مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: شبه أهل البدع بأتباع مسيلمة الكذاب ( من كلام شيخ الإسلام )

شبه أهل البدع بأتباع مسيلمة الكذاب ( من كلام شيخ الإسلام )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال شيخ الإسلام في أجوبة الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية ص104 :" وأكثرُ هذه التأويلات المخالفة لمذهب السلف وأهل الحديث تتضمن من عيب كلام الله ورسوله والطعن فيه ما هو من جنس الذين يَلمِزُون النبيَّ من المنافقين، لما فيها من دعوى أن ظاهرَ كلامه إفكٌ ومحالٌ وكفرٌ وضلالٌ، ثم صرفها إلى معانٍ يُعلم أن إرادتها بتلك الألفاظ من الفهاهة والعِيِّ وسبيل أهل الضلال والغَيِّ. فالمدافعةُ عن الله ورسوله من سبيل المؤمنين والمجاهدين، كما قال: «جاهدوا المشركين بألسنتكم وأيديكم وأموالكم» .
ومن ذلك بيانُ سخافةِ عقول هؤلاء المحرِّفين وكونهم من أهل الضلال المبين، كالذين ذمَّهم الله من الذين يحرِّفون الكلم عن مواضعه، والذين لا يفقهون ولا يتدبرون القول، وشبَّههم بالأنعام والحُمُر المستنفرة والحمار الذي يحملُ الأسفار.
ولهذا كان المسلمون يعيبون ويطعنون على أصحاب مسيلمة الكذَّاب بما قَبِلوه من قرآنِه المفترى من دونِ الله، وإن كان قد زعم أنه شريكٌ لرسولِ الله في الرسالة. وما من أحدٍ خرج عن الكتاب والسنة إلّا وقد جَعَل مع الرسول كبيرًا له يُشرِكه معه في التصديق والطاعة، لا سيَّما الغالية من الجهمية والاتحادية والباطنية ونحوهم عند[هم] كلامُ سادتهم وكُبرائهم مُضاهٍ لكلام الله ورسوله.
 وكثيرًا ما يُقدِّمونه عليه ذوقًا ووجْدًا وحالًا واعتقادًا ومقالًا. ومنهم من يُفضِّلُه على كلام الله، حتى يقول: كلامُ الله يُوصِلُ إلى الجنة، وكلامُنا يُوصِل إلى الله تعالى. والقرآنُ للعوامِّ وكلامُنا للخواصّ.
 ويقول أحدهم: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي: هؤلاء غلمانٌ وأنت خُشْداش. وهذا بعينه قول مسيلمة الكذَّاب، إذ ادَّعى أنه أُوحي إليه وأنه نظيرٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء. وأما المقتصد منهم فلا يعتقدون ذلك، لكنه لازم لهم في مواضع كثيرة"

أقول : نعم هذا حال أهل البدع من أهل الكلام والتصوف فأما الكلام فزعموا أن ظواهر تقتضي التشبيه وصرفوها بمستكرهات المجازات ، فكان حقيقة قولهم أن قول مشايخهم أهدى من الكتاب والسنة وكلام السلف

وأما أهل التصوف فجعلوا القرآن وتفسير النبي والصحابة له هو علم العامة وعلمهم هو علم الخاصة فرفعوا أنفسهم فوق منزلة النبي وأصحابه وهذا قول كثير من الصوفية

قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام( 1/202 ) ((وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العامي ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا ممن أسلم على البحث عن ذلك بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لا انفكاك لهم عنه , وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه , وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات والتوارث والصلاة عليهم إذا ماتوا وتغسيلهم وتكفينهم وحملهم ودفنهم في مقابر المسلمين , ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين , ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه ))

فانظر إلى العز كيف يجزم أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون أقروا الناس على التجسيم فهو يعتقد في نفسه وفي أشياخه أنهم بلغوا من الهدى ما لم يبلغه أهل القرون الفاضلة !
ولا غرو فلا يوجد أحد من الصحابة والتابعين كان يقول ( لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال )

وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر :" ولهذا أقر الشرع مثل هذا، فسمع مُنْشِدًا يقول: "وفوق العرش رب العالمينا" فضحك. وقال له آخر: أو يضحك ربنا؟ فقال: "نعم". وقال: "أنه على عرشه هكذا".
كل هذا ليقرر الإثبات في النفوس!
320- وأكثر الخلق لا يعرفون الإثبات إلا على ما يعلمون من الشاهد، فيقنع منهم بذلك، إلى أن يفهموا التنزيه. ولهذا صحح إسلام من انفتل  بالسجود. فأما إذا ابتدئ بالعامي الفارغ من فهم الإثبات، فقلنا: ليس في السماء! ولا على العرش! ولا يوصف بيد! وكلامه صفة قائمة بذاته، وليس عندنا منه شيء! ولا يتصور نزوله: انمحى من قلبه تعظيم المصحف، ولم يتوضع في سره إثبات إله. وهذه جناية عظيمة على الأنبياء، توجب نقض ما تعبوا في بيانه، ولا يجوز لعالم أن يأتي إلى عقيدة عامي قد أنس بالإثبات فيهوشها، فإنه يفسده، ويصعب صلاحه.
321- فأما العالم، فإنا قد أمناه؛ لأنه لا يخفى عليه استحالة تجدد صفة الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يكون استوى كما يعلم، ولا يجوز أن يكون محمولًا، ولا أن يوصف بملاصقة ومس، ولا أن ينتقل، ولا يخفى عليه أن المراد بتقليب القلوب بين إصبعين الإعلام بالتحكم في القلوب، فإن ما يديره الإنسان بين إصبعين هو متحكم فيه إلى الغاية، ولا يحتاج إلى تأويل من قال: الإصبع الأثر الحسن، فالقلوب بين أثرين من آثار الربوبية، وهما: الإقامة، والإزاغة. ولا إلى تأويل من قال: يداه: نعمتاه؛ لأنه إذا فهم أن المقصود الإثبات، وقد حدثنا بما نعقل، وضربت لنا الأمثال بما نعلم، وقد ثبت عندنا بالأصل المقطوع به أنه لا يجوز عليه ما يعرفه الحس، علمنا المقصود بذكر ذلك"

فجعل عقيدة السلف وعقيدة الصحابة في الإثبات عقيدة العامة ! ، وعقيدة التعطيل هي عقيدة العلماء !
فإذا دعوتهم إلى عقيدة السلف قالوا لك كما قال المنافقون ( أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون )

وما أحسن ما قال شيخ الإسلام في أجوبة الاعتراضات المصرية ص79:" وأما الخارجون عن السنة والجماعة فإمّا أن يكونوا من جنس ذي الخُويْصِرة وأمثالِه من الخوارج.
 وإمّا أن يكونوا من جنس عبد الله بن أُبيّ وأمثالِه من المنافقين.
 وإمّا أن يكونوا من جنس مُسيلمة الكذاب وأتباعه المرتدّين الذين جعلوا مع الرسول نظيرًا له.
 وإمّا أن يكونوا من جنس مانعي الزكاة وأمثالهم ممن أقرَّ ببعض واجبات الدين وبعض ما جاء به الرسول دون بعضٍ. وهذا أمرٌ مطَّرِد لا يُخرَم.
 لا يخرج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وسنتِه وجماعةِ المسلمين المقرين بالشهادتين إلّا وهو إمّا منافق، وإمّا مبتدع مارقٌ كالذين كانوا على عهده، وإمّا مرتدٌّ عن بعضِ دينِه، وإمّا جاعلٌ معه نظيرًا له، وهما متلازمان، فإنّ من جعلَ معه نظيرًا له لا بدَّ أن يرتدَّ عن بعض دينِه، ومن ارتدَّ عن بعض دينِه فلا بدَّ وأن يُطيع في تركِ ذلك البعض لغيرِه"

والجهمية الأشعرية ينطبق عليهم كل هذا

فهم وافقوا ذي الخويصرة الذي ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم ظلم ولم يعدل فهم قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم ظلم أمته وما بين لهم التنزيه بل حدثهم بأحاديث ظاهرها التشبيه وتركهم يضلون ! وهذا حقيقة قولهم وإن لم يتلفظوا به

وكما قيل لذي الخويصرة ( ويحك ومن يعدل إن لم أعدل )

يقال لهؤلاء الجهمية ( ويحكم ومن يبين النصوص إن لم يبينها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المغترفون من معينه )

وقد شابهوا عبد الله بن أبي ومعه في احتقار المهاجرين والأنصار فهم جعلوا أنفسهم أصحاب العقيدة الصحيحة ، والمهاجرون والأنصار أصحاب عقيدة العامة ! فضاهوا المنافقين الذين جعلوا أنفسهم ( الأعز ) والصحابة ( الأذل ) ، واستكبروا عن أن يعتقدوا مثلما اعتقد السلف الصالح وقالوا بلسان الحال ( أنؤمن كما آمن السفهاء )

وشابهوا مانعي الزكاة الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض فهؤلاء آمنوا ببعض نصوص الصفات كالنصوص الواردة في العلم والسمع والبصر ورفضوا تأويلها ، ثم كفروا بالنصوص الواردة في العلو والكلام والمحبة والغضب والنزول وغيرها

ووجه شبههم بأصحاب مسيلمة الذين جعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم نظيراً تقدم شرحه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي