الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فالكل رأى ما حصل على إثر بث الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم ،
من مظاهرات واحتجاجات واقتحامات للسفارات، والسؤال هنا : أهكذا تكون النصرة للنبي صلى
الله عليه وسلم ؟
جواب هذا السؤال يتطلب منا الوقوف
عند عدة نقاط:
النقطة الأولى : علامات المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم:
قالشيخ الإسلام في الرد على الأخنائي (ص227) : "وحينئذ فأعظم أحوال
الناس مع الأنبياء وأفضلها وأكملها هو حال الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا
سيما أبو بكر وعمر وهو تصديقه في كل ما يخبر به من الغيب وطاعته وامتثال أمره في كل
ما يوجبه ويأمر به وأن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وأهله وماله وأن يكون الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم أحب اليه مما سواهما وأن يتحرى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
فيعبد الله بما شرعه وسنه من واجب ومستحب لا يعبده بعبادة نهى عنها وببدعة ما أنزل
الله بها من سلطان وإن ظن أن في ذلك تعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما لقدره
كما ظنه النصارى في المسيح وكما ظنوه في اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
وكماظن الذين اتخذوا الملائكة والنبيين أربابا فان الأمر بالعكس بل كل عبد صالح من
الملائمة والأنبياء فانما يحب ما أحبه الله من عبادته وحده وإخلاص الدين له ويوالي
من كان كذلك ويعادي من أشرك ولو كان المشرك معظما له غاليا فيه فان هذا يضره ولا ينفعه
لا عند الله ولا عند الذي غلا فيه أشرك فيه واتخذه ندا لله يحبه كحب الله واتخذه شفيعا
يظن أنه إذا استشفع به يشفع له بغير إذن أو اتخذه قربانا يظن أنه إذا عبده قربه إلى
الله فهذه كلها ظنون المشركين قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم
ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض}،
وقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}،
وقال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا
أشد حبا لله}، وقال تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى}، إلى قوله: {يفترون}، وقد
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قام رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين أنزل الله عليه {وأنذر عشيرتك الأقربين} فقال يا معشر قريش اشتروا أنفسكم
من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا صفية
عمة رسول الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا
سليني من مالي ما شئت وفي الصحيحين أنه قال ألا لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على
رقبته بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر أو رقاع تخفق يقول يا رسول الله أغثني
أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك وهذا باب واسع".
وهذا كلام جليل في معنى الاتباع وحقيقة محبة النبي صلىالله عليه وسلم
فهل هذا الكلام الذي ذكره شيخ
الإسلام ابن تيمية في حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم ينطبق على من يسمي سنته
قشوراً أو شكليات ؟
هل هذا الكلام ينطبق على من يرد أخباره بحجة أنها لا توافق العقل ، ويرد
أحكامه بحجة أنها لا تلائم العصر ؟
هل هذا الكلام ينطبق على من ينفر عن الكتب التي تحوي سنته ويسميها الكتب
الصفراء ؟
هل هذا الكلام ينطبق على من يقول ( لا إنكار في مسائل الخلاف ) ولو كان
الخلاف مبنياً على معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول الفقيه الذي لم يبلغه
النص ؟
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً *** بين الرسول وبين رأي فقيه
النقطة الثانية : مظاهر انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة :
وقد يستغرب هنا القاريء ويقول (وهل ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ
من أمته ؟)، فالجواب : مع الأسف نعم ، وذلك وإن كان يقع في معظم الأعيان بدون قصد الانتقاص
، لكن حقيقة الانتقاص متمثلةٌ فيه، وإليك هذه المظاهر:
المظهر الأول : الإحداث في الدين :
قال الشاطبي في الاعتصام :" وإِذا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ مَالِكٍ:
من أَحدث في هذه الأَمة شيئا لم يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أَن النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ"، فكل بدعة استصغرت أو
استعظمت لسان حال مبتدعها الاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الرسالة ما
اكتملت
قال المناوي في فيض القدير
(1/96) :" وقد قال ابن القاسم : لا نجد مبتدعا إلا وهو منتقص للرسول وإن زعم أنه
يعظمه بتلك البدعة فإنه يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلا مقلدا وإن كان مستبصرا فيها
فهو مشاق لله ولرسوله"، انتهى.
وقال شمس الأفغاني في جهود علماء الحنفية (2/589) : "قال الإمام
محيي الدين البركوي أحد عظماء الحنفية (981) : (فإن الشرك ملزوم للتنقيص " لله
تعالى " والتنقيص لازم له ضرورة شاء المشرك أو أبى؛ ولكون الشرك منقصا للربوبية
اقتضى حكمته تعالى وكمال ربوبيته أن لا يغفره ويخلد صاحبه في النار؛ ولا تجد مشركا
قط إلا وهو منتقص لله تعالى؛ وإن زعم أنه يعظمه؛ كما أنك لا تجد مبتدعا إلا وهو منتقص
للرسول صلى الله عليه وسلم وإن زعم أنه معظم بالبدعة)".
لقب محيي الدين لقب سيء وأهل الرأي ما فيهم عظيم ولكن الكلام هنا حسن
لقب محيي الدين لقب سيء وأهل الرأي ما فيهم عظيم ولكن الكلام هنا حسن
المظهر الثاني : الاستهزاء بسنته:
وهذا كثير ، كالاستهزاء بإطلاق اللحية أو تقصير الثوب ، وأخبث من هذا وصف
بعض سنته بالقشور والشكليات
قال العز بن عبدالسلام في
"فتاويه"، يقول: " لا يجوز التعبير عن الشريعة بأنها قشر؛ من كثرة ما
فيها من المنافع والخيور، ولا يكون الأمر بالطاعة والإيمان قشراً؛ لأن العلم الملقب
بعلم الحقيقة جزء من أجزاء علم الشريعة، ولا يُطلقِ مثل هذه الألقاب إلا غبي شقي قليل
الأدب، ولو قيل لأحدهم: إن كلام شيخك قشور، لأنكر ذلك غاية الإنكار، ويطلق لفظ القشور
على الشريعة!".
وصدق العز ، لو قلنا لهذا المسمي لسنة رسول الله قشوراً إن كلامك أو كلام
شيخك ( قشور ) لأحفظه ذلك واعتبر ذلك انتقاصاً.
المظهر الثالث : رفع الصوت فوق صوته !
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/51) :" وقال تعالى: {يا أيها
الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض
أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم
فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس
هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم".
وهذا ينطبق على من يفتي بالأقوال المخالفة للسنة ، أو يتتبع رخص الفقهاء
حتى إذا أخبرته بالسنة قال لك (المسألة فيها خلاف)، وهذا كحال علي جمعة الذي أفتى بجواز
بيع الخمر على الكفار ، وقال هذا قول أبي حنيفة.
قال البخاري في صحيحه 2223 : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ فُلَانًا
بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ
الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا.
ومثل ذلك من يرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال والمسيح وعذاب
القبر وزعمه أنها تخالف العقل ، وهذا ليس مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلم حقاً .
قال شيخ الإسلام في درء التعارض [5/297 ] :
"ومعلوم أن هذا ليس إقرارا بصحة الرسالة فإن الرسول لا يجوز عليه
أن يخالف شيئا م نالحق ولا يخبر بما تحيله العقول وتنفيه لكن يخبر بما تعجز العقول
عن معرفته فيخبر بمحارات العقول لا بمحالات العقول
ولهذا قال الإمام أحمد في رسالته
في السنة التي رواها عبدوس ابن مالك العطار قال ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال
ولا تدرك بالعقول
هذا قوله وقول سائر أئمة المسلمين
فإنهم متفقون على أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا تدركه كل الناس بعقولهم
ولو أدركوه بعقولهم لاستغنوا عن الرسول ولا يجوز أن يعارض بالأمثال المضروبة له فلا
يجوز أن يعارضه الناس بعقولهم ولا يدركونه بعقولهم
فمن قال للرسول أنا أصدقك إذا
لم تخالف عقلي أو أنت صادق فيما لم تخالف فيه الدليل العقلي فإن كان يجوز على الرسول
أن يخالف دليلا عقليا صحيحا لم يكن مؤمنا به بصحيح لم يكن مؤمنا به فامتنع أن يصح الإيمان
بالرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الشرط".
المظهر الرابع : انتقاص صحابته وأزواجه:
وهذا كثير أيضاً ومن أظهر ذلك قول الزنديق عدنان إبراهيم (لا أدري عائشة
في الجنة أم في النار) ومع هذه الزندقة المكشوفة يحتفي محمد العوضي بهذا الرافضي ويثني
عليه ويجلسه مع أبنائه
ومثله حاتم العوني وسلمان العودة، ولو تكلم في واحد منهم بكلامٍ فيه انتقاص
لما أثنوا عليه ، ألا ترى أنهم لا يثنون على السلفيين لأنهم تكلموا فيهم !
فلو جهدت أن ترى لهم ثناءً على الذين يتكلمون فيهم لما وجدت إنما تجد الثناء على من يطعن
في أم المؤمنين وخال المؤمنين
ولو كان فيهم رائحة الحمية على
عرض النبي صلى الله عليه وسلم وفراشه لما أطاقوا النظر في وجه رجل تعرض لزوج النبي
صلى الله عليه وسلم بسوء، ولكن هذه هي الحزبية مساخة
فلربما مسخت المرء خنزيراً لا
حمية فيه على أمهات المؤمنين، ومن ذلك تلك المسلسلات الرمضانية المجرمة ، التي تمثل
الصحابة فبدأوا بخالد بن الوليد ثم السبطين الحسن والحسين ثم عمر بن الخطاب
واستحلال مثل هذه المسلسلات كفرٌ
أكبر من وجوه:
أولها : أنه استحلال للكذب
فإنها لا تتم إلا بالكذب فإن الصحابي لو كان يلبس اللون الأخضر ، وأظهرته يلبس اللون
الأحمر فقد كذبت عليه ، وليت كذبهم يقف عند هذا الحد ، بل يتجاوز إلى أكثر من ذلك،
بل لا يمكن أن يستوعبوا ثلاثين حلقة في سيرة صحابي واحد إلا باعتماد الروايات المكذوبة
والباطلة ، بل واختراع روايات وحوداث من عند أنفسهم.
ثانيها : أنها قفو لما ليس
لهم به علم ، فما الذي أدراهم بملابس الصحابة وحركات أيديهم وتعابير وجوههم حتى يحاكوها
، واستحلال الكلام بغير علم كفر.
ثالثها : استحلال للاستهزاء
بالصحابة فعندما يأتي ثلةٌ من الفساق يمثلون أدوار الصحابة ، ويأتي بعض الساقطات ويمثلن
أدوار الصحابيات فهذا محض استهزاء
وبيان ذلك أنه لو جاء أحد هؤلاء
الممثلين ، وحاكى أحد هؤلاء الدعاة في كلامه وحركاته وسكناته لاعتبر ساخراً به ، ولو
جئنا بفاسقة لتمثل دور زوجة هذا المفتي أو أمه لرفض واعتبره انتقاصاً
وهذا الضلال البعيد وقع فيه كل
من أفتى بحل هذه المسلسلات كيوسف القرضاوي وسلمان العودة وخالد المصلح وحسن الحسيني
وعلي الصلابي وغيرهم من المتواطئين على إهانة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولو قلنا أن عندهم تأول قبل ظهور المسلسلات
فقد ظهرت المسلسلات وظهر ما فيها
من الكذب الصراح والانتقاض المتعمد لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يؤثر عن
أحدٍ منهم تراجع أو اعتذار مما يدل على إصرارهم على هذا الجرم العظيم.
قال أحمد في مسنده 114 : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا عَبْدُ
اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ،
فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامِي فِيكُمْ،
فَقَالَ: «اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ
قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ
الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ،
لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَمَنْ
سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ».
فلما تجرأ هؤلاء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، تجرأ الكفار على
النبي صلى الله عليه وسلم.
النقطة الثالثة : المقاطعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم !
رأيت بعض من يتظاهر أمام السفارة الأمريكية فلفت نظري أمرٌ مهم، وهو أن
هذا المتظاهر يفترض به أن يكون محباً للنبي صلى الله عليه وسلم، مبغضاً للأمريكان ولكنك
إذا نظرت إلى ظاهره وجدته أقرب إلى ظاهر الأمريكان منه إلى ظاهر النبي صلى الله عليه
وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب، وأما الأمريكان
فيحلقون الكل أو يبقون الشارب فقط في معظم أحوالهم، وهذا المتظاهر يوافق منتقصي النبي
صلى الله عليه وسلم ويخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي تظاهر من أجله !
قال البخاري في صحيحه 5892 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَالِفُوا
الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ.
بل عامة المتظاهرين يلبسون الزي الإفرنجي، قال أحمد في مسنده 22283 : حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ
الْكِتَابِ
قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلْا يَأْتَزِرُونَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ.
قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ.
قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَخَفَّفُوا
وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ.
قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ.
قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ».
فتأمل كيف أنهم لا يذكرون للنبي صلى الله عليه وسلم لباساً للمشركين ،
إلا وأمرهم بمخالفته ، وفي هذا الرد على من تفلسف وزعم أن التشبه بالكفار ، لا يكون
بالأمور العادية ، وإنما يكون في العبادات فقط.
قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (1/376) :
" وأما القسم الثالث : وهو ما أحدثوه من العبادات ، أو العادات ،
أو كليهما : فهو أقبح وأقبح ؛ فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان يكون قبيحا، فكيف إذا
كان مما لم يشرعه نبي قط ؟ بل أحدثه الكافرون ، فالموافقة فيه ظاهرة القبح ، فهذا أصل.
وأصل آخر وهو : أن كل ما يشابهون فيه : من عبادة، أو عادة، أو كليهما ،
هو: من المحدثات في هذه الأمة، ومن البدع، إذ الكلام في ما كان من خصائصهم
وأما ما كان مشروعا لنا، وقد فعله
سلفنا السابقون: فلا كلام فيه ، فجميع الأدلة الدالة من الكتاب والسنة والإجماع على
قبح البدع، وكراهتها تحريما أو تنزيها، تندرج هذه المشابهات فيها، فيجتمع فيها أنها
بدع محدثة، وأنها مشابهة للكافرين، وكل واحد من الوصفين موجب للنهي".
بل أبلغ من هذا ما روى البخاري 3462 : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ، فالشيب الذي
يظهر في اليهود والنصارى ليس من فعلهم ، ولا يتعمدونه ومع ذلك أمرنا بإظهار المخالفة
لهم في ذلك .
وقال ابن المبارك في الزهد 567 : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال : حدثني يحيى
الطويل ، عن نافع قال : سمعت ابن عمر يحدث سعيد بن جبير قال : بلغ عمر بن الخطاب أن
يزيد بن أبي سفيان يأكل ألوان الطعام ، فقال عمر لمولى له يقال له يرفأ :
إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني ، فلما حضر عشاؤه أعلمه ، فأتى عمر
، فسلم ، واستأذن ، فأذن له ، فدخل ، فقرب عشاءه ، فجاء بثريدة لحم ، فأكل عمر معه
منها ، ثم قرب شواء ، فبسط يزيد يده ، فكف عمر ، ثم قال عمر : والله يا يزيد بن أبي
سفيان ، أطعام بعد طعام ؟ والذي نفس عمر بيده ، لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن
طريقتهم».
فهذا عمر بن الخطاب يدعو إلى مخالفة أهل الكتاب حتى في طريقة الأكل، ويحذر
من أننا إذا تابعناهم في هذه الأمور تابعناهم بما هو أكبر، ومن كثرة ما خالف النبي
صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب قالوا :" مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ
مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلاَّ خَالَفَنَا فِيهِ" .
والتشبه بالكفار منتشرٌ في المسلمين في الدقيق والجليل ، وما افتتان الناس
بالديمقراطية التي جاءت من بلاد الكفر حتى بذلوا دماءهم في سبيلها عنا ببعيد، وتجد
في عامة بلاد المسلمين تقام العطلة الرسمية في عيد ميلاد المسيح عند النصارى والله
المستعان.
قال ابن بطة في الإبانة 264 : حدثنا القافلائي ، قال : حدثنا الصاغاني
، قال : حدثنا إسحاق بن عيسى ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم
قال : « لو بلغني أنهم لم يجاوزوا
بالوضوء ظفرا لما جاوزت ، وكفى بنا على قوم إزراء أن نخالف أعمالهم»، فكيف إذا أضيف
إلى المخالفة التشبه بأعدائهم وأعداء الله عز وجل ، أو أضيف إلى هذه المخالفة تسمية
السنن قشوراً وشكليات، فهذه المقاطعة التي ندعو إليها ، وهي مقاطعة ما كان من خصائصهم
في العادات والعبادات ، لا المقاطعة الاقتصادية التي لا أصل لها في الكتاب والسنة على
التحقيق ، ثم نجد من يدعو لها ويترك المقاطعة الشرعية (إن صح التعبير)، بل بلغ بالكثير
من المسلمين من الهوان أن صاروا يتحرون السفر إلى بلاد الكفار ، والإقامة هناك ولا
شك أن الإقامة هناك مدعاة إلى التخلق بأخلاقهم ، ومحبتهم والمرء مع من أحب ، وهذا إن
لم يظهر فيك ظهر في أبنائك إلى مفاسد أخرى من هذه الإقامة لا يحصيها إلا الله عز وجل.
قال النسائي في سننه 2567 : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى
قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ
أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ لِأَصَابِعِ يَدَيْهِ أَلَّا آتِيَكَ وَلَا آتِيَ دِينَكَ
وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَكَ رَبُّكَ إِلَيْنَا
قَالَ بِالْإِسْلَامِ قَالَ قُلْتُ وَمَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ قَالَ أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ
وَجْهِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ
الزَّكَاةَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ
إِلَى الْمُسْلِمِينَ.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ
مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)، فنفى الله عز وجل الولاية بين
المؤمن في ديار الإسلام ، والمؤمن الذي لم يهاجر ، وإن كان الحكم الذي من أجله نزلت
الآية وهو التوارث منسوخاً ، إلى أن أصل الحكم في بيان مزية المهاجري على غيره بينة
في هذا الدليل وغيره، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي
الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
وجاء في صحيح مسلم في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لبريدة الأسلمي في
دعوته للمشركين :" ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ ، فَاقْبَلْ
مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ
إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ
مَا لِلْمُهَاجِرِينَ ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ
يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ
، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ يَكُونُ
لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ".
فهؤلاء مع ما أقاموا مع الكفار صراحةً وإنما أسلموا وبقوا في ديارهم ،
فكان من حكمهم أنهم لا حظ لهم في الفيء والغنيمة ، فكيف بمن أقام بين المشركين لأجل
الدنيا ، وترك ديار الإسلام وتخلق بأخلاقهم ولبس لباسهم، وبعد هذا كله يتبين الجواب
على السؤال الذي عنونا به للمقال، ما هكذا تكون النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ،
لا تكون بقتل المعاهدين وإخفار الذمة ولا بالمظاهرات المختلطة، وإنما تكون بتعظيم سنة
النبي صلى الله عليه وسلم التي هي موضوع الرسالة ، والحرص عليها ومخالفة المشركين فيما
كان من خصائصهم من عادات وعبادات ، وتعظيم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم البراءة
ممن رد شيئاً من سنته وعقوبته ، وعقوبة كل من تعرض للصحابة بسوء والبراءة منه وبغضه،
فالنصرة والتعظيم مسميات شرعية مضبوطة بالإتباع ليست متروكة لأهواء الناس، قال الله
تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)
قال مسلم في صحيحه 4513-
[17-1718] حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، وَعَبْدُ اللهِ
بْنُ عَوْنٍ الْهِلاَلِيُّ ، جَمِيعًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ ابْنُ
الصَّبَّاحِ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ
أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ، فالإحداث في هذا الباب
كغيره من الأبواب رد على صاحبه ، وإن كان قصده حسناً.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم