مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تنبيه هام حول أحاديث الأذكار الضعيفة ...

تنبيه هام حول أحاديث الأذكار الضعيفة ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن أبي حاتم في العلل :" 13 - وسمعتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حديثُ زيدِ ابن أَرْقَمَ عن النبيِّ (ص) - فِي دخُولِ الخَلاَء  - قد اختلفوا فيه  : فأمّا سعيدُ بْن أَبِي عَروبة  ، فإنه يَقُولُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَن القاسم بْن عَوْف، عَنْ زَيْدٍ، عن النبيِّ (ص) .
وشُعْبَةُ  يَقُولُ: عَنْ قَتَادَةَ  ، عَن النَّضْر ابن أنس، عن زيد بن أرقم، عن النبيِّ (ص) .
وحديثُ عبد العزيز بن صُهَيْب، عَن أنس، أشبَهُ عِنْدِي.
قلتُ: فحديثُ إسماعيلَ بنِ مسلمٍ يزيد فِيهِ: «الرِّجْسِ النَّجِسِ ... »
قَالَ: وإسماعيلُ ضعيفٌ، فأرى أن يُقال: «الرِّجْسِ النَّجِس، الخَبيثِ المُخْبِث، الشَّيطانِ الرَّجيم» ؛ فإنَّ هَذَا دعاءٌ"

أقول : هنا فائدة نفيسة جداً من أبي زرعة أنه مع تضعيفه لتلك الزيادة رأى أنها تقال لأنها دعاء

فالحديث في الأذكار إذا كان يشبه ألفاظ الأخبار الصحيحة الثابتة وليس فيه ما يستنكر متناً وما تيقنا وضعه قيل ولا مشكلة

وكثير من المعاصرين وأنا كنت منهم كنا ننهى الناس عن بعض الأذكار التي أسانيدها أقوى من هذا بكثير لمجرد وجود ضعف في السند ولو كان انقطاعاً محتملاً

ثم ظهر لي أن السلف ما كانوا يشددون هذا التشديد وقد كتب كثيرون في الأذكار من آخرهم ابن تيمية في الكلم الطيب وتلميذه ابن القيم في كتابه الجليل الوابل الصيب

وتصرفت أيدي المعاصرين بهذه الكتب تقسيماً إلى صحيح وضعيف وهذا محدث وتعنت غير مقبول

وكثير ممن يكتب كروتاً للأذكار يجتنب أذكاراً ضعفها يسير ومحتملة جداً ومتونها تشبه ألفاظ النبوة ولا نكارة فيها وقد خرجها الأئمة وسأعطيك بعض الأمثلة

1_ قال أبو داود في سننه 5072 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنْ سَابِقِ بْنِ نَاجِيَةَ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي مَسْجِدِ حِمْصَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالُوا: هَذَا خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَدَاوَلْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ الرِّجَالُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ "

فهذا الحديث اجتمعت فيه عدة أمور

أولاً : خرجه أحمد وأبو داود وغيرهم

ثانياً : رواه شعبة الإمام الذي لا يروي المناكير في العادة

ثالثاً : غاية ما فيه جهالة التابعي وطبقة التابعين الصدق فيها فاش وقد ذكر الذهبي في الكاشف أن التابعي إذا كان من أواسطهم أو كبارهم ولم يرو منكراً قبل حديثه ، وهذا الرجل ليس له إلا هذا الحديث

ثم إن هذا المجهول روى عنه قاضي واسط

ثم إن متنه له نظائر ، نعم اختلف فيه بين شعبة ومسعر ويبدو أن الحكم فيه لشعبة

ولكن لأن الألباني ضعف الحديث حذف من كثير من كتيبات ونشرات الأذكار

2_ قال أبو داود في سننه 5083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي - قَالَ ابْنُ عَوْفٍ: وَرَأَيْتُهُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ - قَالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ، عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا بِكَلِمَةٍ نَقُولُهَا إِذَا أَصْبَحْنَا، وَأَمْسَيْنَا، وَاضْطَجَعْنَا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: «اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ أَنَّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، فَإِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَشِرْكِهِ، وَأَنْ نَقْتَرِفَ سُوءًا عَلَى أَنْفُسِنَا أَوْ نَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ»

وهذا ما فيه علة سوى أن شريحاً لم يسمع من أبي مالك الأشعري

ومعظمه له شواهد

قال أحمد في مسنده 6597 - حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، حَدَّثَهُ قَالَ: أَخْرَجَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قِرْطَاسًا، وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي إِثْمًا أَوْ أَجُرَّهُ عَلَى مُسْلِمٍ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَنَامَ»

وهذا ضعيف غير أن الأمر في الأذكار يحتمل مع التعاضد

3_ قال أبو داود 5084 - وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتْحَهُ، وَنَصْرَهُ، وَنُورَهُ، وَبَرَكَتَهُ، وَهُدَاهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ "

يعني الإسناد السابق

4_ قال أبو داود في سننه 5090 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي»، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ، قَالَ عَبَّاسٌ فِيهِ: وَتَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ تُعِيدُهَا ثَلَاثًا حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي، فَتَدْعُو بِهِنَّ» فَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ «اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ»

وهذا حسنه الألباني وصواب إسناده الضعف لذا ضعفه غيره ونهوا الناس عن قوله والأمر هين فهو مع ضعفه محتمل فالأمر أذكار والدعاء ألفاظه مستقيمة

5_ قال أبو داود في سننه 5096 - حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: ابْنُ عَوْفٍ، وَرَأَيْتُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ، عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ، وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ "

وهذا لا علة فيه سوى عدم سماع شريح من أبي مالك والأمر هين فكلاهما شامي والمتن دعاء ومستقيم

ومن الناس من يقول هذا اعتماداً على تحسين ابن باز للخبر وابن باز نظر في رجال الإسناد فحسب وما تنبه لعلة الانقطاع التي نصوا عليها في كتب المراسيل

وعلى ما ذكرت لك فقس ، وواضح من طريقة الأئمة أنهم يتسمحون في أخبار الأذكار بإيراد أمور لا يوردونها في أحاديث الأحكام إلا معتضدة بقرائن قوية 

ومما يؤكد على المعنى الذي ذكرته ما جاء في زاد المسافر لغلام الخلال :" وفي رواية مهنا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الكنيف قال أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإذا خرج قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني "

والخبر الثاني ضعيف عند الناس 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي