مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: إيضاح مسألة هل كان الأنبياء على الكفر قبل البعثة ؟

إيضاح مسألة هل كان الأنبياء على الكفر قبل البعثة ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد رأيت نزاعاً حصل في مسألة هل الأنبياء كانوا على الكفر أو على ملة قومهم قبل النبوة ؟

وداعي هذا البحث الخصومات في الحقيقة والتوسع في بعض المسائل ، وقد جاء بعض الناس ممن تقوده المخابرات في بعض البلدان عن طريق بعض منتسبيها ممن صرح بأنه سيشي عني لبعض الحكومات ومع ذلك لا زال مقرباً عند الكافرين بالطاغوت ! فحاول استغلال المسألة وسرقة بعض الأبحاث لتفريغ حقده على ابن تيمية

والمسألة لها شقان الشق الأول ما يتعلق بنبينا فهذا ما كان على ملة قومه وما كان على الشرك

قال الخلال في السنة 213- أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ الْعُكْبَرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ؟ فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ سُوءٍ , يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ تَخَذُّرَ كَلاَمَهُ , وَلاَ يُجَالَسُ , قُلْتُ لَهُ : إِنَّ جَارَنَا النَّاقِدَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ ؟ فَقَالَ : قَاتَلَهُ اللَّهُ , أَيُّ شَيْءٍ أَبْقَى إِذَا زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ , وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَشَّرَ بِهِ عِيسَى , فَقَالَ : اسْمُهُ أَحْمَدُ , قُلْتُ لَهُ : وَزَعَمَ أَنَّ خَدِيجَةَ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ حِينَ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَقَالَ : أَمَّا خَدِيجَةُ فَلاَ أَقُولُ شَيْئًا , قَدْ كَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ , ثُمَّ مَاذَا يُحَدِّثُ النَّاسُ مِنَ الْكَلاَمِ , هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ الْكَلاَمِ , مَنْ أَحَبَّ الْكَلاَمَ لَمْ يُفْلِحْ , سُبْحَانَ اللَّهِ , سُبْحَانَ اللَّهِ لِهَذَا الْقَوْلِ , وَاسَتْعَظَمَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِكَلاَمٍ لَمْ أَحْفَظْهُ , وَذَكَرَ أُمَّهُ حَيْثُ وَلَدَتْ رَأَتْ نُورًا , أَفَلَيْسَ هَذَا عِنْدَمَا وَلَدَتْ رَأَتْ هَذَا وَقَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ كَانَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا مِنَ الأَوْثَانِ , أَوَ لَيْسَ كَانَ لاَ يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ , ثُمَّ قَالَ : احْذَرُوا أَصْحَابَ الْكَلاَمِ , لاَ يَئُولُ أَمْرُهُمْ إِلَى خَيْرٍ.



وقال ابن رجب في لطائف المعارف ص82 :" وفي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة" زاد مسلم قال: "فجئت فختمت الأنبياء" وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه وفيه: "فجعل الناس يطوفون به ويقولون: هلا وضعت اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين".

وقد استدل الإمام أحمد بحديث العرباض بن سارية هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل على التوحيد منذ نشأ ورد بذلك على من زعم غير ذلك بل قد يستدل بهذا.

الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيا فإن نبوته وجبت له من حين أخذ الميثاق منه حين استخرج من صلب آدم فكان نبيا من حينئذ لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك وذلك لا يمنع كونه نبيا قبل خروجه كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت قال حنبل: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد: من زعم أن النبي كان على دين قومه قبل أن يبعث؟ قال: هذا قول سوء ينبغي لصاحب هذه المقالة أن يحذر كلامه ولا يجالس قلت له: إن جارنا الناقد أبا العباس يقول هذه المقالة؟ قال: قاتله الله وأي شيء أبقى إذا زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام قال الله تعالى حاكيا عن عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] قلت له: وزعم أن خديجة كانت على ذلك حين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قال: أما خديجة فلا أقول شيئا قد كانت أول من آمن به من النساء ثم قال: ماذا يحدث الناس من الكلام!! هؤلاء أصحاب الكلام لم يفلح ـ سبحان الله ـ لهذا القول واحتج في ذلك بكلام لم أحفظه.

وذكر أن أمه حين ولدت رأت نورا أضاء له قصور الشام أو ليس هذا عندما ولدت رأت هذا وقبل أن يبعث كان طاهرا مطهرا من الأوثان أوليس كان لا يأكل لما ذبح على النصب ثم قال: "احذروا الكلام فإن أصحاب الكلام أمرهم لا يؤول إلى خير" خرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب السنة ومراد الإمام أحمد الإستدلال بتقدم البشارة بنبوته من الأنبياء الذين قبله وبما شوهد عند ولادته من الآيات على أنه كان نبيا من قبل خروجه إلى الدنيا وولادته وهذا هو الذي يدل عليه حديث العرباض بن سارية هذا فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر فيه أن نبوته كانت حاصلة من حين آدم منجدلا في طينته والمراد بالمنجدل: الطريح الملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه ويقال للقتيل: إنه منجدل لذلك"



ونص شيخ الإسلام على ذلك في المسودة وإنما وقع الخلاف هل كان متعبداً بشرع قبل النبوة أم لا

وأما الشق الثاني فهو المتعلق بغير نبينا وهؤلاء دل ظاهر القرآن على أن منهم من كان على ملة قومه

قال ابن تيمية كما في الفتاوى :" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ؛ لِقَوْلِهِمْ: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وَلِقَوْلِ شُعَيْبٍ: (أنَعُودُ فِيهَا {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} وَلِقَوْلِهِ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا. وَلِقَوْلِهِ: {بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْجَاهُمْ مِنْهَا بَعْدَ التَّلَوُّثِ بِهَا؛ وَلِقَوْلِهِ: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَاوِرُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} إلَى آخِرِهَا وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُ وَمِثْلُ هَذَا فِي سُورَةِ إبْرَاهِيمَ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} الْآيَةُ."

فهذا ظاهر القرآن كما شرحه ابن تيمية والطبري سبق ابن تيمية إلى تفسير الآية على ظاهرها دون استثناءات أو توجيهات

قال الطبري في تفسيره :" الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قال أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [الأعراف: 75] يَعْنِي بِالْمَلَأِ: الْجَمَاعَةَ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَعْنِي بِالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ شُعَيْبٍ لَمَّا حَذَّرَهُمْ شُعَيْبٌ بَأْسَ اللَّهِ عَلَى خِلَافِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} [الأعراف: 88] وَمَنْ تَبِعَكَ وَصَدَّقَكَ وَآمَنَ بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا. {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88] يَقُولُ: لَتَرْجِعَنَّ أَنْتَ وَهُمْ فِي دِينِنَا وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ شُعَيْبٌ مُجِيبًا لَهُمْ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88]"

وقال الطبري أيضاً :" {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأعراف: 89] يَقُولُ: قَدِ اخْتَلَقْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَتَخَرَّصْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بَاطِلًا إِنْ نَحْنُ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ، فَرَجَعْنَا فِيهَا بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَنَا اللَّهُ مِنْهَا، بِأَنْ بَصُرْنَا خَطَأَهَا وَصَوَابَ الْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ فِيهَا فَنَدِينَ بِهَا وَنَتْرُكَ الْحَقَّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ. {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: 89] إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لَنَا فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّا نَعُودُ فِيهَا،"

وقال الطبري في تفسيره  حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنَّ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] يَقُولُ: " مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعُودَ فِي شِرْكِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا


وقال الطبري في تفسيره  حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] يَعْنِي عَلَى دِينِنَا هَذَا الَّذِي تَعِيبُ ".

وقد فهم الطبري من تفسير السدي ظاهره لهذا رده فقال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] يَقُولُ: كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا الْكُفْرُ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ
يَكُنْ مُقِرًّا لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ لِمُوسَى، إِنْ كَانَ مُوسَى كَانَ عِنْدَهُ عَلَى دِينِهِ يَوْمَ قَتْلِ الْقَتِيلِ عَلَى مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ: فَعَلْتَ الْفَعْلَةَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ، الْإِيمَانُ عِنْدَهُ: هُوَ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مُوسَى عِنْدَهُ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّمَا أَرَادَ: وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ يَوْمَئِذٍ يَا مُوسَى، عَلَى قَوْلِكَ الْيَوْمَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا يَتَوَجَّهُ"

فتأمل قول الطبري (: وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ يَوْمَئِذٍ يَا مُوسَى، عَلَى قَوْلِكَ الْيَوْمَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا يَتَوَجَّهُ)

ومما يدل على سماحة المسألة عندهم بعيداً عن تنطع بعض الجهلة اليوم ممن لا يحسن أحدهم أن يحرر مسألة فقهية ثم يتكلم في هذه ، والذين عامة ما ينقلونه في المسألة عن أشاعرة أصحاب إجماعات كاذبة مع أن شيخهم الباقلاني يخالف في هذا

قال أبو بكر بن الطيب :( وقال كثير منهم و من أصحابنا و أهل الحق :إنه لا يمتنع بعثة من كان كافرا أو مصيبا للكبائر قبل بعثته .قال : ولا شيء عندنا يمنع من ذلك على ما نبين القول فيه .و اختلفوا في إصابه الذنوب بعد البعثة فقالت الرافضة و من تابعهم :و لا يجوز ذلك عليهم في صغائر و كبائرها و لا يجوز عليهم السهم و الغلط و لا في غيره .

و قالت المعتزلة :يجوز وقوع صغائر الذنوب منهم في حال الرسالة اعتمادا مع العلم بخطرها و قبحها و لا يجوز أن يقع منهم الكبير من المعاصي و لا الصغائر المستقبحة المصغرة لشأن فاعليها . وقال فريق منهم :لا يجوز وقوع الذنوب منهم على القصد إليها و العلم بقبحها و تحريمها ،و إنما يقع منهم على جهة الخطأ في التأويل ،و هذا قول الجبائي و كثير من سلفهم .
ثم نقل عن القاضي ص 189- 188 :قال :( وقال أهل الحق و الجمهور من الناس و أصحاب الحديث :إنه يجوز وقوع الذنوب منهم في حال نبوتهم ،إلا ذنوبا في حال ما يفسد البلاغ عن الله و يقدح دلالة الآيات الظاهرة عليهم ،و إلا ذنوبا أجمعت الأمة على أنها لا تقع منهم مثل ذنوب تقدح في إعلامهم و صحة نبوتهم و تشكك في صدقهم ....)

وقال الباقلاني في الانتصار للقرآن :"  قال الله تعالى في قصة شعيبٍ بعدَ وصفِ سيرته مع قومه: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) .
فأخبر عنه عليه السلام باعترافِه بأن الله قد نجاه من ملتهم التي هي الكفر، وقد عُلم أن هذه النجاةَ ليست هي الدعوةُ والبيان، لأنه لو كان ذلك كذلك لكان نجا بدعوته جميعَ قومِ شعيبٍ وسائر الكافرين، ثم قال: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا) ، فأخبر أن عودَه وعودَ كل أحدٍ إلى ملةِ الكفر ودخوله فيها لا يكون إلا بمشيئة الله، وهذا نفسُ ما قلناهُ وأخبرَنا "


وذكر صاحب كتاب حجج القرآن فصلاً في حجج القائلين بأن الأنبياء يجوز عليهم الكفر قبل النبوة 

وقال الطبري في تفسيره   حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} : يَعْنِي بِهِ: الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ. {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76] فعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ: هَذَا رَبِّي، فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ: هَذَا رَبِّي، هَذَا أَكْبَرُ فَعَبَدَهَا حَتَّى غَابَتْ، فَلَمَّا غَابَتْ قَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ

وقد دافع الطبري عن هذا الأثر فقال :  وأنكر قوم من غير أهل الرواية هذا القول الذي روي عن ابن عباس وعمن روي عنه، من أن إبراهيم قال للكوكب أو للقمر:"هذا ربي"، وقالوا: غير جائز أن يكون لله نبيٌّ ابتعثه بالرسالة، أتى عليه وقتٌ من الأوقات وهو بالغٌ إلا وهو لله موحدٌ. وحكى كلامهم كاملاً 

ثم قال بعده :: وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر:"لئن لم يهدني ربّي لأكونن من القوم الضالين"، الدليلُ على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم، وأنّ الصوابَ من القول في ذلك، الإقرارُ بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه، والإعراض عما عداه.

فهو يغلطهم ويرجح المروي عن ابن عباس في صحيفة علي بن أبي طلحة، وهذه الصحيفة خرجها عدد من الأئمة وثناء أحمد عليها معروف وإن شكك فيه البعض ولو كانت تحتوي على نسبة الأنبياء إلى ما لا يليق لما تركه الناس ورووا عنه

وأما بالنسبة لنبينا فما كان ابن تيمية غافلاً عن خصوصيته

قال شيخ الإسلام في تفسير آيات أشكلت (1/199) :" ولعل أحمد قال أليس كان لا يعبد الأصنام فغلط الناقل عنه فإن هذا قد جاء في الآثار أنه كان لا يعبد الأصنام وأما كونه لا يأكل من ذبائحهم فهذا لا يعلم أنه جاء به أثر وأحمد من أعلم الناس بالآثار فكيف يطلق قولًا عن المنقولات لم يرد به نقل ولكن هذا قد يشتبه بهذا وشرك حرمه من حين أرسِل وأما تحريم ما ذبح على النصب فإنما ذكر في سورة المائدة وقد ذكر في السور المكية كالأنعام والنحل تحريم ما أهل به لغير الله.

فتحريم هذا إنما عرف من القرآن وقبل نزول القرآن لم يكن يعرف تحريم


هذا بخلاف الشرك وقد كان هو وأصحابه مقيمين بمكة بعد الإسلام يأكلون من ذبائحهم لكن فرق بين ما ذبحوه للحم وما ذبحوه للنصُب على جهة القربة للأوثان فهذا من جنس الشرك لا يباح قط في شريعة وهو من جنس عبادة الأوثان.

وأما ذبائح المشركين فقد ترد الشريعة بحلها كما كانوا يتزوجون المشركات أولًا.

والقول الثاني إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وتفسير ذلك بما كانوا عليه من بقايا دين إبراهيم لا بالموافقة لهم على شركهم.

قال ابن قتيبة قد جاء الحديث بأنه كان على دين قومه أربعين سنة ومعناه أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين أبيهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم من ذلك حج البيت وزيارته والختان والنكاح وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثًا وأن للزوج الرجعة في الواحد والاثنتين ودية النفس مائة من الإبل والغسل من الجنابة وتحريم المحرمات بالقرابة والصهر.

فكان على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم تلك وكان لا يقرب الأوثان بل كان يعيبها وكان لا يعرف شرائع الله التي شرعها لعباده على لسانه حتى أوحي إليه فذلك قوله {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} يعني القرآن {وَلَا الْإِيمَانُ} يعني شرائع الإيمان ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار بالله لأن آباءه الذين ماتوا على الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له مع شركهم.

قلت أما ما ذكره ابن قتيبة من أن العرب كانوا يحجون ويختتنون فهذا متواتر عنهم وهذا كان هو الحنيفية عندهم وكذلك تحريم الأقارب"



فتأمل نص شيخ الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرب الأوثان ولا يحبها ، وأنه لو أكل مما ذبحت على النصب فليس هذا من الشرك بل كان مباحاً فترة من الزمن




وأنه حتى من قال أنه كان على دين قومه لم يرد أنه كان يعبد الأوثان بل أراد أنه كان على بقايا دين إبراهيم والبحث مع أحمد نصر الله صبري في إنكاره أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قرب ذبيحة لصنم قبل النبوة وهذا الانكار سليم مستقيم على كلام أحمد وابن رجب وشيخ الإسلام وهذا المتعين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي