الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال حسن البنا في رسالته العقيدة في الله
ص8 :" وفريق العصر الأخير الذي تلقى هذه العقيدة مصطلحات فلسفية معقدة وكلمات
فنية جامدة ميتة تكد الذهن وتتعب القلب وتضايق الروح وتتشعب بالفكر في أودية
الفروض والأخيلة والقضايا والبحوث والمقدمات والنتائج التي لا نهاية لها فما هو
الإيمان وما الفرق بينه وبين التصديق ؟ وهل يزيد وينقص ؟ وهل هو الإسلام أم غيره
وماذا بينهما من العموم والخصوص وهل العمل شرط فيه أم ركن من أركانه أو لازم من
لوازمه ؟ إلى غير ذلك مما هو من الترف العقلي والاسترسال الفكري الذي لا صلة له
بالنور في القلب "
وهذا كلام حسن البنا عن مسائل الإيمان !
يعتبرها ترفاً ذهنياً وفلسفة لا علاقة لها
بالنور في القلب ، وهذا أمر انفرد به من دون كل المنتسبين للإسلام الذين أولوا هذه
الأبحاث عناية عظيمة
وقال سيد سابق الإخواني الكبير في رسالته
العقائد الإسلامية :" وأشهر الخلافات التى وسَّعَت الهُوّة بين الأمة
الواحدة، هو ما وقع من خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة.
وكان أهم الموضوعات التى ثار حولها الخلاف
هى ما يأتى:
1 - هل الإيمان تصديق فقط، أو هو تصديق
وعمل؟
2 - هل صفات الله الذاتية ثابتة، أو منفية
عنه؟
3 - هل الإنسان مُسيّر، أو مُخيّر .. ؟
4 - هل يجب على الله فعل الصلاح أو الصلح،
أو لا يجب؟
5 - هل الحسن والقبح يعرفان بالعقل، أو
الشرع؟
6 - هل يجب على الله أن يثيب الطائع،
ويعذب العاصى، أو لا يجب ذلك؟
7 - هل يرى الله فى الآخرة، أو أن ذلك
مستحيل؟
8 - ما حكم مرتكب الكبيرة التى لم يَتُب
منها حتى مات؟
إلى آخر هذه المسائل التى كانت مثار فرقة
بين المسلمين؛ والتى مزقت الأمة شيعًا وأحزابًا.
ولقد كان من نتائج هذا التنازع، ومن آثار
هذا الانقسام .. أن جنى المسلمون على أنفسهم جنايات خطيرة: فتزعزعت العقيدة فى
النفوس، واهتز الإيمان فى القلوب، فلم يعد للعقيدة السيطرة على سلوك الأفراد، ولم
يبق للإيمان السلطان على تصرفاتهم.
وتَبعَ ضعف العقيدة الضّعف العام فى
الفرد، وفى الأسرة، وفى المجتمع، وفى الدولة، وفى كل جانب من جوانب الحياة، وأخذ
هذا الضعف يَدِبّ فى كل ناحية، حتى أصبحت الأمة عاجزة عن النهوض بتبعاتها،
والاضطلاع بمسئولياتها داخليًا وخارجيًا، ولم تَبْق الأمة كما أرادها الله أن تكون
.. صالحة لقيادة المم وهداية الشعوب.
وإذا كان سبب تخلف الأمة عن غاياتها
الكبرى، هو ضعف العقيدة كان من الضرورى - ونحن نعمل على إعادة مجد أمتنا - أن نسعى
جاهدين فى غرس العقيدة فى نفوسنا، وأن نترسم الخطة التى رسمها الرسول صلى الله
علية وسلم فى تعهدها بالتربية والتنمية حتى تبلغ غايتها من القوّة وتصل إلى
النهاية من اليقين الذى يدفعنا إلى مجد الحياة، ويرفعنا إلى أسمى درجات العز
والشرف"
فهو الآخر يزهد في البحث العقدي
وقال سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن (3/1475)
:" (1) هنا تعرض قضية: «الإيمان يزيد وينقص» وهي قضية من قضايا الفرق وقضايا
علم الكلام في فترة الترف العقلي والفراغ من الاهتمامات العملية الجادة.. فلا ندخل
نحن الآن فيها!!!"
بعد أن نقلنا لهذه الشخصيات الثلاثة
الشهيرة من شخصيات فرقة الإخوان المسلمين
لنبدأ بالتعليق عليها واحدة واحدة
أولاً : هذه المسائل تبحث لأن من صميم
المعتقد وفهم الكتاب والسنة
وقد وردت عدة أحاديث تدل على أن هناك
طائفة منصورة وفرقة ناجية وأن هناك سبلاً على رأس كل سبيل منها شيطان وسبيل نبوي
واحد وجاءت أخبار في ذم المحدثات كلها فيما يشمل ما في العقيدة وما في الفقه
لهذا كان السلف يشتدون في ذم البدع
العقدية ويصنفون في الرد على أصحابها وما من بدعة إلا ولها أثر سوء على حياة الناس
وعبادتهم
ووردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار
في ذم الخوارج هي صحيحة ثابتة ، والمرجئة يضادون الخوارج ويعاكسونهم ويقابلون
الغلو بالجفاء فذم السلف الجميع
قال ابن أبي شيبة في المصنف [32796]:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , عَنْ شُعْبَةَ , عَنْ
أَبِي التَّيَّاحِ , عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ , قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:
لَيُحِبُّنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا
النَّارَ فِي حُبِّي وَلَيُبْغِضُنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي
بُغْضِي.
فإذا كان في حب علي وبغضه يدخل أناس الجنة
والنار فكيف بمسائل الإيمان ورؤية الله عز وجل يوم القيامة وغيرها
الثاني : أن زيادة الإيمان ونقصانه ليست
مسألة فلسفية ولا كلامية كما ادعى سيد قطب بحمقه وجرأته بل هي مسألة موجودة في
الكتاب والسنة والأدلة على ذلك كثيرة جداً
( ليزداد الذين آمنوا إيماناً ) ونظائرها
من النصوص وما يزيد لا بد أن يكون ناقصاً وتفاضل أهل الجنة بالدرجات وأمر أهل
الإيمان بالإيمان ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا ) وغيرها من النصوص يدل على زيادة
الإيمان ونقصانه
ودخول العمل في مسمى الإيمان أيضاً هو أصل
عظيم ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد )
وقد ادعت المرجئة أن المرء يكمل الإيمان
في قلبه ولا يشترط أن يثمر لذلك عمل
فكان قولهم من أكثر ما جرأ الناس على
المعاصي والتهاون في الفرائض
ولذا قال بعض السلف ( المرجئة يهود هذه
الأمة ) لأنه كما اتكلت اليهود على أنسابها وادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه اتكل
هؤلاء على مطلق الإيمان والتصديق القلبي
ومن قال بأنه يصح إيمان شخص أو إسلامه دون
أن يعمل أي عمل فقد عطل في حقيقة أمره شروط لا إله إلا الله إذ كيف يجتمع في قلب
المرء يقين وقبول وانقياد وتصديق ومحبة ثم لا يثمر هذا أي عمل
فهذا بحث صميم يدخل في حياة كل مسلم ،
وأما موضوع التصديق فلا يختلف أهل السنة والمرجئة أن التصديق داخل في مسمى الإيمان
، وقال المرجئة القدماء غير الغلاة أنه لا بد من القول حتى يدخل المرء الإسلام
وينجو في الآخرة ولا يشترط لذلك عمل ، وهؤلاء الذين قال فيهم السلف تركوا الدين
أرق من ثوب سابري
وظهرت مرجئة غلاة وهؤلاء الذين كفرهم
المرجئة الأوائل وكفرهم السلف وهم الذين يقولون التصديق وحده يكفي ولا يشترط أن
يتلفظ بالشهادتين إلا لإجراء الأحكام الدنيوية
ولا يخفى ما في هذا القول من الخطورة
الشديدة
وأما مغايرة الإسلام للإيمان وعلاقتهما
ببعضهما فهذا البحث ضروري لفهم النصوص فالله عز وجل يقول ( وقالت الأعراب آمنا قل
لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) فهل نترك
القرآن وتفسيره من أجل حسن البنا وسيد سابق ؟!
وحديث جبريل في السؤال عن الإسلام
والإيمان معروف ومن المسائل المعروفة عند علماء الفقه والحديث هل يجوز أن يقول
المرء عن نفسه ( أنا مؤمن ) وهل يجوز الاستثناء وهل هو شك ، وقد كفر المرجئة أهل
السنة أو أشاروا حين قالوا عنهم الشكاك لأنهم يستثنون فكيف لا تبحث هذه المسألة
وقد وصل فيها البغي إلى هذا الحد
وأما رؤية الله عز وجل يقول القيامة فهذه
أحاديث ثابتة أنكرها المعتزلة وأنكروا تفاسير السلف للقرآن تأثراً بالفلاسفة
وليتهم إذ أنكروا هذه الأخبار اكتفوا بنفي الرؤية بل زعموا امتناعها وفتحوا الباب
لكل زنديق إذ كذبوا بأحاديث متواترة اتفق المحدثون على تصحيحها فلو سلم لهم تركها
سهل الطعن في أي خبر آخر وذهب الدين
قال عبد الله بن أحمد في السنة418 - حَدَّثَنِي
إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ:
" مَنْ رَدِّ حَدِيثَ [ص:232] إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ،
عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةِ فَاحْسِبُوهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ قَدْ قَالَتِ
الْمُرْجِئَةُ: الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
يُجْزِئُ مِنَ الْعَمَلِ، وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمَعْرِفَةُ بِالْقَلْبِ
بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُجْزِئُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَهَذَا
كُفْرٌ "
419
- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ
بْنِ هَارُونَ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ
جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ
رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ» فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ
يَزِيدُ: مَنْ كَذَبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقال الكلاباذي الصوفي في التعرف :" وَجَاءَت
الرِّوَايَة بِأَنَّهَا الرُّؤْيَة وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ
الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَا تضَامون فِي رُؤْيَته يَوْم الْقِيَامَة
وَالْأَخْبَار فِي هَذَا مَشْهُورَة متواترة وَجب القَوْل بِهِ وَالْإِيمَان
والتصديق لَهُ"
قال ابن تيمية: إنه قد ثبت بالسنة
المتواترة وباتفاق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل
الإسلام الذين ائتموا بهم من دينهم، أن الله سبحانه وتعالى يرى في الدار الآخرة
بالأبصار عياناً، وقد دل على ذلك القرآن في مواضع كما ذلك مذكور في مواضعه،
والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد أعتنى
بجمعها أئمة4.
• وقال
ابن كثير في النهاية: وأحاديث الرؤية لله يوم القيامة متواترة رواها جماعة الصحابة.
قال الإمام أحمد في أحاديث الرؤية: "أحاديث
صحاح نؤمن بها ونقر، وكلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نؤمن به
ونقر" اللالكائي: شرح أصول السنة رقم: 889، وقال ابن عيينة في أحاديث الرؤية
أيضاً: حق نرويها على ما سمعنا ممن نثق به ونرضاه. الدارقطني الصفات: 41، وعبد
الله بن أحمد في السنة
وقال الذهبي في العلو 467 - أخبرنَا ابْن
علوان أَنبأَنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن أَنبأَنَا عبد المغيث بن زُهَيْر
أَنبأَنَا ابْن كادش أَنبأَنَا مُحَمَّد بن العشاري أَنبأَنَا أَبُو الْحسن
الدَّارَقُطْنِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد حَدثنَا الْعَبَّاس الدوري سَمِعت
أَبَا عبيد وَذكر الْبَاب الَّذِي يرْوى فِيهِ حَدِيث الرُّؤْيَة والكرسي
وَمَوْضِع الْقَدَمَيْنِ وَضحك رَبنَا وَحَدِيث أَيْن كَانَ رَبنَا فَقَالَ هَذِه
أَحَادِيث صِحَاح حملهَا أَصْحَاب الحَدِيث وَالْفُقَهَاء بَعضهم عَن بعض وَهِي
عندنَا حق لَا نشك فِيهَا وَلَكِن إِذا قيل لنا كَيفَ وضع قدمه وَكَيف يضْحك
قُلْنَا لَا نفسر هَذَا وَلَا سمعنَا أحدا يفسره
أقول : ورواة أحاديث الرؤية هم رواة
أحاديث الأحكام وإذا كان كل مبتدع سيتتبع متشابه القرآن ويفسره على هواه ثم يرد
أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فما بقي لنا دين ، وإذا كان التفسير
الذي يخالف السنة واتفاق السلف والمحدثين ليس اتباعاً للمتشابه فما أمارة اتباع
المتشابه إذن ؟
وليس المراد بسط هذه المسألة بعينها فإنها
معروفة عند طلبة العلم ، ولكن المراد بيان هذا الهذيان الإخواني
وليراجع ما كتبه ابن القيم في حادي
الأرواح فإنه جمع جمعاً عظيماً في المسألة
وأما مسألة التحسين والقبيح العقليين فهي
مسألة راجعة إلى تفسير النصوص وإلى إثبات الحكمة ونفيها ويترتب عليها أمور كبار
خصوصاً في أجوبة أسئلة الملاحدة حول علل بعض الشرائع
والعجيب أن حسناً البنا بعد ذكره لذلك
الكلام العجيب ذكر ( تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي )
وكيف تتبع السنة وأنتم تنفرون من الرد على
أهل البدع الذين يخالفونها ؟ وتصفون مباحث الرد عليهم بألفاظ خبيثة ؟
وأما مسألة حكم مرتكب الكبيرة أفلا يعرف
سيد سابق أخبار الشفاعة المتواترة وما ورد في ذم الخوارج ؟! وما ينبغي على هذا
المعتقد من التقنيط
ويجدر أنه لا يعرف سوى الأشاعرة والمعتزلة
وكأن الله ما خلق أهل الحديث
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم