مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هلا اعتبر الصوفية بكلام متقدميهم ...

هلا اعتبر الصوفية بكلام متقدميهم ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمعلوم ما آل إليه حال متأخري المنتسبين للتصوف من إشراك صريح وتعلق بالأولياء والأضرحة مع تجهم غال ، وكلاهما مناف أشد المنافاة لقطعيات القرآن وما جاء به جميع الرسل

والصوفية الكلابية الأوائل على انحرافهم كانوا أقرب لتحقيق توحيد الألوهية

وإليك هذا الكلام للقشيري صاحب الرسالة المشهورة

قال أبو القاسم القشيري في تفسيره :" فلا تجعلوا لله أندادا، ولا تعلّقوا قلوبكم بالأغيار فى طلب ما تحتاجون إليه فإن الحق سبحانه وتعالى متوحّد بالإبداع، لا محدث سواه، فإذا توهمتم أن شيئا من الحادثات من نفع أو ضرر، أو خير أو شر يحدث من مخلوق كان ذلك- فى التحقيق شركا.
وقوله عز وجل: «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أن من له حاجة فى نفسه لا يصلح أن ترفع حاجتك إليه.
وتعلّق المحتاج بالمحتاج، واعتماد الضعيف على الضعيف يزيد فى الفقر، ولا يزيل هواجم الضر"

ففي هذا الكلام عبرة لمن يتعلق بالأولياء ويستغيث بهم ويقبل عليهم وإن كان كلامه كأنه فيه مذهب القوم في نفي تأثير الأسباب 

وقال أيضاً :"  لا تعبد ما لا تنفعك عبادته ولا تضرّك عبادته، وتلك صفة كل ما يعبد من دون الله.
واستعانة الخلق بالخلق تمحيق للوقت بلا طائل فمن لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا كيف يستعين به من هو فى مثل حاله؟ وإذا انضاف الضعيف إلى الضعيف ازداد الضعف"


وهذا كلام حسن في التوحيد

والقشيري هذا ينبغي أن يصنف مجسماً عند متأخري الأشعرية فهو يثبت الوجه والعين على طريقة الكلابية الأوائل

حيث يقول في تفسيره :" فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحوله، وحمد الخلق له على إنعامه وطوله، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو، واستيجابه لنعوت العز والسمو، فله الوجود (قدرة) «1» القديم، وله الجود الكريم، وله الثبوت الأحدى، والكون الصمدى، والبقاء الأزلى، والبهاء الأبدى، والثناء الديمومى، وله السمع والبصر، والقضاء والقدر، والكلام والقول، والعزة والطول، والرحمة والجود، والعين والوجه والجمال، والقدرة والجلال، وهو الواحد المتعال، كبرياؤه رداؤه، وعلاؤه سناؤه، ومجده عزه، وكونه ذاته، وأزله أبده، وقدمه سرمده، وحقه يقينه، وثبوته عينه، ودوامه بقاؤه، وقدره قضاؤه، وجلاله جماله، ونهيه أمره، وغضبه رحمته، وإرادته مشيئته، وهو الملك بجبروته، والأحد فى ملكوته. تبارك الله سبحانه"

وإن كان عامة تفسيره تجهم صريح

وقال الكلاباذي في التعرف لمذهب أهل التصوف :" وَأَجْمعُوا أَنَّهَا لَا تتغاير وَلَا تتماثل وَلَيْسَ علمه قدرته وَلَا غير قدرته وَكَذَلِكَ جَمِيع صِفَاته من السّمع وَالْبَصَر وَالْوَجْه وَالْيَد لَيْسَ سَمعه بَصَره وَلَا غير بَصَره كَمَا أَنه لَيْسَ هِيَ هُوَ وَلَا غَيره"

وإن كان الكلاباذي جاء إلى كلاميات محضة ونسبها إلى أعيان الزهاد الذين ادعى أنهم على التصوف الذي يريد وعلى رأسهم جعفر الصادق والذي يظهر لي أنه كلابي هو الآخر

وقد استدل عليهم ابن تيمية بنحو مما ذكرته هنا

فقال في قاعدة جليلة :" ولهذا روى الطبراني في معجمه: (أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال الصديق رضي الله عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فجاءوا إليه فقال: إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله) وهذا في الاستعانة مثل ذلك.
فأما ما يقدر عليه البشر، فليس من هذا الباب، وقد قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9]، وفي دعاء موسى عليه السلام: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وإليك المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وقال أبو يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق.
وقال أبو عبد الله القرشي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:56 - 57].
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء، فقال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم هم عبادي كما أنتم عبادي، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ويتقربون إلي كما تتقربون إلي.
فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء، مع إخباره لنا أن الملائكة يدعون لنا ويستغفرون، ومع هذا فليس لنا أن نطلب ذلك منهم، وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار، فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يفضي إلى الشرك، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين، بخلاف سؤال أحدهم في حياته فإنه يشرع إجابة السائل، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم"

وقال الماوردي في أدب الدنيا والدين :" لَا تُكْثِرْ الشَّكْوَى إلَى الصَّدِيقِ ... وَارْجِعْ إلَى الْخَالِقِ لَا الْمَخْلُوقِ
لَا يَخْرُجُ الْغَرِيقُ بِالْغَرِيقِ"

وقبل الختم هنا وقفة

كثير ممن يزعم التجديد ومحاربة التراث التقليدي ويصدع رؤوسنا بأطروحات غريبة

تراهم يأتون إلى أمور صحيحة في الشرع اتفق العلماء على تصحيحها أو القول بها ويبدأون بالحرب عليها تارة ببنيات أفكارهم وتارة يأخذون من المنصرين أو الملاحدة أو الروافض

فتجد كلاماً عن الرجم وكلاماً عن حد الردة وثرثرة كثيرة عن دوران الأرض ووصلنا إلى مرحلة الاعتقاد بنظرية التطور في بعضهم والقول بأن الكفار سيدخلون الجنة بمعنى أنه لا يشترط الإسلام لدخول الجنة

ثم هم يهملون أموراً هي تخالف الدين ومحدثة وفاشية في الناس فشواً عظيماً كالاستغاثة بالأضرحة والتبرك بالأشجار والمقامات ونحن نرى ضروباً من هذا الشرك عند الكعبة وحتى التمائم والتطير والذهاب للكهنة فاش جداً ولو كلمناكم بعقولكم لقلنا سواءاً اعتقد المرء أن الأرض تدور حول الشمس أو العكس فالليل والنهار وتكون الفصول حاصلان حاصلان ولكن البلاء بهذه الخرافات ، علماً بأننا نحن إذا بحثنا هذه المسائل فبابنا عدم تحريف الشرع وعدم نقض الإجماع سيراً وراء ظنيات لمجرد أن الغرب يتكلمون فيها مع اعترافهم أنها ليست قطعيات ، هذا الأمر لوتأملت فيه لعلمت أن هؤلاء القوم ليسوا سوى منهزمين أو حتى أمراً أشد من ذلك
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي