الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فإن فتنة ابن حزم التي اكتوى بنارها
كثيرون لا زال أوارها يتقد ويأخذ من الأخيار فئاماً كثيراً ، لما كان عليه هذا
الرجل من الذكاء المتوقد مع ما له من فصاحة اللسان وقد نقلت في غير مقال اتفاق أهل
العلم على تضليله
واليوم لا يكاد يوجد أحد على معتقده ،
ولكن لا بد من وقفات لبيان مكانته العلمية وأنه كان يعلم أموراً يجهلها عامة الناس
وليس لها كبير حاجة ويجهل أموراً يعلمها عامة الناس والحاجة إليها ماسة
وهنا سأعرض لبعض تناقضاته
التناقض الأول : قال ابن حزم في الفصل :"
وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس مَا حدّثنَاهُ يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود
حَدثنَا قَاسم بن أصْبع حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْعَبْسِي حَدثنَا
وَكِيع بن الْجراح أَنبأَنَا الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس أَنه
قَالَ لَيْسَ فِي الْجنَّة مِمَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاء وَهَذَا
سَنَد فِي غَايَة الصِّحَّة وَهُوَ أول حَدِيث فِي قِطْعَة وَكِيع الْمَشْهُورَة"
فهنا ابن حزم يقبل رواية الأعمش عن أبي
ظبيان عن ابن عباس في أمر غيبي ، وطريقة ابن حزم إظهار قبول أخبار الصحابة في
الغيبيات ولا يدفعها بكونها إسرائيليات لذا رسالة في استدارة الأفلاك مبنية على
أخبار الصحابة
ومن تناقضه أنه دفع خبراً ثابتاً عن ابن
عباس بهذا السند وسخر منه غير أنه يحترز ولا يذكره بسنده لئلا يستبين دجله وهو خبر
الحوت
قال لطبري في تفسيره حدثنا محمد بن
المثنى، قال: ثنا ابن أبى عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظَبْيان، عن ابن عباس،
قال: أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت
منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرّكت الأرض فمادت، فأثبت
بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض، قال: وقرأ:( ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ ).
فهذا من رواية شعبة عن الأعمش وشعبة لا
يروي عن شيوخه الأخبار المدلسة
وللخبر إسناد آخر
قال ابن أبي شيبة في المصنف 37155- حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمَ ، ثُمَّ
خَلَقَ النُّونَ , فَكَبَسَ الأَرْضَ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ.
وهذا إسناد على ضعفه يقوي السابق
وللخبر إسناد ثالث أيضاً
ومن تناقض ابن حزم أنه في رسالته في
استدارة الأفلاك استدل بعدة أخبار عن الصحابة ومنها الخبر السابق ومع ذلك قد دفع
أخباراً ثابتة عن الصحابة في أمور غيبية
منها خبر هاروت وماروت الثابت عن علي وابن
عباس وابن عمر وعامة التابعين
ومنها خبر إبليس من الملائكة الثابت عن
ابن عباس وابن مسعود ومعظم التابعين
التناقض الثاني : قوله في الفصل :" وَأما
قَوْله تَعَالَى {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} فَقَوله الْحق
نؤمن بِهِ يَقِينا وَالله أعلم بمراده فِي هَذَا القَوْل وَلَعَلَّه عَنى عز وَجل
السَّمَوَات السَّبع والكرسي فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أجرام هِيَ يَوْمئِذٍ والآن
بَيْننَا وَبَين الْعَرْش ولعلهم أَيْضا ثَمَانِيَة مَلَائِكَة وَالله أعلم نقُول
مَا قَالَ رَبنَا تَعَالَى ونقطع أَنه حق يَقِين على ظَاهره وَهُوَ أعلم
بِمَعْنَاهُ وَمرَاده وَأما الخرافات فلسنا مِنْهَا فِي شَيْء"
أقول : مثل هذا التأويل القرمطي مجرد
صدوره من ظاهري تناقض ، ثم إن ابن حزم قد دفع القول بنبوة أخوة يوسف بأنه لا يحفظ
عن صحابي أو تابعي ( وقد ثبت عن بعض التابعين ) ولا يختلف المفسرون بأن قوله تعالى
( ويحمل عرش ربك فوقهم يؤمئذ ثمانية ) قد أريد الملائكة والقول الآخر الذي جوزه
ابن حزم باطل لم يقل به أحد
التناقض الثالث : ابن حزم ينفي الحكمة
والتعليل وله فصل في ذلك لو قرأته لظننت أن زنديقاً كتبه يزعم فيه تناقض الشرائع
كل ذلك ليثبت أن الحسن والقبح شرعيين فقط وأن الله لا يفعل لحكمة وأنه لو فعل لكان
في ذلك محاباة للخلق وقد نقض كلامه ابن القيم في شفاء العليل في فصله الذي رد فيه
على شبهات نفاة الحكمة والتعليل ورد عليه أيضاً في إعلام الموقعين في الفصل الذي
عقده لنقض شبهات نفاة القياس
ومع ذلك أنكر قصة هاروت وماروت وانمساخ
الزهرة بالقياس فقال كلاماً معناه أنه لو كان هذه القصة حقيقية لوجب أن تمسخ كل
امرأة ثيب زنت !
وهذا إثبات للاطراد في أفعال الله
وعقوباته يستلزم القول بالحكمة والتعليل ولا يجري على أصول ابن حزم الذي يقول بأن
الله لو عذب الأنبياء ونعم أبا لهب وأبا جهل لكان عادلاً في ذلك
وقد نقل اعتراضه هذا ابن عقيل الظاهري وهو
اعتراض سمج ومعارضة للخبر بالرأي ، فإن عقوبات المعاصي لا تتعلق بظواهر المعاصي
فقط بل تتعلق بأمور أخرى منها ما قام في قلب العاصي أثناء المعصية من الاستكبار أو
الانكسار ولله الحكمة البالغة
ولما قال المعتزلة لابن حزم أن الحكمة من
خلق الكفار والنار إيجاد العبر سخر منهم ابن حزم وقال ( هلا عذب الحور العين
لنعتبر )
وهذا سفه عجيب فالله عز وجل خلق النار
عبرة وخلقها رحمة ليرتدع العباد عن المعاصي إذا تذكروا العقوبة ولئلا يتجرأوا على
الكفر بسهولة
فإن قيل : هلا خلقها ولم يعذب بها أحداً
فيقال : لو كان الأمر كذلك لكان إلهاً
كاذباً في دعواه أنه سيعذب به ولا يجوز عليه الكذب وقد قال ابن عيينة أن الله عز
وجل خلق النار رحمة
وأما خلق الكفار فتكلم ابن القيم فيه
بكلام نفيس فلولا وجود الكفار لما وجد الجهاد ولا التضرع من أهل الإيمان ولا
قاتلوا في سبيل الله صفاً ولا ظهرت آثار أسماء الله كالنصير ولما وجدت دعوة ولما
اجتهد العلماء في نصرة الدين ودفع اعتراض المعترضين وحصلوا في ذلك الأجر العظيم
وهناك حكم أخرى لا يحيط بها المرء
وابن حزم دخلت عليه شبهة الزنادقة في أن
الله عز وجل لو كان له حكمة لعلمناها في كل شيء
وهذا من سفههم وكبرهم فلو كانت حكمة الله يدركها كل مخلوق بأدنى نظر
لما كانت حكمة بالغة وعميقة ولكانت كمقاصد الصبيان وآحاد الناس التي يعقلها كل أحد
ولكانت محدودة لإحاطة العقل المحدود بها ولكن حكمة لا تدركها البصائر كما أن
الأبصار لا تدرك ذاته وإنما نرى الله عز وجل يوم القيامة بغير إحاطة ونحيط بشيء من
حكمته لا الحكمة كلها
( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) فهنا
يدرك عمق الحكمة حيث يستخرج الخير من باطن الشر وهذا ما لا يستطيعه عامة البشر
لعدم علمهم بالغيب وفي قصة موسى والخضر في ذلك حكمة بالغة
قال ابن القيم في شفاء العليل :" وهو
سبحانه كما هو العليم الحكيم في اختياره من يختاره من خلقه وإضلاله من يضله منهم
فهو العليم الحكيم بما في أمره وشرعه من العواقب الحميدة والغايات العظيمة قال
تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} بين سبحانه أن ما
أمرهم به يعلم ما فيه من المصلحة والمنفعة لهم التي اقتضت أن يختاره ويأمرهم به
وهم قد يكرهونه إما لعدم العلم وإما لنفور الطبع فهذا علمه بما في عواقب أمره مما
لا يعلمونه وذلك علمه بما في اختياره من خلقه بما لا يعلمونه فهذه الآية تضمنت
الحض على التزام أمر الله وإن شق على النفوس وعلى الرضا بقضائه وإن كرهته النفوس"
وجواب ابن حزم على كلام المعتزلة وهو
أصلاً قياس من منكر للقياس ! وهو قياس من أسفه القياس إذ يقيس من لم يذنب على من
كفر من مجيء الحجج له فحتى لو افترضنا الجبر لما كان هذا القياس مستقيماً وأهل
الرأي والمعتزلة على ضلالهم يتنزهون عن مثل هذا القياس السمج
التناقض الرابع : ابن حزم يرى السيف وينسب
ذلك للصحابة محتجاً بحادثة الجمل !
وهذا قتال فتنة ولم يكن خروجاً غير أن
عادته أنه لا يعارض النصوص الواضحة بأفعال الصحابة فكيف بفعل روي عنهم الندم عليه
وحصل على جهة التأول ولم يكن خروجاً والقاعدون عن الفتنة من الصحابة أكثر
وابن حزم يدفع أقوال الصحابة في أمور
أجمعوا عليها كقولهم أن دية المرأة على النصف من دية الرجل وكقولهم في التفريق بين
عدة الأمة وعدة الحرة ثم يأتي لأمر لبعضهم خولفوا فيه وفهمه على غير وجهه ويخالف
الأحاديث الثابتة الآمرة بالسمع والطاعة ما لم يروا كفراً بواحاً ويأخذ به إن هذا
إلا الهوى الجامح
واتفاق الصحابة على التسري بإماء أهل
الكتاب أشهر من أن يذكر ولا يوجد ظاهر قطعي يعارضه ومع ذلك أنكره ابن حزم فتأمل
التناقض الخامس : ابن حزم أنكر عامة
الصفات بدعوى أن ذلك يستلزم التجسيم وأثبت الرؤية ! ونفى عنها كل اللوازم التي
يذكرها المعتزلة ويدعون أنه لسببها ينفون الرؤية وأنها تستلزم التجسيم
التناقض السادس : ابن حزم يصدق الكذب
ويكذب الصدق
فقد طعن في حديث جمع التقديم في السفر
وجعل العلة أبا الطفيل وهو صحابي ! وذلك في كتابه المحلى
وطعن في حديث ( قل هو الله أحد صفة الرحمن
) لكي يقرر تجهمه بأن الله لا يقال أن له صفات وجعل الحمل في الخبر على سعيد بن
أبي هلال وهو محتج به في الصحيح
وطعن في حديث البراء بن عازب الطويل في
عذاب القبر لأن فيه التصريح بأن العذاب يقع على الروح والجسد خلافاً لمذهبه بأن
العذاب يقع على الروح فقط
ثم إنه بعد ذلك يصدق البواطيل ويثق برواية
هشام بن الحكم الرافضي الكذاب
قال ابن حزم في الفصل :" وَهَذَا خطأ
وَقد رَأَيْت الهشام ابْن الحكم الرافضي الْكُوفِي فِي كِتَابه الْمَعْرُوف
بالميزان وَقد ذكر الْحسن ابْن حَيّ وَأَن مذْهبه كَانَ أَن الْإِمَامَة فِي
جَمِيع ولد فهر ابْن مَالك
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا الَّذِي
لَا يَلِيق بالْحسنِ بن حَيّ غَيره فَإِنَّهُ كَانَ أحد أَئِمَّة الدّين وَهِشَام
ابْن الحكم أعلم بِهِ مِمَّن نسب إِلَيْهِ غير ذَلِك لِأَن هشاماً كَانَ جَاره
بِالْكُوفَةِ وَأعرف النَّاس بِهِ وأدركه وَشَاهده وَالْحسن بن حَيّ رَحمَه الله
يحْتَج بِمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم وبابن الزبير رَضِي الله"
وهشام بن الحكم رافضي مجسم كيف يوثق
بروايته ولم يوثقه أحد
التناقض السابع : ابن حزم يصدق الثقات في
الأحاديث ويكذبهم في روايتهم لكرامات الأولياء
فأنكر ابن حزم كرامات أبي مسلم الخولاني
وغيره مع شهرتها وصحتها
قال ابن حزم في الفصل :" فَكلما
تضيفه النَّصَارَى إِلَى هَؤُلَاءِ من المعجزات فأكذوبات مَوْضُوعَة لَا يعجز عَن
ادِّعَاء مثلهَا أحد كَالَّذي تَدعِي الْيَهُود لأحبارهم ورؤس مثانيهم وكالذي
تدعيه ألمانية لماني سَوَاء بِسَوَاء وكالذي تدعيه الروافض لمن يعظمون وكالذي
تدعيه طوائف من الْمُسلمين لقوم صالحين كإبراهيم بن أدهم وَأبي مُسلم
الْخَولَانِيّ وشيبان الرَّاعِي وَغَيرهم وكل هَذَا كذب"
وليست كذباً بل قد رواها المحدثون الثقات
وتلقوها بالقبول
قال الخلال في كرامات الأولياء 38 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الْحَرِيرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ غَيْلاَنَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الأَدَمِيُّ , حَدَّثَنَا
أَبُو مِسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَن أَبَا مُسْلِمٍ
الْخَوْلاَنِيَّ كان إذا انصرف لايزال يكبر الله , عز وجل , حتى إذا دنا سمع
امرأته فتكبر بتكبيره فدخلت عليها امرأة فأفسدتها عليه فجاء أبو مسلم فكبر فلم
تكبر , وقال: اللهم أفسد من أقبل علي أهلي،اللهم فاذهب بصره،فعميت المرأة فعرفت من
أين أتيت، فسألته أن يدعو الله، عز وجل، أن يرد بصرها،فدعى الله فرد بصرها، قال
المحدث: فرأيتها عمياء، ورأيتها بصيرة، قال أبو مسلم:حدثني عثمان بن مريم
الخولاني،قال:فرجع إليها بصرها أجود مما كان حتى إن كانت لترى الشىء من كذا وكذا.
وهذا رجاله ثقات
وللخير طريق أخرى
قال أبو داود في الزهد 480 - قَالَ: نا
عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: نا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ
أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً خَبَّثَتِ امْرَأَتَهُ، فَدَعَا
عَلَيْهَا، فَذَهَبَ بَصَرُهَا، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ: إِنِّي
قَدْ كُنْتُ فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ، وَإِنِّي لَا أَعُودُ لِمِثْلِهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ
إِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَارْدُدْ عَلَيْهَا بَصَرَهَا قَالَ: فَأَبْصَرَتْ.
وقال أبو داود في الزهد 478 - حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: نا بَقِيَّةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ: أَنَّهُ كَانَ
إِذَا غَزَا أَرْضَ الرُّومِ فَمَرُّوا بِنَهْرٍ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ
قَالَ: وَيَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَ: فَيَمُرُّونَ بِالنَّهْرِ الْغِمْرِ،
فَربمَا لَمْ تَبْلُغْ مِنَ الدَّوَابِّ إِلَّا إِلَى الرُّكَبِ أَوْ بَعْضِ
ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: فَإِذَا جَازُوا قَالَ لِلنَّاسِ: هَلْ
ذَهَبَ لَكُمْ شَيْءٌ، فَمَنْ ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ فَأَنَا له ضَامِنٌ قَالَ: فَأَلْقَى
أَحَدُهُمْ مِخْلَاتَهُ عَمْدًا، فَلَمَّا جَازُوا قَالَ الرَّجُلُ: مِخْلَاتِي
وَقَعَتْ فِي النَّهْرِ قَالَ: اتْبَعْنِي، فَأَتْبَعْتُهُ فَإِذَا الْمِخْلَاةُ
قَدْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ أَعْوَادِ النَّهْرِ، فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا.
وقد صرح بقية بالتحديث عند الخلال في
كرامات الأولياء فالخبر صحيح
وقال أبوداود في الزهد أيضاً 479 - نا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا سُلَيْمَانُ، يَعْنِي، ابْنَ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ أَتَى عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ
تُرْمَى بِالْخَشَبِ مِنْ مُدِّهَا فَوَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ مَسِيرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ
نَهَزَ دَابَّتَهُ فَخَاضَتِ الْمَاءَ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ حَتَّى قَطَعُوا،
ثُمَّ قَالَ: هَلْ فَقَدْتُمْ مِنْ
مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ.
وهذا إسناد كله ثقات أعيان لا يكذبهم إلا
زنديق
وقال أبو داود في الزهد 483 - قَالَ: نا
عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ
حُمَيْدٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ: لَا تَحَدَّثُونَ عَنْ إِبِلٍ هَزْلٍ جَرْبَاءَ
دَبَرٍ. . . . . لِي أَحْمَالٌ ثِقَالٌ، فَحَمَلَتْهَا حَتَّى انْتَهَتْ بِهَا
إِلَى رَوْضَةٍ وَغَدِيرٍ، فَأَكَلَتْ مِنْ نَبْتِ الرَّوْضَةِ وَشَرِبَتْ مِنَ
الْغَدِيرِ، فَذَهَبَ التَّعَبُ وَالْجَرَبُ وَالدَّبْرُ وَسَمِنَتْ، فَقَرَّبَتْ
إِلَى مَالِكِ الْأَحْمَالِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْمِلَهَا قَالُوا: فَيَكُونُ
هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ كَانَ.
وكراماته متواترة امتلأت بها الكتب وتنوع
رواتها وتلقاها العلماء بالقبول وابن حزم يقبل مثل حديث هؤلاء في الأحكام ولا
يقبلها في الكرامات فانظر العجب ولو كان هذا الشيء منكراً لأنكره الناس في طبقته وبعدها
وأبو مسلم هو الذي استسقى به معاوية فسقي
الناس
وابن حزم يصدق بكرامات زرادشت ويكذب
بكرامات رجل مسلم والله المستعان
التناقض الثامن : إيقاعه التأثيم دون
التكفير للواقع في الكفر الأكبر وهو معرض
قال ابن حزم في الفصل :" وَأما
تَسْمِيَة الله عز وَجل جواداً سخياً أَو صفته تَعَالَى بِأَن لَهُ تَعَالَى جوداً
وسخاءً فَلَا يحل ذَلِك الْبَتَّةَ وَلَو أَن الْمُعْتَزلَة المقدمين على
تَسْمِيَة رَبهم جواداً يكون لَهُم علم بلغَة الْعَرَب أَو يحقيقة الْأَسْمَاء
ووقوعها على المسميات أَو بمعاني الْأَسْمَاء وَالصِّفَات مَا أقدموا على هَذِه
الْعَظِيمَة وَلَا وَقَعُوا فِي الائتساء بالكفار الْقَائِلين أَن عِلّة خلق الله
تَعَالَى لما خلق إِنَّمَا هِيَ جودة حَتَّى أوقعهم ذَلِك فِي القَوْل بِأَن
الْعَالم لم يزل وَلَكِن الْمُعْتَزلَة معذورون بِالْجَهْلِ عزرا يبعدهم عَن
الْكفْر وَلَا يخرجهم عَن الْإِيمَان لَا عرزا يسْقط عَنْهُم الْمَلَامَة لِأَن
التَّعَلُّم لَهُم معروض مُمكن وَلَكِن لَا هادي لمن أضلّ الله تَعَالَى ونعوذ
الله من الخذلان"
فهنا يصرح بأن المعرض ملوم آثم ومع ذلك
غير واقع اسم الكفر عليه !
وهذا غلط يناقض النصوص وتناقض لأن الإثم
واللوم إذا وقعا على الواقع في الكفر وقع عليه اسم الكفر أيضاً
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/44)
:
" وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي
الذي هو ذكر الله فلا بد ان يقول هذا يوم القيامة
فإن قيل فهل لهذا عذر في ضلالة إذا كان
يحسب انه على هدى كما قال تعالى (ويحسبون انهم مهتدون )
قيل لا عذر لهذا وامثاله من الضلال الذين منشأ
ضلالهم الاعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم
ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط باعراضه عن
اتباع داعي الهدى
فإذا ضل فإنما اتى من تفريطه واعراضه وهذا بخلاف
من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول اليها فذاك له حكم آخر
والوعيد في القرآن إنما يتناول الاول واما
الثاني فإن الله لا يعذب احدا إلا بعد إقامة الحجة عليه
كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)
وقال تعالى( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )وقال
تعالى في اهل النار (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) وقال تعالى (أن تقول
نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو ان الله
هداني لكنت من المتقين او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة فأكون من المحسنين بلى
قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) وهذا كثير في القرآن "
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (16/166)
:" وَالْحُجَّةُ قَامَتْ بِوُجُودِ الرَّسُولِ الْمُبَلِّغِ وَتَمَكُّنِهِمْ مِنْ
الِاسْتِمَاعِ وَالتَّدَبُّرِ لَا بِنَفْسِ الِاسْتِمَاعِ . فَفِي الْكُفَّارِ
مَنْ تَجَنَّبَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَاخْتَارَ غَيْرَهُ"
وقال الشيخ في الرد على المنطقيين ص99
:"ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعا من قيام حجة الله
تعالى عليهم وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة
عنهم لا يمنع الحجة إذ المكنة حاصلة"
و قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (20/280)
:" فَإِنَّ الْعُذْرَ الْحَاصِلَ بِالِاعْتِقَادِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ
بَقَاءَهُ بَلْ الْمَطْلُوبُ زَوَالُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَوْلَا هَذَا
لَمَا وَجَبَ بَيَانُ الْعِلْمِ وَلَكَانَ تَرْكُ النَّاسِ عَلَى جَهْلِهِمْ
خَيْرًا لَهُمْ وَلَكَانَ تَرْكُ دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَبِهَةِ خَيْرًا
مِنْ بَيَانِهَا. الثَّالِثُ: أَنَّ بَيَانَ الْحُكْمِ وَالْوَعِيدِ سَبَبٌ
لِثَبَاتِ الْمُجْتَنِبِ عَلَى اجْتِنَابِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَانْتَشَرَ
الْعَمَلُ بِهَا. الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا
مَعَ الْعَجْزِ عَنْ إزَالَتِهِ وَإِلَّا فَمَتَى أَمْكَنَ الْإِنْسَانُ
مَعْرِفَةَ الْحَقِّ فَقَصَّرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا"
التناقض التاسع : قد أنكر ابن حزم أن يكون
الأنبياء قبل البعثة على ملة أقوامهم ( نبينا وغيره ونبينا له خصوصية ) وعلل ذلك
بأن ذلك يدفع الناس عن قبول دعوتهم !
وهذا إثبات منه للحكمة والتعليل التي
ينفيها !
قال ابن حزم في الفصل :" فبيقين
نَدْرِي أَن الله تَعَالَى صان أنبياءه عَن أَن يَكُونُوا لبغية أَو من أَوْلَاد
بغى أَو من بَغَايَا بل بَعثهمْ الله تَعَالَى فِي حسب قَومهمْ فَإِذا لَا شكّ فِي
هَذَا فبيقين نَدْرِي أَن اله تَعَالَى عصمهم قبل النُّبُوَّة من كل مَا يُؤْذونَ
بِهِ بعد النُّبُوَّة فَدخل فِي ذَلِك السّرقَة والعدوان وَالْقَسْوَة وَالزِّنَا
واللياطة وَالْبَغي وأذى النَّاس فِي حريمهم وَأَمْوَالهمْ وأنفسهم وكل مَا يعاب
بِهِ الْمَرْء ويتشكى مِنْهُ ويؤذى بِذكرِهِ"
وهذا إثبات منه للحكمة والتعليل من حيث لا
يشعر وقد نبه على هذا التناقض ابن تيمية في النبوات ، وكتب أحمد النجار _ وهو غير
مرضي _ بحثاً جيداً في هذه المسألة في كتابه عن النبوات
التناقض العاشر : أن ابن حزم قد أنكر
القول بخلق القرآن ورد على اللفظية بنحو من حجج أحمد ثم جاء بما هو شر من مذهب
اللفظية فقال أن القرآن اسم يقع على خمسة أشياء واحد غير مخلوق والبقية مخلوقة !
وهو يتعبد بالظاهر فأين هو من ظاهر حديث (
كل بدعة ضلالة )
وعلى العموم هذا الرجل قد أوتي ذكاء ورد
على كثير من أهل الكفر والباطل ولكنه لا يصفو له باب من أبواب المعتقد
ففي باب الأسماء والصفات يقول بأن أسماء
الله أعلام وليست نعوت كقوله القرامطة وأول البصر والسمع بالعلم وأنكر أن يقال ( لله
إرادة ) وأنكر أن يقال ( لله صفات ) وحصر أسماء الله بتسعة وتسعين وكفر من زاد على
ذلك وأنكر عامة الصفات وعطلها لشبهة التجسيم وقال في القرآن بقول محدث
وأما باب القدر فهو ينفي الحكمة والتعليل
وأما باب الإيمان فهو لا يكفر تارك أعمال
الجوارح وعنده اضطراب في تحرير المصطلحات
وفي باب التفضيل بين الصحابة اختار أن
زوجات النبي هن خير الصحابة !
وانظر إلى سفهه حين يقول :" حَدثنَا
أَحْمد بن مُحَمَّد الخوزي ثَنَا أَحْمد بن الْفضل الدينَوَرِي ثَنَا مُحَمَّد بن
جرير الطَّبَرِيّ أَن عَليّ بن أبي طَالب بعث عمار بن يَاسر وَالْحسن بن عَليّ
إِلَى الْكُوفَة إِذْ خرجت أم الْمُؤمنِينَ إِلَى الْبَصْرَة فَلَمَّا أتياها
اجْتمع إِلَيْهِمَا النَّاس فِي الْمَسْجِد فخطبهم عمار وَذكر لَهُم خُرُوج
عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ إِلَى الْبَصْرَة ثمَّ قَالَ لَهُم إِنِّي لملول لكم
وَالله إِنِّي لَا أعلم أَنَّهَا زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْجنَّة كَمَا هِيَ زَوجته فِي الدُّنْيَا وَلَكِن الله ابتلاكم بهَا لتطيعوها
أَو لتطيعوه فَقَالَ لَهُ مَسْرُوق أَو أَبُو الْأسود يَا أَبَا الْيَقظَان فَنحْن
مَعَ من شهِدت لَهُ بِالْجنَّةِ دون من لم تشهد لَهُ فَسكت عمار وَقَالَ لَهُ
الْحسن اعن نَفسك عَنَّا فَهَذَا عمار وَالْحسن وكل من حضر من الصَّحَابَة رَضِي
الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ والكوفة يَوْمئِذٍ مملؤة مِنْهُم يسمعُونَ تَفْضِيل
عَائِشَة على عَليّ"
فأين تفضيل عائشة على علي ؟!
وأين هو من حديث ابن عمر في التفضيل وذلك
كان في المدينة وفي حياة النبي
وقد ادعى ابن حزم أنه يقطع بأن قوله هذا
هو الصواب في المسألة
وفي باب النبوات قال بعصمة الأنبياء من
الصغائر وأول النصوص تأويلات عجيبة في
بلايا أخرى واشترط للمعجزات التواتر
وأنكر كرامات الأولياء ووقوع عذاب القبر
على الجسد
وأنكر حقيقة السحر وكفر من قال أنه له
حقيقة ومال في إعجاز القرآن إلى القول بالصرفة
وقال بالسيف وصرح بتحسين مذهب الحسن بن
صالح الذي أنكره عليه السلف وقال نحواً من كلام الكرابيسي الذي بدعه أحمد به في
الذب عن الحسن بن صالح
والعجيب أن الأحاديث في ترك القتال في
الفتنة أو قتال السلطان جنح إلى نسخها
قال ابن تيمية في منهاج السنة :" وَفِيهِمْ
مَنْ يَظُنُّهَا مَنْسُوخَةً كَابْنِ حَزْمٍ. وَفِيهِمْ مَنْ يَتَأَوَّلُهَا كَمَا
يَجْرِي لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ.
فَإِنَّ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ [الثَّلَاثَةِ]
يَتْرُكُ مَنْ يَتْرُكُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ الْعَمَلَ بِبَعْضِ
النُّصُوصِ ; إِمَّا أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ثُبُوتَهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَهَا غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى
مَوْرِدِ الِاسْتِدْلَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَهَا مَنْسُوخَةً"
وأي نسخ هذا الذي لم يدعه أحد والنبي قال (
سترون بعدي ) ( ستلقون بعدي ) و( لا ترجعوا بعدي ) فكيف تكون هذه الألفاظ منسوخة
والعجيب أن ابن حزم يأتي إلى أخبار قد
اتفق أهل العلم على نسخها فيفتي بها كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة الذي نقل
الترمذي الاتفاق على نسخه فاعجب ممن يفتي بالمنسوخ وينسخ المحكم
ففي هذا كله عبرة أن الأمر ليس بالاطلاع
ولا بالذكاء ولا بالدعاوى وإنما هو بالتوفيق ومن ظن أن ابن حزم قد يصيب في مسألة
من مسائل الدين ويضل عامة السلف عنها فقد أساء الظن بالله وبأخبار الرسول وبما كان
عليه السلف من العلم والتقوى
ومع ذلك كله كان إذا تكلم في مسألة يكون
فيها مصيباً يأتي بكلام شاف ولكن لا يخلو هذا من كدر فعليك بالمعين الصافي وما كان
عليه السلف ودع عنك بنيات الطريق
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم