مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: عقيدة ماء الحياة في مجمع البحرين ...

عقيدة ماء الحياة في مجمع البحرين ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد بلغني أن بعض النصارى وبعض الباحثين يذكر أن المسلمين يؤمنون بماء الحياة الموجود عند مجمع البحرين ، وهذا اعتقاد قديم لبعض الحضارات

وعند النظر وجدت أن هذا الماء قد ذكر في خبر واحد منكر

قال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَلَسْتُ فَأَسْنَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، إِنَّ نَوْفًا ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ يَزْعُمُ عَنْ كَعْبٍ، أَنَّ مُوسَى النَّبِيَّ الَّذِي طَلَبَ الْعَالِمَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا. قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَوْفٌ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ، أَنَا سَمِعْتُ نَوْفًا يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي بْنُ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مُوسَى هُوَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إِنْ كَانَ فِي عِبَادِكَ أَحَدٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي فَادْلُلْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ فِي عِبَادِي مَنْ هُوِ أَعْلَمُ مِنْكَ، ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَكَانَهُ، وَأَذِنَ لَهُ فِي لُقْيِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ فَتَاهُ وَمَعَهُ حُوتٌ مَلِيحٌ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: إِذَا حَيِيَ هَذَا الْحُوتُ فِي مَكَانٍ فَصَاحِبُكَ هُنَالِكَ وَقَدْ أَدْرَكْتَ حَاجَتَكَ، فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ [ص:327] ذَلِكَ الْحُوتُ يَحْمَلَانِهِ، فَسَارَ حَتَّى جَهَدَهُ السَّيْرُ، وَانْتَهَى إِلَى الصَّخْرَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، مَاءِ الْحَيَاةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ خَلُدَ، وَلَا يُقَارِبُهُ شَيْءٌ مَيِّتٌ إِلَّا حَيِيَ، فَلَمَّا نَزَلًا، وَمَسَّ الْحُوتُ الْمَاءَ حَيِيَ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَانْطَلَقَا، فَلَمَّا جَاوَزَا مُنْقَلَبَهُ قَالَ مُوسَى: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ الْفَتَى وَذَكَرَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا "

أقول : موطن الشاهد ذكر ماء الحياة الذي من شرب منه خلد

وهذا الخبر ضعيف جداً في سنده الحسن بن عمارة متروك باتفاق واتهمه ابن المديني بالوضع وقيل أنه يدلس عن وضاعين ، ويكفيك أن الخبر في الصحيحين بدون هذه الزيادة

وبعد هذا لنقف وقفة :

هل كل ما وجد في الحضارات القديمة أو في التوراة ووجدنا عن السلف أو في النصوص الواضحة ما يشابهه معناه أن هذه النصوص أخذها السلف أو النبي _ حاشاه وإنما هو قول الزنادقة _ من أولئك ؟

فيقال : هذه قسمة غير حاصرة فهناك احتمال آخر تماماً وهو أن تكون هذه القصص سليمة وصحيحة وهي من البقايا الصحيحة في الحضارات الماضية فيقرها رب العالمين ويقرها رسوله ويذكرها الله عز وجل لعباده وعظاً وتذكيراً

فلا يخفى على أحد أن هناك قصصاً مشتركة بين التوراة والقرآن وهذا أمر ذكره الله عز وجل في كتابه في مثل قوله تعالى ( إن هذا لفي الصحف الأولى ) وقوله تعالى : ( ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ) وهذا الاشتراك في الأوامر والنواهي وفي القصص

والنصارى أنفسهم يقولون أن اشتراك العديد من الحضارات بذكر الطوفان وإن كانت السياقات مختلفة يدل على أنها حادثة صحيحة

غير أن هناك أمرين هامين

الأول : أن من أعظم دلائل النبوة خلو القرآن من كل ما يخل بمقام الأنبياء من نسبتهم للكبائر وزنا المحارم وغيرها مما في التوراة الحالية المحرفة ففي التوراة نسبة لوط إلى الزنا بابنتيه بعدما سكر وتعري نوح بعد السكر ونسبة أيوب للتسخط على رب العالمين ونسبة داود للزنا الصريح وغيرها من البلايا مع نسبة النقص لرب العالمين وغيرها من آثار التحريف

الثاني : أن في القرآن قصصاً لا توجد في غيره كقصة أصحاب الكهف وقصة هود وصالح وبعض الأمور في قصة عيسى وموسى وهذا برهان نبوة آخر

وهنا أمرٌ مهم أيضاً وهو أن الترجمات للكتب القديمة كالنقوش الفرعونية والسومرية وغيرها ظنية غير قطعية فالمترجم بمنزلة راوي الحديث قد يقع عليه الوهم والكذب ، كما أن ناقشي هذه الرسوم لا تعلم عدالتهم 

ونحن نرى اليوم الخلل في الترجمات خصوصاً في الأسماء والمصطلحات الدينية فكيف بالماضي ومعلوم ما استظهره بعض علماء المسلمين أن الآب في كتب اليهود تعني الرب غلط المترجم بذلك في مثل قولهم ( أبانا الذي في السماء تقدس اسمك ) والأبناء معناها العبيد أو الأولياء في مثل قولهم ( صانعوا السلام هم أبناء الله ) 

ومن السذاجة بمكان أنك إذا وجدت تقاطعاً بين القرآن وبين ما في هذه النقوش ولو يسيراً تدعي أن النبي أخذها منها لأن هذا مستحيل فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب وما كان له بحث ولا احتكاك وقضى أربعين عاماً في قومه لا يعلم بالاهتمام بهذه الأمور وهذه الأمور ما عرفناها إلا هذه الأيام بعد جهود العديد من الباحثين فدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على علوم اليونان في الطب وأمر تكوين الجنين ( علماً بأنه خالفهم والعلم الحديث وافق الوحي ) وأخذ من الصينيين عدد عظام الجسد وأخذ من التوراة والاناجيل المعترف بها وغير المعترف علوم الأنبياء وأخذ من السومريين والمندائيين والفراعنة علومهم كل هذا وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا سافر في طلب هذه الأمور وليس في قومه من يعرف بهذا وبقي أربعين عاماً على هذه الحال فيهم

ثم أمور أخرى لا يمكن تفسيرها كأخبار أشراط الساعة وإخباره بأمور ستقع كأمر الروم والتوحيد والذي لا يوجد في شيء من هذه الملل كما هو في الإسلام

كل هذا يجعل من السخف الوقوف عند مثل هذه الاعتراضات الباردة

وليعلم أن هناك قوم كالبوذية والماسون وبينهم تقاطع ينتظرون مخلصاً يخلص البشرية من الآلام والحروب والشر ويؤلهون هذا المخلص

وهذه الفكرة تنافي العدل الإلهي ، فإنه في مضمون عقيدتهم أن كل البشرية صالحها وطالحها سينعمون مع هذا المخلص من كفر به قبل خروجه ومن آمن به ، فالإيمان به مخاطرة في الحقيقة ليس من ضرورات تحصيل النعيم في ملتهم وهو سبب لتحصيل الجحيم في الملل الأخرى

ثم إن البشر الذين ماتوا تحت وطأة الحروب والظلم ما أنصفوا من قبل هذا المخلص المزعوم إذ لم يظهر في عصرهم !

والراهب البوذي الذي ترهبن وحرم نفسه الملذات سيحظى بما سيحظى به المسرف على نفسه ، والأمر نفسه يقال في شياطين الماسونية وإن كان هؤلاء بابهم الإباحية ولكنهم يبذلون أنفسهم لهذه المنظمات وبمجرد التفكير بالخروج منها يتم تصفيتهم

فأين هذه الفكرة العجيبة من عقيدة العدل الإلهي في الآخرة حين يحاسب البشر كلهم على حسناتهم وسيئاتهم ؟

ويرى كثيرون أنهم ينتظرون الدجال وهذا لا يبعد في الحقيقة 

 يقول ابن القيم في كتابه هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: وقد عوضوا - يعني اليهود - من الإيمان بالمسيح ابن مريم بانتظار مسيح الضلالة الدجال، فإنه هو الذي ينتظرونه حقا، وهم عسكره وأتبع الناس له، ويكون لهم في زمانه شوكة ودولة إلى أن ينزل مسيح الهدى ابن مريم فيقتل منتظرهم، ويضع هو وأصحابه فيهم السيوف حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقولان: يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله ........ اهـ.

ويقول بعد ذلك: فالمسلمون واليهود والنصارى تنتظر مسيحا يجيء في آخر الزمان، فمسيح اليهود هو الدجال، ومسيح النصارى لا حقيقة له، فإنه عندهم إله وابن إله وخالق ومميت ومحي، فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمر المكلل بالشوك بين اللصوص، المصفوع الذي هو مصفعة اليهود، وهو عندهم رب العالمين وخالق السموات والأرض. اهـ.

ذكرت هذا لأن هناك كثيرين بدأوا يتأثرون بهذه الأفكار العجيبة ويتبعونها للأسف الشديد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي