مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: عذاب القبر حقيقة قرآنية قطعية ...

عذاب القبر حقيقة قرآنية قطعية ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فهذا زمن الرويبضات بحق وبجهلهم ينكرون أموراً ثابتة في القرآن وأشير إليها فيه ثم يلقون اللوم على المحدثين الذين رووا أحاديث بموافقتها فمن ذلك إنكارهم لعذاب القبر

وأحاديث عذاب القبر متواترة تواتراً عظيماً كتواتر القرآن وهذا أمر معلوم عند المحدثين فأحاديث عذاب القبر بالعشرات متباينة الأسانيد واتفق أهل الصنعة الذين إليهم المرجع في الصنعة الحديثية على صحتها ، والمرجع في كل فن أهله وهذه من الضروريات البديهية

ومن رحمة الله عز وجل أن كان في القرآن ما يؤيد مذهب أهل الحديث لتنقطع حجج المبطلين

والآن مع الآيات التي تدل على عذاب القبر

الآية الأولى : قال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)

فالله عز وجل يقول ( سنعذبهم مرتين ) وهاتان المرتان غير عذاب الآخرة بدليل قوله ( ثم يردون إلى عذاب عظيم )

فعذاب في الدنيا فماذا بقي غير عذاب القبر ؟

وهذا ما فهمه جميع المفسرين

قال تعالى : (وَقَوْلُهُ: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] يَقُولُ: سَنُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى فِي الْقَبْرِ)

ثم أسند الأخبار عن السلف في هذا

قال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي قَالَ، ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: 101] . . إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٍ عَظِيمٍ} [البقرة: 7] قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ «اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ» فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ [ص:645] نَاسًا مِنْهُمْ فَضَحَهُمْ. فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَبَأَ مِنْهُمْ حَيَاءً أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ، وَظَنَّ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا وَاخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَرَ، ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَمْرِهِمْ. فَجَاءَ عُمَرُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ لَمْ يُصَلُّوا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَقَدْ فَضَحَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ فَهَذَا الْعَذَابُ الْأَوَّلُ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْعَذَابُ الثَّانِي: عَذَابُ الْقَبْرِ

ثم قال حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] بِالْجُوعِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101] يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

ثم قال حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ  " {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْقَبْرِ

وقتادة ومجاهد والسدي هم أعيان المفسرين من التابعين ولا يعرف في طبقتهم من خالفهم في هذا

وهذا الزمخشري المعتزلي يعترف بنزول الآية في عذاب القبر حيث قال في الكشاف :" سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ قيل: هما القتل وعذاب القبر. وقيل الفضيحة وعذاب القبر. وعن ابن عباس رضى الله عنه أنهم اختلفوا في هاتين المرّتين، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم  خطيبا يوم الجمعة فقال: «اخرج يا فلان فإنك منافق، اخرج يا فلان فإنك منافق «4» » فأخرج ناسا وفضحهم، فهذا العذاب الأوّل، والثاني عذاب القبر "

وهذه الآية ترد على الاعتراض السمج الذي يذكره بعضهم بقوله ( كيف يعذبهم الله في القبر ثم يعذبهم في الآخرة )

وهذا اعتراض سمج فمعناه الاعتراض على تعذيب الكفار في الدنيا بعذاب الاستئصال ؟

ثم إنه يقتضي استواء حياة الكفار ومماتهم وحياة المؤمنين ومماتهم وهذا يخالف العدل

قال تعالى : (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهَدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)

والله عز وجل يخلق العباد وينعم عليهم ليل نهار ويسبونه ويعبدون غيره ثم يستكثر الجاهل أن يعذبوا مرتين أو ثلاثة

والقبر أول منازل الآخرة فناسب أن يكون شيء من عذاب الآخرة فيه

ولو شاء الله لعجل عذاب جهنم للكافر حال موته وما الفارق إذا كان سيخلد فيها سوى أنه سبحانه يعذبه في البرزخ بعذاب يناسب تلك الحال

وأما أهل الإيمان فعذاب القبر كفارة لهم

الآية الثانية : قال تعالى : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)

فسرها بأنها في مسألة القبر كل من البراء بن عازب ومجاهد وقتادة وطاوس وغيرهم ولا مخالف لهم في الطبقة

الآية الثالثة : قال الله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)

قال الطبري في تفسيره  حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ

وقال أيضاً حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُطْبَقُ عَلَى الْكَافِرِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَهِيَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]

وقال أيضاً حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ، فِي قَوْلِهِ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ

وقد رجح الطبري هذا القول بأننا نرى من الكفار من هو متنعم في حياته فدل على أن المعيشة الضنك شيء لا يتخلف عنه كافر

ولا يخفى ما يحصل لكثير من الكفار والعصاة من ضيق الصدر من البعد من الله ولكن منهم من يستدرج وهذا مراد الطبري

وكلامه قوي جداً خصوصاً على طريقة المعترضين

الآية الرابعة : قال تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)

قال الطبري في تفسيره حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة: 21] قَالَ: الْأَدْنَى فِي الْقُبُورِ وَعَذَابُ الدُّنْيَا ".

والتفاسير الأخرى لا تناقض هذا التفسير وهو أعمها فهو عهد في كل كافر وأما التفاسير الأخرى فتخصص الآية ببعض الكفار

الآية الخامسة : قال تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ)

قال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47] قَالَ: «عَذَابُ الْقَبْرِ»

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47] يَقُولُ: «عَذَابَ الْقَبْرِ قَبْلَ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: " إِنَّكُمْ لَتَجِدُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47] "
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ تَلَا {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47]

وأما من فسرها بالجوع والمصائب فمع كون تفسيره لا يناقض هذا التفسير فهو يخصص الآية ببعض الظالمين دون بعض كما أن أهل الإيمان نفسهم يصيبهم مثل هذا ولكن هذا التفسيريخ الكفار بالعذاب ويجعله عاماً في كل الكفار

الآية السادسة : قال تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)

ولا شك أن هذا عذاب برزخي

والآن سأشرح طرفاً من تواتر أحاديث عذاب القبر

فسأذكر عشرة طرق من طرق أحاديث عذاب القبر

قال مالك في الموطأ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ؛ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا. فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَائِذاً بِاللهِ مِنْ ذلِكَ. ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ، ذَاتَ غَدَاةٍ (1) مَرْكَباً. فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ. فَرَجَعَ ضُحًى. فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَيِ (2) الْحُجَرِ. ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ. فَقَامَ قِيَاماً طَوِيلاً. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً. ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَاماً طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ.
ثُمَّ قَامَ قِيَاماً طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ [ف: 57] الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَاماً طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ. [ص:263] ثُمّ َسَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ [ش: 52].

كتاب الموطأ متواتر عن الإمام مالك رواه قرابة الثمانية أنفس ويلاحظ أنه ليس بينه وبين عائشة إلا اثنين ولا يوجد أحد في الأمة إلا ويحتج بحديث مالك وهذا الحديث خرجوه في الصحيحين

وقد تابع مالكاً على هذا الحديث بمتنه وسنده سفيان بن عيينة الإمام الجبل وحديثه في مسند الحميدي والحميدي حافظ تلميذ سفيان وأيضاً رواه عن سفيان الشافعي الإمام في مسنده وعبد الرزاق في كتابه المصنف

وتابعه أيضاً يحيى بن سعيد القطان الحافظ وحديث يحيى في مسند أحمد وعند النسائي في سننه

وتابعه أيضاً حماد بن زيد البصري وحديث حماد في مسند الدارمي

وتابعه سليمان بن بلال وحديثه في صحيح مسلم

ولم تنفرد عمرة عن عائشة بل تابعها مسروق بن الأجدع

قال أبو داود الطيالسي 1514 -: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ إِلَى عَائِشَةَ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا سَمِعْتُهُ بَعْدُ يُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ

وشعبة الإمام المعروف وحديثه في مسند أحمد أيضاً

فها أنت تلاحظ في هذا الخبر فحسب ذكرنا الأئمة يحيى القطان ومالكاً وابن عيينة وأحمد والشافعي وحماد بن زيد وغيرهم وهم أئمة موزعون على أقطار الأرض وألفاظهم للأخبار متطابقة وذكرنا قرابة العشرة مصادر حديثية على جهة الاختصار

وبقية الأحاديث التي سأذكرها كلها هكذا ولكنني سأختصر ولا يوجد حديث مما سأذكره مذكور في أقل من خمسة مصادر حديثية معتمدة بنفس السند والمتن

قال مالك في الموطأ  عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُوسٍ الْيَمَانِيِّ،  عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ».

قال إسماعيل بن جعفر في حديثه 451 - ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأَكْبَرِ «أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»

وهذا إسناد قصير جداً وأم خالد صحابية

قال ابن المبارك في الزهد  أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ  وَلَمَّا يُلْحَدْ لَهُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، فِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»

وقال الطيالسي في مسنده 546 - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا زُجَاجَةٌ خَضْرَاءُ وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»


وقال الحميدي في مسنده 1010 - ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

وقال البغوي في الجعديات 517 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِخَمْسٍ، وَيَذْكُرُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»

وقال ابن أبي شيبة في مسنده 122 - نا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، فَحَادَتِ الْبَغْلَةُ بِهِ، فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، فَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ يَعْرِفُ صَاحِبَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟» ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: «فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ» ، فَقَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهُ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ» ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ، فَقُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ» ، فَقُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» ، قُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ
الدَّجَّالِ»

وقال إسحاق بن راهوية في مسنده 2201 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ وَأَنَا مَعَهُ , وَفِيهِ قُبُورُهُمْ , قَدْ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَخَرَجَ , فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ فِي الْقَبْرِ عَذَابًا؟ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعْهُ الْبَهَائِمُ»

وقال أحمد في مسنده 4254 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ مُغِيرَةَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ الْمَعْرُورِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعَوْتِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَا يَتَقَدَّمُ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يَتَأَخَّرُ مِنْهَا، لَوْ سَأَلْتِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْجِيَكِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ "

وقال أحمد في مسنده 6749 - حَدَّثَنَا الْخُزَاعِيُّ يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ  : حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ "

فهذه أحاديث أكثر من عشرة من الصحابة في التعوذ من عذاب القبر فحسب !

نقلتها كلها من مصادر لمؤلفين من طبقة شيوخ أصحاب الصحيح وشيوخ شيوخهم حتى لا يأتي جهول ويدعي أننا نصدق بهذه الأحاديث لمجرد وجودها في الصحيحين دون براهين أخرى

وتواطؤ كل هؤلاء الرواة على الغلط أو الكذب أمر مستحيل ولو طعنا في مثل هذه الأخبار لأمكن الطعن في القرآن وفي كل منقول بل لشككنا في المحسوسات فنقل هؤلاء بابه الحس

وهذه أحاديث مثلها لا تنسى

وهناك العشرات غيرها في وصف تفاصيل العذاب فكيف وقد اعتضدت بتفاسير السلف والآيات التي اتفقت التفاسير السلفية كتفسير سفيان وتفسير عبد الرزاق وتفسير الطبري وتفسير ابن المنذر وتفسير ابن وهب وتفسير يحيى بن سلام على ذكر تفسيرها بعذاب القبر عن السلف
فهذا أمر مقطوع به 

والذين ينكرون عذاب القبر لا يحتجون بحديث أو حادثة تاريخية إلا وعذاب القبر أقوى منها إسنادياً 
 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي