسالته مباحث في علوم الحديث :" إن اتهام السلف رضوان الله عيهم بإهمال النظر في المتون جملة غير صحيح، فكثيرًا ما كانوا يعنون بهذه النظرة، ويردون بعض المرويات لهذا السبب، ويتخذون من عدم انطباق المتن على قواعد الشرع الجلية دليلاً على ضعف إسناده، وعدم نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم راويه.

كما رد ابن عباس حديث أبي هريرة رضى الله عنه: 'من حمل جنازة فليتوضأ'

وعلل هذا الرد بقوله: 'لا يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة'.

فروح النظر في المتون، والاستدلال بها على درجة الحديث كانت موجودة إذن"

أقول : برأ الله ابن عباس من معارضة السنة بالرأي وهذه الدعوى أخذها البنا من كتب الحنفية كالسرخسي والكاساني الذين أوردوا هذه الحادثة مدللين على رد السنة إذا خالفت القياس على طريقة أهل الرأي

وقد رد على هذه الشبهة الإخواني مصطفى السباعي نفسه في مناقشته لأبي رية فقال في كتابه السنة المفترى عليها :" 1 - أما الحديث الأول وهو: «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ» وردُّ ابن عباس على أبي هريرة، فالكلام عنه من وجوه:

أولاً - لَمْ أَرَ لهذا الحديث بهذا النص أثراً في كتب الحديث قاطبة، ولا في كتب الفقه والخلاف، وَلَمْ أَرَ فيها ذكراً لهذه الحادثة التي رَدَّ فيها ابن عباس على أبي هريرة، ولو ثبت الحديث وثبتت الحادثة لما أغفلوا النص عليها، نعم ذكرها بعض علماء الأصول - بينهم صاحب " المَسَلَّمِ " - وهؤلاء قوم يتساهل بعضهم في ذكر الأحاديث التي ليس لها أصل، أو لها أصل من طريق ضعيف، لأن الحديث ليس من اختصاصهم، وعلى كل حال فإن كتبهم ليست مرجعاً في علم الحديث، ولا يرجع إليها فيه - متخطياً دواوينه المعتبرة - إلا حاطب ليل، أو صاحب غرض.

ثانياً - إن الموجود في بعض كتب الحديث غير هذا.
فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: «مِنْ غُسْلِهِ الْغُسْلُ وَمِنْ حَمْلِهِ الْوُضُوءُ»، ثم قال الترمذي: وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: (يعني نفسه) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: «أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلاَ أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا»، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وقَالَ أَحْمَدُ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَلاَّ يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَأَقَلُّ مَا [قِيلَ] فِيهِ». وقَالَ إِسْحَاقُ: «لاَ بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ». وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَغْتَسِلُ وَلاَ يَتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ».

والذي يستخلص منه أن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث، بل رواه عَلِيٌّ وعائشة وأنه رُوِيَ عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، ولا أثر لرد ابن عباس عليه إذ لو ثبت لنقله كما نقل غيره"

وقال البيهقي في السنن الكبرى 1440 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ وَسُئِلَ عَنِ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَقَالَ: " يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ " أَدْخَلَ أَبُو صَالِحٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا يَعْنِي إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ قَالَ: وَحَدِيثُ مُصْعَبٍ ضَعِيفٌ فِيهِ خِصَالٌ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَا: لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ بِذَاكَ

وإنما ورد موقوف عن أبي هريرة ونزه الله الصحابة أن يسمعوا رجلاً يحدث عن رسول الله ويعلمون ضبطه ويعارضونه بمثل هذا، واعجب ممن يرد أخبار رفع اليدين قبل الركوع وبعده وأحاديث كثيرة غيرها ثم يحتج بهذا الذي لا أصل له ، ومن حماقة الرافضة احتجاج بعضهم بهذا للطعن في أبي هريرة مع تركهم للصحيح الكثير الثابت في فضل الصحابة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي