مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: التنبيه على أخطاء بعض المتكلمين في الماسونية وأشراط الساعة

التنبيه على أخطاء بعض المتكلمين في الماسونية وأشراط الساعة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فينتشر في هذه الأيام عدة أبحاث ومقاطع لأناس يتكلمون عن الماسونية وعن أثرها على العالم ، ويأتون بأدلة على ذلك ليس للمكابر بدفعهن يدان

غير أن هذا الجهد يشوبه ضعف العلم الشرعي في عديد من الباحثين مما أوقعهم في بعض الأغلاط والناس لا يتنبهون لهذه الأغلاط من كثرة الصواب في الكلام ككلامهم عن مكر الكفار بنا وحرصهم على نشر الرذيلة بين المسلمين ومحاولتهم التشكيك بالثوابت واستئجار بعض الناس لذلك

وغيرها من الأمور التي يعضدها الواقع وفي الوحي إشارات تؤكد كيد الكفار ومكرهم بأهل الإسلام

قال تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)

وقال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)

وقال تعالى : (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

غير أن الضعف العلمي قد كان له أثر سيء في تفسير بعض النصوص مخالفة لما كان عليه السلف

وأشهر ذلك تفسيرهم لقوله تعالى : (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أَوْلَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)

فكثير من المعاصرين ممن يشتغل بالتفسير وعدد من الباحثين في مجال الماسونية والحركات السرية والكلام على أشراط الساعة يغريه حال اليهود اليوم فيفسر الإفساد الثاني بما يفعلونه اليوم

وبعضهم يذهب إلى أوسع من هذا فيذهب إلى أن إفسادهم الثاني هو عملهم وتخطيطهم في المؤسسات السرية التي لها نفوذ قوي في العالم كالماسونية وفروعها وذلك دام لمئات السنين

والحق أن هذا التفسير باطل لسبب واحد فحسب ألا وهو إجماع المفسرين من السلف على خلافه

قال الطبري في تفسيره :" وَأَمَّا إِفْسَادُهُمْ فِي الْأَرْضِ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ، فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ كَانَ قَتْلَهُمْ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا"

وكل ما في التفاسير المأثورة يؤيد ما قال الطبري ولا يخالفه

قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي :" ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه، وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده، وإنما ننبه عليه بعض التنبيه."

وهذه قضية ضرورية أجمع عليها الناس مم يعتد بهم وكان الطبري يستدل على بطلان القول بمخالفته لأهل التأويل

ثم إن هذه قضية غيبية لا مجال فيها للرأي فاتفاقهم يقوي أن هذا له أصل مرفوع خصوصاً وأن هذا القول ورد عن ابن مسعود الذي لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل فاحتمال التوقيف وكون هذا التفسير مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم شبه متعين إذ لا يعقل أن يترك النبي هذه الآية دون بيان لأصحابه أو يبينها لهم ثم يسود تفسير آخر

والعجيب أن بهاءاً الأمير على ذكائه خالف التفسير السلفي ووافق التفسير السلفي عبد الوهاب المسيري مع أن الأخير أكثر تأثراً بالتيار الغربي وبعداً عن الاعتداد بالسلف  والأول بعيد عن ذلك ، وبهاء الأمير شنع على المسيري في أخذه للمروي عن السلف في كتابه الوحي ونقيضه والذي وفق فيه كثيراً في نقد المسيري ولكنه هنا أخطأ خطأ ظاهراً

ثم إنه كان يكفي المتكلفين أن يعلموا بأن قوله تعالى ( لتفسدن في الأرض مرتين ) لا ينفي وجود غيرها لأن العدد لا مفهوم له في علم الأصول ، فيكون ذكر الاثنين على سبيل العد لا الحصر أو لخصوصية هاتين المرتين بتشابه والله عز وجل يذكر في القرآن من أحوال بني إسرائيل ما يكون عبرة لنا في أحفادهم

وهذا ما كان الصحابة يفهمونه فعائشة قالت لهم ( إخوة القردة والخنازير ) وقول المفسر ( الآية نزلت في كذا وكذا ) لا يعني حصرها بهذه فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولو لم يكن اللفظ عاماً فهناك شيء اسمه القياس والاعتبار ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )

فمثلاً قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

نزلت في معين ولكنها تعم كل من حاله كحال هذا الشخص لهذا لا تعارض بين من قال أنهم بلعام ومن نزله على غير بلعام

ولهذا كان السلف ينزلون بعض الآيات على أقوام لم يكونوا موجودين وقت نزول الوحي كتنزيلهم قوله تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) على أهل البدع من المنتسبين للملة

ثم إن الآيات نفسها فيها إشارة إلى وقوع إفساد غير الاثنين من بني إسرائيل

في قوله تعالى : (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)

قال الطبري في تفسيره حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن عمر بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) قال: عادوا فعاد، ثم عادوا فعاد، ثم عادوا فعاد. قال: فسلَّط الله عليهم ثلاثة ملوك من ملوك فارس: سندبادان وشهربادان وآخر.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال الله تبارك وتعالى بعد الأولى والآخرة (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) قال: فعادوا فسلَّط الله عليهم المؤمنين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) فعاد الله عليهم بعائدته ورحمته (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) قال: عاد القوم بشرّ ما يحضرهم، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته، ثم كان ختام ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحيّ من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة؛ قال الله عزّ وجلّ في آية أخرى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .... الآية، فبعث الله عليهم هذا الحيّ من العرب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) فعادوا، فبعث الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.

فالسلف لم يفهموا الحصر بمرتين حتى تجعلوا إفسادهم المعاصر ناقضاً لما ذكره السلف من تنزيل الآية على حادثة سابقة بل سياق الآيات ظاهر في أن الإفسادين قد مضيا بدليل قوله تعالى : ( وإن عدتم عدنا )

فالتفسير المعاصر محض قرمطة

ومثل هذا تفسير عمران حسين الباكستاني لحديث ( يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع ) في حديث الدجال على المراحل الزمنية المرحلة التي كانت بريطانيا  تسيطر فيها والمرحلة التي كانت أمريكا تسيطر ثم مرحلة دولة اليهود التي تسمى إسرائيل !

ويكفي لنقض هذا التفسير القرمطي سؤال الصحابة في الحديث نفسه عن الصلاة وكيف يصلونها والحديث واضح أنه بعد ظهور الدجال ولو كان تفسيره سليماً لما كان لسؤال الصحابة عن الصلاة معنى

ومثل هذا تفسيرهم لقوله تعالى (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ والإنس) بأن المضل الإنسي هو الدجال !

وتفسير السلف أن المضل الإنسي هو ابن آدم الذي قتل أخاه

قال ابن وهب في تفسيره 49 - أخبرني شبيب عن شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ والإنس}، قَالَ: الشَّيْطَانُ وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ.

فإن قيل : ألم يندم

فيقال : لعل ندمه ندم ضجر لا ندم توبة

قال البخاري في صحيحه 6867 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا»

وهذا يؤيد التفسير السلفي

ووجه ذكره ظاهر لأنه هو أول من سن القتل بغير حق وبه اقتدى من بعده وتلك أعظم خطيئة بعد الشرك

قال ابن أبي شيبة في المصنف 37490 - ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ حُذَيْفَةَ جَالِسًا إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ حَتَّى جَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَخَرَجَ الدَّجَّالُ؟ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: وَمَا الدَّجَّالُ؟ إِنَّ مَا دُونَ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مِنَ الدَّجَّالِ , إِنَّمَا فِتْنَتُهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً "

فهذا الخبير بأخبار الفتن يقول هذا وهذا يدفع تهويل عمران حسين وقوله أن فتنته قرون ! ولو جعل إبليس مكان الدجال لاستقام الأمر ولا يبعد ما يذكره من بعض الأمور ولكن فتنة الدجال الحقيقية إنما تكون بعد ظهوره ودعوته الناس لعبادة نفسه وأعظم ما يستعين به جهل الناس بالوحي وبالطريقة السليمة في فهمه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي