مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بحث في العقيدة التي رواها محمد بن عوف الحمصي عن الإمام أحمد

بحث في العقيدة التي رواها محمد بن عوف الحمصي عن الإمام أحمد



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن المرء لا تصفو له سلفيته التي يدعي حتى يكتب ما يوافق هواه وما يخالفه من آثار السلف ، وحتى ينقح فيما يحتج به كما ينقح فيما يحتج عليه_ إن كان من أهل ذلك وإلا سكت خيراً له _

والجفاة والغلاة حتى إذا احتاج أحدهم إلى أثر ما نقله وما بالى كثيراً بإسناده ، وإذا احتج عليه مخالف بشيء صار يبحث وينقح كما حصل  لي مع بعضهم أنني احتججت عليه بأثر رواه أبو نعيم في الحلية من كلام سفيان بن عيينة فلما لم يعجبه صار يطعن فيه لضعف الراوي المباشر عن سفيان ! وما هكذا تعامل الآثار فأوردت له شواهد صريحة ، وليس من ضرورة أنك على طريقة حملك عليها الخصومات والاجتزاء في الآثار أن يصير السلف كما تريد

واليوم هناك أثر يشهر عن أحمد يقولون أنه كفر المرجئة في عقيدة رواها عنه محمد بن عوف الحمصي وموجودة في طبقات الحنابلة

ولا مشكلة أن تكون هذه رواية عن أحمد غير أن هذه العقيدة فيها أمور منكرة ولا تتصل بإسناد

وإليك التفصيل

قال ابن أبي يعلى :" وكانت عنده عَنْ أبي عبد اللَّه مسائل صالحة فِي العلل وغيرها ويغرب فيها أَيْضًا بأشياء لم يجيء بها غيره"

فنص على وجود غرائب

ثم قال :" ونقلت: من خط أَحْمَد الشنجي بإسناده قال: سمعت محمد عوف يقول أملى عَلِيّ أَحْمَد بن حنبل"

أقول أحمد هذا ما عرفته ولا  يدرى ما الإسناد إليه

وجاء فيها قوله :" إلا أن يكون من أهل البدع الذين أخرجهم النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الإسلام القدرية والمرجئية والرافضة والجهمية فقال: " لا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم "

أقول : أولاً لا توجد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهمية

وأحمد أكثر الروايات عنه بل لا تختلف في عدم تكفير القدرية غير منكري العلم

وخبر ( لا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم ) إنما ورد في الرافضة فحسب وهو حديث اجتنبه أحمد في المسند وعامة الأئمة المصنفين

قال الخلال في السنة 769 - أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ابنا الْمُحَارِبِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، عَنْ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا، فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي، وَأَصْهَارِي، وَأَنْصَارِي، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ يَسُبُّونَهُمْ، أَوْ قَالَ: يَنْتَقِصُونَهُمْ، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، وَلَا تُؤَاكِلُوهُمْ، وَلَا تُشَارِبُوهُمْ، وَلَا تُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ "

عمر أبو حفص ما عرفته فإن كان تلميذ قتادة الذي ضعفوه فلم يسمع أنساً

والحديث ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية والنكارة عليه ظاهرة لذا اجتنبه عامة المصنفين مع عظيم الحاجة إليه

وهو في الرافضة فحسب كما ترى

وجاء في هذه العقيدة قول أحمد :" لأن الخبر قد صح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أن اللَّه لما خلق آدم ضرب بيده شق آدم الأيمن ثم ضرب بيده الأخرى وكلتا يديه يمين عَلَى شق آدم الأيسر فقال: فِي الأولى من أهل الجنة وفي الأخرى من أهل النار "

الحديث بهذا اللفظ لم أجده في شيء من مصادر الإسلام ويبعد أن يحتج أحمد بمثل هذا أو يروي حديثاً بالمعنى وهو الإمام الحافظ

وأنكر ما في هذه العقيدة ما جاء فيها :" وخير الناس بعد رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ ثم عُمَر ثم عُثْمَان ثم عَلِيّ فقلت: له يا أبا عبد الله فإنهم يقولون إنك وقفت عَلَى عُثْمَان"


والوقوف على عثمان متواتر عن أحمد

قال الخلال في السنة 601 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَالْحَسَنُ بْنُ جَحْدَرٍ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ [ص:407] ثَوَابٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَنْ قَالَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ؟ قَالَ: " هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، يُقَدِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، لَا يُقَدِّموُنَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ "، قُلْتُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيُّ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، ثُمَّ نَسَكْتُ، أَفَلَيْسَ مَنْ قَالَ بِهَذَا فَقَدْ أَصَابَ؟ وَمَنْ قَالَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَقَدْ أَصَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ أَصَابَ، مَنْ قَالَ أَيَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ فَقَدْ أَخْطَأَ، قُلْتُ: نَتَّهِمُهُ فِي دِينِهِ؟ فَرَأَيْتُ قَدْ أَحَبَّ مَا قُلْتُ لَهُ "

وقال الخلال في السنة 532 - وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ هَارُونَ الدِّيكَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: " مَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَمَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ فَهُوَ رَافِضِيُّ، أَوْ

533 - قَالَ: مُبْتَدِعٌ "

وقال الخلال أيضاً 572 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ وَاصِلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ الْحَلَبِيُّ مِنْ آلِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَيَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الْمُطَّوِّعِيُّ، أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: " أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: " كُنَّا نَعُدُّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيُّ فَنَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَسَكْتُ "

وقال أيضاً 574 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: " نَحْنُ نَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَنَسْكُتُ، عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ "

وقال أيضاً 575 - سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي خَيْثَمَةَ، يَقُولُ: قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَنَا شَاهِدٌ: إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: مَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لَمْ أُعَنِّفْهُ، فَقَالَ يَحْيَى: خَلَوْتُ بِأَحْمَدَ عَلَى بَابِ عَفَّانَ فَسَأَلْتُهُ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: " أَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، لَا أَقُولُ: عَلِيٌّ "

ووردت عنه رواية ذكر فيها علي وهو في الثغر الشامي وحملها الخلال على أنه كان في الشام وفيهم انحراف عن علي فأحب أن يذكره لئلا يجعلوا وقوف أحمد على ما جاء في الحديث حجة في ثلب علي

ومما جاء عقيدة محمد بن عوف عن أحمد :" فمن وقف عَلَى عُثْمَان ولم يربع بعلي فهو عَلَى غير السنة يا أبا جَعْفَر"

وهذا يخالف ما ورد عنه في أنه قال في هذا أصاب وفيمن ربع بعلي أصاب ولو كان يقصد الخلافة لكان كلامه سليماً ولكن السياق في التفضيل

وبقية العقيدة مستقيمة موافقة للمروي عن أحمد في عقائده الأخرى ومعلوم أن انفراد غير الملازمين عن أحمد بما لا يعرفه البقية مظنة نكارة وإن كانوا ثقات في أنفسهم

بل حتى الملازمين وذلك يعرف بقرائن فهذا عبد الله بن أحمد نقل عن أبيه مسح الرقبة وغلطه الخلال لمخالفة الروايات الأخرى كلها مع أنه أوثق الناس بأبيه

وهذا حنبل وهو قريب أحمد استنكروا عليه بعض الروايات

على أن عامة الروايات محفوظة وعامة روايات أحمد متشابهة والحمد لله والباب ليس فوضى يستنكر المرء ما يريد بل لا بد أن يقدم بينة 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي