مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض شبهة جهمية في العلو ...

نقض شبهة جهمية في العلو ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قد أرسل إلي ثلاثة من الأخوة شبهة يرددها بعض الجهمية

قال عبد الرزاق في تفسيره 196 - نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَوْفٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: سَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ , فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ} الْآيَةَ

ويريد بذلك دفع علو الله عز وجل على خلقه وهذا عجب ! وجواب ذلك من وجوه

أولها : أنه لا تناقض بين قرب الله عز وجل من خلقه وعلوه عليهم فهو في علوه قريب سبحانه برحمته وعلمه

قال ابن تيمية في الاستقامة :" وَإِنَّمَا الْوَاجِب أَن يُوصف بالعلو والظهور كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنْت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شئ وَأَنت الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شئ
وَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم [سُورَة الْبَقَرَة 255] فَلَو قَالَ هُوَ الْعلي الْقَرِيب كَانَ حسنا صَوَابا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قريب فِي علوه عَليّ فِي دنوه"

ثانيها : هذا خبر مرسل من مراسيل الحسن ومراسيله من أوهى المراسيل

قال  عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/341) (( مراسيل الحسن ضعافٌ جداً عندهم ))

وحتى الطبري الذي اشتد في الدفاع عن المرسل يضعف مراسيل الحسن في تهذيب الآثار ، ولم يعتد بمرسله ( الزاد والراحلة في تفسيره )

يقول في تهذيب الآثار مسند علي (113) (( مراسيل الحسن أكثرها صحف غير سماع وأنه إذا وصلت الأخبار فأكثر روايته عن مجاهيل لا يعرفون ومن كان كذلك فيما يروي من الأخبار وجب عندنا التثبت في مراسيله ))

فكيف يحتج من لا يرى الاحتجاج بأخبار الآحاد في العقيدة بمرسل واه ؟

ثم إن هذا المرسل فيه إثبات السؤال ب( أين الله ) الذي ينكره القوم

فكيف يحتج بهذا ويترك حديث الجارية ( أين الله ) الذي خرجه مالك في الموطأ واحتج به الشافعي في الأم وخرجه أحمد في المسند ولما احتج به المرجئة أصحاب أبي حنيفة وجهه وما ضعفه واحتج به البخاري في القراءة خلف الإمام وخرجه مسلم في الصحيح

إن هذا إلا المناداة على النفس بالهوى مع تواتر أدلة العلو وكثرتها حتى اعترف القرطبي بأنها ظواهر النصوص

ثم إن الحسن البصري نفسه يثبت العلو والثقل لله عز وجل

قال الطبري في تفسيره حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: موقرة مثقلة.

تنبيه : عدد من الأخوة اغتروا بالذي في الشاملة مكتوب عليه ( العقيدة رواية أبي بكر الخلال )

وهذا غلط ولا يجوز نسبة ما في هذه العقيدة للخلال بل هذه عقيدة التميمي الكلابي الذي بينه وبين أحمد مفاوز ونسب لأحمد أموراً لا تستقيم على أصوله ونقدها ابن تيمية 

وقد أرسل لي أحد الأخوة هذا الكلام لابن رجب رداً على هذه الشبهة :"  وقد أخبر الله تعالى بقربه ممن دعاه ، وإجابته له ، فقال : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ( [ البقرة : 186 ] .
وقد روي في سبب نزولها : أن أعرابيا قال : يا رسول الله ، أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله ( : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ( [ البقرة :
186 ] .
خرجه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وروي عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : سأل أصحاب رسول الله ( : أين ربنا ؟ فأنزل الله ( : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ( [ البقرة : 186 ] .
وروى عبد بن حميد بإسناده ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قَالَ : نزلت هذه الآية : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ( [ غافر : 60 ] ، قالوا : كيف لنا به أن نلقاه حتى
ندعوه ؟ فأنزل الله عز وجل على نبيه ( : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ( [ البقرة : 186 ] ، فقالوا : صدق ربنا ، هو بكل مكان .وقد خرج البخاري في ( ( الدعوات ) ) حديث أبي موسى ، أنهم رفعوا أصواتهم بالتكبير ، فقال لهم النبي ( : ( ( إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ) ) .
وفي رواية : ( ( أنه أقرب إليكم من أعناق رواحلكم ) ) .
ولم يكن أصحاب النبي ( يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها ، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله ، وإطلاعه على عباده وإحاطته بهم ، وقربه من عابديه ، وإجابته لدعائهم ، فيزدادون به خشية لله وتعظيما وإجلالا ومهابة ومراقبة واستحياء ، ويعبدونه كأنهم يرونه .
ثم حدث بعدهم من قل ورعه ، وساء فهمه وقصده ، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره ، وأراد أن يري الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر ، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان ، كما يحكى ذلك عن طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وهذا شيء ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة - رضي الله عنهم - ، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وقد حذر النبي ( أمته منهم في حديث عائشة الصحيح المتفق عليه .
وتعلقوا - أيضا - بما فهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله ، مثل قوله تعالى : ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ( [ الحديد : 4 ] وقوله : ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ( [ المجادلة : 7 ] ، فقال من قال من علماء السلف حينئذ : إنما أراد أنه معهم بعلمه ، وقصدوا بذلك إبطال ما قاله أولئك ، مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن .وممن قال : أن هذه المعية بالعلم مقاتل بن حيان ، وروي عنه أنه رواه عن
عكرمة ، عن ابن عباس .
وقاله الضحاك ، قال : الله فوق عرشه ، وعلمه بكل مكان .
وروي نحوه عن مالك وعبد العزيز الماجشون والثوري واحمد وإسحاق وغيرهم من أئمة السلف .
وروى الإمام أحمد : ثنا عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك : الله في السماء ، وعلمه بكل مكان .
وروي هذا المعنى عن علي وابن مسعود - أيضا .
وقال الحسن في قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ( [ الإسراء : 60 ] ، قال : علمه بالناس .
وحكى ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء من الصحابة والتابعين في تأويل قوله :
( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ( [ الحديد : 4 ] أن المراد علمه .
وكل هذا قصدوا به رد قول من قال : أنه تعالى بذاته في كل مكان .
وزعم بعض من تحذلق أن ما قاله هؤلاء الأئمة خطأ ؛ لأن علم الله صفة لا تفارق ذاته ، وهذا سوء ظن منه بأئمة الإسلام ؛ فإنهم لم يريدوا ما ظنه بهم ، وإنما أرادوا أن علم الله متعلق بما في الأمكنة كلها ففيها معلوماته ، لا صفة ذاته ، كما وقعت الإشارة في القرآن إلى ذلك بقوله تعالى : ( وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ( [ طه : 98 ] وقوله : ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ( [ غافر : 7 ] وقوله : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ( [ الحديد : 4 ] .
وقال حرب : سألت إسحاق عن قوله : ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ ( [ المجادلة : 7 ] ؟ قال : حيث ما كنت هو أقرب إليك من حبل الوريد ،وهو بائن من خلقه "
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي