مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: اعتراف هام لسفر الحوالي في مسألة علاقة الأشعرية بالزندقة

اعتراف هام لسفر الحوالي في مسألة علاقة الأشعرية بالزندقة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال سفر الحوالي في كتابه الكبير منهج الأشاعرة ص106 :" وهنا عند الحديث عن هذه القضية الكبرى أجدني مرغمًا لنقل كلام الأشاعرة إرغامًا، وهو في الحقيقة مما يتألم المرء من قراءته، فضلًا عن نقله، ولقد كنا نصبّ جام غضبنا على المستشرقين بسبب موقفهم من هذا الموضوع، فلما ظهر أبو رَيَّة عرفنا أن في صفوفنا من هو أخطر منهم، ثم ظهر الدكتور حسن الترابي (1)، فاستعذنا بالله وقلنا رأيٌ شاذٌّ، فلما قرأنا هذا الكلام ونحوه لأشاعرة معاصرين (2)، ثم وجدناه في كلام الرازي والجويني؛ أيقنَّا أننا أمام مدرسة فكرية، واتجاه مرسوم، وليست شذوذات فردية.
يقول صاحب (أساس التقديس) بعنوان: (كلام كلي في أخبار الآحاد): «أما التمسك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائزٍ، يدل عليه وجوه: الأول: أن أخبار الآحاد مظنونة، فلم يجز التمسك بها في معرفة الله تعالى وصفاته.
وإنما قلنا: إنها مظنونة، وذلك لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين.
وكيف والروافض لما اتفقوا على عصمة علي رضي الله عنه وحده، فهؤلاء المحدّثون كفَّروهم (؟!)، فإذا كان القول بعصمة علي - كرم الله وجهه - يوجب تكفير القائلين بعصمة علي، فكيف يمكنهم عصمة هؤلاء الرواة؟.
وإذا لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزًا، فحينئذ لا يكون صدقهم معلومًا، بل مظنونًا، فثبت أن خبر الواحد مظنون، فوجب أن لا يجوز التمسك به؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: (36)]. ولقوله تعالى في صفة الكفار: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116]. ولقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: (36)]. ولقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]. فترك العمل بهذه العمومات في فروع الشريعة؛ لأن المطلوب فيها الظن، فوجب أن يبقى في مسائل الأصول على هذا الأصل.
والعجب من الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهة غير جائز؛ لأن تعيين ذلك التأويل مظنونٌ، والقول بالظن في القرآن لا يجوز، ثم إنهم يتكلمون في ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد، مع أنها في غاية البعد من القطع واليقين، وإذا لم يجوّزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون، فلأن يمتنعوا عن الكلام في ذات الحق تعالى وفي صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى (!!!!).
الثاني: أن أجل طبقات الرواة قدرًا، وأعلاهم منصبًا الصحابة رضي الله عنهم، ثم إنا نعلم أن روايتهم لا تفيد القطع واليقين (؟!!!!). والدليل عليه أن هؤلاء المحدثين رووا عنهم أن كل واحد منهم طعن في الآخر، ونسبه إلى ما لا ينبغي (؟!!!!).
أليس من المشهور أن عمر طعن في خالد بن الوليد، وأن ابن مسعود وأبا ذر كانا يبالغان في الطعن في عثمان، ونقل عن عائشة رضي الله عنها أنها بالغت في الطعن في عثمان.
أليس أن عمر قال في عثمان: إنه يحلف بأقاربه (؟). وقال في طلحة والزبير أشياء أخر تجري هذا المجرى؟.
أليس أن عليًّا - كرم الله وجهه - سمع أبا هريرة يومًا أنه كان يقول: أخبرني خليلي أبو القاسم .. فقال له علي: متى كان خليلك؟.
أليس أن عمر رضي الله عنه نهى أبا هريرة عن كثرة الرواية؟.
أليس أن ابن عباس رضي الله عنه طعن في خبر أبي سعيد في الهرق (1)، وطعن في خبر أبي هريرة في غسل اليدين، وقال كيف يصنع طهرًا منا (؟).
أليس أن أبا هريرة رضي الله عنه لما روى: (من أصبح جنبًا فلا صوم له) طعنوا فيه؟.
أليس أن ابن عمر لما روى: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) طعنت عائشة فيه بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: (164)]؟.
أليس أنهم طعنوا في خبر فاطمة بنت قيس وقالوا: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بخبر امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت.
أليس أن عمر طالب أبا موسى الأشعري في خبر الاستئذان بالشاهد وغلظ الأمر عليه؟.
أليس أن عليًّا كان يستحلف الرواة؟.
أليس أن عليًّا قال لعمر في بعض الوقائع: إن قاربوك (؟) فقد غَشُّوك؟.
واعلم أنك إذا طالعت كتب الحديث وجدت من هذا الباب ما لا يعد ولا يحصى (!!).
إذا ثبت هذا فنقول: الطاعن إن صدق فقد توجه الطعن على المطعون، وإن كذب فقد توجه على الطاعن، فكيف كان فتوجه الطعن لازم (!!!).
إلا أنا قلنا: إن الله تعالى أثنى على الصحابة رضي الله عنهم في القرآن على سبيل العموم، وذلك يفيد ظن الصدق (؟!!!)، فلهذا الترجُّح قبلنا روايتهم في فروع الشريعة، أما الكلام في ذات الله تعالى وصفاته فكيف يمكن بناؤه على هذه الرواية الضعيفة (؟!!!).
الثالث: وهو أنه اشتهر فيما بين الأمة أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخبارًا منكرة، واحتالوا في ترويجها على المحدثين، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها، بل قبلوها (!!!).
وأي منكرٍ فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإلهية، ويبطل الربوبية (1)؟.
فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة.
وأما البخاري والقشيري (مسلم) فهما ما كانا عالمين بالغيوب (؟!)، بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما، فأما اعتقاد أنهما علما جميع الأصول الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زماننا (؟!) فذلك لا يقوله عاقل"

ثم قال سفر في الحاشية :" وبخصوص كلام الرازي هذا نقول بإيجاز شديد: إنه احتوى على مغالطات واضحة لا تخفى على من درس مبادئ علم المصطلح، وعرف طرفًا من فنون الرواية، وكلامه هذا أشبه بهذيان الرافضة والمستشرقين، على أننا ننبه إلى بعض أخطائه؛ فمنها:
(1) - أخطاء اصطلاحية. فهو لم يدرك مفهوم كلمتي (الظن) و (الكذب) في الاصطلاح ويفرق بينهما وبين استعمالهما اللغوي ...
(2) - لم يدرك الفرق بين عصمة الأمة في مجموعها أن تكذب على نبيها، وكون لا أحد بمفرده معصوم.
(3) - لم يفرق بين تخطئة إنسان أو نقده على فعل عمله وبين نسبته إلى الكذب، بل هذا تدليس منه، فإن ما ذكره من طعن بعض الصحابة في بعض إن صح ليس هو في مقام التصديق والتكذيب في الرواية!!.
(4) - لم يفرق بين زيادة التثبت من خبر الصادق وبين تكذيبه.

(5) - أنه لو أخطأ أحدٌ في تكذيب أحد لا يلزم تكذيب المخطئ، وإلا سقط كلام رجال الجرح والتعديل جميعهم.
(6) - أنه لم يفرق بين المتواتر والآحاد، فمع أن كلامه عن الأخير فقد نسب الصحابة كلهم إلى الضعف وعدم اليقين، وهذا ينطبق على نقلهم للمتواتر من القرآن.
(7) - سؤال نوجهه للرازي ولسائر الأشاعرة: كيف وصلكم كلام أرسطو القطعي الدلالة والثبوت عندكم، وهو المنقول من وراء القرون المتطاولة والترجمات المتعاورة؟ وكيف وصلكم البيت الذي بنى الرازي عليه أساس تقديسه:
قد استوى بشر على العراق؟.
الحق أنه بعد هذا الكلام لم يعد غريبًا أن يعظم الفخر عند نصير الكفر الطوسي وسائر الروافض وعند التتار، فإن مثل هذا الكلام أحلى عند جنكيز خان = وهولاكو والطوسي وابن العلقمي من الشهد، وربما لأجله قتلوا الملايين من المسلمين، إلا أولاد الرازي فقد حملوهم معززين مكرمين إلى جنكيز خان"

هذا الكلام نقله سفر الحوالي واعتبره أصلاً لزندقة أبي رية والترابي وأنا أعتبره أصلاً لزندقة عدنان إبراهيم

ثم قال سفر الحوالي :" ولقائلٍ أن يقول: حسبك! فليس بعد هذا الكلام من مقال، وماذا عسى أن يأتي أحدٌ في الإسلام بأشنع منه، وهو من المنتسبين له.
ونقول: كلا، فالرازي - مع جرأته الفظة على الصحابة - من المعتدلين في المسألة، ولهذا تجد أكثر الأشاعرة المعاصرين يقولون بنحو كلامه لما فيه من الاعتدال، (حرصًا منهم على جمع الصف ووحدة الكلمة!). وإلا فلديهم من هو أصرح منه في بيان حقيقة منهج المذهب، وموقفه من النصوص.
لقد جاء بعده من نص بصراحة على أنه لا يجوز التمسك بالأدلة النقلية في العقليات جميعها؛ كأبواب الصفات، والقدر، والحسن والقبح ... الخ، ولا يجوز التمسك بها في السمعيات؛ كالحوض، والجنة والنار إلا بشرط عدم معارضتها للعقل، سواءً أكانت متواترةً أم آحادًا.
فالمسألة هنا لها منطلق واعتبار آخر"

أقول :والرازي ظاهر أنه رافضي مع تجهمه ومع ذلك يعده السيوطي والمناوي بل والذهبي مجدداً

وقد سن منهجاً عاماً للطعن في السنن

والعجيب أنه يصدق أكاذيب الرافضة للطعن في السنن وكيف تقبل رواية آحادية للطعن في أصول متواترة فالخلاف مع الرازي في أمور ثابتة في القرآن ومتواتر السنة كالعلو والنزول والمجيء وغيرها من النصوص

ولا يذكر الرازي اليوم إلا بالإمامة في كثير من الأحوال

فهنا سفر الحوالي يعترف بأن الأشعرية الجهمية هي أساس الطعن بالسنة الذي ظهر هذه الأيام بجهل وحماقة

والإنصاف يقال بأنهم ما كانوا يطعنون في الأحكام لا هم ولا الفلاسفة ولا المعتزلة لتخريجات كلامية وفلسفية عند الجميع وإنما ظهر هذا الأمر في هذا العصر بعد الاستعمار ولكنهم استغلوا منهج القوم

ومن هنا تعرف مغبة تعظيم القوم وعظيم أثرهم القبيح على الأئمة وهم الذين يزعم بعض البهائم أنهم ما خدم الإسلان مثلهم

وهذا الأمر ليس مختصاً بالرازي فالجويني وابن فورك وغيرهم لهم تشويش على الأخبار

والعجيب أن القوم إذا احتجوا بالأخبار كانوا من أعظم الناس احتجاجاً بالواهيات وفي بعض أبواب العقيدة كأبواب الإمامة

وإكمالاً للجواب على كلام الرازي يقال

أولاً : ما ذكره من طعن عائشة على عثمان وأبو ذر وابن مسعود وعمر كلها أكاذيب باهتة ثم إنهم لو فرضنا أنهم اختلفوا فلم ينكر أحد منهم على الآخر في أمر الرواية على جهة التكذيب والطعن فهذه الخلافات إن وجدت فهي من وجه تقوي صحة السنة من جهة أنهم مع اختلافهم لم يتهموا بعضهم في الحديث

ثانياً : هذه كلها أخبار آحادية وأخبار رافضة ومستنكرة أو على الأقل لها معارضات مكافئة فكيف تعتمد للطعن في السنن المتواترة أو السالمة من التعارض

ثالثاً : ثم قول الملحد الزنديق أن ابن عباس طعن في أبي سعيد فلا يصح وكذلك ما ذكره عن شأنه مع أبي هريرة والمعروف من سيرته قبوله لرواية الاثنين بل إن أبا سعيد حين أنكر عليه في الربا أقره

وحديث أبي هريرة فيمن أصبح جنباً حديث صحيح ولكنه منسوخ وهذا هين أن يحدث عالم بخبر منسوخ أو يقول بحكم منسوخ لم يعلم أنه نسخ وقد حصل هذا لكثير من الفقهاء

وأما شأن عائشة مع ابن عمر فعائشة صححت حديث ابن عمر وقالت أن النبي قاله ولكن زادت زيادة في أمر الكافر فحملت نص النبي على الخصوصية فلا تجعل خبر ابن عمر مختلقاً من أساسه

وعامة أحاديث عائشة وابن عمر وغيرهم متفقة

وقد يغلط الراوي في حديث فينبهه نظيره ولكن إذا حدث ولم يعترض هذا النظير فهذا دليل صحة فما ذكره الرازي دليل على حفظ السنة

وأم قول علي لأبي هريرة ( متى كان خليلك ) فهذه رواية باطلة لم أجدها في شيء من كتب الحديث وإنما يذكرها المعتزلة

وأما شأن عمر مع فاطمة بنت قيس فأحمد طعن في الرواية وأخبار عمر في الأخذ بخبر الواحد كثيرة جداً ذكرها الشافعي في الرسالة منها أخذه بخبر الواحد في توريث المرأة من دية زوجها وأيضاً أخذه بخبر الواحد في الطاعون وغيرها من الأبواب

ولو فرضنا أن الخبر صحيح فيحمل على مذهب خاص في خبر الواحد الذي يخالف الأصول وتنفرد به امرأة يحتمل حالها الخصوصية

وأما خبر أبي موسى مع عمر في الاستئذان فهو حجة عليك فلم يخرج مع الشاهد من كونه خبراً آحادياً وهذا في الآداب والناس كلهم يسهلون فيها بما فيهم الرازي ، وإنما طلب عمر الاستيثاق لأنه كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً فما سمع بهذا فهذه قرينة جعلته يشك وهذا كانفراد راو بزيادة من دون من هو أوثق منه الطعن في زيادته ليس طعناً في عدالته وإنما طعن في ضبطه فإذا وجد ما يدل على الضبط قبل منه

وعمر منهجه لا يسلكه الرازي فإنه لم يرد الخبر مطلقاً بل طلب قرينة إثبات فلما جاء بذلك أبو موسى قبل الأمر منه

وعامة الأخبار التي يردها هذا الزنديق وأضرابه توفرت فيها من قرائن الإثبات الشيء العظيم مع عدم وجود قرينة نفي فأخبار الصفات كلها لها أصل في القرآن

وأما قضية الاستحلاف فالخبر منكر عن علي وحتى لو استحلف علي فهذا لا يخرج الخبر عن كونه خبر واحد

وأما أمر أبي هريرة وعمر فعمر ولى أبا هريرة وكان يفتي في زمنه وهذه شهادة بالعلم والفقه وما أنكر عليه أي حديث وعامة أقضية عمر تلتقي مع أحاديث أبي هريرة ولو صح خبر النهي فهو محمول على ذكر أخبار أشراط الساعة أو التوسع في المغازي أو أخبار الفتن وأبو هريرة نفسه كان يقول بأنه يكتم بعض أبواب العلم التي هي من هذه المخارج

وهؤلاء الذين ذكرهم الرازي تواتر عنهم أنهم كانوا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويلزمون الناس بهذه الأخبار فلو كانوا لا يرون للسنن حجية لما رووها وأذاعوها في الناس

وأما قوله أن هذا كثير جداً في الكتب فكذب وما يدريه هو بكتب الحديث وهو من أجهل الخلق بها

وعامة شبهات الرازي هي شبهات إبراهيم النظام وقد رد عليها ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث

رابعاً : أما ازراؤه على أهل الحديث لقبولهم رواية أهل البدع فلهم في ذلك فقه دقيق لا يفهمه

فهم لم يقبلوها بل لذلك قيوداً وضوابط من أهمها ألا تكون بدعته مكفرة ، وألا يكون داعية دعوة ظاهرة وبعضهم يزيد ألا يروي حديثاً يؤيد بدعته

ثم لا يقبلون حديثه إلا إذا كان متثبتاً بالشروط المعروفة في قبول رواية الثقة وهو أن يكون الحديث موافق لأصول الشريعة ولا ينفرد انفراداً مستغرباً من مثله  ولا يخالف من هو أوثق منه في وقف أو رفع أو وصل أو إرسال أو زيادة أو إدراج

وباب قبول المحدثين لرواية أهل البدع بضوابط وردهم لبعض أحاديث أهل السنة له نظائر في الشرع وليس رفعاً للبدعة على السنة أبداً

فكما أنه يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية عفيفة ولا يجوز له أن يتزوج مسلمة زانية

وذلك أن أمر الزواج مبناه على العفة وحسن المعشر خصوصاً من المرأة التي هي وعاء الولد كانت الكتابية في هذا الباب بالذات أولى من المسلمة الزانية

ولم يبح الزواج بالوثنيات لأنهن أبعد عن الإسلام من الكتابيات فجمع بين مصلحة تقريب كتابية للإسلام ومصلحة العفة

وليس في هذا رفع للكفر على الإسلام بل هو رفع للعفة على الفجور وأما إسلام المسلمة فتؤجر عليه يوم القيامة وينفعها في أبواب أخرى كحفظها من الرق ابتداء وجواز الصلاة عليها وغيرها من الأبواب

ومثل هذا قبول شهادة كافرين في السفر

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ)

ومعلوم أن شهادة المسلم الفاسق لا تقبل بحال غير أن هذا باب صدق فتقبل شهادة المتدين بدين أهل الكتاب إذا أقسم ولم تأتِ قرينة على بطلان الشهادة

وحمل الآية على غير أهل الإسلام هو قول الأعيان من مفسري التابعين

وليس هذا رفعاً للكفر على الإسلام ولكنه رفع للصدق على الكذب

وهذا هو باب قبول رواية صاحب البدعة بالضوابط المذكورة فهذا من باب إعلاء التثبت والضبط على الضعف لا إعلاء البدعة على السنة

ومن جهل الرازي نقده للمحدثين في قبولهم لرواية معبد الجهني القدري

وليعلم أن معبداً الجهني ليس له في الكتب الستة إلا حديثاً واحداً ( إياكم والتمادح فإنه الذبح ) وهذا له شواهد كثيرة في الصحيحين وغيرها

وخرج له أحمد في المسند حديث عثمان في الوضوء وهو مشهور من طرق أخرى كثيرة غير طريق معبد وله شواهد من حديث علي وعبد الله بن زيد

وكلام على صاحبي الصحيح ككلام العوام فهذه الأحاديث عامتها صححها أهل العلم واتفقوا عليها قبل أن يولد صاحبي الصحيح ولا أدل على ذلك من كون عامة المذاهب الفقهية استقرت قبل أن يولد صاحبي الصحيح

ثم إن الرازي نفسه يقبل روايات مخالفيه في العقيدة فهو أصلاً في هذا الفصل ينقل شبهات المعتزلة والرافضة

وعامة المحدثين الأوائل على طريقة الرازي مجسمة ورغماً عن أنفه يتدين بمروياتهم

وعامة يحاربون الإرجاء وهو مرجيء ويقبل رواياتهم

بل قبل رواية المنجمين والفلاسفة المخالفة لرواية النبي صلى الله عليه وسلم

فيقول  في أساسه، أو تأسيسه: «وذكر أبو معشر المنّجم أن سبب إقدام الناس على اتخاذ عبادة الأوثان دينًا لأنفسهم، هو أن القوم في الدهر الأقدم كانوا على مذهب المشبهة، وكانوا يعتقدون أن إله العالم نورٌ عظيمٌ، فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنًا هو أكبر الأوثان على صورة الإله، وأوثانًا أخرى أصغر من ذلك الوثن على صورة الملائكة، واشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد أنهم يعبدون الإله والملائكة.
قال الرازي: فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع عن مذهب المشبهة"

والثابت في السنة في مبدأ الشرك غير هذا


وعامة علماء الأشعرية الكبار كالرازي والجويني والغزالي جهلة جهلاً عظيماً في أمر السنة والحديث والأثر وأي طالب درس في كلية شرعية خير منهم بمراحل في هذه الأبواب وأبعد عن تصديق وتكذيب الصدق منهم

وما جر على الأمة من الشر ما جره هؤلاء بما معهم من فصاحة ومكر

ولنقد كلام الرازي بالتفصيل مقام آخر وإنما أردت تسجيل هذا الاعتراف للحوالي وليعلم أن المودودي كان ممن ينكر عدداً من السنن بعقله وسجل هذا عليه صلاح الدين مقبول أحمد في ( زوابع وجه السنة ) وهذا سيد قطب ينص على الظلال أن أخبار الآحاد لا تقبل في العقيدة

حيث يقول في الظلال وهو ينكر حديث سحر النبي (6/4008) :" وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة. والمرجع هو القرآن. والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد. وهذه الروايات ليست من المتواتر. فضلا على أن نزول هاتين السورتين في مكة هو الراجح"

وأعجبني قول الحوالي في مقدمة بحثه قوله :" وأسأل نفسي أيضًا: لماذا يرفض شباب الإسلام الفكرة الواحدة نفسها إن كان سندها - مثلًا -: (ماركس) عن (هيجل) عن (أرسطو)، ويعدها كفرًا وإلحادًا، ويقبلها ويتعصب لها - بذاتها - إذا كان سندها: الرازي عن ابن سينا عن أرسطو؟!.
أم أن عداوتنا أصبحت كعداوة الثور للون الأحمر فقط، فنعادي الباطل؛ لأنه منقولٌ عن الغرب وأذنابه، لا لأنه باطل يجب معاداته أينما وجد في واقع أنفسنا، أو في صفحات تاريخنا، أو موروثات مجتمعاتنا ومذاهبنا"

وهذا يرد على كلام له قديم والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي