مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على الهاشمي -صاحب المستقلة- في قوله لا علاقة للدولة الإسلامية بلباس المرأة

الرد على الهاشمي -صاحب المستقلة- في قوله لا علاقة للدولة الإسلامية بلباس المرأة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                            

فبعد الثورات العربية الأخيرة ، صار الإخوان المسلمون ومن شابههم يتشوفون إلى الجلوس على سدة الحكم
 وقد أعدوا لذلك العدة ، وأعظم تلك العدة الكم الهائل من التنازلات التي يريدون بها إقناع الغرب الكافر ومرضى النفوس من هذه الأمة ، أنهم ليسوا ( متطرفين )

فمن ذلك ما قاله محمد الهاشمي الحامدي صاحب قناة المستقلة حيث ظهر على قناته ، فيما يشبه الدعاية الانتخابية فكان مما قال في بداية حواره أنه يعتقد أن الإسلام فيه سعادة البشرية

فاستروحت لكلامه وسررت به ولكن على حذر ، لما أعرفه من شغف قائل هذه الكلمة ب( الديمقراطية ) حتى أنه افتتح قناةً باسم ( الديمقراطية ) ، مما يدل على سوء فهمٍ للإسلام .

وسرعان ما صدق حذري ، فقال الهاشمي ما معناه ( ما علاقة الدولة الإسلامية بلباس المرأة ؟ المرأة حرة فيما تلبس ؟ )

فعاد إلى إلباس الإسلام ثوب الديمقراطية وهما ضدان لا يجتمعان ، والحق أن هؤلاء أخطر من العلمانيين والفسقة ، فإن أولئك لا يلبسون ضلالهم ثوب الإسلام ، أما هؤلاء فيفعلون ذلك موقعين الناس باستحلال ما حرم الله عز وجل
 وهم بمثل هذه الأطروحات صاروا أخطر من دعاة التبرج من التغريبيين فإن هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام ساهموا في نشر السفور والتبرج بعدة صور.

فمنهم من ساهم في ذلك عن طريق تشويه صورة الحجاب الشرعي ، وحصره بخرقة توضع على الرأس .

ومنهم من ساهم في ذلك عن طريق إعطاء المحاضرات ووجاهه عدد من المتبرجات دون إنكار كما يصنع عمرو خالد .

ومنهم من خرج في بعض القنوات جالساً مع بعض المتبرجات ، مع الثناء عليهن ومخاطبتهن بالتوقير كما صنع النجيمي ومحمد حسان .

والآن نشرع في إثبات أن ولي الأمر المسلم يجب عليه معاقبة المرأة التي لا تلبس الحجاب الشرعي

قال الإمام مسلم 86- [78-49] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ (ح) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كِلاَهُمَا ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ مَرْوَانُ . فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : الصَّلاَةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، فَقَالَ : قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.

أقول : ووجه الدلالة من هذا الحديث أن ولي الأمر ، يجب عليه تغيير المنكر الذي يستطيع تغييره ، فإنه في الأمة كالوالد بين أبنائه يجب عليه تغيير المنكر الذي يراه بما تيسر له من الوسائل في حدود الشرع .

قال الطبراني في الكبير 309 - حدثنا يوسف القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال خرجت جارية لسعد يقال لها زيرا وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر رضي الله عنه بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر فناوله عمر الدرة وقال : اقتص فعفا عن عمر رضي الله عنهما.

وهذا إسنادٌ حسن للخلاف في عمرو بن مرزوق، وهو صريح في الدلالة على المقصود ، فإن عمر أراد معاقبة تلك الجارية لما رأى أنها تكشفت مما يعرض المسلمين للفتنة .

والهاشمي قد أعد عدة حلقات في سيرة عمر ، وإن كان هو وغيره من الحركيين يختزلون عمر _ رضي الله عنه _ في الحاكم العادل ، فإنهم يجتزئون من سيرة حكمه العادل ما يريدون ويوافق المباديء الديمقراطية التي فتنوا بها ، وإن لم يصح ويدعون ما سوى ذلك ولو كان صحيحاً لذا تجد الهاشمي لا يمل من ترديد القول المنسوب إلى عمر ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ) ، ويتناسى الشروط العمرية لأهل الذمة .

قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (6/2) :" قال: الخلال في كتاب أحكام أهل الملل أخبرنا عبد الله بن أحمد فذكره.
وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبدالرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه ألا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يؤوا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه.
وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس.
ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفاولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رؤوسهم وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين.
فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق"

قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم ص282 :" وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة، بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها"

الآن نعود إلى الموضوع الأصل


قال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية
(1 / 406_ 408):

فصل
ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال
قال مالك رحمه الله ورضي عنه أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ في قعود النساء إليهم وأرى ألا يترك المرأة الشابة تجلس إلى الصياغ فأما المرأة المتجالة والخادم الدون التي لا تتهم على القعود ولا يتهم من تقعد عنده فإني لا أرى بذلك بأسا انتهى
فالإمام مسئول عن ذلك والفتنة به عظيمة قال صلى الله عليه و سلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وفي حديث آخر باعدوا بين الرجال والنساء
وفي حديث آخر أنه قال للنساء لكن حافات الطريق
ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك
وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة إذا تجملت وتزينت وخرجت ثيابها بحبر ونحوه فقد رخص في ذلك
بعض الفقهاء وأصاب وهذا من أدنى عقوبتهن المالية
وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ولاسيما إذا خرجت متجملة بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك
وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهم في الطريق
فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك
وقال الخلال في جامعه أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قال لأبي عبد الله أرى الرجل السوء مع المرأة قال صح به وقد أخبرني (عن )... النبي صلى الله عليه و سلم أن المرأة إذا تطيبت وخرجت من بيتها فهي زانية
ويمنع المرأة إذا أصابت بخورا أن تشهد عشاء الآخرة في المسجد فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة
ولما اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات في يوم واحد سبعون ألفا والقصة مشهورة في كتب التفاسير
فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا ظهر الزنا في قرية أذن الله بهلاكها
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما طفف قوم كيلا ولا بخسوا ميزانا إلا منعهم الله عز و جل القطر ولا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم. أ هـ

أقول : وليس كل ما ذكره ابن القيم من الأخبار ثابت ، غير أن كلامه فيه الكفاية لطالب الحق

والذي قاله ابن القيم يدل عليه النظر الصحيح ، فإن الله عز وجل حرم الزنا وأوجب فيه العقوبة المغلظة ، والنهي عن الشيء نهي عن وسائله ، فناسب أن تكون وسائل ما عقوبته مغلظة ، لها عقوبات مخففة ، وأما الإذن بوسائل الزنا وعدم العقوبة عليها ، فإنه يفضي مآلاً إلى ترك عقوبة الزنا ، لكثرة وقوعه بسبب وفرة وسائله ، من هذا تعرف عمق فقه السلف ، وجرأة الخلف
                                 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي