مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تناقض الزنادقة في استدلالهم بحديث ( أنتم أعلم بأمور دنياكم )

تناقض الزنادقة في استدلالهم بحديث ( أنتم أعلم بأمور دنياكم )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فعامة الزنادقة الذين ينكرون الرجم والدجال ويأجوج ومأجوج وحد الردة تجدهم في مناسبة أخرى يحتجون بحديث ( أنتم أعلم بأمر دينكم )

وهذا تناقض ظاهر فهذا الحديث خبر آحادي وهو أقل درجة في الصحة من أخبار الرجم والردة والدجال

قال مسلم في صحيحه 141 - (2363) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ» قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ؟» قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»

فهذا الخبر من مفاريد حماد بن سلمة وهو لما كبر ساء حفظه لذا اجتنب البخاري حديثه وحماد إمام في السنة وحديثه عن ثابت من أثبت الحديث ولكنه هنا قرن بثابت هشام بن عروة وحماد إذا قرن يتقيه الناس 

قال ابن رجب في شرح العلل :" قال أحمد في رواية الأثرم في حديث حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة، عن أبي أسماء عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي صلى الله عليه وسلم "في آنية المشركين".
قال أحمد: هذا من قبل حماد، كان لا يقوم على مثل هذا، يجمع الرجال ثم يجعله إسنادا واحدا، وهم يختلفون"


كما أنه انفرد بالرواية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة 

وهذه سلسلة معروفة وقد انفرد حماد بهذا الخبر عنه من دون جميع أصحابه المدنيين والعراقيين وليس هو من عليتهم بل هو قليل الرواية عن هشام بن عروة 

والألفاظ الأخرى للحديث ليس فيها هذا الحرف ولا تخرجه عن كونه آحادياً وأقل درجة في الصحة من أحاديث الرجم وأحاديث حد الردة

قال مسلم في صحيحه 140 - (2362) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيِّ الْيَمَامِيُّ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ، حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، قَالَ: قَدِمَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ: «لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا» فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ، قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» قَالَ عِكْرِمَةُ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَ الْمَعْقِرِيُّ: فَنَفَضَتْ وَلَمْ يَشُكَّ

فهذا اللفظ قد شك راويه فيه هذا أولاً

وثانياً النبي لم يجزم بل قال ( لعلكم ) فلا تقاس أخباره الجازمة على هذا الخبر

وقال مسلم في صحيحه 139 - (2361) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ. وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟» فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا» قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا، فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»

فهنا النبي يصرح بأنه أخبر بظنه وفي هذا السند سماك بن حرب وقد تغير لما كبر غير أن هذا ليس من حديثه عن عكرمة

فكيف يكون هذا الحديث معارضاً لحديث ( صدق الله وكذب بطن أخيك )

وقول النبي ( فلا تؤاخذوني بالظن ) مفهوم المخالفة فيه أنه إذا جزم كان ذلك وحياً 

ولهذا قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى :"   وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ جَمِيعَ أَقْوَالِهِ يُسْتَفَادُ مِنْهَا شَرْعٌ وَهُوَ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَآهُمْ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ قَالَ لَهُمْ: مَا أَرَى هَذَا - يَعْنِي شَيْئًا - ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إنَّمَا ظَنَنْت ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ} وَقَالَ: {أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ فَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ} وَهُوَ لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ التَّلْقِيحِ لَكِنْ هُمْ غَلِطُوا فِي ظَنِّهِمْ أَنَّهُ نَهَاهُمْ كَمَا غَلِطَ مَنْ غَلِطَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ (الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ) و (الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ) هُوََ الْحَبْلُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ"

وليعلم أن الأحكام التي ذكرناها وينكرها هؤلاء أحكام وقع عليها الإجماع أيضاً والإجماع إذا وقع على خبر آحادي أفاد اليقين فكيف على خبر متواتر

فالرجم مثلاً ثبت في قصة ماعز والغامدية واليهوديين ولا محل لاشتباه لفظ بلفظ فهذه قصص ضبطها سهل وتتعلق بذهاب نفس شخص معين وقبيلته معينة ، وحتى في احاديث ذكر اللعان كان يشار للرجم ، ثم سار الصحابة في جميع الأمصار على إقامة هذا الحد وتلقاه عنهم التابعون

فلا ينكر كونه من الإسلام إلا جاهل زنديق 

وليعلم أن حديث ( أنتم أعلم بأمور دينكم ) بهذا اللفظ لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة إلا مسلم ولا حتى أحمد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي