مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بيان نكارة الحديث الذي يستدل به على عدم وجوب الترتيب في الوضوء

بيان نكارة الحديث الذي يستدل به على عدم وجوب الترتيب في الوضوء



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال الألباني في تمام المنة :" قوله في الفرض السادس: " ... فلم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتبا".
قلت: تبع المؤلف في هذا ابن القيم رحمه الله حيث صرح به في "زاد المعاد" وقد تعقبته في "التعليقات الجياد" بما أخرجه أحمد ومن طريقه أبو داود عن المقدام بن معدي كرب قال:
أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم مضمض واستنشق ثلاثا ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما وغسل رجليه ثلاثا. وسنده صحيح.
وقال الشوكاني:
"إسناده صالح".
وقد أخرجه الضياء في "المختارة" وهو يدل على عدم وجوب الترتيب وأزيد هنا فأقول: إن النووي والحافظ ابن حجر حسنا إسناده."

أقول : هذا غلط فعدم الترتيب ورد في رواية المسند فحسب بغير الترتيب وفي سنن أبي داود ورد مرتباً فالتعقب على ابن القيم غلط

قال أبو داود في سننه 121 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي الْكِنْدِيَّ، قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا»

فأنت تلاحظ أن رواية أبي داود مرتبة فالمضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين وقبل غسل الوجه

وأما رواية أحمد التي احتج بها الألباني فقال أحمد في مسنده 17188 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرِيزٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيَّ، قَالَ: " أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا (1) ، وَغَسَلَ (2) وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا  ، وَمَسَحَ  بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.

فهنا المضمضة والاستنشاق بعد غسل الذراعين والوجه

فإن قيل : فلماذا رجحت رواية أبي داود

فيقال : لأنها موافقة لبقية الروايات في الباب ولأن المسند فيه أوهام لابن المذهب وهي قليلة ولكنها تظهر عند المقارنة


قال ابن حجر في لسان الميزان :" [1003] "الحسن" بن علي بن محمد أبو علي بن المذهب التميمي البغدادي الواعظ راوية المسند عن القطيعي وروى عن ابن ماسي وأبي سعيد الحوفي وابن لؤلؤ الوراق وعدة قال الخطيب كان يروي عن القطيعي مسند أحمد بأسره وكان سماعه صحيحا الا في أجزاء منه فإنه الحق فيها سماعه وكان يروي عن كتاب الزهد لأحمد ولم يكن له به أصل وانما كانت النسخة بخطه وليس بمحل للحجة وسألته عن مولده فقال سنة خمس وخمسين وثلاث مائة ومات سنة أربع وأربعين وأربع مائة قال ابن نقطة قول الخطيب كان سماعه صحيحا الا في أجزاء فلم ينبه الخطيب عليها ولو فعل لأتى بالفائدة وقد ذكرنا ان مسندي فضالة بن عبيد وعوف بن مالك لم يكونا في كتاب بن المذهب وكذلك أحاديث عن مسند جابر لم توجد في نسخة رواها الحراني عن القطيعي ولو كان الرجل يلحق اسمه كما زعم الخطيب لالحق ما ذكرناه أيضا ثم ان الخطيب قد روى عنه من الزهد أشياء في مصنفاته أخبرنا الحسن بن علي أنا جعفر القاري أنا أبو طاهر السلفي قال سألت شجاعا الذهلي عن ابن المذهب فقال كان شيخا عسرا في الرواية وسمع الكثير ولم يكن ممن يعتمد عليه في الرواية كأنه خلط في شيء من سماعه ثم قال لنا السلفي كان مع عسره متكلما فيه لأنه حدث بكتاب الزهد لأحمد بعد ما عدم أصله من غير أصله وقال أبو الفضل بن خيرون حدث بالمسند وبالزهد وغير ذلك سمعت منه الجميع وقال الخطيب روى ابن المذهب عن ابن مالك القطيعي حديثا لم يكن سمعه منه قلت لعله استجاز روايته بالوجادة فإنه قرن مع القطيعي أبا سعيد الحوفي قالا ثنا أبو شعيب الحراني ثم قال وحدثنا عن الدارقطني والوراق وأبي عمر بن مهدي عن المحاملي بحديث فقلت له لم يكن هذا عند بن مهدي فضرب على بن مهدي وقال كثير اما يعرض على أحاديث فيها أسماء غير منسوبة فانسبهم له فيلحق ذلك في الأصل فأنكر عليه ذلك ولا ينتهي قلت الظاهر من بن المذهب انه شيخ ليس بمتقن وكذلك شيخه بن مالك ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد والله أعلم"

وهذا لا يقلل كثيراً من قيمة المسند فعامة الأحاديث فيه محفوظة ولكن هناك أوهام قليلة تظهر عند المقارنة بالمصادر الأخرى وهذا واحد منها ، ولا شك أن رواية أبي داود الثقة الإمام الثبت عن أحمد أقوى من غيرها مما في سنده ابن المذهب بل لعل أبا داود أوثق من عبد الله بن أحمد عند التعارض، على أن عبد الله لا ناقة له ولا جمل وفي مسائل أحمد ينكر القول بعدم وجوب الترتيب بشدة فلو كان هذا الخبر محفوظاً باللفظ غير المرتب لما أنكر بشدة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي