الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال القشيري الصوفي الأشعري في تفسيره :"
وقوله «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» . لو كان الأمر بالقياس لكانت
الأنثى بالتفضيل أولى لضعفها، ولعجزها عن الحراك، ولكنّ حكمه- سبحانه- غير معلّل"
هنا ينفي الحكمة باعتراض على الحكم بصفاقة
، والحكمة ظاهرة في كون الرجل له ضعف حظ الأنثى
فإن الرجل ملزم بمهر ونفقة على زوجته
وملزم بدفع دية الخطأ وملزم بالمتعة والنفقة على المرأة في حال الطلاق فهو متشوف
للنقص في ماله والمرأة متشوفة للزيادة في مالها وهذا بحسب الإلزام الشرعي ولا شأن
لها بما أحدثه الناس مما يخالف الشرع والفطرة على أن المهر ودفع نفقة المطلقة ودفع
دية الخطأ هذه لازمة بلزوم الشرع زيادة على الجهاد وما يحتاجه المرء في ذلك
والناس متشوفة إلى ما في يدي الرجل لأنه
أقدر على الاكتساب بخلاف الأنثى
ونفي الحكمة والتعليل هو مذهب الأشعرية
والظاهرية وقد كان مذهباً للزنادقة يطعنون به على الشرع
والأبيات المشهور عن أبي العلاء المعري في
استشكال أن تقطع اليد في ربع دينار ذهب وهي ديتها خمسون من الإبل فردوا عليه لما
كانت أمينة كان ثمينة فلما خانت هانت هو من جنس اعتراضات منكري الحكمة والتعليل
كابن حزم والأشعرية
بل إن الرازي الأشعري الجهمي ذكر حكمة
عجيبة في تفسيره تخالف مذهبه في الحكمة والتعليل من كون حظ الذكر كحظ الأنثيين
وهو أن الرجال في الغالب يطمعون في حرمان
الإناث من الميراث لأنهم أقوى منهن وأقدر على ظلمهن فجعل الله لهم الضعف لئلا
يطمعوا في ذلك وهذا تعليل عجيب وفيه وجاهة فلا زلنا نرى من يحرم الإناث من الميراث
بالقسر فيكون كون حقه ضعف حقها أبلغ في قيام الحجة عليه وظهور ظلمه
وقال محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره :"
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْحِكْمَةُ
الْبَالِغَةُ، تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ النَّاقِصُ مُقَوَّمًا عَلَيْهِ
مِنْ قِبَلِ الْقَوِيِّ الْكَامِلِ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ
مُلْزَمًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نِسَائِهِ، وَالْقِيَامِ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِنَّ
فِي الْحَيَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ،
وَمَالُ الْمِيرَاثِ مَا مَسَحَا فِي تَحْصِيلِهِ عَرَقًا، وَلَا تَسَبَّبَا فِيهِ
الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مِنَ اللَّهِ مَلَّكَهُمَا إِيَّاهُ
تَمْلِيكًا جَبْرِيًّا، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ أَنْ يُؤْثِرَ
الرَّجُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ أَدْلَيَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ;
لِأَنَّ الرَّجُلَ مُتَرَقِّبٌ لِلنَّقْصِ دَائِمًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى
نِسَائِهِ، وَبِذْلِ الْمُهُورِ لَهُنَّ، وَالْبَذْلِ فِي نَوَائِبِ الدَّهْرِ،
وَالْمَرْأَةُ مُتَرَقِّبَةٌ لِلزِّيَادَةِ بِدَفْعِ الرَّجُلِ لَهَا الْمَهْرَ،
وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا وَقِيَامِهِ بِشُئُونِهَا، وَإِيثَارُ مُتَرَقِّبُ
النَّقْصِ دَائِمًا عَلَى مُتَرَقِّبِ الزِّيَادَةِ دَائِمًا لِجَبْرِ بَعْضِ
نَقْصِهِ الْمُتَرَقِّبِ، حِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَاضِحَةٌ، لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا
مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلِذَا قَالَ
تَعَالَى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [4 \ 11] ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ
الْحِكَمِ الَّتِي بَيِّنَا بِهَا فَضْلَ نَوْعِ الذَّكَرِ عَلَى نَوْعِ
الْأُنْثَى فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالطَّبِيعَةِ، جَعَلَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
الرَّجُلَ هُوَ الْمَسْئُولَ عَنِ الْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا. وَخَصَّهُ
بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ دُونَهَا، وَمَلَّكَهُ الطَّلَاقَ
دُونَهَا، وَجَعَلَهَ الْوَلِيَّ فِي النِّكَاحِ دُونَهَا، وَجَعَلَ انْتِسَابَ
الْأَوْلَادِ إِلَيْهِ لَا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ فِي الْأَمْوَالِ
بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا
رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ فِي
الْحُدُودِ وَالْقَصَاصِ دُونَهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَارِقِ
الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الضَّعْفَ الْخِلْقِيَّ
وَالْعَجْزَ عَنِ الْإِبَانَةِ فِي الْخِصَامِ عَيْبٌ نَاقِصٌ فِي الرِّجَالِ،
مَعَ أَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ النِّسَاءِ الَّتِي تَجْذِبُ
إِلَيْهَا الْقُلُوبَ"
والقشيري هذا الذي ينفي الحكمة والتعليل
مع تجهمه وخرافيته الظاهرة في الرسالة التي نقدها ابن تيمية في الاستقامة يقول عنه
السبكي الأشعري في طبقات الشافعية الكبرى :" 473 - عبد الْكَرِيم بن هوَازن
بن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْأُسْتَاذ أَبُو
الْقَاسِم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي الملقب زين الْإِسْلَام
الإِمَام مُطلقًا وَصَاحب الرسَالَة
الَّتِي سَارَتْ مغربا ومشرقا والبسالة الَّتِي أصبح بهَا نجم سعادته مشرقا
والأصالة الَّتِي تجَاوز بهَا فَوق الفرقد ورقى
أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما وَعَملا
وأركان الْملَّة فعلا ومقولا
إِمَام الْأَئِمَّة ومجلي ظلمات الضلال
المدلهمة
أحد من يقْتَدى بِهِ فِي السّنة ويتوضح
بِكَلَامِهِ طرق النَّار وطرق الْجنَّة
شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم
الطَّائِفَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم"
وقد وثقه الخطيب وأنثى عليه وبينهما رحم
فالخطيب نفسه ينفي الحكمة والتعليل ومثله ابن عساكر فانظر إلى هؤلاء مع سعة حفظهم
أهلكتهم الكلاميات فإنا لله وإنا إليه راجعون
وإن المرء إذا وقف على هذا ينبغي أن يسأل
الله السلامة ويكون على وجل شديد ويكون ضنيناً بتوحيده ، ولكننا قومٌ مسرفون كم
نحسن الظن بأنفسنا ونقبل على مواطن العطب وكلنا ثقة بأنفسنا ولا أدري ماذا رأينا
من أنفسنا حتى نثق بها ؟
وهذا القشيري الذي خصصته بهذا المقال كان
قد جمع فأوعى من نصوص سادات العباد الذين كان لهم تدرجات عجيبة في مقامات العبودية
فأنار الله بصائرهم فنطقوا بكلمات جليلة تعبر عن شيء مما يجدونه من هذه المقامات ،
فخلط هذه الكلمات بوساوس الجهمية المأخوذة عن ملاحدة الفلاسفة وبتخاريف المجاذيب
والمجانين بل ما طاب له خاطر حتى نسب هذه البلايا لأئمة الزهاد فإنا لله وإنا إليه
راجعون
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم