مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: فائدة في قتال الخوارج مع أئمة الجور

فائدة في قتال الخوارج مع أئمة الجور



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن حجر في شرح البخاري (12/301) :" وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَضْرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ إِنْ خَالَفُوا إِمَامًا عَدْلًا فَقَاتِلُوهُمْ وَإِنْ خَالَفُوا إِمَامًا جَائِرًا فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ مَقَالًا قُلْتُ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْحَرَّةِ ثُمَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ لِلْقُرَّاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْحَجَّاجِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"

أقول : كلام ابن حجر هذا أذكره إلزاماً لمن يتكثر بهذا الرجل ويعده إماماً

وإلا فذكره للحسين في هذا السياق قبيح فإنه يعده خارجياً وكذا يعد ابن الزبير وينزل الأثر عليهم وهذا غاية في القبح

غير أن البحث في هذا الأثر عن علي والذي ينص على أن الخوارج لا يقاتلون إذا خرجوا على إمام فاسق غير عادل وإنما تعتزل الفتنة

وأثر علي هذا فيه مبهم وقد يحتمل لأن الراوي عن هذا المبهم رجل من أعيان التابعين من بني هاشم

وما قاله هو ظاهر كلام الإمام مالك

جاء في المدونة (1/530) :" قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْحَرُورِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ: إنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا لَمْ يَتُوبُوا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا"

ومفهوم هذا أن الإمام إذا لم يكن عدلاً لا يقاتل معه الخوارج بل يترك الأمرين

ولعل هذا هو سبب اعتزال السلف لقتال الحجاج للخوارج

وأما إذا كان هناك كافر واستباح حرمات المسلمين كبابك الخرمي فهذا يقاتل مع قاتله كائناً من كان

ولما خرج بعض المغاربة وأفسدوا في زمن هشام بن عبد الملك شجع الليث بن سعد على قتالهم

وقد ذهب بعض المالكية من أعيانهم إلى أن أهل الذمة لا يقاتلون إذا خرجوا على حاكم مسلم يظلمهم ! إلا إذا استباحوا الحرمات

قال ابن رشد في البيان والتحصيل (2/602) :" قال ابن القاسم: إن كان الإمام عدلا قوتلوا أو قتلوا، واستحلت نساؤهم وذراريهم وأولادهم المراهقون، والأبكار تبع لهم يستحلون ويسبون، وهم من النساء والذرية؛ وأما من يرى أنه مغلوب على أمره، وأنه لم يعن مثل الضعيف والشيخ الكبير الزمن؛ فلا أرى أن يستحلوا، ولا يقتلوا، ولا يسترقوا على حال. قال وإن نقضوا وقاتلوا وظهر على الذرية قبل أن يظهر عليهم، استحلوا أيضا وسبوا، وكانوا كسبيل ما فسرت لك؛ وذلك إذا كان الإمام عدلا لم ينقموا منه شيئا، وإن نقضوا وخرجوا إلى دار الحرب، وبقيت الذرية بين أظهر المسلمين؛ لم تستحل الذرية، ولم يكن إلى الذرية سبيل بوجه من الوجوه؛ وإن تحملوا الذرية معهم، وظفر بهم قبل أن يصلوا إلى دار الحرب؛ فهم كلهم فيء بحال ما فسرت لك - إذا كانوا قد نقضوا وامتنعوا، وكان الإمام عدلا - كما أخبرتك، وإن كان الإمام غير عدل ونقموا شيئا يعرف ما قاموا به، لم يقاتلوا ولم يقتلوا"

وابن القاسم هذا تلميذ مالك المباشر

فإن قيل : أوليس الأمر النبوي بقتالهم مطلقاً

فيقال : المسلم لا يريق دمه إلا في حق وكذلك المرء منهي عن إعانة الظالم ، وعلي يجعل الناس أفعاله مفسرة للأمر النبوي بالقتال لأنه هو المطبق لها باتفاق الجميع

ولهذا قال الشافعي وغيره أن الخوارج لا يحل قتالهم حتى يقاتلوا استناناً بعلي

ثم إن من الظلمة من هو أجرأ على الدماء والأعراض من الخوارج وما حصل لأهل الحرة لا يخفى على أحد وسيرة الحجاج غير خافية على أحد

وقد نسب ابن تيمية لمالك ما نسبته إليه

قال ابن تيمية في منهاج السنة (6/116) :" وَقَدِ اتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ، مِثْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنْ هَلْ يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ؟ فَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، (2) وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: لَا يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْكُفَّارِ، وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالُوا: يُغْزَى مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا إِذَا كَانَ الْغَزْوُ الَّذِي يَفْعَلُهُ جَائِزًا، فَإِذَا قَاتَلَ الْكُفَّارَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ نَاقِضِي الْعَهْدِ أَوِ الْخَوَارِجَ قِتَالًا مَشْرُوعًا قُوتِلَ مَعَهُ، وَإِنْ قَاتَلَ قِتَالًا غَيْرَ جَائِزٍ لَمْ يُقَاتَلْ مَعَهُ، فَيُعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يُعَاوَنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَافِرُ مَعَ مَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَافِلَةِ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ.
فَالظَّالِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاوَنَ عَلَى الظُّلْمِ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 2] .
وَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 17] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [سُورَةُ هُودٍ: 113] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 85"

ومن قتال الظلم القتال تحت رايات عمية جاهلية، وكلام ابن تيمية ظاهره أنه إذا غلب على ظنك أن الإمام سيفعل في قتاله للخوارج ظلماً كتمثيل أو إجهاز على جريح أو استباحة أموال لا تستباح أو هتك أعراض أو قتل من ليس أهلاً للقتل فلا يقاتل معه 

وهذا هو ظاهر الكتاب فقد قال تعالى : ( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ) ومفهومه أن البغي إن كان متبادلاً فالاعتزال والسعي في الصلح وحقن الدماء إن أمكن ذلك 



قال ابن سعد في الطبقات  أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: ذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ بَعَثَ إِلَى الْخَوَارِجِ يَدْعُوهُمْ. فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إلى من تدعوهم؟ إلى الحجاج؟

وهذا إسناد صحيح إلى إبراهيم النخعي

وهذا لا ينطبق على جهاد الكفار المحاربين فليعلم هذا

وهذه المسألة لم تتحرر عندي بشكل كامل وكلام ابن تيمية مريح في المسألة  غير أنني أورد هذا لألزم القوم الذين يجيزون مثل الانتخابات أو غيرها بسقطات بعض المعاصرين أو لا يثربون على الواقع في مخالفة اتفاق السلف إذا وافقه ابن حزم ! في الفقهيات وهذا أقوى من كل هذا 

ومن هذا الباب رفض الإمام أحمد وقبله ابن سيرين رفع أهل الجنايات للوالي إن علم أنه يتجاوز الحد في عقوبتهم 

قال الخلال في الأمر بالمعروف  أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يُسْتَعَانُ عَلَى مَنْ يَعْمَلُ بِالْمُنْكَرِ بِالسُّلْطَانِ؟ قَالَ: " لَا، يَأْخُذُونَ مِنْهُ الشَّيْءَ وَيَسْتَتِيبُونَهُ. ثُمَّ قَالَ: جَارٌ لَنَا حَبَسَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَمَاتَ فِي السِّجْنِ. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ قِصَّةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ "

وقال أيضاً أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَلِيلِ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ نَصْرٍ أَبَا حَامِدٍ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ، يُرَى مِنْهُ الْفِسْقُ وَالدَّعَارَةُ، وَيُنْهَى فَلَا يَنْتَهِي، يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ: «إِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَارْفَعْهُ»

وقال ابن قدامة في المغني :"  فَمَنْ خَرَجَ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَاغِيًا، وَجَبَ قِتَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يَسْأَلُهُمْ، وَيَكْشِفُ لَهُمْ الصَّوَابَ، إلَّا أَنْ يَخَافَ كَلَبَهُمْ؛ فَلَا يُمْكِنَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ.
فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُمْ، عَرَّفَهُمْ ذَلِكَ، وَأَزَالَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَأَزَالَ حُجَجَهُمْ، فَإِنْ لَجُّوا، قَاتَلَهُمْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالْأَمْرِ بِالْإِصْلَاحِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] . وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ فَلَجَ فِيهِ فَلَجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَكِبَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ لِوَجْهِهِمْ.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي، أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ، بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ" وذكر الخبر 


وتابع ابن قدامة البهوتي والحجاوي ، وكنت قد أنكرت هذا قديماً على العلوان والآن ظهر لي سلفه غير أنه لم يقيد بما قيدوا ( إلا أن يخشى كلبهم ) يعني عاديتهم 

وقد وافق ابن قدامة ابن تيمية أيضاً ونقله عن الفقهاء فقال كما في مجموع الفتاوى :"  وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبُغَاةِ إنَّ الْإِمَامَ يُرَاسِلُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنَهَا وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَزَالَهَا كَمَا أَرْسَلَ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَكَمَا طَلَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دُعَاةَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى ظَهَرَ لَهُمْ الْحَقُّ وَأَقَرُّوا بِهِ"

ثم يقال : فإذا كان هذا مقال بعض الفقهاء في القتال مع الإمام الجائر الظلوم للخوارج فما عسى أن يقال فيمن يقاتل تحت راية ديمقراطية للخوارج !

وقد ذهب بعض الشافعية إلى أن تسمية ( المكوس ) وهي الضرائب حقاً كفر

قال الهيتمي في الإعلام بقواطع الإسلام :" قال القمولي: ومن ذلك أي جحد الضروري أن يعتقد في شيء من المكوس أنه حق. قال: ويحرم تسميتها بذلك انتهى.
وقضيته أن مجرد تسمية الباطل حقاً لا يطلق أنه كفر، وهو ظاهر في نحو هذه المسألة مما فيه ضرب من التأويل، وهو أخذ الإمام له على نية الزكاة, أما فيما لا تأويل فيه بوجه فينبغي أن يكون تسميته حقاً كفراً"

وقال النووي في الأذكار :" مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ مما يبيع أو يشتري ونحوهما، فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات، وأشنع المستحدثات، حتى قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام، والصحيحُ أنه لا يكفرُ إلا إذا اعتقده حقاً مع علمه بأنه ظلم، فالصوابُ أن يُقال فيه المكسُ، أو ضريبةُ السلطان، أو نحو ذلك من العبارات، وبالله التوفيق"

وهذا أشعريان غير أن المراد بيان أنه حتى المرجئة تكلموا بهذا

فإذا كان تسمية الضريبة حقاً كفراً في قول بعضهم فما بالك بتسمية القوانين الوضعية ( عدلاً ) وإن لم توافق الشرع وتسمية الديمقراطية ومفرزاتها ( شرعية )

وقال السبكي الجهمي في معيد النعم ومبيد النقم :" ومن قبائحهم: أنهم إذا اعتمدوا شيئاً مما جرت به عوائدهم القبيحة يقولون: هذا شرع الديوان لا شرع له، بل الشرع لله تعالى، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الكلام ينتهي إلى الكفر، وإن لم تنشرح النفس لتكفير قائله، فلا أقلَّ من ضربه بالسياط؛ ليكف لسانه عن هذا التعظيم الذي هو في غنية عنه، بأن يقول: عادة الديوان، أو طريقه، أو نحو ذلك من الألفاظ التي لا تنكر"

وهذا كقول البدو ( شرع العجمان ) و ( شرع قحطان ) وكقول الديمقراطيين ( المجلس التشريعي )!

وقال ابن القيم في الإغاثة :" وسموا الربا بالمعاملة، وسموا المكوس بالحقوق السلطانية، وسموا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسموا أبلغ الكفر، وهو جحد صفات الرب، تنزيها، وسموا مجالس الفسوق مجالس الطيبة"

ويعجبني تسمية التعطيل أبلغ الكفر

والشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها وجاءت بدرء المفاسد وتقليلها

ولا ريب أن قتال الروافض المعتدين أمر تنشرح له النفس ويفرح به القلب غير أن راية الجهاد أسمى من أن تكون قومية أو ديمقراطية أو وطنية ، بل إن كانت كذلك فقد تكدر الأمر وما عاد جهاداً وإنما يفرح به الموحد لما فيه من دحر الروافض المشركين سبابة أمهات المؤمنين

وبما أنني ذكرت الحجاج أود التنبيه على فائدة هامة

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/201) : أبو القاسم بن السمرقندي أنبأنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله بن عمر أنبأنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا عثمان بن احمد نبأنا حنبل بن إسحاق نبأنا هارون بن معروف نبأنا ضمرة نبأنا ابن شوذب عن اشعث الحداني قال رأيت الحجاج في منامي بحال سيئة قلت يا أبا محمد ما صنع بك ربك قال ما قتلت احدا قتلة إلا قتلني بها قلت ثم مه قال ثم أمر بي إلى النار قلت ثم مه قال أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله قال فكان ابن سيرين يقول إني لأرجو له قال فبلغ ذلك الحسن قال فقال الحسن أما والله ليخلفن الله عز وجل رجاءه فيه يعني ابن سيرين

وهذا إسناد قوي

وذكرته مع تكفير كثير من الناس للحجاج لقوله بتحريف القرآن وبلايا أخرى لبيان أن ابن سيرين قد رجا له المغفرة وإن خفي من حال الحجاج ما يدخله في زمرة الكفار فلا يخفى ما يدخله في زمرة المبتدعة فقد كان ناصبياً خبيثاً

وهذا أعلى ما وقفت عليه في الترحم على صاحب بدعة فرجاء المغفرة بمنزلة الترحم ، وهذا لمن بدعته ليست مكفرة أو كانت من النوع يكفر فيه بعض المتلبسين دون بعض ، وهذا غير راتب بحيث كلما ذكر ذكروا ذلك

وفي الباب قول سفيان في ابن أبي رواد ( إنني لأرى الصلاة على من هو شر منه )

والصلاة بابها وباب الترحم واحد

وبعضهم يستدل بترك شعبة الاستغفار لابن أبي عياش

وهذا وقع فعلاً ولكن ليس لأجل بدعة وإنما لأجل الزجر من أنه كان يروي المناكير دون تحرز وإلا فقد ثبت أن شعبة صلى عليه

قال البغوي في الجعديات 38 -: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ قَالَ: نا عَبْدَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: «لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا صَلَّيْتُ عَلَى أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ»

وفي الباب ما قال عبد الله بن أحمد في العلل 2942 - حَدثنِي أَبُو سعيد الْأَشَج قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن بشير قَالَ حَدثنَا مسعر قَالَ سَمِعت عبد الْملك بن ميسرَة وَنحن فِي جَنَازَة عَمْرو بن مرّة وَهُوَ يَقُول إِنِّي لأحسبه خير أهل الأَرْض

وعمرو بن مرة مرجيء لم يكن داعية وكان شديد العبادة ومثله يغتر به بعض الناس وعبد الملك بن ميسرة ما زنوه ببدعة ، ومن طريق عبد الله روى أبو نعيم الخبر في الحلية وتابع عبد الله أبو القاسم البغوي في الجعديات

وورد عن السلف ما يدل على المنع من الترحم على أهل البدع

وأشهر ذلك غضب سفيان ممن ترحم على زفر أمامه

والذي يظهر أن هذا لا يخالف السابق فمأخذه إما تكفير أهل الرأي وذلك لقولهم بالحيل

وقد ورد عن يزيد بن هارون ما يدل على تكفير الحسن بن زياد اللؤلؤي ولا فرق بينه وبين زفر

قال العقيلي في الضعفاء حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: مَا تَقُولُ فِي الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ؟ فَقَالَ: أَوَمُسْلِمٌ هُوَ؟

وكلام مالك في أبي حنيفة يشير إلى هذا المعنى بل هو صريح وكذا كلام ابن المبارك في أبي يوسف وأمره بإعادة الصلاة خلفه

وكذا استغفار بعض المحدثين من الترحم على ابن المديني فقد قال ابن الجنيد لابن معين أنهم يرونه مرتداً ومعلوم توبة ابن المديني

واختار ابن تيمية أن المبتدع يترحم عليه فيه السر ويترك ذلك في العلن

ويبدو أن الأمر كصلاة الجنازة عليه والتزام ترحم راتب في حقه خصوصاً إذا كان داعية لا يصلح ، وأما صاحب البدعة المكفرة فلا مطلقاً

وهذا ما توصلت إليه في هذه المسألة ومما يذكر في شأن الحجاج أيضاً

ما قال ابن أبي شيبة في المصنف 30353 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «عَجَبًا لِإِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَ الْحَجَّاجَ مُؤْمِنًا»

فمن يذكر الحجاج الفاسق باتفاق والمختلف في كفره بالإيمان ولا يستثني هذا دخلت عليه شبهة الإرجاء بل هو مرجيء

فالفاسق الملي يقال مسلم ولا يقال مؤمن فكيف برجل ما ترك حرمة إلا انتهكها كما قال عاصم صاحب القراءة

وقد ثبت إنكار السلف على من قال ( أنا مؤمن ) ولم يستثنِ

قال أبو داود في سننه  4685 : حدثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق ح وثنا إبراهيم بن بشار ثنا سفيان المعنى قالا ثنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه

 : أن النبي صلى الله عليه و سلم قسم بين الناس قسما فقلت أعط فلانا فإنه مؤمن قال " أومسلم ؟ إني لأعطي الرجل العطاء وغيره أحب إلي مننه مخافة أن يكب على وجهه "

موطن الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقره على شهادته لصاحبه بالإيمان وقال له ( أومسلم ) وهذا مما احتج به علماء أهل السنة على مشروعية الاستثناء وعلى التفريق بين الإسلام والإيمان ( وإن كان القول بالتسوية ) منسوباً لبعضهم وعلى أنه يستثنى في الإيمان ولا يستثنى في الإسلام ( وهذا الذي عليه عامة روايات أحمد )

وقال ابن أبي شيبة في الإيمان 22 : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال :

 جاء رجل إلى عبد الله فقال : إني لقيت ركبا فقلت : من أنتم ؟ قالوا : نحن المؤمنون.

 قال : فقال : ألا قالوا نحن من أهل الجنة .

وهذا إسناد صحيح وهذا إنكار من ابن مسعود على من يقول ( أنا مؤمن ) فكيف يقال أن ذلك يجوز أو مكروه فقط

بل قال عبد الرحمن بن مهدي ( أصل الإرجاء ترك الاستثناء )

قال الخلال في السنة 965: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ النَّسَائِيُّ بِحِمْصَ قَالَ : سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ مَنْصُورٍ , يَقُولُ : قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَا مُؤْمِنٌ ؟

 قُلْتُ : مَا أَعْلَمُ رَجُلاً أَثِقُ بِهِ . قَالَ : لَمْ تَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا.

966: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : هَلْ عَلَيَّ فِي هَذَا شَيْءٌ , إِنْ قُلْتُ : أَنَا مُؤْمِنٌ ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لاَ تَقُلْ : أَنَا مُؤْمِنُ حَقًّا , وَلاَ الْبَتَّةَ , وَلاَ عِنْدَ اللَّهِ.

967: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : قِيلَ لِي مُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ؟ هَلْ النَّاسُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ ؟ فَغَضِبَ أَحْمَدُ , وَقَالَ : هَذَا كَلاَمُ الإِرْجَاءِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ.

968: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , أَنَّ الْفَضْلَ حَدَّثَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , وَزَادَ : {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}.

969: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الأَشْعَثُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ , قَالَ يَحْيَى : وَكَانَ سُفْيَانُ يُنْكِرُ أَنْ يَقُولَ : أَنَا مُؤْمِنٌ . قَالَ سُلَيْمَانُ : وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : قَالَ سُفْيَانُ :

 النَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ فِي الأَحْكَامِ وَالْمَوَارِيثِ , نَرْجُو أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ , وَلاَ نَدْرِي مَا حَالُنَا عِنْدَ اللَّهِ.

وهذه كلها أخبار صحيحة إلى الإمام أحمد

قال ابن تيمية كما في أجوبة الاعتراضات المصرية ص143 :" ولهذا صحَّ عند السلف ومن اتبعهم أن يقال عن الفاسق الملّي: ليس بمؤمنٍ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يَسرِق السارقُ حين يَسرِق وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمن»، ولا يكون ذلك نفيًا لجميع أجزاء إيمانِه، فإن الإيمان عندهم وإن كان مؤلَّفًا من أمورٍ واجبةٍ، فإذا انتفَى بعضُها انتفَى الإيمانُ الواجبُ الذي به يَستحقُّ الجنَّةَ وينجو من النار، ولم يَنتفِ جميعُ أجزاء الإيمان، بل قد يبقى معه بعض أجزائه التي ينجو بها من النار بعد دخولها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه «يَخرجُ من النار من كان في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من إيمان

فكيف يقال برجل كالحجاج أنه مؤمن بإطلاق ما يقول هذا إلا يقول هذا إلا المرجئة وقد سماهم طاوس ( إخواننا ) فهذا أعلى ما وقفت عليه في ترك تكفير المرجئة الذين من هذا الضرب

وقال البغوي في الجعديات 1905 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ: أَشْهَدُ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَعَلَى أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ قَالَ: «لَا، إِذَا أَقَرَّا بِالتَّوْحِيدِ»

وهذا أثر مشكل مع صحة إسناده فإن الحجاج قال بتحريف وأظهر سب الصحابة خصوصاً علي وقد ذكر سفيان هنا الإقرار فحسب

ولو كان السفلة في زمن السلف لكتبوا ( عقيدة سفيان ) ولاتهموه بمذهب الإرجاء وانه لا يكفر بترك العمل ولا تحريف القرآن وأنه يوسع العذر

غير أنه ينبغي لتحرير موقف عالم من مسألة ما أن يجمع كلامه وينظر فيه فسفيان كان حرباً على المرجئة ويكفر من يقول بخلق القرآن وله إشارات إلى تكفير أهل الرأي ولا يشك أن رجلاً في علمه يكفر رجلاً يقول بتحريف القرآن ويصف ابن مسعود بانه رأس المنافقين ( كما كان الحجاج )

غير أن جوابه هنا خرج مخرجاً يحتاج إلى تدقيق

فسفيان عاش في أواخر حكم بني أمية وأوائل حكم بني العباس وأبو مسلم داعية بني العباس والحجاج سيف الأمويين على أعدائهم فلم يرد سفيان أن يذكر داعية العباسيين بأحسن مما يذكر به داعية الأمويين فيفهم من ذلك ميل سياسي

فذكر جواباً يقول فيه ( إذا أقرا بالتوحيد ) والاقرار بالتوحيد لا ينفع إلا إذا جاء بشرطه والحجاج لم يأتِ بشرطه فهذا مأخذ جواب الثوري إن كان ضبطه الراوي عنه أو كان سفيان يعلم بما وقع من الحجاج

ولعل الحجاج حكيت عنه توبة قبل موته فالله أعلم

والمراد أن من العلماء من ينبغي جمع كلامه لفهم مذهبه ولا تتبع طريقة القوم الغريبة في التتبع والتصيد بحقد يشبه حقد الرافضة على الصحابة

والعجيب أن بعضهم يذكر كلاماً لي في نقد التفريق بين المطلق والمعين ومناقشة استدلال الناس بموقف أحمد من المعتصم فيجعل هذه المناقشة داعية لتبديع أو تكفير كل مخالف

وليس الأمر كذلك فأنا إن قلت ( هذا الأمر يحتمل من فلان ) فهذا إقرار مني أنه زلة وما من زلة إلا ويقال في نقدها وبيان تناقضها كما نقول في مسألة الشهادة وتفضيل علي على عثمان ، ومسألة التربيع بعلي ومسألة المسح على الخفين والمسح على الجوربين ومسألة المتعة ومسألة ربا الفضل ومسألة ترك القراءة خلف الإمام مطلقاً ومسألة ترك رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام ( وهذا مذهب سفيان ) ومسألة النبيذ وغيرها من المسائل التي نناقش المخالفين وبعضهم من أهل السنة فتبسط الأدلة وتبين ويجتهد في بيان تناقض القول المخالف وضعف أدلته غير أننا إن عذرنا بعض الأفراد لأمور اجتمعت عندنا فلسنا مطلقين العذر خصوصاً بعد البيان وبفضل الله نجمع الكلام للعالم الواحد ونبين مآخذه وأطواره لا طريقة الاجتزاء الخسيسة

وجاء في تصحيح الفروع من كتب  الحنابلة (11/340) :" وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يَفْسُقُ الْمُقَلِّدُ فِيهَا لِخِفَّتِهَا مِثْلُ مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَيَقِفُ عَنْ تَكْفِيرِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ هَانِئٍ الْمَذْكُورَةَ وَقَوْلَ الْمَرُّوذِيِّ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ قَوْمًا يُكَفِّرُونَ مَنْ لَا يُكَفِّرُ فَأَنْكَرَهُ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ يَجْتَرِئُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ كَافِرٌ؟ يَعْنِي مَنْ لَا يَكْفُرُ وَهُوَ يَقُولُ: الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ"

وهذه الروايات عن أحمد ذكرها أبو يعلى ولا بد أن تخرج مع روايات أحمد الأخرى في تكفير من لا يكفر

فإما أن تحمل على المتأول والجاهل ، وأخص من المتأول من يفرق بين الإطلاق والتعيين فهو لا ينفي التكفير مطلقاً

وإما ان تحمل على من يفرق بين الإطلاق والتعيين وهذا بعيد 

وابن تيمية نفسه نقل روايتين عن أحمد في هذه المسألة 


قال ابن تيمية رحمه الله: " وَعَنْهُ فِي تَكْفِيرِ مَنْ لَا يُكَفِّرُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَكْفُرُ" مجموع الفتاوى 12/486

أفتراه لا يكفرهم وهو ينقل في تكفير من لا يكفرهم روايتين !

وأما أن نأتي لشخص يقول عن المتكلمين ( زنادقة منافقون بلا ريب ) ويكفر بعض أعيانهم وينص على أن عباد الأوثان خير منهم في باب العلو وأنهم من أعظم الناس شركاً وأن كفرهم في إنكار العلو أعظم من كفر القائلين بخلق القرآن وينزل عليهم زندقة الإمام أحمد لعلماء المعتزلة ويصرح لهم في بعض مناظراته فيقول ( يا كفار يا مرتدين يا مبدلين ) وهم قضاة يمكنهم قتله ، ويصرح في الدرء أن إنكار العلو متفق على تكفير الواقع فيه لأنه معلوم من الدين بالاضطرار وهذه الكلمة لا يطلقها من يريد أن يكفر أعياناً ، وينص على أن الجهمية خارجين الثنتين والسبعين فرقة وهذا هو الأكثر في تقريراته فتختزل كلمة قيلت تحت ضغط أو على جهة المعاريض أو بتأويل معين في زمن معين ويختزل جهاد هذا المرء كله في هذه الكلمة فهذه كارثة وبعد شديد عن الإنصاف والتقوى

وتأتي بكلام له جار على مصطلح خاص في بعض بدع العقائد وبدع الأعمال وتترك نقله لكلام السلف في ذم المرجئة وإقراره بل وتبريره له ، فنقل قول يحيى بن أبي كثير وقتادة :"لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْأَهْوَاءِ أَخْوَفُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ الْإِرْجَاءِ "

ونقل قول إبراهيم النخعي :" لَفِتْنَتُهِمْ - يَعْنِي الْمُرْجِئَةَ - أَخْوَفُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِتْنَةِ الأزارقة "

وكذلك نقله الاتفاق على تبديعهم

فقد قال كما في مجموع الفتاوى (10/ 748) :" بِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا بَدَّعُوهُمْ"


وذكره لهم الثنتين والسبعين فرقة الهالكة حيث يقول في النبوات :" وأما الجهمية نفاة الأسماء والصفات: فإنّما حدثوا في أواخر الدولة الأموية. وكثيٌر من السلف لم يدخلهم في الثنتين وسبعين فرقة؛ منهم: يوسف بن أسباط، وعبد الله بن المبارك؛ قالوا: أصول البدع أربعة: الخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة. فقيل لهم: الجهمية؟ فقالوا: ليس هؤلاء من أمة محمد"

وقوله كما في الفتاوى (20/301) :" وَخَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَمْصَارِ بِدَعُ أُصُولِيَّةِ غَيْرِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ. فَالْكُوفَةُ خَرَجَ مِنْهَا التَّشَيُّعُ وَالْإِرْجَاءُ وَانْتَشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا. وَالْبَصْرَةُ خَرَجَ مِنْهَا الْقَدَرُ وَالِاعْتِزَالُ وَالنُّسُكُ الْفَاسِدُ وَانْتَشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا. وَالشَّامُ كَانَ بِهَا النُّصُبُ وَالْقَدَرُ"

وهو هنا يتكلم عن بداية الأمر قبل ظهور بدعة الجهم، وأضف إلى ذلك الردود المطولة والمفصلة على المرجئة 

وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان :"  اعْلَمْ -رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْعِنَايَةِ بِالدِّينِ افْتَرَقُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فِرْقَتَيْنِ:
فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: الْإِيمَانُ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ بِالْقُلُوبِ, وَشَهَادَةِ الْأَلْسِنَةِ وَعَمَلِ الْجَوَارِحِ.
وَقَالَتِ الفرقةُ الْأُخْرَى بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ، فَأَمَّا الأعمالُ فَإِنَّمَا هِيَ تَقْوَى وَبِرٌّ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ"


فعد المرجئة من أهل العلم والعناية بالدين ولا يعني أهل الرأي وإنما يعني غيرهم من المرجئة ممن ذكر بخير فاحتمل الناس ذلك منه لأنه رد عليهم وبين ضلالهم فاحتملوا ما حصل من إلانة باللفظ مع نقده ودفعه لكلامهم واشتداده في ذلك 

بل يقول أبو عبيدة :" وَكَذَلِكَ نَرَى مَذْهَبَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَسَمَّوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، فَيَقُولُونَ نَحْنُ مُؤْمِنُونَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، وَعَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، مِثْلُ: عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ, وَالصَّلْتُ بن بَهْرَامَ، وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، ومَن نَحَا نَحْوَهُمْ، إِنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا مِنْهُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِيمَانِ لَا عَلَى الِاسْتِكْمَالِ, أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ ابْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٍ إِنَّمَا كَانَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا بِهِ1 أَصْلًا، وَكَانَ الْآخَرُونَ يَتَسَمَّونَ بِهِ.
فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ كَإِيمَانِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ! فَمَعَاذَ اللَّهِ، لَيْسَ هَذَا طَرِيقَ الْعُلَمَاءِ, وَقَدْ جَاءَتْ كراهيته مفسرة عن عِدَّةٍ مِنْهُمْ."


فسماهم فقهاء وفرق بين هذا الضرب من المرجئة ومرجئة أبي حنيفة وأصحابه وكلامه يشبه كلام ابن تيمية إلى حد كبير على أن ابن تيمية كلامه أشد

وأما ابن رجب _ عفا الله عنه _ فليته نظر في ردود ابن تيمية على المتكلمين وسلم من بعض ما وقع له في باب الصفات كما أن القوم تعلموا مسألة الحد وحديث الرؤية في المنام واسم النور وحديث الأطيط وتفسير الاستواء بالجلوس وغيرها من المسائل من هذه الكتب 

قال ابن رجب في فتح الباري :"  والزيادة على ما ورد في النزول من ذكر الحركة والانتقال وخلو العرش
وعدمه؛ كله بدعة، والخوض فيه غير محمود"


وقد قال في فضل علم السلف على علم الخلف :" وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين.
والثاني من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر ورد على أولئك مقالتهم كما هي طريقة مقاتل بن سليمان ومن تابعه كنوح بن أبي مريم وتابعهم طائفة من المحدثين قديماً وحديثاً. وهو أيضاً مسلك الكرامية فمنهم من أثبت لإثبات هذه الصفات الجسم إما لفظا وإما معنى. ومنهم من أثبت للَّه صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة"


ومعلوم أن الحركة واردة عن جماعة من أعيان السلف ومأخذهم فيها الإخبار عن حقيقة النصوص بما لا يناقضها ولا أعلم أحداً من السلف أنكر على ابن أبي مريم ردوده على الجهمية بل نعيم كان يتعلم منه 

وقال ابن رجب معرضاً بعثمان بن سعيد الدارمي :"  ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها: وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد"

فمن يعنى بهذا إلا الدارمي ؟! والتناقض الذي افترضه ابن رجب لا أساس له ومن ينظر في مناظرة أحمد للجهمية يعي الأمر على وجهه

كما أنه عرض بدفع أثر مجاهد في المقام المحمود ولم يصرح به 

قال في فتح الباري  (5/275) :" وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث ابن مسعود، ونحوه من حديث كعب بن مالك - أيضا - وكذا روي عن حذيفة - موقوفاً، ومرفوعاً.
وهذا يكون قبل الشفاعة.
وفسره مجاهد وغيره بغير ذلك.
وقوله: ((حلت له شفاعتي))"


فغاير بين الحديث وما قاله مجاهد وهذا أساس شغب رادي الأثر المتلقى بالقبول عند السلف

قال ابن تيمية في درء التعارض (2/8) :" وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين، وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم، كـ حرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة، وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين، وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كـ أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد ين منصور.
وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة، فكل حي متحرك، وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات، الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم.

وطائفة أخرى من السلفية كـ نعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة، وغيرهم كـ أبي عمر بن عبد البر وأمثاله: يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلاً ونحوه، ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور.
وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء، كـ أبي بكر عبد العزيز وأبي عبد الله بن بطة وأمثالهما، ومنهم من يوافق الأولين، كـ أبي عبد الله بن حامد وأمثاله، ومنهم طائفة ثالثة - كالتميميين وابن الزاغوني غيرهم - يوافقون النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم"


وهذا هو البحث المتزن وقد مال في التسعينية إلى إثبات هذا أحمد عازياً لحرب الكرماني

وكان ابن رجب معظماً للهروي صاحب منازل السائرين متلمساً له الأعذار ، ولو نفضت كتبه لما وجدت نقداً ظاهراً لمفوضة الحنابلة بأسمائهم ولا أعيان الأشعرية إلا قليلاً ولم أقف على هذا القليل ولكن لعله موجود  

وله تعريض بمعاوية في فتح الباري حيث يقول في فتح الباري :"  ولم يذكر انه جعل العرافة له بمجرد كون أبيه عريفاً، والامامة العظمى لا تستحق بالنسب، ولهذا انكر الصحابة على من بايع لولده.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر. جئتم بها هرقلية، تبايعون لابنائكم!"


غير أنني شهادة شهادة حق في ابن رجب وهي أنه ما كان في المتأخرين أحسن شرحاً للأحاديث منه وكلامه في الفقه في الغالب في غاية التحرير والحسن ومواعظه جليلة وكلام في العلل نفيس غاية إلا في مواطن ولا يسلم من هذا أحد وقواعده من الفقه من الضبط بمكان

ومما يضحكني في أحوال هؤلاء أنهم يذكرون كلام السلف في عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ويذكرون مدحهم لعبادته

ويذكرون من ذلك :" قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَبذُلُ نَفْسَهُ لِلْحَدِيْثِ (1) ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ نُبْلِهِ وَهَيْئَتِهِ.
وَقَالَ أَيْضاً: كَانَ صَدُوْقاً، مَا كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانُوا يُعَظِّمُوْنَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيُّ: لَوْ رَأَيْتَ عَبْدَ المَجِيْدِ، لَرَأَيْتَ رَجُلاً جَلِيْلاً مِنْ عِبَادتِهِ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلَى السَّمَاءِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُوْهُ أَعْبَدَ مِنْهُ"

وعلى أصولكم ينبغي أن يوصف هؤلاء المادحين بأنهم مميعة مع المرجئة أو لم يعادوا المرجئة !

أو تعتبروها زلة لهم احتملت في عدم إرجائهم وذمهم للمرجئة الآخرين وكون ما قالوه في هذا الرجل صدق

وقد قلت في مقال لي سابق :" وليعلم أن ليس كل مدح لصاحب بدعة يسمى موازنات كما يظنه البعض فهناك مدح تقتضيه مصلحة شرعية راجحة كتوثيق الرواة ، وهناك مدح على جهة المقارنة مع غيره ، وهناك ثناء على بعض أحواله مع أمن الافتتان به كما تراه في بعض تراجم عمرو بن مرة والحسن بن صالح، ولكن يكون مدحاً مع بيان ما فيه لئلا يحصل التغرير"

ومن هذا الباب قول أحمد في عبد العزيز بن أبي رواد ( كان رجلاً صالحاً وكان مرجئاً )

واكتبوا لنا ( عقيدة أحمد ابن حنبل ) !

بل عقيدة ( مالك بن أنس ) واذكر موقفه من حديث ( البيعان بالخيار ) واجمعه مع أبي حنيفة !

قال الخطيب في تاريخه  أَخْبَرَنَا ابن الفضل القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، قَالَ: حَدَّثَنِي الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قَالَ: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث البيعين بالخيار، قَالَ: يستتاب وإلا ضربت عنقه، ومالك لم يرد الحديث، ولكن تأوله على غير ذلك

فتأمل اعتذار أحمد لمالك وكيف أنه بالتأويل درء عنه ما قيل فيه ومالك إمام في الحديث والسنة والاتباع وكان حرباً على الرأي وأهله واحتاج إليه كل من صنف في الحديث وأراد جمع حديث أهل المدينة فإذن هناك تأويل يدرأ به عن المرء خصوصاً في اعتبار سيرته العامة ولا يسوى بينه وبين أهل الشر، ولو سئل أحمد الرد عليه لبين ضعف تأويله ودفعه بقوة 

وقد قال شعبة في محمد بن إسحاق ( أمير المؤمنين في الحديث ) وقال الطيالسي في هشام الدستوائي ( أمير المؤمنين في الحديث ) وقال أحمد في صفوان بن سليم ( يستسقى بحديثه ) 

فما عقيدة هؤلاء وما تخريج مثل هذا إلا أن يخرج بما ذكرته لكم 

وهنا أكمح جماح القلم ولا  أزيد وإلا ففي الجعبة المزيد وبعضه أحسب أن أحدكم فقد وعيه لو رآه فحكموا سفهاءكم وما فيه إلا سفيه إني أخاف عليكم أن أغضبا

والمرء إن لم يقتدِ بنبيه الذي شمائله السماحة والوفاء فلترده مروءة العرب غير أن الأمر  مفقود من الجانبين في بعض الناس

فحتى أهل الكفر ليسوا على شأن واحدة

فمنهم من عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد القدرة تأليفاً لهم ومنهم من قضى بقتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة

وقال البخاري في صحيحه 3139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»

والمطعم بن عدي مشرك مات على الشرك ولكنه لما سعى في نقض الصحيفة وأجار النبي صلى الله عليه وسلم تذكر من شمائله السماحة والوفاء هذا وأراد مكافأته وتشوف لذلك

والمنة في الدين أعظم من ذلك كله

وكما أن الشرك ليسوا واحداً فأهل البدع ليسوا واحداً وعلى هذا تصرف السلف فليس كل الناس أهل رأي وجهمية ، وكذلك هناك أمور ليس كل من وقع فيها واحد

فهذا علي بن أبي طالب يشهد لقتلى صفين بالجنة وفيهم من ليس صحابياً وقاتل علياً ومع هذا شهد له بذلك عاذراً إياهم بالتأويل

قال ابن أبي شيبة في المصنف 39035: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.

وهذا أخص من مطلق الترحم

وليس معنى أنه جاء أقوام فوسعوا في باب العذر والتأويل حتى عذروا غلاة الجهمية وعباد القبور وعاكسوا السلف في مسائل كبار أن نأتي ونغلق الباب مطلقاً حتى ننتهي إلى أعيان الموحدين في الأعصار المتأخرة ونتكلم بتبديعهم وتكفيرهم وكل منا له أطوار قبل أعوام أو ربما أشهر لا ترضيه

وإنني لأتعجب فأحدهم يكتب على آخر بأنه يقول بأن بلده لا تمنح الجنسية إلا للموحدين ويتعقبه بتعقب قوي بذكر رافضة بلده وعلمانييهم وغيرهم

غير أنه في المقال نفسه يصف أقواماً يؤسلمون سيد قطب بل ربما لا يبدعونه حتى ويؤسلمون ابن تيمية وابن عبد الوهاب والأشاعرة ويسننون أهل الرأي ويعدمون قاضي قضاتهم في مسألة تكفير العاذر  ب( الموحدين ) !

وقد كلمته بهذا في مراسلة قديمة بيني وبينه فما أجابني ولو حاكمته لأصوله لكفرته !

وآخر يترحم على أئمة الدعوة وهم يؤسلمون ويسننون ابن تيمية ويصفون ابن حجر والنووي بالحفاظ بل ويترحم التويجري على جماعة من الأشعرية إذا نقل عنهم ( وأحسبه لا يعلمهم ) ويؤممهم فكيف تترحم على هؤلاء ؟!

فأصولك مقتضية على الأقل تبديعهم وعدم التثريب على من كفرهم 

ولنفرض هنا مسألة : هل يجوز تسمية أبي جعفر موحداً ؟

وهل إذا مات يجوز الصلاة عليه أو الترحم عليه ؟

وهل إذا جازت الصلاة عليه فهل يجوز لأهل الفضل شهودها أم يتخلفون ؟

وهل إذا جاز الترحم عليه يسر بذلك أم يعلن ؟

أما إنه على أصولكم خير من هؤلاء الذين تترحمون عليهم !

ولينظر في شأن صاحبه في تعليقه على الإشراف في منازل الأشراف حيث أنه ذكر مرتين توريث معاوية ليزيد وعلق بقوله ( وهذه أول عروة نقضت من عرى الإسلام )

ونسب للمغيرة في هذا أنه أشار ثم ندم معتمداً على رواية فيها متروك 

ويذكر هجاء الأخطل للأنصار ويقول ( جرأه بنو أمية ) ثم يذكر في الرواية التي بين يديه أنه فعل ذلك في زمن معاوية ! فمن الذي جرأه والرواية مضطربة وهشة فلو نقدها كان خيراً له 

بل يدعي أن الأخطل كان يدخل على الأمويين  والخمر يقطر من لحيته ولا أدري أين وجد هذا ؟

وصاحبنا الراد على البيان لو أتحفنا برد على تلميذه المفوض الذي صار مفوضاً ونشر شبهات في التفويض لكان أمراً حسناً وفي مدونتي هذه ما يصلح للرد عليه يمكنه الأخذ منه وهذه المرة بإجازة مني ، إن كان لا يريد النظر في كتب ابن تيمية المخالف ! 

وأيضاً ذاك الرجل الذي يعيش في طنطا حيث يعشش الشرك فليته يصنف في توحيد الألوهية نصف تصانيفه في أمور النكاح والجماع( ثم بلغني أنه مقيم في الشرقية الآن )

وما الذي ينتفع منه المسلم من ذكر رواية يذكرها ابن شبة بلا إسناد من أن زوجة معاوية قالت للأحنف لما حامى عنه في أمر جارية أراد وطئها ( اسكت يا قواد ) !

يكفيك ذكر خبر عائشة في الغيرة وما تذكره الفقهاء في هذا ونكتفي عن مثل هذا الحشو السمج

وما الذي ينتفع منه المسلم من ذكر فصل يذكره ابن حزم في أن المرأة لا يوثق بها حتى ولو كانت صاحبة دين ثم يذكر تحته ما لا أطيق ذكره

أما أنه لو فعل ذلك بعض الناس فليس هذا محل اقتداء، وقد وقع في بعض هذا أناس صنفوا هذا في  تصانيف لأقوام يعلمون الإسناد ، وقد وقع فيما هو أقل من هذا أو نحوه أقوام تصانيفهم في نصرة السنة أضعاف هذا 

غير أن ما يصنفه هذا الرجل في هذه الأبواب خيرٌ من تحاذقه على أحمد واتهامه إياه أنه عنده أغلاط في مسائل الإيمان وذلك خير من جزئه الذي يتوعد به أهل السنة في المآخذ التي كتب العقيدة المشهورة التي ينصح بها ! 

تنبيه : نشر بعض هؤلاء أنني راسلته أسأله بأسئلة على جهة الاختبار وكنت متخفياً والواقع خلاف هذا وهو معذور في ظنه إذ أن شخصاً وجه لي وله أسئلة ثم قام بالربط بيننا وجعل جوابي يذهب إليه وجوابه يذهب إلي فظن كل منا أن الآخر هو الذي ابتدأه بالمراسلة 

وما بهذه بأخلاقي والمهاترات الصبانية لا تدوم ولا ينتفع بها الخلق وإنما ينتفعون بالعلم 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي