الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فقد اطلعت على ملاحظات لأبي محمد المقدسي
عصام البرقاوي على تفسير السعدي وغايته الكبرى من هذه الملاحظات القياس على سيد
قطب والكربسة الغبية لرجل جهمي صريح كسيد على السعدي الذي هو أحسن حالاً منه بكثير
ولي ملاحظات على ملاحظات المقدسي
الملاحظة الأولى : قال المقدسي :" الشيخ
في سورة المعارج عند قوله تعالى : ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
إِلَيْهِ( : (وتعرج إليه الروح، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها، برها وفاجرها،
وهذا عند الوفاة، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله، فيؤذن لها من سماء إلى
سماء، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل( )، فتحيي ربها وتسلم عليه،
وتحظى بقربه، وتبتهج بالدنو منه...)اهـ.
تفسير الشيخ للروح في هذه الآية؛ بأرواح
المكلفين جميعا، يحتاج إلى دليل صحيح صريح بذلك .. وهو خلاف جمهور المفسرين الذين
فسروا الروح في هذه الآية بجبريل ..
وقوله (السماء
التي فيها الله عز وجل)!!
لا بد من توضيح
معنى هذا بأنه سبحانه مستوي على عرشه، وعرشه فوق جميع خلقه؛ فوق سماواته وفوق
السماء السابعة ،خشية أن يوهم هذا الكلام معان فاسدة"
اللفظ الذي أنكره المقدسي على السعدي هو
لفظ حديث نبوي !
قال أحمد في مسنده 8769 - حَدَّثَنَا
حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ
تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، قَالُوا: اخْرُجِي
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ،
كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ،
وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ "، قَالَ: " فَلَا يَزَالُ
يُقَالُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ،
فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا
بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً،
وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ، وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ " قَالَ:
" فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ
الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ،
قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ
الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ
شَكْلِهِ أَزْوَاجٍ، فَلَا تَزَالُ تَخْرُجُ، ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى
السَّمَاءِ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ،
فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ
الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهُ لَا يُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ، فَتُرْسَلُ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ،
فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَيُقَالُ لَهُ: مِثْلُ مَا قِيلَ لَهُ فِي
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَيُجْلَسُ الرَّجُلُ السَّوْءُ، فَيُقَالُ لَهُ مِثْلُ
مَا قِيلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ "
فكلام المقدسي حقيقته أن هذا اللفظ النبوي
يوهم معنى فاسداً وإنا لله وإنا إليه راجعون
وأما ما ذكره من أن الروح في الآية جبريل
فكلامه سليم
الملاحظة الثانية : قال المقدسي :" وقال
رحمه الله عند الآية 143من سورة الأعراف (إني تبت إليك) وكلامه كان عن نبي الله
موسى قال : ( من جميع الذنوب وسوء الأدب معك ) اهـ. إشارة إلى طلبه رؤية الله .
قلت : كان الواجب أن لا يستعمل مثل هذه
اللفظة (وسوء الأدب معك ) مع هذا النبي الكريم الذي هو من أولي العزم من الرسل
فالله سبحانه وتعالى لم يصفه بذلك، خصوصا وهو نابع عن حب وإيمان وطمع بأشرف
المقامات بعد أن نال شرف التكليم .
ونحن نقول هذه زلة من الشيخ نسأل الله
تعالى أن يغفرها له لأن باعثها كما هو ظاهر تعظيم الله وإجلاله ..
وليت المتعصبين التكفيريين حقا من
المداخلة والجامية سلكوا مثل مسلكنا هذا في إعذار الشيخ؛ مع سيد قطب رحمه الله،
فقد كفروه أو كادوا لكلمة دون هذه، وصف بها نبي الله موسى قبل النبوة في حادثة قتل
المصري، أما كلام السعدي هنا عن موسى فهو بعد النبوة، وتالله لو وجد أولئك الأراذل
لسيد في ظلاله مثل هذه الكلمة لطاروا وفرحوا بها؛ ولكفروه بها دون تردد ! فهم
الخوارج التكفيريون مع كل داعية مخلص وعالم صادع، لا يقيلون له عثرة ولا يتأوّلون
له زلة؛ في الوقت الذي يتحرجون فيه ويتورعون من تكفير الطواغيت المحاربين !! بل
يهلكون أنفسهم في الترقيع والتأويل والتسهيل بل والتسويغ لكفرياتهم وباطلهم "
وهذا كلام عجيب فيه تخليط والقوم الذين
يتكلم عنهم لا نعرف عنهم تصريحاً بتكفير سيد بل هم يصرحون بخلافه
ولكنني هنا أقف عند كذبه ودعواه أن سيداً
قال هذا الكلام في نبي الله موسى قبل النبوة وهذا كذب واضح
قال في كتابه"التصوير الفني في
القرآن" ) [1] ( . لقد عرضنا من قبل قصة صاحب الجنتين وصاحبه، وقصة موسى
وأستاذه، وفي كل منهما نموذجان بارزان، والأمثلة على هذا اللون من التصوير هي
القصص القرآني كله؛ فتلك سمة بارزة في هذا القصص، وهي سمة فنية محضة، وهي
بذاتهاغرض للقصص الفني الطليق، وهاهو ذا القصص القرآن، ووجهته الأولى هي الدعوة
الدينية، يلم في الطريق بهذه السمة أيضاً، فتبرز في قصصه جميعاً، ويرسم بضع نماذج
إنسانية من هذه الشخصيات، تتجاوز حدود الشخصية المعنية إلى الشخصية النموذجية؛
فلنستعرض بعض القصص على وجه الإجمال، ولنعرض بعضها على وجه التفصيل. 1 – لنأخذ
موسى؛إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج. فها هو ذا قد رُبي في قصر فرعون،
وتحت سمعه وبصره، وأصبح فتىً قوياً. [ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ
مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ
وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ
عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ] ) [2] ( . وهنا يبدو
التعصبالقومي، كما يبدو الانفعال العصبي. وسرعان ما تذهبهذه الدفعة العصبية، فيثوب
إلى نفسه؛ شأن العصبيين: [ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ
مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ
أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ] ) [3] ( . [ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ
خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ] ) [4] ( . وهو تعبير مصور لهيئة معروفة: هيئة المتفزغ
المتلفت المتوقع للشر في كل حركة، وتلك سمة العصبيين أيضاً. ومع هذا، ومع أنه قد
وعد بأنه لن يكون ظهيراً للمجرمين؛ فلننظر مايصنع... إنه ينظر: [ فَإِذَا الَّذِي
اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ] ) [5] ( مرة أخرى على رجل آخر! [ قَالَ
لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ] ) [6] ( . ولكنه يهم بالرجل الآخر كما هم
بالأمس، وينسيه التعصبوالاندفاع استغفاره وندمه وخوفه وترقُّبه، لولا أن يذكره من
يهم به بفعلته، فيتذكر ويخشى: [ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَبِالَّذِي
هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ
نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا
تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ ] ) [7] ( . وحينئذ ينصح له بالرحيل رجل
جاء من أقصى المدينة يسعى، فيرحل عنها كما علمنا. فلندعه هنا لنلتقي به في فترة
ثانية من حياته بعد عشر سنوات؛ فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع حليم النفس. كلا!
فها هو ذا يُنادي من جانب الطور الأيمن: أن ألق عصاك. فألقاها؛ فإذا هي حيةٌ
تسعى،وما يكاد يراها حتى يثب جرياً لا يعقبُ ولا يلوى... إنه الفتى العصبي نفسه،
ولو أنهقد صار رجلاً؛ فغيره كان يخاف نعم، ولكن لعله كان يبتعد منها، ويقف ليتأمل
هذه العجيبة الكبرى. ثم لندعه فترة أخرى لنرى ماذا يصنع الزمنفي أعصابه. لقد انتصر
على السحرة، وقد استخلص بني إسرائيل، وعَبَرَ بهم البحر، ثم ذهب إلى ميعادربه على
الطور، وإنه لنبي، ولكن ها هو ذا يسأل ربه سؤالاً عجيباً: [ قَالَ رَبِّ أَرِنِي
أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ
اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ] ) [8] ( . ثم حدث مالا تحتمله أية أعصاب
إنسانية، بله أعصاب موسى: [ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا
وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَسُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ] ) [9] ( . عودة العصبي في سرعة واندفاع! ثم ها
هو ذا يعود، فيجد قومه قد اتخذوا لهم عجلاً إلهاً، وفي يديه الألواح التي أوحاها
الله إليه، فما يتريَّث وما يني، [ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَوَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ
يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ] ) [10] ( . وإنه ليمضي منفعلاً يشدُّ رأس أخيه ولحيته ولا
يسمع لهقولاً: [ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي
إِنِّيخَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي ] ) [11] ( . وحين يعلم أن السامري هو الذي فعل الفعلة؛ يلتفت إليه
مغضباً، ويسأله مستنكراً، حتى إذا علم سر العجل: [ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ
فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَلا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ
وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ
لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ] ) [12] ( . هكذا في حنق ظاهر وحركة متوترة.
فلندعه سنوات أخرى. لقد ذهب قومه في التيه، ونحسبه قد صار كهلاً حينما افترق عنهم،
ولقي الرجل الذي طلب إليه أن يصحبه ليعلمه مما آتاه الله علماً، ونحن نعلم أنه لم
يستطع أن يصبر حتى ينبئه بسرِّ ما يصنع مرة ومرة ومرة، فافترقا... تلك شخصية موحدة
بارزة، ونموذج إنساني واضح في كل مرحلة من مراحل القصة جميعاً"
فأنت تلاحظ أن سيداً يصرح بأن موسى لم
يتغير بعد النبوة والكهولة وأن هذه سمته في جميع مراحل القصة خلافاً لما افتراه
المقدسي تعصباً لهذا الشخص
الملاحظة الثالثة : قال المقدسي :" قال
الشيخ عند الآية 93 من سورة الأنعام : ( وفيه دليل، على أن الروح جسم، يدخل ويخرج،
ويخاطب، ويساكن الجسد، ويفارقه ) اهـ
قوله : ( أن الروح جسم ) هذا قول جمع من
المتكلمين منهم النظام والجبائي وغيرهم .. ولو لم يخض في ذلك لكن أسلم لقوله تعالى
: ( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) "
القول بأن الروح كثيف نقل ابن القيم عليه
اتفاق أهل السنة وأقام عليه أدلة كثيرة
قال ابن القيم في الروح :" وَالسَّادِس
أَنه جسم مُخَالف بالماهية لهَذَا الْجِسْم المحسوس وَهُوَ جسم نور أَنى علوي
خَفِيف حَيّ متحرك ينفذ فِي جَوْهَر الْأَعْضَاء ويسري فِيهَا سريان المَاء فِي
الْورْد وسريان الدّهن فِي الزَّيْتُون وَالنَّار فِي الفحم فَمَا دَامَت هَذِه
الْأَعْضَاء صَالِحَة لقبُول الْآثَار الفائضة عَلَيْهَا من هَذَا الْجِسْم
اللَّطِيف بَقِي ذَلِك الْجِسْم اللَّطِيف مشابكا لهَذِهِ الْأَعْضَاء وأفادها
هَذِه الْآثَار من الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية
وَإِذا فَسدتْ هَذِه الْأَعْضَاء بسب
اسْتِيلَاء الأخلاط الغليظة عَلَيْهَا وَخرجت عَن قبُول تِلْكَ الْآثَار فَارق
الرّوح الْبدن وانفصل إِلَى عَالم الْأَرْوَاح
وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّوَاب فِي
الْمَسْأَلَة هُوَ الَّذِي لَا يَصح غَيره وكل الْأَقْوَال سواهُ بَاطِلَة
وَعَلِيهِ دلّ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وأدلة الْعقل والفطرة
وَنحن نسوق الْأَدِلَّة عَلَيْهِ على نسق وَاحِد
الدَّلِيل الأول قَوْله تَعَالَى {الله
يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى
عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} نفي الْآيَة ثَلَاثَة
أَدِلَّة الْأَخْبَار بتوفيها وإمساكها وإرسالها
الرَّابِع قَوْله تَعَالَى {وَلَو ترى
إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم
أخرجُوا أَنفسكُم الْيَوْم تُجْزونَ عَذَاب الْهون} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد
جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة}
وفيهَا أَرْبَعَة أَدِلَّة
أَحدهَا بسط الْمَلَائِكَة أَيْديهم لتناولها
الثَّانِي وصفهَا بِالْإِخْرَاجِ
وَالْخُرُوج
الثَّالِث الْإِخْبَار عَن عَذَابهَا فِي
ذَلِك الْيَوْم
الرَّابِع الْإِخْبَار عَن مجيئها إِلَى
رَبهَا فَهَذِهِ سَبْعَة أَدِلَّة
الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ
الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ وَيعلم مَا جرحتم بِالنَّهَارِ ثمَّ يبعثكم فِيهِ
ليقضى أجل مُسَمّى ثمَّ إِلَيْهِ مرجعكم} إِلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا
جَاءَ أحدكُم الْمَوْت توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون} وفيهَا ثَلَاثَة أَدِلَّة
أَحدهَا الْإِخْبَار بتوفي الْأَنْفس
بِاللَّيْلِ
الثَّانِي بعثها إِلَى أجسادها
بِالنَّهَارِ
الثَّالِث توفّي الْمَلَائِكَة لَهُ عِنْد
الْمَوْت فَهَذِهِ عشرَة أَدِلَّة
الْحَادِي عشر قَوْله تَعَالَى {يَا أيتها
النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} وفيهَا
ثَلَاثَة أَدِلَّة
أَحدهَا وصفهَا بِالرُّجُوعِ" وساق
بقية الأدلة
الملاحظة الرابعة : قال المقدسي :" قال
في تفسير سورة هود الآية 75 : ( التفت حينئذ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط،
وقال لهم: ( إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته ) اهـ
.
وقال فيها أيضا عند قوله تعالى ( إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ) ( فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكه) اهـ.
قلت : إنما كان جدال إبراهيم في إهلاك قوم
لوط مخصصا في لوط، يفسر ذلك ويبينه قوله تعالى في سورة العنكبوت (إِنَّ فِيهَا
لُوطًا ) فالقرآن يفسر بعضه بعضا ويجب حمل المجمل فيه على المفصل والمفسر، فخشية
إبراهيم وجداله وحرصه كان على لوط، أما قوم لوط فما كان نبي الله ليأسى على القوم
الفاسقين .
ـ وقال في سورة الذاريات آية 33 قال بأصرح
من ذلك: ( فجعل إبراهيم يجادلهم في قوم لوط، لعل الله يدفع عنهم العذاب، فقال الله:
( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ
وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ
) اهـ.
مع أنه في سورة العنكبوت قال في آية 36 :
( ثم سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط، فجعل يراجعهم
ويقول: ( إِنَّ فِيهَا لُوطًا ) فقالوا له:
( لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) ) اهـ.
فكان الأولى أن يلتزم هذا في المواضع الأخرى فيفسر القرآن بعضه ببعض "
القول بأن إبراهيم جادل عن لوط وحده مخالف
للقرآن
قال تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ
الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)إِنَّ
إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)
وما قاله السعدي هو عين ما قاله الطبري
وعليه اتفاق مفسري السلف فلا داعي لهذا الاعتراض السخيف
قال الطبري في تفسيره :" (قَالَ
إِنَّ فِيهَا لُوطًا) ، يدفع به عنهم العذاب = (قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ
فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ)
[سورة العنكبوت: 32] ، (قالوا يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم
آتيهم عذاب غير مردود) .
18347- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين
قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال إبراهيم: أتهلكونهم إن وجدتم فيها مائة
مؤمن ثم تسعين؟ حتى هبَط إلى خمسة. قال: وكان في قرية لوط أربعة آلاف ألف.
18348- حدثنا محمد بن عوف قال، حدثنا أبو
المغيرة قال، حدثنا صفوان قال، حدثنا أبو المثني ومسلم أبو الحبيل الأشجعي قالا (لما
ذهب عن إبراهيم الروع) ، إلى آخر الآية قال إبراهيم: أتعذب عالمًا من عالمك
كثيرًا، فيهم مائة رجل؟ قال: لا وعزتي، ولا خمسين! قال: فأربعين؟ فثلاثين؟ حتى
انتهى إلى خمسة. قال: لا! وعزتي لا أعذبهم ولو كان فيهم خمسة يعبدونني! قال الله
عز وجل: (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [سورة
الذاريات:36] ، أي لوطًا وابنتيه، قال: فحلّ بهم من العذاب، قال الله عز وجل: (وَتَرَكْنَا
فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [سورة الذاريات:37] ،
وقال: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط)"
وقال عبد الرزاق في تفسيره 1221 - عَنْ
مَعْمَرٍ , عَنْ قَتَادَةَ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ
لُوطٍ} [هود: 74] , قَالَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟» , قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِمْ
خَمْسُونَ لَمْ نُعَذِّبْهُمْ» , قَالَ: «أَرْبَعُونَ؟» , قَالَ: «أَرْبَعُونَ» , قَالَ:
«ثَلَاثُونَ؟» , قَالَ: «ثَلَاثُونَ» , قَالَ: «حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً» , قَالَ: «وَإِنْ
كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ» , قَالَ: «مَا قَوْمٌ لَا يَكُونُ فِيهِمْ عَشَرَةٌ
فِيهِمْ خَيْرٌ»
الملاحظة الخامسة : قال المقدسي :" وفي
سورة ص الآية 34 قال الشيخ عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ) (
أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة
البشرية، (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) أي: شيطانا قضى اللّه
وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان )اهـ.
ما ذكره الشيخ في تفسير هذه الآية هو
إشارة إلى ما ورد في التفاسير من أخبار إسرائيلية حول سلب ملك سليمان من قبل شيطان
تصور بصورته وأخذ خاتمه، وفيها ما فيها من المخالفات التي لا تليق بمقام النبوة
ولا يقبلها الشرع ولا العقل ..
وكان الأولى بالشيخ أن ينزه تفسيره من هذا
خصوصا وأنه قد أنكر النقل عن الإسرائيليات في مثل هذا في أكثر من موضع من تفسيره ..
فقال في تفسير سورة النمل عند الآية 20
بعدما أنكر دعوى من قال من المفسرين أن سليمان تفقد الطير وطلب الهدهد ليدله على
بُعد الماء وقربه، لِما زعموه من أن الهدهد يبصر الماء تحت الأرض الكثيفة، مع أن
هذا دون ما أشار إليه أعلاه من قصة سلب الشيطان لملك سليمان، قال : ( وهذه
التفاسير التي توجد وتشتهر بها أقوال لا يعرف غيرها، تنقل هذه الأقوال عن بني
إسرائيل مجردة ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة وتطبيقها على الأقوال، ثم
لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلما للمتقدم حتى يظن أنها الحق، فيقع من الأقوال
الردية في التفاسير ما يقع، واللبيب الفطن يعرف أن هذا القرآن الكريم العربي
المبين الذي خاطب الله به الخلق كلهم عالمهم وجاهلهم وأمرهم بالتفكر في معانيه،
وتطبيقها على ألفاظه العربية المعروفة المعاني التي لا تجهلها العرب العرباء، وإذا
وجد أقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها إلى هذا الأصل، فإن
وافقته قبلها لكون اللفظ دالا عليها، وإن خالفته لفظا ومعنى أو لفظا أو معنى ردها
وجزم ببطلانها، لأن عنده أصلا معلوما مناقضا لها وهو ما يعرفه من معنى الكلام
ودلالته. )
وقال في سورة الأعراف عند الآية 78: (واعلم
أن كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء
اقترحوها على صالح وأنها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها فصيلا
حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل فيه وأن صالحا عليه السلام قال
لهم: آية نزول العذاب بكم، أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم
مصفرة، واليوم الثاني: محمرة، والثالث: مسودة، فكان كما قال.
وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي
نقلها في تفسير كتاب اللّه، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه،
بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى، لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا
يهمله تعالى ويدع ذكره، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله، ... )إلى أن قال : ( وقد
تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب اللّه بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية
عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب اللّه يقينية، وتلك أمور لا
تصدق ولا تكذب، فلا يمكن اتفاقهما.)اهـ.
وعليه فالأليق والصواب أن تفسر هذه الآيات
والجسد الذي ألقي على كرسي سليمان بما ورد به الخبر الصحيح من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال سليمان بن داود -عليهما وعلى
نبينا الصلاة والسلام- لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. وفي رواية: تسعين امرأة. وفي
رواية: مائة امرأة تلدُ كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله . فقيل له: ـ وفي
رواية قال له الملك ـ قل: إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهنَّ فلم تلد منهنَّ إلا امرأة
واحدة نصف إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لو
قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته". وفي رواية:" ولقاتلوا في
سبيل الله فرساناً أجمعون". أخرجه الشيخان
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله أضواء
البيان بعد أن ساق هذا الحديث: ( فإذا علمت هذا، فاعلم أن هذا الحديث الصحيح بيّن
معنى قوله تعالى) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ)،وأن فتنة سليمان كانت بسبب تركه قوله "إن شاء الله"،
وأنه لم يلد من النساء إلا واحدة نصف إنسان،وأن ذلك الجسد الذي هو نصف إنسان هو
الذي ألقي على كرسيه بعد موته في قوله تعالى: ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ ( انتهى."
والشرع والعقل جهلها السلف وعلمتوها أنتم
معاشر المعاصرين !
لم يفسر أحد من السلف الآية بهذا التفسير
وإنما بتفسير السعدي
قال النسائي في الكبرى 10993 - أنا محمد بن العلاء أنا أبو معاوية
حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال : كان الذي أصاب
سليمان بن داود عليه السلام في سبب امرأة من أهله يقال لها جرادة وكانت أحب نسائه
إليه وكان إذا أراد أن يأتي نساءه أو يدخل الخلاء أعطاها الخاتم فجاء أناس من أهل
الجرادة يخاصمون قوما إلى سليمان بن داود عليه السلام فكان هوى سليمان أن يكون
الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا فجاء حين أراد الله
أن يبتليه فأعطاها الخاتم ودخل الخلاء ومثل الشيطان في صورة سليمان قال هاتي خاتمي
فأعطته خاتمه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والإنس والجن وكل شيء جاءها سليمان
قال هاتي خاتمي قالت اخرج لست بسليمان قال سليمان عليه السلام إن ذاك من أمر الله
إنه بلاء أبتلى به فخرج فجعل إذا قال أنا سليمان رجموه حتى يدمون عقبه فخرج يحمل
على شاطئ البحر ومكث هذا الشيطان فيهم مقيم ينكح نساءه ويقضي بينهم فلما أراد الله
عز و جل أن يرد على سليمان ملكه انطلقت الشياطين وكتبوا كتبا فيها سحر وفيها كفر
فدفنوها تحت كرسي سليمان عليه السلام ثم أثاروها وقالوا هذا كان يفتن الجن والإنس
قال فأكفر الناس سليمان حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و
جل على محمد عليه السلام وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يقول الذي صنعوا فخرج
سليمان يحمل على شاطئ البحر قال ولما أنكر الناس لما أراد الله أن يرد على سليمان
ملكه أنكروا انطلقت الشياطين جاؤوا إلى نسائه فسألوهن فقلن إنه ليأتينا ونحن حيض
وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه حضر هلاكه هرب وأرسل به فألقاه في
البحر وفي الحديث فتلقاه سمكه فأخذه وخرج الشيطان حتى لحق بجزيرة في البحر وخرج
سليمان عليه السلام يحمل لرجل سمكا قال بكم تحمل قال بسمكة من هذا السمك فحمل معه
حتى بلغ به أعطاه السمكة التي في بطنها الخاتم فلما أعطاه السمكة شق بطنها يريد
يشويها فإذا الخاتم فلبسه فأقبل إليه الإنس والشياطين فأرسل في طلب الشيطان فجعلوا
لا يطيقونه فقال احتالوا له فذهبوا فوجدوه نائما قد سكر فبنوا عليه بيتا من رصاص ثم
جاؤوا ليأخذوه فوثب فجعل لا يثب في ناحية إلا أماط الرصاص معه فأخذوه فجاؤوا به
إلى سليمان فأمر بحنت من رخام فنقر ثم أدخله في جوفه ثم سده بالنحاس ثم أمر به
فطرح في البحر
أقول : هذا السند رجاله ثقات ، وقد استنكر
عدد من المتأخرين هذا الخبر بسبب ما ذكر في الخبر من إتيان الشيطان لنساء سليمان
وهن حيض
وهذه الفقرة تفرد بها محمد بن العلاء عن
أبي معاوية وقد روى هذا الخبر عنه أربعة فلم يذكروا هذه الفقرة وهم
1_ أبو خيثمة
2_ إسحاق بن إسماعيل
3_ أبو هلال الأشعري
وحديثهم جميعاً عند ابن أبي الدنيا في
العقوبات (192) ، ولم يذكروا تلك الزيادة المنكرة
4_ أبو السائب السوائي وحديثه عند الطبري
في التفسير (1660) ، وهو بدون هذه الزيادة
وقد روى سفيان الثوري هذا الخبر عن الأعمش
مختصراً ولم يذكر تلك الزيادة
قال الحاكم في المستدرك 3680 - حَدَّثَنَا
أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَهَّابِ ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ
الْأَعْمَشُ ، عَنِ الْمِنْهَالِ [بْنِ عَمْرٍو] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا } قَالَ:
" هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَقْضِي بَيْنَ
النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ جَارِيَةٌ يُقَالَ لَهَا: جَرَادَةُ
وَكَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَهْلِهَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ ، فَقَضَى
بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ إِلَّا أَنَّهُ وَدَّ أَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهَا ،
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلَاءٌ ، وَكَانَ لَا يَدْرِي
يَأْتِيهِ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ "
ومما يدل على نكارة هذه الزيادة أن
مجاهداً ألصق تلاميذ ابن عباس أنكر أن يكون الشيطان ، تمكن من نساء سليمان عليه
الصلاة والسلام
قال الطبري في تفسيره (21/ 199) : حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصف، فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني
خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر، فساح سليمان وذهب مُلكه، وقعد آصف
على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وأنكرنه; قال: فكان سليمان
يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان، فيكذّبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا
يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه مُلكه، وفر آصف فدخل البحر فارّا.
وكذلك أنكر قتادة تسلط الشيطان على نساء
سليمان كما روى الطبري (21/198) : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن
قتادة، قوله( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: حدثنا قتادة أن سلمان أمر ببناء بيت المقدس، فقيل له:
ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد، قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه، فقيل له: إن شيطانا في
البحر يقال له صخر شبه المارد، قال: فطلبه، وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة
أيام مرّة، فنزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال: إنك
لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا
شديدا، ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا
قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه، فذلّ،
قال: فكان مُلكه في خاتمه، فأتى به سليمان، فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل
لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد، قال: فأتى ببيض الهدهد، فجعل عليه زجاجة، فجاء
الهدهد، فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه، فذهب فجاء بالماس، فوضعه عليه،
فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه، فأخذ الماس، فجعلوا يقطعون به الحجارة، فكان سليمان
إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه; فانطلق يوما إلى الحمام،
وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه، قال: فدخل الحمام،
وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، ونزع مُلك سليمان منه،
وألقي على الشيطان شبه سليمان; قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره، وسلِّط على ملك
سليمان كله غير نسائه; قال: فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد
فُتِن نبيّ الله; وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة، فقال: والله
لأجربنه; قال: فقال له: يا نبيّ الله، وهو يرى إلا أنه نبيّ الله، أحدنا تصيبه
الجَنابة في الليلة الباردة، فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس، أترى عليه بأسا؟ قال:
لا قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة، فأقبل
فجعل لا يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له، حتى انتهى إليهم( وَأَلْقَيْنَا عَلَى
كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو الشيطان صخر.
فإذا كانت هذه الزيادة فقط محل إشكال
فلتضعف هذه الزيادة ويحكم عليها بالشذوذ لعدم ذكر أكثر الرواة لها ، ويصحح بقية الخبر
واعلم رحمك الله أن السلف أجمعوا على أن
الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان هو ذلك الشيطان ، ولم ينكر هذا أحد من السلف ، قد
تقدم معك أثر ابن عباس وأثر مجاهد ، وأثر قتادة
قال الطبري في تفسيره (21/ 196) : حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.
هذا طريق صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس وهي تتقوى بما ورد سابقاً من طريق سعيد بن جبير
قال الطبري في تفسيره (21/ 197) : حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا مبارك، عن الحسن( وَأَلْقَيْنَا عَلَى
كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا.
وقال الطبري في تفسيره (21/199) : حدثنا
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله( وَلَقَدْ
فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) قال: لقد ابتلينا( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا ) قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما ، ثم ذكر قصةً طويلة
وقد اختار البخاري هذا القول في صحيحه حيث
قال : {جَسَدًا} شَيْطَانًا
ولم ينقل عن السلف قولٌ آخر ، فلو فرضنا
جدلاً أن أصله مأخوذ من كعب الأحبار ، فإنه حجة إذ لم يرد عن أحد من السلف ما
يخالفه
إذا علمت هذا علمت سقوط قول أبي حيان
الأندلسي في تفسيره ( 7 / 397 ) :" إن
هذه المقالة من أوضاع اليهود والزنادقة ، ولا ينبغي لعاقل أن يعتقد صحة ما فيها ،
وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره على الناس ، ويعتقدوا أن ذلك
المتصور هو النبي ؟ ! ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي ، نسأل الله سلامة
ديننا وعقولنا"
وهكذا مقالة الزنادقة سرت على جميع السلف
، في القرون الفاضلة ثم جاء أبو حيان الأندلسي الأشعري بعقله الفذ وأنقذنا من هذه
الخرافة ؟!
ولا يجوز اعتقاد ما قاله أبو حيان
لمخالفته لإجماع السلف
وأيضاً يعلم سقوط الآلوسي في " تفسيره " ( 23 / 198 ) :
" أظهر ما قيل في فتنته عليه السلام
أنه قال : " لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في
سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن ، فلم تحمل إلا امرأة ، وجاءت بشق
رجل " . رواه الشيخان عن أبي هريرة مَرْفُوعًا . فالمراد بالجسد ذلك الشق
الذي ولد له ، ومعنى إلقائه على كرسيه : وضع القابلة له عليه ؛ لِيَرَاهُ " .
لا أعلم أحداً من السلف فسر الآية بما
فسره به الآلوسي وهذا تفسير محدث مخترع ، ومما يدل على بطلان هذا التفسير أنه لم
يرد في الرواية أن شق الرجل وضع على كرسي سليمان ، إنما هو أمرٌ زاده الآلوسي في
الرواية إذ لم يقبل عقله المنقول عن السلف
قال شيخ الإسلام في مقدمة التفسير :"
و فى الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم الى ما يخالف ذلك كان
مخطئا فى ذلك بل مبتدعا وان كان مجتهدا مغفورا له خطؤه"
فاحذر هذا المسلك الوخيم ولا تغتر بمن سبق
إليه
وقد قلت رداً على محمد جميل زينو لما أنكر
هذه القصة : هذا الذي قاله محمد جميل زينو
خلاف إجماع مفسري السلف فكلهم اتفقوا على أن الله ألقى على كرسي سليمان جسد شيطان
ولا يعلم أحدٌ من الصحابة أو التابعين قال بخلاف هذا والحديث الذي ذكره لا علاقة
له بالآية لا من قريب ولا من بعيد ولو جزمنا أن هذا إسرائيلية فالواجب التوقف لا
الجزم بالكذب بهذه الجرأة فكيف إذا وجدنا عامة السلف يقولون بهذا القول بما فيهم
ابن عباس في صحيفة علي بن أبي طلحة التي اعتمدها محمد جميل نفسه في المثال السابق.
قال الحاكم في المستدرك 3680 - حَدَّثَنَا
أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَهَّابِ ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ
الْأَعْمَشُ ، عَنِ الْمِنْهَالِ [بْنِ عَمْرٍو] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قَالَ: " هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى
كُرْسِيِّهِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ
جَارِيَةٌ يُقَالَ لَهَا: جَرَادَةُ وَكَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَهْلِهَا وَبَيْنَ
قَوْمِهِ خُصُومَةٌ ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ إِلَّا أَنَّهُ وَدَّ أَنَّ
الْحَقَّ لِأَهْلِهَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلَاءٌ ،
وَكَانَ لَا يَدْرِي يَأْتِيهِ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ".
وبهذا قال مجاهد والحسن والسدي واختاره
البخاري في صحيحه، حيث قال : ﴿جَسَدًا﴾ شَيْطَانًا ، الذي خرج الحديث الذي اعتمده
محمد جميل!
فكل هؤلاء ساروا على إسرائيلية مكذوبة ،
غفرانك اللهم !
والخلاصة: أنه لا اعتراض على السعدي بل الاعتراض على من جعل السلف كلهم
قائلين باسرائيلية مكذوبة !
وقد تكلمت كثيراً على هوس دعوى وجود
إسرائيليات في كلام السلف وليس هذا محل تكراره
الملاحظة قبل الأخيرة : قال المقدسي :"
فقال في تفسير سورة النمل عند الآية 20 بعدما أنكر دعوى من قال من المفسرين أن
سليمان تفقد الطير وطلب الهدهد ليدله على بُعد الماء وقربه، لِما زعموه من أن
الهدهد يبصر الماء تحت الأرض الكثيفة، مع أن هذا دون ما أشار إليه أعلاه من قصة
سلب الشيطان لملك سليمان، قال : ( وهذه التفاسير التي توجد وتشتهر بها أقوال لا
يعرف غيرها، تنقل هذه الأقوال عن بني إسرائيل مجردة ويغفل الناقل عن مناقضتها
للمعاني الصحيحة وتطبيقها على الأقوال، ثم لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلما
للمتقدم حتى يظن أنها الحق، فيقع من الأقوال الردية في التفاسير ما يقع، واللبيب
الفطن يعرف أن هذا القرآن الكريم العربي المبين الذي خاطب الله به الخلق كلهم
عالمهم وجاهلهم وأمرهم بالتفكر في معانيه، وتطبيقها على ألفاظه العربية المعروفة
المعاني التي لا تجهلها العرب العرباء، وإذا وجد أقوالا منقولة عن غير رسول الله
صلى الله عليه وسلم ردها إلى هذا الأصل، فإن وافقته قبلها لكون اللفظ دالا عليها،
وإن خالفته لفظا ومعنى أو لفظا أو معنى ردها وجزم ببطلانها، لأن عنده أصلا معلوما
مناقضا لها وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته. )
وقال في سورة الأعراف عند الآية 78: (واعلم
أن كثيرا من المفسرين يذكرون في هذه القصة أن الناقة قد خرجت من صخرة صماء ملساء
اقترحوها على صالح وأنها تمخضت تمخض الحامل فخرجت الناقة وهم ينظرون وأن لها فصيلا
حين عقروها رغى ثلاث رغيات وانفلق له الجبل ودخل فيه وأن صالحا عليه السلام قال
لهم: آية نزول العذاب بكم، أن تصبحوا في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ووجوهكم
مصفرة، واليوم الثاني: محمرة، والثالث: مسودة، فكان كما قال.
وكل هذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي
نقلها في تفسير كتاب اللّه، وليس في القرآن ما يدل على شيء منها بوجه من الوجوه،
بل لو كانت صحيحة لذكرها اللّه تعالى، لأن فيها من العجائب والعبر والآيات ما لا
يهمله تعالى ويدع ذكره، حتى يأتي من طريق من لا يوثق بنقله، ... )إلى أن قال : ( وقد
تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب اللّه بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية
عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب اللّه يقينية، وتلك أمور لا
تصدق ولا تكذب، فلا يمكن اتفاقهما.)اهـ."
وهذا في الواقع جرأة منه ومن السعدي فأما
في دعوى إنكار أن الهدد كان مهندساً يرى الماء فهذا ثابت عن ابن عباس يقوله على
وجه الجزم وما أنكره أحد
قال عبد الله بن أحمد في السنة 900 - حَدَّثَنِي
أَبِي، نا وَكِيعٌ، نا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سُئِلَ
ابْنُ عَبَّاسٍ، كَيْفَ تَفَقَّدَ سُلَيْمَانُ الْهُدْهُدَ مِنْ بَيْنِ
الطَّيْرِ؟، قَالَ: " إِنَّ سُلَيْمَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، نَزَلَ
مَنْزِلًا فَلَمْ يَدْرِ مَا بُعْدُ الْمَاءِ، وَكَانَ الْهُدْهُدُ مُهَنْدِسًا،
قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنِ الْمَاءِ فَفَقَدَهُ، قُلْتُ: وَكَيْفَ
يَكُونُ مُهَنْدِسًا وَالصَّبِيُّ يَنْصُبُ لَهُ الْحِبَالَةَ فَيَصِيدُهُ، قَالَ:
إِذَا جَاءَ الْقَدَرُ حَالَ دُونَ الْبَصَرِ "
قال يحيى بن سلام في تفسيره وَحَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ التَّيْمِيُّ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ سَأَلَ ابْنَ
عَبَّاسٍ: لِمَ تَفَقَّدَ سُلَيْمَانُ الْهُدْهُدَ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا
إِذَا سَافَرُوا نَقَرَ لَهُمُ الْهُدْهُدُ عَنْ أَقْرَبِ الْمَاءِ فِي الأَرْضِ،
فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الأَزْرَقِ: وَكَيْفَ يَعْلَمُ أَقْرَبَ الْمَاءِ فِي
الأَرْضِ، وَلا يَعْلَمُ بِالْفَخِّ حَتَّى يَأْخُذَ بِعُنُقِهِ؟ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَذَرَ لا يُغْنِي مَعَ الْقَدَرِ شَيْئًا؟ .
وهذا أقره العلماء وما أنكروه والأمة لا
تجتمع على ضلالة
وأما دعوى أن قصة ناقة صالح إسرائيلية
فهذا سخف لأن صالحاً ليس من بني إسرائيل ولا ذكر له بالتوراة
قال عبد الرزاق في تفسيره 911 - عَنْ
إِسْرَائِيلَ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ , قَالَ:
" قَالَتَ ثَمُودُ يَا صَالِحُ: ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ , فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: اخْرُجُوا إِلَى هَضْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ
, فَخَرَجُوا فَإِذَا هِيَ تَمَخَّضُ كَمَا تَمَخَّضُ الْحَامِلُ , ثُمَّ إِنَّهَا
انْفَرَجَتْ فَخَرَجَ مِنْ وَسَطِهَا النَّاقَةُ , فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {هَذِهِ
نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ , وَلَا
تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73] لَهَا شِرْبٌ
وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ , فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا , فَقَالَ
لَهُمْ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ
مَكْذُوبٍ} [هود: 65] قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ آخَرُ " أَنَّ
صَالِحًا , قَالَ لَهُمْ: إِنَّ آيَةَ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ أَنُ
تُصْبِحُوا غَدًا حُمْرًا , وَالْيَوْمَ الثَّانِي صُفْرًا , وَالْيَوْمَ
الثَّالِثِ سُودًا , قَالَ: فَصَبَّهُمُ الْعَذَابُ , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ
تَحَنَّطُوا وَاسْتَعَدُّوا "
وهذا إسناد قوي والهضبة هي ( الهَضْبَةُ
كلُّ جَبَلٍ خُلِقَ من صخرةٍ واحدةٍ وقيل كلُّ صخرةٍ راسيةٍ صُلْبةٍ ضَخْمةٍ
هَضْبةٌ) كما في لسان العرب
وأبو الطفيل صحابي من أصغر الصحابة وهو
آخرهم موتاً وقد تتلمذ عند علي بن أبي طالب وله عنه أخبار في التفسير ، وهو وعلي
لا يعرفان بالأخذ عن بني إسرائيل
ولم يكن صالح من أنبياء بني إسرائيل حتى
يذكر بالتوراة ، التي تذكر بني إسرائيل ومن جاء قبلهم !
قال
ابن كثير في تفسيره (4/ 481) :"
وَفِيمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ نَظَرٌ؛
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأمة،
فإنه قد قيل:
إِنَّ قِصَّةَ عَادٍ وَثَمُودَ لَيْسَتْ
فِي التَّوْرَاةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ وقَصَه
عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْقِصَّتَانِ فِي "التَّوْرَاةِ"،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
والتوراة التي بين أيدينا لا ذكر فيها
لصالح أو هود عليهما الصلاة والسلام مما يؤيد ما ذكر ابن كثير ، ولو لم تجد هذه
القرينة لكان الجزم بكون هذا الخبر إسرائيلية مجازفة لما وصفت من حال أبي الطفيل
وقد أنكر محمد رشيد رضا هذا الخبر فقال في
تفسير المنار (8/ 447) :" وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ يُحْتَجُّ بِهِ فِي خَلْقِ
النَّاقَةِ مِنَ الصَّخْرَةِ أَوْ مِنْ هَضْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي الطُّفَيْلِ "
فمع علمه بأنه مروي عن الصحابي وثابت عنه
يجزم بعدم صحته ، فليحذر السني من متابعة هذا العقلاني على نهجه الخطير في التعامل
مع الآثار
وقد نظرت في التفاسير فما وجدت أحداً سبق
محمد رشيد رضا إلى إنكار هذا الأمر فحتى الزمخشري والرازي أوردا الأخبار في ذلك
ولم يتعقباها بشيء
الملاحظة الأخيرة : قال المقدسي :" وقال
الشيخ في سورة الرعد عن الأرض عند قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ)
أي: جبالا عظاما، لئلا تميد بالخلق، فإنه لولا الجبال لمادت بأهلها، لأنها على
تيار ماء، لا ثبوت لها ولا استقرار إلا بالجبال الرواسي..) اهـ .
قوله : أن الأرض (على تيار ماء )
هذا القول لم يثبت في حديث صحيح مرفوع إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقله من نقله من المفسرين وتلقاه السعدي هنا عنهم،
نقلوه من الإسرائيليات التي يرويها كعب الأحبار ونحوه .. وربما ذكرت عن بعض
الصحابة فهي من الإسرائيليات التي كان يتساهل بعضهم في التحديث بها لترجيحهم أنها
من النوع الذي تجوز روايته .."
هذا لم أجده صراحة عن كعب أو غيره وكلمة
تيار إنما قالها ابن كثير في الكلام على الفلك التي تجري في البحر فأخذها السعدي
ووضعها في هذا الموضع
وتبقى مسألة قصة الغرانيق وقد تكلمت عليها
في تقويم المعاصرين وينبغي أن يعلم أنه لا يصح عن ابن خزيمة أنه أنكرها
وقد كذب المقدسي السلف وسفههم واستشهد
بكلام سيد قطب وإنا لله وإنا إليه راجعون
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم