الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فإنني لست متابعاً لعدنان إبراهيم ولكن
تقع له بعض المقاطع أمامي بين الفينة والأخرى ، وكلما سمعت له مقطعاً أتفاجأ بكم
هائل من الأغاليط والأكاذيب ، فأحياناً يتكلم عن فلسفات غربية ليس عندي خلفية عنها
فأتوجس خيفة ولكن هذا الأمر لا يهم ، ولكنه إذا تكلم في الشرع فهو يتكلم عن أمر
عندي عنه خلفية وأحسن البحث فيه
والمقطع الذي سأعلق عليه مقطع في ثمان
دقائق يتكلم فيه عن المودودي وعن نظرته للدولة الإسلامية وأن المودودي من وجه شبه
الدولة الإسلامية بالبلشفية تأثراً بمحيطه كذا حلل عدنان ، ولا يتنبه إلى أنه هو
وقع فيما وقع فيه المودودي حيث حول الدولة الإسلامية إلى دولة ليبرالية إباحية بل
جعلها أكثر تسامحاً مع الغالطين من الدول الغربية الديمقراطية فلا عقوبة في
الإسلام على المتخلف عن الجزية بيد أن الحكومات الغربية فيها عقوبات على المتخلف
عن الضرائب ، ولا عقوبة في الإسلام على المتخلف عن الخدمة العسكرية بيد أن في
الإسلام لا عقوبة على المتخلف
وقبل مناقشة هذا الكلام وغيره مما قاله في
المقطع ، أود أن أنبه على أمر هام ألا وهو أن هناك مشتركات في المنطلقات عند
المودودي وعدنان إبراهيم على حد سواء ، أعني في هذا الباب وإن كان المودودي خير من
عدنان إبراهيم
فقد طغى في هذا العصر أمرٌ أسموه ( عمارة
الأرض ) وصار يدرس في المدارس أن الله عز وجل خلق الإنسان لأمرين عبادته وعمارة
الأرض
وهذا تقسيم باطل فالأرض لا تعمر إلا
بعبادة الله ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )
ثم بعد هذا التقسيم وجد من طغى عليه الأمر
الثاني وهو عمارة الأرض لأنه مفصول في عقولهم عن الوحي وعبادة الله صاروا ينظرون
إليه من خلال تجارب الدول القوية
ووجد منهم يحمل النصوص الشرعية على ما
عليه الدول القوية قسراً ،فمنهم من هو مقتنع بذلك ومنهم اقتناعه طفيف ولكنه يظن
الناس لن يؤمنوا إلا بهذه الطريقة
ولهذا لما طغى الفكر المادي ظهرت مدرسة
المنار الذي تؤول المعجزات حتى أول محمد عبده الطير الأبابيل وحملها على
الميكروبات
ولما طغت الاشتراكية صنف مصطفى السباعي
اشتراكية الإسلام وصنف سيد قطب العدالة الاجتماعية وكلاهما فيه مسحة اشتراكية عن
طريق الاجتزاء في قراءة النص
واليوم لما ظهرت الديمقراطية ظهر من
يؤسلمها كيوسف القرضاوي ومحمد الددو
ولما طغت الثقافة الإباحية ظهر من يحارب
كل ما يناقضها في الدين من المنتسبين للدين وعلى رأس هؤلاء عدنان إبراهيم
وحال هؤلاء مزرية لأنها مبنية على مراعاة
المزاج العام ، والمزاج العام متقلب جداً فاليوم من يأبه للاشتراكية بعد طغيان
الرأسمالية
هذا من ناحية عقلية بحته
وأما من ناحية شرعية فغاية ما يفعله هؤلاء
أنهم يحملون الإسلام العظيم على تجارب بشرية لها وعليها ولا يمكن أن تقارن حكمة
الخالق بمعرفة المخلوق
فلو قلت لك أن طفلاً في الابتدائية يريد
أن يصحح اختبارات الجامعة فتسضحك من ذلك
غير أنه أشنع من هذا أن يصير المخلوق
حكماً على حكمة الخالق بل ومبدلاً لها
وقصة موسى والخضر فيها عبرة عظيمة في هذا
الباب
والأنبياء لما جاءوا إلى أقوامهم جاءوا إلى أقوام عندهم سلطة اقتصادية وقوة ملك فالذين ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين هم ذروة القوة آنذاك فما ألهى هذا أنبياء الله عن شركهم بل عدوا ذلك من مثالبهم إذ أن القوة الدنيوية إذا علت مع ضعف الأخلاق صارت أداة للهدم وهذا ما نراه اليوم
والأنبياء لما جاءوا إلى أقوامهم جاءوا إلى أقوام عندهم سلطة اقتصادية وقوة ملك فالذين ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين هم ذروة القوة آنذاك فما ألهى هذا أنبياء الله عن شركهم بل عدوا ذلك من مثالبهم إذ أن القوة الدنيوية إذا علت مع ضعف الأخلاق صارت أداة للهدم وهذا ما نراه اليوم
ومفهوم عبادة الله صارت ضيقة في نفوس كثير
منهم وصار لا يفهم الدين إلا من خلال الحكم العام وأن تظهر أحكامه ولهذا المودودي
كان يقول كما في كتابه الجهاد أن الغرض من الجهاد ليس إخراج الناس من أديانهم إلى
دين الله بل الغرض أن تسودهم حاكمية الله عز وجل
ولهذا تجد من تأثر بكلام المودودي يجعل
للموقف السياسي قداسة ويبني عليه ولاء وبراء أكثر من العقيدة
لهذا تجد منهم من لا مشكلة له مع الرافضي
المشرك ساب أمهات المؤمنين ، ولكن عنده مشكلة حقيقية مع من يؤيد الانقلاب العسكري
بل ومن يثني عليه أيضاً
فالحاكمية بمفهومها الضيق الذي في أذهانهم
أعظم من التوحيد الذي عبادة الله وحده ، هذا عند كثير منهم وهو أعظم من توحيد
الأسماء والصفات عند جميعهم ، لذا وجد منهم يضع يده بيد الجهمية من أجل أنهم
يظهرون بعض تطبيق الشريعة ، ويفضلونهم على من هم أحسن منهم عقيدة ، بل ويطولون
الأبحاث في تحقيق سنيتهم والتهوين من شأن بدعتهم لهذا حين يقول الظواهري أنه ما
خدم الإسلام أحد مثل الأشاعرة والماتردية فهو يعني الإسلام الذي في عقله المحصور
بجزء من الدين ، فهو لا يهمه أن تهدم العقيدة الصحيحة في توحيد الألوهية والأسماء
والصفات والإيمان والقدر بقدر ما يهمه أن يصل إلى سدة الحكم رجل يظهر تحكيم الشرع
مع الافلات من قبضة الدول الكبرى
وقد أطلت في عرض طريقة تفكير القوم وهذا
المنهج يهدمه قول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ) وقوله تعالى ( الذين إن
مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) ورأس
المعروف التوحيد والسنة ورأس المنكر الشرك والبدعة
والجهاد غرضه الرئيسي إزالة الشرك ( وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ) والفتنة الشرك باتفاق العلماء
فإن قيل : ما دام الأمر كذلك فلماذا يقبل
منهم الجزية ؟
فيقال : هذا من عظيم حكمة التشريع فالكافر
إنما يحمله على كفره مع ظهور الحق له أغراض في نفسه كالرياسة والمال فإذا جرد من
هذا وأخذ من ماله رغماً عنه ما هو حصة للفقراء والمساكين كان ذلك أدعى لانكسار
نفسه وقربها من قبول الحق
وما لم يفهمه جميع هؤلاء أن الأوامر
الشرعية فيها نفع ظاهر ونفع باطن
ولا ينفك النفعان عن بعضهما
فالصلاة مع كونها قرب من الله عز وجل
واتصال به سبحانه ( تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فهي تعود بالنفع على السلوك
الاجتماعي العام لا مراءاة للناس ولكن قرباً من الله وتعبداً لله بالإحسان إلى
خلقه
والصيام مع كونه علاقة مع الله فهو يورث
استقامة السلوك وضبط النفس بدليل حديث ( فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم ) ،
فهو ينعكس إيجاباً على سلوك الفرد والمجتمع ، وفي آخر الصيام هناك زكاة الفطر
تقرباً للخالق بالإحسان إلى المخلوق
وكذلك الزكاة فهي إحسان إلى الخلق تقرباً
للخالق
والحج من أعظم ذلك فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج مع التقرب للخالق ومن ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام فإنه يحسن
للخلق تقرباً للخالق بالصدقة وكذا المتمتع والقارن يذبحان الهدي ويطعمان
والأمر نحوه في عيد الأضحى الذي يكون في
أيام الحج
هذا في فقه العبادات وأما فقه المعاملات
من بيوع ونكاح فالأمر فيه ظاهر
ولا يمكن أن يطبق هذا كله في أحوال كثيرة
إلا بجهاد ، والجهاد نفسه الغنيمة فيه فيها حق للفقراء وكذا الجزية والفيء
واليوم الناس لا يعقلون دولة بدون عقوبات
وأنظمة وترهيب مع الترغيب ، ولكن يريدون ديناً كذلك
فالحدود والتعزيرات والقصاص لولاها لصار
الأمر فوضى وهي أدوية في حال استشراء المرض
وحتى في الأيمان وكفاراتها يصلح المرء ما بينه وبين الله بإطعام الفقراء والمساكين أو كسوتهم وكذا كفارة القتل الخطأ والظهار والجماع في نهار رمضان تعتق رقبة أو تطعم ستين مسكيناً
ولو استمر الجهاد الإسلامي لكان هذا هو السائد في العالم ولم يمت الملايين بسبب التدخين وإدمان الخمور والأسلحة الفتاكة والمجاعات التي سببتها الرأسمالية ومن يموتون بالتدخين والخمور والإجهاض بسبب السفاح أكثر بكثير ممن يموتون في الحروب وراجع تقارير منظمات الصحة العالمية يظهر لك صدق قولي
والأحكام الشرعية على ضربين ظاهرة وهذه
يعنى الحاكم بحفظها كحفظ أموال الناس وأعراضهم وأديانهم قبل ذلك بتطبيق الحدود
والتعزيرات ، وأخذ ما فرضه الله من الكفار وفض الخصومات وتقسيم المواريث
وهناك ما هو باطن كإخلاص المرء في هذا
وصلاته في بيته وزكاة الأموال الباطنة التي لا سبيل للناس للعلم بها فالمال مالان
ظاهر كالزروع والمواشي وعروض التجارة فهذا على الإمام متابعته وأخذه وهناك باطن
يتراكم شيئاً فشيئاً عند المرء ولا علم له به ، وإحسان المرء لولده وجاره وزوجه ،
فهذا في معظمه لا سبيل للحاكم فيه إلا أن يرفع إليه بعض ذلك
ومهما كان الحاكم صارماً فلن يحمل جميع
الناس على بر والديهم ، أو الإحسان إلى جميع أرحامهم أو الإخلاص في أعمال البر ولن
يقف على كل رشوة ويعاقب المرتشي بل ربما استدان شخص من شخص على الحاجة بقرض ربوي
فيقبل الفقير بذلك لحاجته ويكتب للغني أنه أخذ منه كذا وكذا ولا يمكن لأي قاض أن
يدفع إقرار الفقير
فالأحكام الباطنة إنما يحمل الناس عليها
بالنصح والوعظ والترغيب والترهيب
ومما يدل على الفرق بين الأحكام الظاهرة
والباطنة
ما عبد الرزاق في المصنف [18943]:
عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ
مَخْرَمَةَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ:
أَنَّهُ حَرَسَ لَيْلَةً مَعَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَبَيْنَا هُمْ يَمْشُونَ شَبَّ لَهُمْ سِرَاجٌ فِي بَيْتٍ , فَانْطَلَقُوا
يَؤُمُّونَهُ , حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْهُ إِذَا بَابٌ مُجَافٍ عَلَى قَوْمٍ
لَهُمْ فِيهِ أَصْوَاتٌ مُرْتَفِعَةٌ وَلَغَطٌ.
فَقَالَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ: أَتَدْرِي بَيْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا , قَالَ: هُوَ
رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَهُمُ الْآنَ شُرَّبٌ، فَمَا تَرَى؟
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَرَى قَدْ
أَتَيْنَا مَا نَهَانَا اللَّهُ عَنْهُ، نَهَانَا اللَّهُ فَقَالَ: {وَلَا
تَجَسَّسُوا} فَقَدْ تَجَسَّسْنَا.
فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ عُمَرُ وَتَرَكَهُمْ.
أقول: فيه أن عمر كان يحرس في فترة
خلافته، وهذا أمرٌ لم يكد يقع لغيره.
ولهذا الحاكم لا يجوز له أن يستر على صاحب
جناية بعد أن رفع له ولكن المسلم الذي ليس حاكماً الأحسن له أن يستره وينصحه إلا
أصر لحديث ( لو سترته بثوبك يا هزال ) ، فإنه إذا رفع للحاكم صار حكماً ظاهراً لا
يحتمل الرجوع وإلا تجرأ الناس
وأكثر خلط الناس اليوم بسبب حصر الدين في
بعض الأحكام الظاهرة ففسروا الإسلام تفسيراً سياسياً ضيقاً ، وقسم آخر حصروا الدين
في الأحكام الباطنة فأظهروا الإسلام على أنه ليس بدين دولة يصلح للناس دنياهم وأخراهم
فوافقوا بعض كلام العلمانيين
وما عدت أستغرب أن أرى علمانياً يتكلم عن
الدين ولم يفهمه بجهل ، فكثير ممن يدعي أنه داعية لا يفهم الدين
ومن الأفكار ما هو جريمة حقاً ولكن تختلف
الأنظار في ذلك ولكن ما لا ينبغي أن تختلف فيه الأنظار أن تؤيد الفكرة بالكذب والاجتزاء
وهذا ما فعله عدنان إبراهيم في مقطعه هذا
فقد ادعى أن الصحابة عاهدوا النبي صلى
الله عليه وسلم على أن يحموه ما دام في المدينة فلما جاءت معركة بدر استنهضهم
فقالوا له ( لم نتفق على هذا نحن نحميك ما دمت بيننا) !
وهذا كذب فاحش
وإليك ما ورد في غزوة بدر من كتب السير
قال ابن هشام في سيرته :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، كُلٌّ قَدْ
حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْتُ مِنْ
حَدِيثِ بَدْرٍ [4] ، قَالُوا: لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ مُقْبِلًا مِنْ الشَّامِ، نَدَبَ
الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ
فَاخْرُجُوا إلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ يُنْفِلُكُمُوهَا. فَانْتَدَبَ النَّاسُ
فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ
رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلقى حربا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ
حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يُتَحَسَّسُ [1] الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ
مِنْ الرُّكْبَانِ تَخَوُّفًا عَلَى [2] أَمْرِ النَّاسِ. حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا
مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ: أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَكَ
وَلِعِيرِكَ فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ. فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو
الْغِفَارِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّة، وَأمره أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا
فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ
عَرَضَ لَهَا [3] فِي أَصْحَابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى
مَكَّةَ"
فأين ما ادعاه عدنان ، ما كان أحد من
الصحابة يجرؤ أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم بما ادعاه هذا الشخص الكذاب ،
وإنما ثقل بعضهم لأنهم ظنوا أنه لن يكون قتال كما ذكر الراوي نفسه ، فمعناه أنه لو
كان ثمة قتال ما تخلفوا ولرأوا البيعة لازمة
وقال البخاري في صحيحه 3951 - حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ:
لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ
غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا «خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى
جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ»
فهذا يؤكد أن المسألة كانت إغارة في نظرهم
وليست معركة بين جيشين كما وقع
ومما يدل على أن غزوة بدر وقعت دون تحضير وتواعد قول الله تعالى ( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا)
ولو كان ما كذبه عدنان صحيحاً فما بال
غزوة أحد ولماذا يستنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوات أخرى وهو لا حق له
عليهم في هذا
ولماذا حصل ما حصل في قصة تبوك ؟
وقد قال تعالى (مِنَ المُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
وكان ذلك قتالهم مع النبي صلى الله عليه
وسلم فهذا وفاء بالبيعة
وكذبته الثانية في قوله أن المخلفين في
غزوة تبوك لم يعاقبوا
وهذا كذب فالذين لم يعاقبوا هم المنافقون
الذين كذبوا واعتذروا
وأما المؤمنين الذين صدقوا وهم هلال بن
أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك فعوقبوا بالهجر حتى نساءهم هجرتهم
ولا سبيل لتعنت عدنان في الأخبار فالحادثة
أشير إليها في القرآن (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ
وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ
عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا، إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
وهذه عقوبة معنوية أشد من العقوبات
الجسدية ولأن العقوبة تطهير وتأديب خص بها أهل الإيمان وأما المنافقون ففضحهم
القرآن وتركوا على ذلك لأنهم لا يطهرون وحتى في حادثة الإفك ترك رأس النفاق لأنه
لا يطهره الحد
وأما كذبته التي تليها فهي قوله أن في
الدولة الإسلامية لا يعاقب تارك الزكاة ولا تارك الصلاة ولا تجبر المرأة على
الحجاب
فهذا الكلام ما منافاته ابتداءاً للنصوص
واتفاق العلماء مناف لبديهيات العقل
فإن الزكاة حق الفقراء والمساكين وبقية
الأصناف في المال ، حق جعله الله لهم في مال الغني فكيف يجوز للدولة أن تتغاضى عن
حق الفقراء والمساكين ولا تعاقب من يمسكه ؟
وماذا كانت حروب الردة واتفاق الصحابة على
قتال مانعي الزكاة ؟
والدول التي تقدسها وتعظم أحوالها أكثر من
النصوص لا تسامح في الضرائب وفرق بينها وبين الزكاة ولكن أنا أتكلم عن الفكرة
العامة
فالزكاة محددة بقدر معين ، والضرائب
يحددها الحاكم لا الشرع ، والضرائب تنفق في مصالح عامة يشترك فيها الغني والفقير
ولكن الزكاة خاصة بالفقير والمسكين وبقية المصارف
ثم إن عدنان ألا يقرأ القرآن فالله تعالى
يقول : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا
أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا
أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12))
فرتب الأخوة وترك القتال على الصلاة
والزكاة
وقتال الطائفة الممتنعة إجماع لا ينازع
فيه فلا داعي للتطويل فهو موجود في كل الكتب الفقهية ، وتارك الزكاة والصلاة
المفرد يعاقب أيضاً باتفاق وإن كانت العقوبة في الزكاة اختلفوا فيها ولكن لا
يختلفون في أنه يجبر على أداء الزكاة في الأموال الظاهرة
ومن كذب عدنان دعواه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قبل الكفار وأهل الكتاب بدون جزية في دولته
وهذا استدلال بحكم منسوخ كمن يستدل بحل
الخمر في بداية الإسلام على حله الآن
والجواب على هذا التلبيس : أن يقال أن
الجزية إنما فرضت بعد ذلك كله في سورة التوبة وهي من أواخر ما نزل في قوله تعالى :﴿قَاتِلُوا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ
مَا حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ﴾
ومما يدل على تأخر نزول سورة التوبة ما
رواه البخاري في صحيحه 4364 قال :
حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً
بَرَاءَةٌ وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ
﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾
وعلى هذا تكون قد نزلت بعد الفتح ، وهذا
يعني أنها متأخرة عن قدوم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة ، ولم يثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم رفع الجزية عن أهل الكتاب بعد نزولها ، ولا ثبت ذلك عن أحد من
الراشدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب
الصحيح (1/134) : «وآية الجزية هي قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ .
وهذه آية السيف مع أهل الكتاب وقد ذكر
فيها قتالهم إذا لم يؤمنوا حتى يعطوا الجزية والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من
أحد الجزية إلا بعد هذه الآية بل وقالوا إن أهل نجران أول من أخذت منهم الجزية كما
ذكر ذلك أهل العلم كالزهري وغيره فإنه باتفاق أهل العلم لم يضرب النبي صلى الله
عليه وسلم على أحد قبل نزول هذه الآية جزية لا من الأميين ولا من اهل الكتاب ولهذا
لم يضربها على يهود قينقاع والنضير وقريظة ولا ضربها على أهل خيبر فإنها فتحت سنة
سبع قبل نزول آية الجزية وأقرهم فلاحين وهادنهم هدنة مطلقة قال فيها نقركم ما
أقركم الله».
وفي كلام شيخ الإسلام هذا الكفاية في الرد
على تلك الشبهة السخيفة ، وأما ذكر صلح الحديبية فهو أسخف من وجوه:
الأول : ما تقدم في كلام شيخ الإسلام من
تأخر آية الجزية.
الثاني : أن هؤلاء أعداء مكافئين وليسوا
تحت حكم أهل الإسلام ، فغاية ما يستدل به في هذا على جواز الصلح مع الكفار إذا كان
لهم شوكة ومنعة.
الثالث : أن المشركين من غير أهل الكتاب
اختلف في أخذ الجزية منهم على قولين ، فلو سلمنا استدلال المعترض ، لكان دليلاً
على سقوطها عن المشركين من غير أهل الكتاب وإن كان هذا غاية في البعد.
واعلم رحمك الله أن راشداً الغنوشي صنف
كتاباً أسماه « حقوق المواطنة » دعا فيه إلى إسقاط الجزية عن اليهود والنصارى « انظر
ص 102 ، وص 136».
وهناك شبهة حركية أخرى على الجزية أثارها
مصطفى السباعي ، وهي أن الجزية لا تفرض إلا على من قاتلنا ، ويزعم أن ظاهر الآية
يدل على ذلك
وهذا باطل ، لم يقل به أحد من علماء
المسلمين
وقال الإمام مسلم في صحيحه «4542- [2-1731]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ
الْجَرَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ (ح) وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ،
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : أَمْلاَهُ
عَلَيْنَا إِمْلاَءً (ح)
[3-...] وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ
هَاشِمٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، يَعْنِي ابْنَ
مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ ، أَوْ سَرِيَّةٍ
، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، قَاتِلُوا
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا ، وَلاَ تَغْدِرُوا ، وَلاَ
تَمْثُلُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ ، أَوْ خِلاَلٍ ،
فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ثُمَّ
ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ
عَنْهُمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ
الْمُهَاجِرِينَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا
لِلْمُهَاجِرِينَ ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ
يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ
الْمُسْلِمِينَ ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ
إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ
الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ،
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ، وَإِذَا حَاصَرْتَ
أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ ، وَذِمَّةَ
نَبِيِّهِ ، فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ ، وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ ،
وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ ، فَإِنَّكُمْ أَنْ
تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا
ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ
فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ ، فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى
حُكْمِ اللهِ ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي
أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ، أَوْ
نَحْوَهُ».
أقول : فجعل الدعوة إلى الجزية قبل القتال
، فكيف لا تؤخذ إلا ممن قاتلنا ، ولكن هذا مبني على أصلهم في إسقاط جهاد الطلب
والله المستعان
وكيف يزعمون العجز عن أخذ الجزية من
الكفار الذين يعيشون في دولة الإسلام ، ولا تعجز الدول الغربية الكافرة التي
يقتدون بها ، عن أخذ المكوس من رعاياها ، وأخذ الجزية آكد من أخذ الصدقة المستحبة
فكيف بالمكس المحرم ؟
وهم هداهم الله يريدون بذلك مؤاخاة
النصارى ، وإزالة كل الفوارق بيننا وبينهم
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (2/ 284)
: « وكان بعض أئمة الاسلام إذا رأى صليبا أغمض عينيه عنه وقال : لا أستطيع أن أملأ
عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب».
أقول : أما اليوم فقد جاء من يقول « الهلال
مع الصليب » والله المستعان.
وقد تكلم على موضوع الاعتراف فأوهم الناس
أنه لا يحد إلا المعترف مع أن القرآن دال على اعتبار شهادة الشهود في الحد
وبقي التعليق على قوله أن الدولة
الإسلامية لا تفرض الحجاب على النساء
فهذا مخالف للقرآن والسنة وبداهة العقل
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَحِيماً)
قال الإمام مسلم 86- [78-49] حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ (ح) وَحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ كِلاَهُمَا ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ،
وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ
الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ مَرْوَانُ . فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : الصَّلاَةُ
قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، فَقَالَ : قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ ، فَقَالَ أَبُو
سَعِيدٍ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.
أقول : ووجه الدلالة من هذا الحديث أن ولي
الأمر ، يجب عليه تغيير المنكر الذي يستطيع تغييره ، فإنه في الأمة كالوالد بين
أبنائه يجب عليه تغيير المنكر الذي يراه بما تيسر له من الوسائل في حدود الشرع .
قال الطبراني في الكبير 309 - حدثنا يوسف
القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال خرجت
جارية لسعد يقال لها زيرا وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر رضي الله
عنه بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر فناوله عمر
الدرة وقال : اقتص فعفا عن عمر رضي الله عنهما.
وهذا إسنادٌ حسن للخلاف في عمرو بن مرزوق،
وهو صريح في الدلالة على المقصود ، فإن عمر أراد معاقبة تلك الجارية لما رأى أنها
تكشفت مما يعرض المسلمين للفتنة .
وأما مخالفة هذا لبداهة العقل فهو أن لباس
المرأة ليس متعلقاً بها هي فحسب بل متعلقاً بكل من سيراها فهذا حكم عام وظاهر ،
ومن المعلوم بداهة أن المرأة لا يجوز لها الخروج عارية مثلاً في عموم قوانين الدول
، ولا معرية صدرها بالكامل فالخلاصة أن هناك بعض القيود والتدخلات من الحكومات في
لباس النساء ، ولكن الخلاف في ذلك لن ينتهي لاختلاف أنظار الناس فيكون المرجع
للشرع لإنهاء ذلك واللباس الشرعي هو اللباس الذي لا يثير الشهوات وأحمق فقط من
يقول للمرأة حرية إثارة شهوات الآخرين وهذا الأحمق مثله من يقول لها حرية أن تلبس
ما تشاء ، فما دام الأمر ليس أخلاقياً ومخالفاً للنصوص وهو أمر عام فالواجب على
ولي الأمر تطبيقه والإلزام به
وعامة النساء اللواتي يتعرين ويتركن
اللباس الشرعي إنما يلبسن اللباس الذي يحبه الناس فينتقلن من الخضوع لإرادة الله
عز وجل إلى الخضوع إلى إرادة البشر
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان :" ومما
ينبغى أن يعلم: أن الرحمة صفة تقتضى إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها
نفسه، وشقت عليها. فهذه هى الرحمة الحقيقية فأرحم الناس بك من شق عليك فى إيصال
مصالحك، ودفع المضار عنك.
فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التأدب
بالعلم والعمل، ويشق عليه فى ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التى تعود بضرره،
ومتى أهمل من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه [ويرفّهُهُ] ويريحه. فهذه
رحمة مقرونة بجهل، كرحمة الأم.
ولهذا كان من إتمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط
أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير
من أعراضه وشهواته: من رحمته به ولكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلائه، ولا
يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه"
وولي الأمر مع الرعية كالأب مع أولاده
ولكن طاعته مشروطة بالمعروف والحكم في ذلك العلماء
وفي النهاية أقول أنني لا ألوم عدنان إبراهيم كثيراً وإنما ألوم من يسمعه ويصدقه ولا يراجع وراءه فقد وجد عميان واستغل جهلهم وكل جاهل اليوم يجد أتباعاً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم