مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرازي ينقض على أصحابه من حيث لا يشعر

الرازي ينقض على أصحابه من حيث لا يشعر



أما بعد :
 
قال الرازي في تفسيره :" وَلَقَدْ خَاضَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» هَاهُنَا فِي التَّعَصُّبِ لِلِاعْتِزَالِ وَزَعَمَ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْعَدْلُ وَالتَّوْحِيدُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمِسْكِينُ بَعِيدًا عَنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلا أنه فضولي كثيرا الْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْرِفُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَجَازَ الرُّؤْيَةَ، أَوْ ذَهَبَ إِلَى الْجَبْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَكَابِرَ الْمُعْتَزِلَةِ وَعُظَمَاءَهُمْ أَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي طَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرْئِيًّا لَكَانَ جِسْمًا، وَمَا وَجَدُوا فِيهِ سِوَى الرُّجُوعِ إِلَى الشَّاهِدِ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ عَقْلِيٍّ قَاطِعٍ، فَهَذَا الْمِسْكِينُ الَّذِي مَا شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ مِنْ أَيْنَ وَجَدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْجَبْرِ فَالْخَوْضُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْمِسْكِينِ خَوْضٌ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَفَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْلِبَ عِلْمَ اللَّهِ جَهْلًا، فَقَدِ اعْتَرَفَ بِهَذَا الْجَبْرِ، فَمِنْ أَيْنَ هُوَ وَالْخَوْضُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ"

أقول : وهذا ينقض على أصحابه الأشعرية من باب فإنهم قضوا عمرهم ليثبوا أنه لو كان فوق لكان جسماً وما ظفروا بشيء على إجمال لفظ الجسم

والرازي خبير بالمعتزلة فالمادة الاعتزالية كبيرة جداً في تفسيره أكثر من تفسير الزمخشري ويضعف في كثير من الأحيان عن جواب بعض شبهاتهم بشكل قوي

ومن العجائب أنهم حين استدلوا عليه بظواهر النصوص على أن الله لا يكلف العبد ما لا يطيق قال أن هذه تؤول كم هم متفقون على تأويل نصوص الصفات

وممكن المعتزلي يقول له الشيء نفسه في نصوص الرؤية

وهكذا يخوضون في تخبطات عجيبة

وقد رأيت بعض الجهلة يكتب على ابن تيمية أن عنده غلوا في التكفير لأنه يكفر منكر الرؤية ( المتواترة في الأحاديث )

ونسي أن قومه الأشاعرة يكفرون منكر الرؤية في غالبهم بل ادعاه عبد القاهر إجماعاً

قال عبد القاهر في الفرق بين الفرق :" زعم المردار أَيْضا أَن من أجَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى بالابصار بِلَا كَيفَ فَهُوَ كَافِر والشاك فى كفره كَافِر وَكَذَلِكَ الشاك فى الشاك لَا الى نِهَايَة وَالْبَاقُونَ من الْمُعْتَزلَة انما قَالُوا بتكفير من أجَاز الرُّؤْيَة على جِهَة الْمُقَابلَة اَوْ على اتِّصَال شُعَاع بصر الرائى بالمرئى وَالَّذين اثبتوا الرُّؤْيَة مجمعون على تَكْفِير المردار وتكفير الشاك فِي كفره"

وقد نقل أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين الاتفاق على تكفير القائل بخلق القرآن وكل من يقولون بهذا هم ينفون الرؤية أيضاً في الأزمنة المتأخرة

والمعتزلي الذي ينفي الرؤية ويحتج ببعض الآيات كقوله ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) لعاب فإن هذه الآية لو فهمنا على فهمه جاز أن تكون عامة خصصت بالرؤية الواردة في الآخرة

وكل المعتزلة إذا تكلموا في الفقه يقولون لا يرث الكافر المسلم ولا القاتل المقتول مع أن نص القرآن عام ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) ولكن السنة خصصت فقبلت الأمة كلها ذلك

وعامتهم يقولون أن السرقة من غير حرز ودون النصاب لا قطع فيها مع أن الآية عامة ولكن السنة خصصت

فما بال السنة لا تخصص هنا ؟ وهي متواترة

ولكنهم في واقع الأمر قدموا الفلسفة على كلام الأنبياء فوقعوا في هذه المضائق وما احتجاجهم بالنصوص إلا منافقة وإلا فالعمدة على ما يسمونه عقليات وهو جهليات
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي