مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من لا دين له كالحية والعقرب ...

من لا دين له كالحية والعقرب ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن حزم في الفصل (5/76) وهو يحكي مقالات القائلين بتكافؤ الأدلة :" وَطَائِفَة قَالَت على الْمَرْء فرض لموجب الْعقل أَلا يكون سداً بل يلْزمه وَلَا بُد أَن يكون لَهُ دين برد جربه عَن الظُّلم والقبائح وَقَالُوا من لَا دين لَهُ فَهُوَ غير مَأْمُور فِي هَذَا الْعَالم على الْإِفْسَاد وَقتل النُّفُوس غيلَة وجهراً وَأخذ الْأَمْوَال خِيَانَة وعصياً والتعدي على الْفروج تحيلاً وَعَلَانِيَة وَفِي هَذَا هَلَاك الْعَالم بأسره وَفَسَاد البنية وانحلال النظام وَبطلَان الْعُلُوم والفضائل كلهَا الَّتِي تَقْتَضِي الْعُلُوم يلْزمهَا وَهَذَا هُوَ الْفساد الَّذِي توجب الْعُقُول التَّحَرُّز مِنْهُ واجتنابه قَالُوا فَمن لَا دين لَهُ فَوَاجِب على كل من قدر على قَتله أَن يُسَارع إِلَى قَتله وإراحة الْعَالم مِنْهُ وتعجيل استكفاف ضره لِأَنَّهُ كالأفعى وَالْعَقْرَب أَو أضرّ مِنْهُمَا"

أقول : هذا كلام حسن من هؤلاء الضلال

الإنسان الذي لا دين له ولا يؤمن باليوم الآخر لا يوثق بأمره إذا تمكن فإذا حصلت فوضى أو كان حاكماً أو اختلى بإنسان وأمن العقوبة أطلق لفجوره العنان لأنه لا يؤمن باليوم الآخر

ولا يغرنك كلام اللادينيين والملاحدة عن العدل فمتقضى مقالتهم أن من ظلم ومن عدل ومن خان ومن لم يخن ومن صدق ومن كذب والمرأة التي خانت زوجها والتي أخلصت كلهم مصيرهم واحد وهو الفناء

فلذا حقيقة مقالتهم أن الأخلاق قيوداً زائفة وأن أسعد الناس من حصل كسباً سريعاً من غش أو خيانة أو اختلاس أو سرقة

أو لذة سريعة بزنا أو اغتصاب أو تحد على الحرمات

أو طغى بسحق من تحته من خادم أو عامل أو عبد أو جندي

فمن حصل له هذا دون أن تطاله طائلة القانون فهذا هو الفائز حقاً لأن الأخلاق والأديان قيود زائفة

وأن المتصدق ومن جاد إنما شرك غيره بماله دون أدنى فائدة ، والبخيل خيرٌ منه

وقد كانت العرب في جاهليتها أهل كرم لطلب الصيت ولكنهم لم يكونوا يطعمون الفقير والمسكين إلا ما ندر منهم لأنهم لا يحصلون من إطعام الفقير المسكين فائدة

( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام )

( كلام بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين )

هذا مع كونهم من أكرم الناس فيما بينهم ولكن لطلب الصيت ولهذا احتال كثير منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لرد الزكاة

فإذا قال لك لاديني أو ملحد ( أنا أدفع السبي وأدفع الجزية )

فقل له : شر من ذلك ( ولا شر فيه ) ما تعتقده من أن أكل أموال الناس بالباطل ومن اغتصب لا من سبى لن يعاقب في الآخرة ، ولو ولدت في مجتمع فيه رق كما كانت كل مجتمعات البشرية ( ولا زال الرق موجوداً ولكن ليس بصورته القديمة ) ما الذي سيدفعك إلى إعتاق جارية أو عبد وأنت تعتقد أنك تستفيد منه وأن عتقك له لن تؤجر عليه لأنك زنديق

وفي عقيدتك من ظلم عبده أو خدمه ومن عدل معهم نهايتهم واحدة !

وأن من بر والديه وآثرهما على نفسه ومن عقهما وانتظم في مصلحة فقط نهايتهم واحدة

وقد قال بعض أعيان فلاسفة القوم ( لولا الدين لخانتني زوجتي وسرقني خادمي )

وإن المرء ليكون على الدين وولد عليه ويجاهد نفسه سنين ليصل إلى درجة عالية من سمو الأخلاق وهو يأخذ نفسه تارة بالترغيب وبالترهيب تارة

فكيف بمن لا دين له وإنما يعبد شهوته ، وفقط يعيش يداهن الناس كأذل ما يكون المرء وهو مستكبر عن عبادة الله

وكل إنسان يقيده العرف الاجتماعي ومستواه الاقتصادي ونظرة الناس إليه ، فلا حرية مطلقة فإما أن تكون عبداً لله ولا تخضع لشيء من هذا إلا ما وافق الشرع ، وإلا تكون عبداً للشهوة والبشر بعد هروبك من عبادة الله 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي