مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: توضيح إجماع حرب الكرماني في تكفير من لم يكفر الجهمية بأصنافها

توضيح إجماع حرب الكرماني في تكفير من لم يكفر الجهمية بأصنافها



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فهذه كتابة توضيحية في مسألة يكثر فيها الأسئلة والجدل من أناس ما مارسوا العلم والله المستعان ، وإنما يعرفون مسائل معينة ولا يحررونها ثم يكفرون بها الأولين والآخرين ويمتلئون زهواً لذلك

قال حرب الكرماني في عقيدته :" والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولًا، ومن زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع.
ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم"

فصرح رحمه الله أن من لم يكفر الواقفة واللفظية والمخلوقية فهو كافر مثلهم

قال الخطيب البغدادي في تاريخه أخبرنا أَبُو بَكْرٍ البرقاني، قَالَ: قرأت عَلَى بشر بن أَحْمَد الإسفراييني، قَالَ لكم أَبُو سُلَيْمَان داود بن الْحُسَيْن البيهقي: بلغني أن الحلواني الْحَسَن بن عَلِيّ، قَالَ: إني لا أكفر من وقف فِي القرآن، فتركوا علمه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: سألت أبا سَلَمَة بن شبيب عَنْ علم الحلواني، قَالَ: يرمى فِي الحش، قَالَ أَبُو سَلَمَة: من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر.

وهذا إسناد صحيح

فهل هذه القاعدة ( من لم يكفر الكافر فهو كافر تنطبق على من يصرح أن القول كفر ولكنه يعذر بعض قائليه بالجهل )؟

لو قلنا بهذا للزمنا أن نكفر أحمد ابن حنبل وأبا حاتم وأبا زرعة لأنهم يفرقون بين الواقفي الجاهل بكلمة حرب وكلمة سلمة بن شبيب

جاء في عقيدة الرازيين :" وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلًا عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ يُكَفَّرْ"

وقد نقلا على هذا الإجماع

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 223 - سَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَسُئِلَ عَنِ الْوَاقِفَةِ فَقَالَ أَبِي: «مَنْ كَانَ يُخَاصِمُ وَيُعْرَفُ بِالْكَلَامِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَلَامِ يُجَانَبْ حَتَّى يَرْجِعَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ يَسْأَلْ»

224 - سُئِلَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَا أَسْمَعُ - عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَاهِلًا لَيْسَ بِعَالِمٍ فَلْيَسْأَلْ وَلْيَتَعَلَّمْ»
225 - سَمِعْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَرَّةً أُخْرَى وَسُئِلَ عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُحْسِنُ الْكَلَامَ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى هُمْ شَرٌّ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ»

ولما نقل لأحمد قول أبي ثور في اللفظية أنهم مبتدعة أنكر عليه ولم يكفره لأن المسألة في بدايتها فيها درجة من الخفاء

ثم إن كلام أئمة السلف كثير في اشتراط العلم بقول الجهمية لكي يكفر من لا يكفرهم

قال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم في عقيدة أبيه وأبي زرعة "أصول السنة واعتقاد الدين" ص.2 "ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرًا ينقل من الملة ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر "

قال الإمام أبو حاتم الرازي أيضا: " من زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر كفرا ينتقل به عن الملة ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر ومن كان جاهلاً علم فإن أذعن بالحق بتكفيره وإلا ألزم الكفر" طبقات الحنابلة  1/286

3. قال البخاري وأبو عبيد القاسم بن سلام: " نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أضل في كفرهم منهم وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم" خلق أفعال العباد 1/33, مجموع الفتاوى

ونصوص أخرى معروفة وهذا فيمن لا يكفر مطلقاً وأما من يفرق بين الإطلاق والتعيين فهذا بحثه مختلف

وقد وقع من ابن أبي عاصم أنه فرق بين الإطلاق والتعيين في الجهمي المخلوقي وذلك في كتابه السنة فلم يكفره أحد ، ويبدو أنه وقعت له شبهة من جنس الشبهة التي وقعت للإمام الشافعي في عدم تكفيره للطائفة الممتنعة ( وهذا في كتابه الأم لمن يجهله )!

ومعلوم أن الجهمي المعطل شر من المشرك من بعض الأوجه

قال الآجري في الشريعة 178 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبَّاسٍ النَّرْسِيُّ، فَقُلْتُ: كَانَ  صَاحِبُ سُنَّةٍ؟ فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا قُولِي: الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، إِلَّا كَقَوْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ

ومع ذلك لهم كلامهم السابق في الواقفي نفسه فضلاً عمن لا يكفر

نقل المروذي ويعقوب بن بختان وأبو طالب لا يكفر وقال في رواية أبي طالب عن أحمد : "من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن قال لا يكفر من قال القرآن مخلوق فلا يكفره"

وهذه لها توجيه فهو يعني الجاهل ولو كان الغلاة في زمن أحمد لقالوا أنه كافر بهذه الرواية 

والسلف لم يجعلوا من لم يكفر الجهمية كمن لا يكفر اليهود والنصارى من كل وجه مع أن مقالة الجهمية شر من مقالة اليهود والنصارى ولكن هذا لا يفهمه كل أحد ، كما أن القدرية غير الغالية قالوا بمخلوقين كثر فصارت مقالتهم شر من مقالة المجوس من وجه ومع ذلك لم يكفرهم كثير من السلف وكفرهم كثيرون ولكن لم يكفروا من لم يكفرهم والمجوس من لم يكفرهم كافر مطلقاً  

بل هناك روايات عديدة عن أحمد أن الواقفة شر من الجهمية وهذا باعتبار حقيقة القول وأثره ولكن عند الحكم على الواقفي فرق بين العالم والجاهل 

بل أيهما أولى تكفير الواقفي أم تكفير من وقف في تكفير الجهمية ؟

لا شك أن تكفير الواقفي أولى لأنه مخالف في أصل المسألة ، والذين يعذرون بالجهل اليوم مع إقرارهم بأن الفعل شرك وأن فاعله يكون مشركاً إذا بلغته الحجة أو تمكن وأعرض أو أي قيد غير هذا عندهم شبهات هي أقوى من شبهات المرجئة الذين أخرجوا العمل من مسمى الإيمان أو الخوارج الذين كفروا بالكبائر أو القدرية غير الغلاة ( وكل هؤلاء لم يكفرهم كثير من العلماء بل الخوارج غالب الصحابة على عدم تكفيرهم ) 

وهنا أيضاً لا بد من إيضاح بعض المسائل

الأولى : أن وصف من يفرق بين الإطلاق والتعيين بأنه لا يكفر غلط لأنه يكفر عدداً من الأفراد وإلا لجاز أن نقول أبو حاتم وأبو زرعة لا يكفران الواقفة ومن علق وصف التكفير على شيء جائز الوقوع صار يكفر ثم البحث بعد هذا في قيده هذا

ولهذا الحنابلة الذي نسبوا لأحمد التفريق بين الإطلاق والتعيين في الجهمية وهم فرقوا بين الداعية وغيره ما كانوا يقولون أحمد لا يكفر بل كانوا ينقلونها روايتها واحدة تكفير الجهمية

الثانية : أن التفريق بين الإطلاق والتعيين لا ينفي التكفير المطلق في قول ابن تيمية ونظرائه بمعنى أن قول ( الجهمية كفار ) و ( القدرية كفار ) لا ينافي عذر بعضهم عندهم لأن مثل هذا التكفير كالوعيد المطلق ( من فعل كذا فهو في النار ) لا ينافي عذر البعض

وهذا مما يخالف فيه بعض  فتراه يهاب أن يقال ( الأشاعرة كفار ) مع إقراره أن قولهم كفري متحججاً بأن بعضهم قد يعذر في قوله ! وحتى لو عذرنا فهذا من باب الوعيد المطلق فأنت عندك الجهمية لا يكفرون كلهم وتجد قول السلف ( الجهمية كفار ) ولا تعترض عليه بل الأشعرية أنفسهم جهمية غلاة

الثالثة : التفريق بين الإطلاق والتعيين إذا علق علي شيء جائز الوقوع لا يكون تعطيلاً للحكم كما يظنه بعض الشباب الذي يظن أن التكفير لا يقع إلا إذا ألغينا اعتبار بلوغ الحجة وهذا غلط فمع مخالفتنا لمن يشترط بلوغها في بعض الصور إلا أن قولهم بأن التكفير مربوط ببلوغ الحجة ليس تعطيلاً للتكفير ولو قلنا هذا لكنا متهمين للنصوص بأنها لا تقيم الحجة بحال ولقلنا بأن القول بأن الوعيد المطلق لا بد له من توفر شروط وانتفاء موانع تعطيل للوعيد كما في نصوص الوعيد المعروفة ولا عاقل يقول بهذا

الرابعة : أن المشكلة مع كثير من المعاصرين في جعلهم التفريق بين الإطلاق والتعيين نفياً للتكفير المطلق بل موجباً بالشهادة بالإسلام لكل الواقعين في الناقض علمائهم وجهلتهم وتعطيل حكم التكفير بالكلية دون مراعاة بين حكم دنيوي وآخر أخروي وبين المسائل الخفية والمسائل الجلية وبين الجهل المكتسب ( الإعراض ) وجهل العاجز عن التعلم

بل كثير منهم أن ينفي أن تكون بدعة الأشعرية كفرية أو يعتبر تكفير عباد القبور بأعيانهم غلواً فهؤلاء لون آخر تماماً عما نتكلم فيه ولا يجوز محاكمة من سبقهم من العلماء لإحداثاتهم وإن كنا نرى في مقابليهم من يخلط بين الحكم الدنيوي والحكم الأخروي حتى مال بعضهم إلى إنكار حكم أهل الفترة مطلقاً ومن يخلط بين الجلي والخفي حتى صار من ينكر عبادة غير الله ويسميها شركاً ويكفر الواقعين في ذلك وإنما يعذر بعضهم حكمه عندهم حكم عابد الوثن من كل وجه !

فالفروق لا يراعيها الفريقان والله المستعان

الخامسة : أن الحق الذي لا مرية فيه أن كفر الجهمية المخلوقية ونافية العلو كفر في المسائل الظاهرة وأنهم لا يعذرون ومثلهم عباد القبور وقد شرحت هذا في مقالات عديدة وبينت الخلل عند كثير من المعاصرين حتى لو سلمنا لهم دعواهم أن هذه المسائل قد تخفى على بعض الناس ، وكفر هؤلاء نعتقده كما نعتقد كفر تارك الصلاة وإن كانت هذه المسألة أخفى منها وكما نعتقد كفر الطائفة الممتنعة وكفر الساحر أياً كان سحره ( والإمام الشافعي على جلالته لم يكفر الطائفة الممتنعة وفصل في الساحر ونقل عنه محمد بن نصر عدم تكفير تارك الصلاة ومع ذلك هو ينقل الإجماع على كفر من لم يعمل بجوارحه وهو حرب على المرجئة فما أقيمت عليه الدنيا وما أقعدت كما يفعل الأغرار اليوم وابن تيمية وإن كان عندنا دون الشافعي في الفضل يكفر تارك الصلاة والطائفة الممتنعة والساحر مطلقاً ) فمن فرق بين المسائل الظاهرة والخفية وحصل عنده لبس في إدخال بعض المسائل الظاهرة في عداد الخفية لشبهة قامت عنده ليس كمن لا يكفر أصلاً وليس كمن لا يفرق بين ظاهر وخفي أبداً

قال ابن تيمية في الدرء :" ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك، لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين، والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس: إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول، فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم، بل يكون ذلك الامتناع مانعاً له من حصول العلم بذلك، كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه، مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه، وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره، لا سيما إذا قام عنده اعتقاد إن الرسول لا يقول مثل ذلك، فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري"

وقال أيضاً :" وكلام السلف والأئمة في تكفير الجهمية، وبيان أن قولهم يتضمن التعطيل والإلحاد كثير ليس هذا موضع بسطه.
وقد سئل عبد الله ابن المبارك ويوسف بن أسباط فأجابا بما تقدم.
وقد تبين أن الجهمية عندهم من نوع الملاحدة الذين يعلم بالاضطرار أن قولهم مخالف لما جاءت به الرسل، بل إنكار صفات الله أعظم إلحاداً في دين الرسل من إنكار معاد الأبدان، فإن إثبات الصفات لله أخبرت به الرسل أعظم مما أخبرت بمعاد الأبدان"

وكلامه في هذا كثير جداً ومنه تلقى كثير من الناس هذه المسائل وإنا لله وإنا إليه راجعون

وقد تأملت في أحوال من يبحث في هذه المسائل بحماقة وغلو فوجدتهم عدة أصناف

صنف يريد أن يثبت تميزه بأي طريقة ويرقع ضعفه العلمي بالتركيز على بعض الأبحاث التي يجيرها لتكفير أعلام ما كفرهم إلا الزنادقة من الجهمية الصرحاء ومما يدلك على ضعفهم عدم معرفتهم بقدر العلماء فتراهم ينسبون رجلاً كأحمد لمخالفة الإجماع في بعض المسائل الظاهرة في السنة بدعواهم حتى نسبه بعضهم إلى مخالفة القرآن !

وصنف يجمعه مع السابق بعض المغازي والدين عنده انتقامية ونكاية فإذا سمع ان هناك كلاماً على بعض معظميه قاده شيطانه إلى محاولة الانتقام من المخالفين بثلب الفضلاء عندهم بكل وسيلة واستغلال ضعف الناس وقلة قراءتهم

فكثير ممن تراه يطلق ( السلف قالوا كذا ) و ( منهج السلف كذا وكذا ) رصيده مقالات بعض الناس وبوستات في الفيس بوك وليس عنده استقراء لكتب التفسير والفقه والجرح والتعديل والعلل والعقيدة التي صنفها السلف 

بل ليس عندهم معرفة بمن يبدعون ويكفرون دعك من الجهمية وأضرابهم وإنما أكلمك عن أئمة الموحدين في الأعصار المتأخرة

وصنف ثالث مريض غرته دعايات اتباع السنة 

تنبيه هام : لا فرق بين الجهمي والقبوري 

قال القحطاني في نونيته  66- من قال إن الله خالق قوله ... فقد استحل عبادة الأوثان

وصرح ابن بطة أن الجهمية مشركون 

وقال عبد الله بن أحمد في السنة مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَكَلَّمُ فَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ. 

ثم أورد في ذلك آثاراً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي