مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بين تكفير الواحدي لشيخ الصوفية السلمي وتكفيرنا للجهمية منكري العلو

بين تكفير الواحدي لشيخ الصوفية السلمي وتكفيرنا للجهمية منكري العلو



أما بعد :


قال الذهبي في السير :" قال أبو سعد السمعاني : كان الواحدي حقيقا بكل احترام وإعظام ، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة ، وقد سمعت أحمد بن محمد بن بشار يقول : كان الواحدي يقول : صنف السلمي كتاب " حقائق التفسير " ، ولو قال : إن ذلك تفسير القرآن لكفرته .
قلت الواحدي معذور مأجور"

أقول : هذا تعليق الذهبي على تكفير الواحدي للسلمي صاحب طبقات الصوفية والذي كان من المحدثين الكبار وله سؤالات عن الدارقطني تدل على معرفته والذهبي على تمييعه رَآه معذورا في هذا فكيف بمن يكفر منكر العلو والتفسير المذكور فيه قرمطة بحجة التفسير الإشاري

ولا يقال خدم الإسلام بل هدم الإسلام فالذي خدم الإسلام حقاً من رد على الجهمية والجبرية والمرجئة وتوسع في ذلك وفند حججهم كما رد على الرافضة والقدرية والمعتزلة وسخفهم جميعاً أمام طريقة أهل الحديث أعني أمثال ابن تيمية وابن القيم

وأما الجهد في توحيد الألوهية فهذا التنويه فيه لا يكفيه المقال

وإليك بعض النقولات في خطورة بدعة إنكار العلو والذي سادت في متأخري الأشعرية وحتى تجرأ بعضهم على تكفير من يخالفه ممن يثبت هذه الصفة ويلزمه بذلك تكفير كل أهل الإسلام في القرون الفاضلة

ي قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية مخاطباً الرازي (4/292) :" فتبين أن الذي قلته أقبح من هذا الشرك ومن جعل الأنداد لله كما أن جحود فرعون الذي وافقتموه على أنه ليس فوق السموات رب العالمين إله موسى جحوده لرب العالمين ولأنه في السماء كان أعظم من شرك المشركين الذين كانوا يقرون بذلك ويعبدون معه آلهة"

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :
" ولا يقدر أحد ان ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم
وإذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث "

وقد قال شيخ الإسلام قبل كلامه السابق :" وسئل عبد الله بن ادريس عن الصلاة خلف اهل البدع فقال لم يزل في الناس اذا كان فيهم مرضي او عدل فصل خلفه قلت فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة قال وقال وكيع بن الجراح الرافضة شر من القدرية والحرورية شر منهما والجهمية شر هذه الاصناف قال البخاري وقال زهير السجستاني سمعت سلام بن ابي مطيع يقول الجهمية كفار
وكلام السلف والائمة في هذا الباب اعظم واكثر من ان يذكر هنا الا بعضه كلهم مطبقون على الذم والرد على من نفى ان يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه بذلك وعلى ذم الجهمية الذين ينكرون ذلك"

وهذا كله ينزله شيخ الإسلام على الرازي الأشعري الذي وصفه ب( الجاحد )
قال البخاري في خلق أفعال العباد  70- وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُوسَى الأَشْيَبَ ، وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَنَالَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : أُدْخِلَ رَأْسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الزَّنَادِقَةِ يُقَالُ لَهُ شَمْعَلَةُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى أَصْحَابِكَ فَقَالَ : أَصْحَابِي أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَيْهِمْ فَقَالَ : صِنْفَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْقِبْلَةَ ، الْجَهْمِيَّة وَالْقَدَرِيَّةُ ، الْجَهْمِيُّ إِذَا غَلاَ ، قَالَ : لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ وَأَشَارَ الأَشْيَبُ إِلَى السَّمَاءِ وَالْقَدَرِيُّ إِذَا غَلاَ قَالَ : هُمَا اثْنَانِ خَالِقُ شَرٍّ ، وَخَالِقُ خَيْرٍ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ.


فجعل إنكار العلو نهاية غلو الجهمي فمن يتورع عن تسمية منكر العلو جهمياً ، ويجعله من أهل السنة هذا مخالف لإجماع السلف وواقع فيما هو أشد من الإرجاء القديم

ونقل ابن تيمية الاتفاق على تكفير منكر العلو

 قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/237) :" وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامهم في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباع المتأخرين، كأتباع صاحب الإرشاد فأعطوا الأصول - التي سلمها للمعتزلة - حقها من اللوازم، فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن، الذي قالت به المعتزلة: إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم
والمعتزلة تنكر تصور هذا بالكلية، وصارت المعتزلة والفلاسفة - مع جمهور العقلاء، يشنعون عليهم بمخالفتهم لصريح العقل، ومكابرتهم للضروريات"

هنا يثبت ابن تيمية أن الجويني ومتأخري الأشاعرة وافقوا المعتزلة في أخطر ثلاث مسائل من مسائل الصفات

وهي مسألة القرآن ومسألة العلو ومسألة الرؤية

وقد نقل ابن القيم في مختصر الصواعق اتفاق السلف على تكفير المعتزلة

وعامة نصوص السلف في تكفير الجهمية إنما تكون مقرونة بذكر أحد هذه الصفات الثلاثة _ العلو والرؤية والكلام _

فالمقصود هنا نفي الفارق المؤثر في الحكم لا مطلق الفارق ، فمن فرق بين المعتزلة والأشاعرة في الحكم فكفر المعتزلة متابعةً للسلف ولإجماعهم على هذا الأمر ، ونفى التكفير عن الأشاعرة_ خصوصاً متأخريهم _  فنص ابن تيمية هذا يدمغه

خصوصاً مع ما قاله في آخر كلامه من أن قول الأشاعرة أبعد عن المعقول من قول المعتزلة وأن قولهم فيه مكابرة للضروريات

وبعض الناس يظن أنه لو كان هناك تفريق إطلاق وتعيين فنقول القول كفري ولكن قد يعذر بعض قائليه أن هذا يلغي التكفير مطلقاً وهذا غلط كبير فالتفريق بين الإطلاق والتعيين فرع عن وجود التكفير أصالة على أن الذي أذهب في مسألة العلو أنها من الظواهر التي لا تخفى خصوصاً وأن المعترض يصرح بأن النصوص تتعاضد ظواهرها على خلاف قوله فأي حجة تقام عليه بعد هذا

 وقد صرح ابن تيمية بتسمية الجويني ومن معه ( معتزلة )

قال في الصفدية (2/34) :" وقالت معتزلة الصفاتية الذين ينفون الصفات الخبرية كصاحب الإرشاد وأتباعه"

وأتباعه هم كل من جاء بعده من الأشاعرة

وقال في النبوات :" وادّعى أبو المعالي أنّ إنكار محبّته من أسرار التوحيد. وهو من أسرار توحيد الجهميّة المعطّلة المبدّلة"

وبعد أن علمت أنه لا فرق بينهم وبين المعتزلة الذين كفرهم السلف لزم ألا يكون منهم إمام مطلق في الدين

وقد قال الذهبي على تساهلاته الكثيرة في ترجمة أبي سعد السمان وقد كان صاحب حديث على اعتزاله :" وَأَمَّا أَبُو هَاشِمٍ الجُبَّائِيُّ، وَأَبُوْهُ أَبُو عَلِيٍّ فَمِنْ رُؤُوْس المُعْتَزِلَة، وَمِنَ الجَهَلَةِ بآثَار النُّبُوَّة، برعُوا فِي الفلسفَة وَالكَلاَم، وَمَا شَمُّوا رَائِحَةَ الإِسْلاَم، وَلَوْ تَغَرْغَرَ أَبُو سَعدٍ بحَلاَوَة الإِسْلاَم، لاَنتَفَعَ بِالحَدِيْثِ.
فَنسَأَلُ الله تَعَالَى أَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا إِيْمَاننَا وَتوحيدنَا"

وينبغي أن يقال هذا فيمن جمع بين التجهم والإرجاء والجبر وهذا كله جمعه التمشعر

ووقفة أخيرة : الواحدي من يقرأ تفسيره يعلم أنه مائل لطريقة الكلابية وهو هنا صرح بتكفير أحد كبار أعلام الصوفية بشيء يفعله عامة الصوفية اليوم فينيغي أن يتحلى بالشجاعة الأشعرية وغيرهم ولا يتظاهروا بأن تكفير المارقين انفرد به ابن تيمية

وتعليق الذهبي هذا وعذره للمكفر نهديه لحاتم العوني الذي اعترض على تكفير الدارمي للمريسي الذي كفره عامة السلف

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي