الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال النووي في روضة الطالبين (10/64)
:" أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَالْأَلْوَانِ،
أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ، كَانَ كَافِرًا"
أقول : هذه عقيدة الجهمية في نفي أن الله
داخل العالم أو خارجه وهي أشنع من عقيدة الجهمية الأولى في أن الله في كل مكان
وتأمل قوله ( والانفصال ) وهذا عين قول
السلف ( بائن من خلقه ) ، ولعله يعني بالاتصال نفي ما ورد في بعض الأخبار من
المسيس
ولكن خذ نصاً أظهر من هذا
قال النووي في روضة الطالبين (10/85)
:" وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الْمَالِكُ، أَوِ
الرَّازِقُ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ; لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ السُّلْطَانَ الَّذِي
يَمْلِكُ أَمْرَ الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ، وَلَوْ قَالَ: لَا مَالِكَ
إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَا رَازِقَ إِلَّا اللَّهُ، كَانَ مُؤْمِنًا، وَبِمَثَلِهِ
أَجَابَ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَزِيزُ، أَوِ
الْعَظِيمُ، أَوِ الْحَكِيمُ، أَوِ الْكَرِيمُ، وَبِالْعُكُوسِ، وَأَنَّهُ لَوْ
قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، أَوْ إِلَّا
مَلِكُ السَّمَاءِ، كَانَ مُؤْمِنًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ
فِي السَّمَاءِ.
وَلَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا سَاكِنُ
السَّمَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ ; لِأَنَّ السُّكُونَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى،
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ إِنْ شَاءَ، أَوْ إِنْ كَانَ شَاءَ
بِنَا، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْيَهُودِيَّ: أَنَا بَرِئٌ
مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، أَوْ نَصَرَانِيٌّ: أَنَا بَرِيءٌ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ،
لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ; لِأَنَّهُ ضِدُّ الْيَهُودِيَّةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي
الْإِسْلَامِ"
فهنا النووي يكفر من يقول ( الله ساكن
السماء ) ولا تظنن أنه في كلامه الأول يثبت العلو فإن له عنده تأويلاً وكتبه تنضح
بالتأويلات
فعبارة ساكن السماء قائلها عند النووي ليس
مؤمناً فمن قالها ؟
قال البغوي في الجعديات حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، نا سَيَّارُ، نا جَعْفَرٌ، نا ثَابِتٌ قَالَ: " كَانَ
دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي يَا عَامِرَ السَّمَاءِ،
نَظَرَ الْعَبِيدِ إِلَى أَرْبَابِهَا يَا سَاكِنَ السَّمَاءِ "
وهذا إسناد قوي في المقطوع
وقد روى هذا الخبر اللالكائي في السنة
محتجاً به على الجهمية ، ورواه أبو نعيم في الحلية وهو منسوب للأشعرية الأولى ،
وراه ابن قدامة في إثبات صفة العلو محتجاً به على الجهمية ، وكذا رواه عبد الله بن
أحمد في زوائد الزهد
وقال الذهبي في كتابه العرش :" 133- وصح
عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع، ثم يرفع رأسه
إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي [يا عامر السماء] ، نظر العبيد إلى أربابها
يا ساكن السماء".
رواه اللالكائي بإسناد صحيح عن ثابت"
وكذا صححه في الأربعين في الصفات
وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة :"
ومن دعاء أهل الإسلام جميعا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم
يقولون جميعا: يا ساكن السماء، ومن حلفهم جميعا: لا والذي احتجب بسبع سماوات"
وهذا نقل إجماع وقد نقل ابن تيمية وابن
القيم هذا النص وأقراه
قال الماوردي في تفسيره :" قال الشاعر:
(وما تَدري جذيمةُ مَنْ طحاها ... ولا من
ساكنُ العَرْشِ الرّفيع)"
والماوردي معتزلي وكذا نقل هذا البيت
القرطبي الأشعري وابن عادل الحنبلي وهو أشعري وكذا الشوكاني
وهذا يدل على أن هذه العبارة موجودة في
أشعار العرب دون نكير
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (5/215) : أخبرنا
أبو القاسم الشحامي أنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن قال سمعت الحاكم أبا عبد
الله الحافظ يقول ح وأخبرنا أبو المظفر بن القشيري أنا أبو بكر البيهقي قراءة عليه
قال أنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال سمعت علي بن حمشاذ العدل يقول سمعت
جعفر بن محمد بن الحسين يقول سمعت سلمه بن شبيب يقول كنا عند أحمد بن حنبل إذ
جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس فقال من
منكم أحمد قال أحمد أنا ما حاجتك قال صرت وقال البيهقي ضربت إليك من أربعمائة فرسخ
أريت الخضر عليه السلام في المنام قال لي قم وصر إلى أحمد بن حنبل وقل له إن ساكن
العرش والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك.
وهذا إسناد صحيح وفيه حل الإشكال الوارد
في الرواية الأخرى فهذا ظاهر في أن هذه رؤيا منام
و(ساكن العرش ) و ( ساكن السماء ) بمعنى
واحد فالسماء في اللغة العلو وتطلق على كل ما سما فالعرش بهذا الاعتبار يسمى سماء
وهذه الكلمة ليس فيها إثبات شيء زائد على
ما ورد في الأخبار من علو الباري على عرشه
فإن قيل : من أين قلت أن النووي إمامه
الأشعري ؟
ظاهر من كتب النووي أشعريته وقد نص على
أشعريته السخاوي واليافعي
ولكن خذ هذا قال النووي في بستان العارفين
:" ومن المشهودين بكثرة التصنيف أمامنا الامام ابو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي والإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنهما وقد عدد الامام أبو بكر
البيقهي رحمه الله تعالى مصنفات الشافعي وعدد الامام حافظ الشام بل حافظ الدنيا
ابو القاسم المعروف بابن عساكر رضي الله تعالى عنه في كتابه تبيين كذب المفتري
فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري تصانيف الأشعري أنها نحو ثلثمائة تصنيف"
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (15/324)
:" والنووي رجل أشعري العقيدة معروف بذلك، يبدع من خالفه ويبالغ في التغليظ
عليه"
وما قاله الذهبي تشهد به طريقة الرجل
وكلمة الذهبي هذه في طبعة بشار عواد معروف وقال السخاوي في المنهل الروي :" قلت:
وصرح اليافعي والتاج السبكي " " أنه أشعري. وقال الذهبي في " تاريخه
" إنه مذهب في الصفات السمعية: السكوت، وإمرارها كما جاءت، وربما تأويل قليلا
في " شرح مسلم " كذا قال: والتأويل كثير في كلامه، انتهى" وكلمة
الذهبي المذكورة استدراك جيد
والواقع أنه يكفر من خالف
قال سفر الحوالي في كتابه الأخير في
الأشاعرة :" وقال شارح (الجوهرة): «واعلم أن معتقد الجهة لا يكفر، كما قاله
العز بن عبد السلام، وقيده النووي بكونه من العامة، وابن أبي جمرة بعسر فهم نفيها،
وفصَّل بعضهم فقال: إن اعتقد جهة العلو لم يكفر؛ لأن جهة العلو فيها شرفٌ ورفعةٌ
في الجملة (4)،
وإن اعتقد جهة السفل كفر»"
تأمل جيداً ما نقله الشارح عن النووي
وقد قال في شرحه على صحيح مسلم :" وَقَدْ
قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَلِكَ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ
بِدَلَائِلِهِمُ الْقَطْعِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ"
وصرح في المجموع بوجوب تعلم علم الكلام
على الكفاية
وكذا في شرحه على صحيح مسلم حيث قال :"
قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ
وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ فَمِنَ الْوَاجِبَةِ نَظْمُ أدلة
المتكلمين لِلرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْهُ ذَلِكَ"
وداعي كتابة مثل هذا إلزام فريقين
الجهمية الأشعرية ، والفريق الذي يجعل هذا
الرجل في مقام يقارب مقام الصحابة أو أئمة الإسلام الناصرين للعقيدة الصحيحة
ويصورون له صورة تخالف واقعه تماماً تأثراً بدعاية أشعرية ابتداءً ثم ببحث عاطفي
بعد ذلك يدفع فيه الحقائق الظاهرة من كون هذا الرجل ابتلع الأشعرية الجهمية
المتأخرة وما خرم منها شيئاً إلا شيئاً يسيراً مع غلو ظاهر في الحكم على
المخالفين هذا مع التصوف البدعي فجعله
محنة من السفه ، حتى أنني رأيت بعضهم يكابر ويدعي إمامته في الحديث والعلل وكل من يقرأ شرحه على صحيح مسلم وتعقباته للدارقطني يعلم أنه منافر لقواعد المحدثين بالكلية مائل لكلام متأخري الأصوليين وعلى طريقته لا يوجد إعلال بوقف ولا إرسال ولا زيادة شادة إذا كان الراوي ثقة وإن خالفه من خالفه فطريقته تقتضي نسف أجزاء كبيرة من كتب العلل وما اكتفى بالدفع بالصدر حتى زعم أن قواعد المحدثين التي اعتمدها الدارقطني والتي يقول بها مسلم نفسه كما هو ظاهر من التمييز له ادعى أنه قواعد ضعيفة وهذا مبلغه من العلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم